iبيان مذهب الوهابية في الاستواء
قال ابن باز -رحمه الله-
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد : فقد اطلعت أخيرا على ما نشر في مجلة البلاغ بعددها رقم 637 من إجابة الشيخ أحمد محمود دهلوب على السؤال الآتي : ( ما تفسير قول الله تعالى ((استوى على العرش ))وجاء في هذه الإجابة جملة نسبها إلى السلف وهي قوله : وقال السلف : استوى على العرش أي : استولى عليه وملكه كقولهم :
استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق
وحيث أن هذه النسبة إلى السلف غلط محض. أحببت التنبيه على ذلك لئلا يغتر من يراها فيظنها من قول العلماء المعتبرين ، والصواب : أن هذا التفسير هو تفسير الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم في نفي الصفات ، وتعطيل الباري سبحانه وتعالى عما وصف به نفسه من صفات الكمال .
وقد أنكر علماء السلف رحمهم الله مثل هذا التأويل وقالوا : القول في الاستواء كالقول في سائر الصفات ، وهو إثبات الجميع لله على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، قال الإمام مالك رحمه الله : ( الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) . .
وبما ذكرناه يتضح للقراء أن ما نسبه أحمد محمود دهلوب إلى السلف من تفسير الاستواء بالاستيلاء غلط كبير وكذب صريح لا يجوز الالتفات إليه ، بل كلام السلف الصالح في ذلك معلوم ومتواتر ، وهو ما أوضحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير الاستواء بالعلو فوق العرش ، وأن الإيمان به واجب ، وأن كيفيته لا يعلمها إلا الله سبحانه ، وقد روي هذا المعنى عن أم سلمة أم المؤمنين ، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمه الله ، وهو الحق الذي لا ريب فيه ، وهو قول أهل السنة والجماعة بلا ريب . وهكذا القول في باقي الصفات من السمع والبصر والرضى والغضب واليد والقدم والأصابع والكلام والإرادة وغير ذلك . كلها يقال فيها إنها معلومة من حيث اللغة العربية ، فالإيمان بها واجب والكيف مجهول لنا لا يعلمه إلا الله سبحانه ، مع الإيمان أن صفاته سبحانه كلها كاملة ، وأنه سبحانه لا يشبه شيئا من خلقه ، فليس علمه كعلمنا ، ولا يده كأيدينا ، ولا أصابعه كأصابعنا ، ولا رضاه كرضانا إلى غير ذلك ، كما قال سبحانه : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) وقال تعالى(( قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد)) وقال تعالى ((هل تعلم له سميا)) والمعنى : أنه لا أحد يساميه سبحانه ، أي : يشابهه ، وقال عز وجل : ((فلا تضربوا لله الأمثال الله يعلم وانتم لا تعلمون)) ................)) أهـ نشرت في مجلة البحوث الإسلامية العدد 8 ص 169 - 172
الــــــرد:
نلخص النقاط التي ذكرها الشيخ ابن باز في هذه النصيحة ؟؟ التي أرسلها إلى الشيخ دهلوب أن :
01- الاستواء ليس هو الإستلاء وأن هذا من التحريف.
02- أن السلف أطبقوا على أنهم يعلمون المعنى إنما يجهلون الكيف.
03- أن هذا التأويل تحريف "الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم ". - ويقصد بالجهمية الأشاعرة أهل السنة ؟؟؟-
04- أن الله تعالى موصوف بأن له يدا وقدما وأصابعا... وغير ذلك ...؟؟؟.
وسنرد على هذه النقاط لأنها تتضمن جواب الشيخ ابن باز رحمه الله حتى وإن كنا قد تعرضنا للرد على بعض هذه المسائل نعيدها من باب التذكير ,ونزيد عليها, والله الموفق.
- الاستواء يحتمل أكثر من معنى منها :
الاستقرار , -مختار الصحاح ص136- و الاعتدال , -الجامع لأحكام القرءان (16/295) للقرطبي- النضج , -الفيومي المصباح المنير 113-القصد والإقبال -لسان العرب 14/414-,و التمام -بصائر ذوي التمييز (2/106),-والتماثل والتساوي , المصباح المنير 113والاستلاء والقهر نفس المصدر 113,ومنها أيضا الجلوس, والعلو, كما قال أهل اللغة والعلو يطلق على معنيين ,علو ذاتي أي فوقه بذاته كقولك استويت على ظهر المنزل أي فوق المنزل ,أما العلو الآخر الذي هو علو الرتبة وهو المقصود, أي علو مكانة وشرف كقولك فلان فوق فلان, فهذا يعني أنك فوقه شرفا أو علما ,و ما شابه ذلك ومن هذا الباب نجد بعض السلف يطلقون لفظ العلو على الله ومقصودهم علو المكانة, لا علو المكان, لأنه محال على الله تعالى كما سيأتي, أما إنكار ابن باز على المؤول الاستواء بالاستلاء, فهذا غلط لأن الاستواء من معانيه الاستلاء كما سبق إذا جرد عن معنى المغالبة فالإستلاء من معانيه القهر, كما قال الفيومي في المصباح المنير ص258 والقهر موصوف به الله تعالى ((وهو القاهر فوق عباده )) ولو أشعر أن الاستلاء يقتضي المغالبة لأشعر ذلك القهر, فبطل قولكم أن الاستلاء لا يقتضي إلا المغالبة لأن القرءان يفهم باللغة وأنتم خالفتم اللغة فأبيتم أن تحملوا لفظ الإستلاء إلا على المغالبة وهذا دأبكم دائما .
