في تمحيص الاحاديث عن سير الخوارج
الحديث الاول: حديث المروق، ونصه في بعض الألفاظ: "يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم، يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
روي الحديث من تسعة عشر طريقاً:
1- حديث أبي سعيد سعد بن مالك الخدري، وله عنه ألفاظ عدة:
اللفظ الأول: "يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم، يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، تنظر في النصل فلا ترى شيئاً، ثم تنظر في القدح فلا ترى شيئاً، ثم تنظر في الريش فلا ترى شيئاً، وتتمارى في الفوق".
أخرجه الإمام الربيع بن حبيب - واللفظ له - والإمام مالك بن أنس وليس عنده "وصيامكم مع صيامهم" والإمام البخاري من وجهين بمثله، والإمام مسلم بمثله، والإمام أحمد من وجهين أحدهما باختلاف، وابن أبي شيبة من وجهين بمثله، وأبو يعلى بمثله، وابن حبان، والدولابي من وجهين مختصرا، والطبراني في "الكبير" مختصراً جداً، وفي الأوسط من وجهين بنحوه ومن وجهين آخرين مختصراً، وابن أبي عاصم من وجهين بنحوه، والبيهقي في "شعب الإيمان" من وجهين، والحاكم مع بعض اختلاف، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" مختصراً، واللالكائي بنحوه( 1).
اللفظ الثاني: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسهما بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنبلي ثم المجاشعي، وعيينة بن حصن الفزاري وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن علاثة العامري أحد بني كلاب، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: "إنما أتألفهم"، فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد، فقال: "من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟" فسأل رجل قتله – أحسبه خالد بن الوليد - فمنعه، فلما ولى قال: "إن من ضئضئ هذا، أو: في عقب هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد".
وهذا لفظ البخاري، أخرجه من أربعة أوجه في أحدها "ثمود" بدل "عاد"، وأخرجه من وجه خامس مختصر، ورواه الإمام أحمد في موضعين، ومسلم من وجهين في أحدهما "ثمود" بدل "عاد" وله عنده أيضاً إسنادان آخران، وأخرجه عبدالرزاق في "المصنف" و"الأمالي في آثار الصحابة"، وأبو داود، والنسائي من وجهين، وأبو داود الطيالسي وفيه: فاستأذن عمر بدل: خالد، وأبو يعلى بمثله وفيه "ثمود" بدل "عاد"، وسعيد بن منصور، وابن أبي عاصم وفيه قال علي: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهبة...الخ، وفيه أيضاً: (صئصئ) بالصاد لا بالضاد، وأخرجه البيهقي بإسنادين، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" وليس فيه "لئن أنا أدركتهم...الخ"( 2).
اللفظ الثالث: وفيه زيادة على اللفظ الأول وهي: قيل وما سيماهم؟ قال: "سيماهم التحليق" أو قال: "التسبيد".
أخرجه البخاري، وأحمد، وابنه عبدالله في "السنة"، وأبو يعلى، وسعيد بن منصور، والطبراني في "الأوسط" مختصراً( 3).
اللفظ الرابع: "سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرأون القرآن لا يجاوزر تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتدوا على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم، قالوا: يا رسول الله، وما سيماهم؟ قال: "التحليق".
أخرجه الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبيهقي، والحاكم، وليس عند هؤلاء الثلاثة الأخيرين "يحقر أحدكم... صيامهم"، وأخرجه المروزي، واختاره الضياء المقدسي(4 ).
اللفظ الخامس: حديث أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم "ذكر قوماً يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق، هم شر الخلق" أو "من شر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق"، قال: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً (أو قال: قولاً) "الرجل يرمي الرمية (أو قال: الغرض) فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة، قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق. رواه الإمام مسلم -وهذا لفظه- وأحمد، وابنه عبدالله في "السنة" من وجهين أحدهما عن أبيه، ورواه النسائي في "السنن الكبرى" وفي "الخصائص" من وجهين(5 ).
اللفظ السادس: ما أخرجه الطبراني في الأوسط من رواية الوليد بن قيس التجيبي عن أبي سعيد بلفظ: "يكون خَلَف يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم فيقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر"( 6).
اللفظ السابع: ما رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد بلفظ "إنه سيأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" قلنا: يا رسول الله، أقريش؟ قال: "لا، ولكن أهل اليمن".( 7)
هذا، وقد نسب ابن حجر الحديث إلى أبي عوانة من طريق بشر بن بكير عن الأوزاعي(8 )، أي من حديث أبي سعيد، كما نسبه إلى الطبراني من حديث أبي سعيد بزيادة "فغفل عن الرجل فذهب فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فطلب فلم يدرك"( 9) ولم أجده عند الطبراني في "الكبير" في مسند أبي سعيد، ولا في معجميه "الأوسط" و"الصغير".
2- حديث أنس بن مالك:
اللفظ الأول: بنحو لفظ حديث الإمام الربيع بن حبيب، رواه عن أنس ابن ماجه، وأبو يعلى، والضياء المقدسي، كما رواه مختصراً كل من الإمام أحمد من وجهين، وابنه عبدالله من أحد الوجهين، وابن أبي عاصم(10 ).
اللفظ الثاني: هو اللفظ الرابع في حديث أبي سعيد الخدري، رواه الإمام أحمد، وابنه عبدالله من وجهين أحدهما عن أبيه، ورواه أبو داود، وأبو يعلى، وابن أبي عاصم، والآجري، والحاكم من وجهين، والضياء من وجهين أحدهما عن عبدالله بن الإمام أحمد عن أبيه، والثاني عن أبي يعلى(11 ).