أما قوله ((أنكر علماء السلف رحمهم الله مثل هذا التأويل...)) أين هو دليلك على إنكار السلف مثل هذا التأويل بل الحافظ المجتهد ابن جرير الطبري من السلف ولقد قال بهذا التأويل وغيره كما في تفسير سورة البقرة قال تعالى((ثم استوى إلى السماء)) (علو ملك وسلطان) وهذا هو القهر والاستلاء ففهموا ولا تنكروا يقول هو مأثور عن سلف الأمة.
قوله ((قال الإمام مالك رحمه الله : ( الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) )) أهـ سبق وان تعرضنا لهذه الرواية وانه ليس لها إسناد ثابت وتحقيق الأمر فيها :
3- من طريق عبد الله بن وهب بلفظ " الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع .."
4- ومن طريق يحي بن يحي " الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .."
كلا الروايتين في الأسماء والصفات ص 408 والتي جودها ابن حجر هي الرواية الأولى انظر الفتح "13/406" أما الرواية التي أتى بها الشيخ فليس لها سند صحيح.
والرواية التي استدل بها فيها إثبات الكيفية وهي عن الله منفية أما قول القائل الجمع أولى من الترجيح ونشرح الروايات مع بعضها البعض فهذا مسلم إذا لم يكن هنالك تعارض في الروايات أما عند وجود التعارض فصار الترجيح واجب فالروايتان الصحيحتان تنفي الكيفية على الإطلاق أما الرواية الباطلة فيها إثبات الكيفية وبهذا بطل الإدعاء فتبصر أخي المطالع أما الإمام مالك فبالنسبة إليكم فهو مبتدع لأنه يؤول فلقد أول النزول بنزول الأمر كما سبق فكيف تستدلون به وهو يخالفكم.
قوله ((الاستواء بالاستيلاء غلط كبير وكذب صريح لا يجوز الالتفات إليه)) هذا لا يثبت أمام التحقيق كما سبق بل هو مجرد ادعاء والمطلوب من دعاتهم اليوم أن يبحثوا ويفتشوا كتب التاريخ ليجدوا لنا أن نسبت الإستلاء كذب صريح ؟؟ وقوله ((وأن كيفيته لا يعلمها إلا الله سبحانه )) من أنبئك هذا لو عمرتم الأرض ما استطعتم أن تأتوننا بدليل عن السلف يقولون فيه بإثبات المعنى وتفويض الكيفية ؟؟ما استطعتم بل جل السلف مطبقون على تفويض المعنى ونفي الكيف كما سبق ذكر النقول الدالة على تفويض .
أما قوله ((وقد روي هذا المعنى عن أم سلمة أم المؤمنين ، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمه الله ، وهو الحق الذي لا ريب فيه ، وهو قول أهل السنة والجماعة بلا ريب )) فانظروا رحمكم الله تعالى كيف ينسب حضرة الشيخ لأم سلمة قولا لم تقله أي تفويض الكيفية فنص أم سلمة صريح في نفي الكيفية فلما يا ترى اغفل الشيخ عن هذا؟؟ وإليك الرواية أخي لكي تتحقق منها وهو : (( روى اللالكائي عن أم سلمة رضي الله عنها وربيعة بن عبد الرحمان أنهما قالا : الإستواء مذكور والكَيْفُ غيرُ معقول)) فتأمل؟؟
02- ((السلف أطبقوا على أنهم يفوضون الكيف )) لا نطل الرد فلا دليل ؟؟
03- أما قولك الجهمية فلا نعلم في كتب الفرق أن الجهمية قالت بالإستلاء سوى كتب المجسمة لأنهم يسمون الأشاعرة الجهمية نسأل الله المسامحة ,أما عن موافقة المعتزلة لأهل السنة فليس دليلا البتة, لأن المعتزلة يقولون لا إله إلا الله, فهل نحرم قول لا إله إلا الله إلا من أجل أن المعتزلة قائلون بها ؟؟, وهم أحسن حالا منكم ,لم يقولوا أو تجرؤا لنسبة المكان لله تعالى بل نزهوه, وان كان جرهم غلوهم في النفي رمى بهم إلى تعطيل بعض الصفات نسأل الله العافية.