اللفظ الثالث: رواه عن أنس بن مالك حفص بن عمر قال: انطلق بنا إلى الشام إلى عبدالملك ونحن أربعون رجلاً من الأنصار ليفرض لنا، فلما رجع وكنا بفج الناقة صلى بنا العصر ثم سلم ودخل فسطاطه وقام القوم يضيفون إلى ركعتيه ركعتين أخريين، قال: فقبح الله الوجوه، فوالله ما أصابت السنة ولا قبلت الرخصة، فأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أقوماً يتعمقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرمية". رواه الإمام أحمد، وسعيد بن منصور(12 ).
- وقد روي الحديث عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري معاً بلفظ حديث أبي سعيد الرابع.
أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، وأبو يعلى، والمروزي، والبيهقي، والحاكم، واختاره الضياء(13 ).
-كما روي عن أنس بن مالك عن أبي سعيد باللفظ نفسه، أخرجه أحمد، وعنه الضياء المقدسي( 14). ونسبه ابن حجر إلى أبي داود( 15)، والذي في المطبوع عن أنس وأبي سعيد، كما نسبه إلى الطبري في "تهذيب الآثار"( 16).
3- حديث الإمام علي بن أبي طالب:
رواه عنه الإمام البخاري بلفظ: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن آخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة".
ورواه البخاري أيضاً من وجهين آخرين أحدهما بدون زيادة كلام الإمام علي، كما أخرجه أحمد من وجهين ثانيهما بدون كلام الإمام علي، وأخرجه ابنه عبدالله في زياداته عليه، وأخرجه أيضاً في "السنة" من أربع طرق بالوجه الأول الذي رواه أبوه -أي كلفظ البخاري أعلاه - اثنتان منها من طريقه، كما رواه بالوجه الثاني - أي بدون زيادة كلام الإمام علي- من طرق أربع أيضاً، واحدة منها من طريق أبيه الإمام أحمد.
وأخرجه مسلم بخمسة أسانيد، وأبو داود الطيالسي بزيادة "كان علي يخرج إلى السوق ويقول: صدق الله ورسوله، فقيل له: ما قولك: صدق الله ورسوله، فقال: صدق الله ورسوله، إذا حدثتكم... الخ، ورواه عبدالرزاق، وأبو داود السجستاني، والنسائي في "الصغرى" وفي "الكبرى" و"الخصائص" من ثلاثة أوجه في الأخيرين، ورواه البزار، وأبو يعلى من وجهين، وابن حبان، والطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وابن أبي عاصم من وجهين، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"، وابن المنذر في "الإقناع"، والبيهقي في "السنن الكبرى" من وجهين وفي "معرفة السنن والآثار"(17 ).
4- حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب، وله ألفاظ:
اللفظ الأول: رواه البخاري عن عبدالله بن عمر وذكر الحرورية، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية"(18 )، ورواه الطبراني باللفظ نفسه( 19).
اللفظ الثاني: رواه ابن ماجه عنه مرفوعاً: "ينشأ نشء يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع" - قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلما خرج قرن قطع" أكثر من عشرين مرة- "حتى يخرج في عراضهم الدجال"(20 ).
اللفظ الثالث: عند أحمد عن شهر بن حوشب: سمعت عبدالله بن عمر يقول (وذكر له عدة أحاديث منها): ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم" قال يزيد (أحد الرواة): لا أعلمه إلا قال: "يحقر أحدكم عمله مع عملهم يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، كلما طلع منهم قرن قطعه الله عز وجل" فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع(21 ).
هذا وقد نسبه ابن حجر إلى محمد بن إسحاق عن ابن عمر(22 )، كما نسبه إلى الطبري في "تهذيب الآثار" قال: ولفظه "أتى ذو الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم بحنين…"، قال: ووقع في رواية عقبة بن وساج عن عبدالله بن عمر مايؤيد هذه الزيادة(23 ).
5- حديث عبدالله بن عباس:
اللفظ الأول: "ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية".
أخرجه ابن أبي شيبة، وعنه كل من الإمام أحمد وابنه في زوائده على المسند وابن ماجه من أحد وجهيه وأبي يعلى(24 ).
اللفظ الثاني: أخرجه أبو داود الطيالسي:" يخرج من قبل المشرق قوم يقرأون القرآن لايجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين- أو قال: من الإسلام- كما يمرق السهم من الرمية"(25 ).
6- حديث جابر بن عبدالله:
اللفظ الأول: عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم، وهو في حجر بلال، فقال رجل: اعدل يامحمد فإنك لم تعدل، فقال: "ويلك، ومن يعدل بعــدي إذا لم أعــدل؟" فقــال عمــر: دعنـي يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنــافق، فقــال رســول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا في أصحاب أو أصيحاب له، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".أخرجه ابن ماجه - واللفظ له - وابن أبي شيبة باختصار، وسعيد بن منصور،
والآجري من أوجه ثلاثة(26 ).
اللفظ الثاني: بنفس اللفظ الأول بزيادة "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن...الخ".
رواه الإمام أحمد من أوجه ثلاثة، ومسلم من أوجه ثلاثة أيضاً، وابن أبي عاصم بتقديم وتأخير، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"( 27).
تابع الموضوع