04- الله تعالى موصوف بصفات الكمال أما التي ظاهرها يثبت الجارحة فهي مصروفة عن ظاهرها لأن الجارحة دالة على الحدوث والحدوث نقص, فالألفاظ الدالة على الجارحة إما أن تؤول وتصرف عن ظاهرها , أو تفوض أي ان ظاهرها غير المراد وإنما نفوض المعنى وننفي الكيف, لأننا لم نكلف بذلك أما الانفعال يجب أن ينزه المولى جل وعز نحو صفة الغضب فالله تعالى يغضب ولكن بدون انفعال, أما ذكر الإصبع ولا أدري من الجوارح, التي تحرج من ذكرها فالله تعالى, منزه عن الجوارح, كما نقل الإمام الطاحوي وهو من السلف (تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات والجهات الست كسائر المبتدعات) وجمع هذه الصفات مع بعضها دلالة على التشبيه, باب اليد باب الرجل ..؟؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قالها في مجالس متفرقة وانتم جمعتموها في كتاب واحد ,لكي يظن أن هذه هي عقيدة الإسلام, وما هي إلا عقيدة التشبيه والتجسيم, ولقد سبق النقل عن أصول كتبهم العقائدية نسأل الله السلامة؟؟.
- من الفتوى رقم (7351) نسبة المكان لله تعالى:
س: ماذا يكون ردي إذا سألني سائل عن المكان الذي يوجد فيه الله؟
ج: تقول: فوق عرشه، كما قال تعالى: الرحمن على العرش استوى
اللجنة الدائمة بأسمائها المعروفة
الـــــــرد /
المولى عز وجل منزه عن المكان وعن الجهة فالمكان هو الفراغ الذي يشغله الجرم والجهة هي الناحية التي يشار بها للمكان, والمكان والجهة من جملة الحوادث, والله مخالف للحوادث كما عرفنا بيان ذلك, ودليل بطلان ان المولى عز وجل بلا مكان من الكتاب والسنة والإجماع
الكتاب:
قال تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ففي هذه الآية دليل صريح في نفي المكان عن الله تعالى لأن الله تعالى لا يشبه شيء فالموجودات الممكنة إما أعيان أو أعراض والأجسام إما لطيفة أو كثيفة اللطيفة مثل الروح والضوء..الخ والكثيفة مثل بدن الإنسان والجبال ,و الجوهر إما مركب وهو الجسم وسبق تفصيله وإما جزء الذي هو الجزء الذي لا يتجزأ لتناهيه في القلة, فكل هذا من أعيان وأعراض, كلها خلقها الله تعالى, والمولى جل وعز مخالف لها بدليل الآية السابقة, فهو سبحانه لا يماثل ولا يشابه المخلوقات بأي وجه من الوجوه, ومعلوم أن الزمان والمكان داخلين في الخلق, وكذلك الجهة, فكيف جاز للوهابية أن تحصر خالق المكان والزمان والجهة بمخلوقاته ,المكان مخلوق, والجهة مخلوقة, فالله تعالى لا يوصف بهما, أي الجهة والمكان, فالجسم ما له قيام بنفسه وشغل حيزا, والتحيز من صفة الحدوث فالله ليس في مكان لأنه خلق الزمان والمكان ودبر ما فيهما.
السنة:
- قال الحافظ البيهقي الشافعي (( استدل بعض أصحابنا في نفي المكان –عن الله تعالى بقول النبي صلى الله عليه وسلم ((أنت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان )) أهـ الأسماء والصفات 400
- وكذا استدل أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (( قال أبو المعالي قوله صلى الله عليه وسلم "لا تفضلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت وهذا يدل على أن البارئ سبحانه وتعالى ليس في جهة ))
الإجماع:
- قال إمام الحرمين عبد الملك الجويني في الإرشاد ص58(( ومذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات ))
- وقال عبد القاهر البغدادي الأصولي النظار في كتابه الفرق بين الفرق ص 333 (( أجمعوا على انه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان ))
ويكفي في هذا إثبات أن عقيدة السلف مخالفة لعقيدة الوهابية جملة وتفصيلا, فهم أي السلف ينزهون الله عن المكان والجهة, والوهابية تثبت المكان والجهة, وتدعي أن هذا هو قول السلف, والله الذي لا إله غيره لو عمّروا الأرض ما استطاعوا أن يأتوننا بدليل صحيح يثبت أن الله تعالى في السماء بذاته, وان العرش مكان له, فهي مجرد دعاوي لا دليل عليها, ولولا اغترار الغوغاء بهم, وإن كان الوهابية من جملتهم, لما كتب علماء الدين في هذه المسألة على سبيل الرد والنقد, بل على سبيل التثبيت والتأييد.
_________________
وصلى الله على النور الذاتي والسر الساري في سائر الأسماء والصفات وعلى آله وصحبه وسلم.m moslem now