فهرس الجزء الثالث ( الأسماء والصفات )
وسئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، عن الجهمية، والرافضة، والمعتزلة .
فأجاب: لا ريب أن هذه الفرق الثلاث، هي أصل ضلال من ضل من هذه الأمة، فأصل الرافضة خرجوا في خلافة أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، فلما اطلع على سوء معتقدهم، خد الأخاديد، وجعل فيها الحطب، وأضرمها بالنار، فقذفهم فيها .
وهم الذين أحدثوا الشرك في صدر هذه الأمة، بنوا على القبور، وعمت بهم البلوى، ولهم قواعد سوء يطول ذكرها .
وأما المعتزلة، فأولهم: نفاة القدر، جحدوا أصلاً من أصول الإِيمان، الذي في سؤال جبريل للنبي، قال: ((فأخبرني عن الإِيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، باليوم الآخر، والقدر خيره وشره)) وأنكر الصحابة رضي الله عنهم : ما أحدثوا من هذه البدعة، ولهم عقائد سوء؛ يقولون بتخليد أهل المعاصي في النار؛ ونفوا
(ص209) صفات الرب تعالى، ووافقوا الجهمية .
فخرج أولهم في عصر التابعين؛ وأولهم: الجعد بن درهم، أنكر الصفات، وزعم: أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، فضحى به خالد بن عبد الله القسري، أمير واسط، يوم الأضحى؛ وظهر بعده جهم بن صفوان، الذي تنسب إليه الجهمية، وهذا المذهب الخبيث؛ وانتشرت مقالته في خلافة بني العباس، في خلافة المأمون بن الرشيد، فعطلوا الصفات، ونفوا الحكمة، وقالوا: بالجبر .
فهذه الطوائف الثلاث، هم أصل الشر في هذه الأمة، وصارت فتنة الجهمية أكثر انتشاراً ودخل فيها من يدعي أنه على السنة، وليس كذلك، فخالف الكتاب، والسنة، وسلف الأمة، وأئمتها، وعم ضررهم، فجحدوا الصفات، وتوحيد الإِلَهية، الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه .
فهم خصوم أهل التوحيد، والسنة، إلى اليوم؛ فإياكم أن تغتروا بمن هذه حاله، ولو كان له صورة ودعوى في العلم، ممن امتلأ قلبه، من فرث التعطيل، وحال بينه وبين فهم الأدلة الصحيحة الصريحة، شبهات التأويل .
قال الإِمام أحمد رحمه الله: أكثر ما يخطيء الناس، من جهة التأويل والقياس؛ فصنف المتأخرون من هؤلاء على مذهب الفاسد، مصنفات، كالأرجوزة التي يسمونها: جوهرة
(ص210) التوحيد؛ وهي إلحاد ، وتعطيل ، لا يجوز النظر إليها ، ولهم مصنفات أخر ، نفوا فيها علو الرب تعالى؛ وأكثر صفات كماله نفوها، ونفوا حكمة الرب تعالى .
والكتاب ، والسنة: يرد بدعتهم ، ويبطل مقالتهم؛ فإن الله تعالى: أثبت استواءه على عرشه ، في سبعة مواضع من كتابه ، كقوله تعالى: (ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً) [ الفرقان: 59 ] وقوله: (تعرج الملائكة والروح إليه) [المعارج:4 ]وقوله: (يخافون ربهم من فوقهم) [النحل: 50 ] (إني متوفيك ورافعك إلى) [آل عمران: 55 ] (وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) [ التوبة: 6 ] إلى غير ذلك من أدلة الصفات الصريحة ، في الكتاب ، والسنة ، ولا تتسع هذه الرسالة لذكرها .
وهذه الطائفة: التي تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري ، وصفوا رب العالمين ، بصفات المعدوم والجماد؛ فلقد أعظموا الفرية على الله ، وخالفوا أهل الحق من السلف ، والأئمة ، وأتباعهم؛ وخالفوا من ينتسبون إليه ، فإن أبا الحسن الأشعري ، صرح في كتابه: الإبانة ، والمقالات ، بإثبات الصفات؛ فهذه الطائفة المنحرفة عن الحق ، قد تجردت شياطينهم لصد الناس عن سبيل الله ، فجحدوا توحيد الله في الإلَهية ، وأجازوا الشرك الذي لا يغفره الله ، فجوزوا: أن يعبد غيره من دونه ، وجحدوا توحيد صفاته بالتعطيل .
(ص211) فالأئمة من أهل السنة ، وأتباعهم ، لهم المصنفات المعروفة ، في الرد على هذه الطائفة ، الكافرة المعاندة ، كشفوا فيها كل شبهة لهم ، وبينوا فيها الحق الذي دل عليه كتاب الله ، وسنة رسوله وما عليه سلف الأمة ، وأئمتها من كل إمام رواية ودراية .
ومن له نهمة في طلب الأدلة على الحق ، ففي كتاب الله ، وسنة رسوله ، ما يكفي ويشفي؛ وهما سلاح كل موحد ، ومثبت؛ لكن كتب أهل السنة ، تزيد الراغب ، وتعينه على الفهم؛ وعندكم من مصنفات شيخنا رحمه الله ، ما يكفي مع التأمل؛فيجب عليكم هجر أهل البدع ، والإنكار عليهم .
وأما الإفغانية: الذين جاؤونا ، ووصلوا إلى جهتكم ، فهم أهل تشديد وغلوا ، مع جهل كثيف ، أشبهوا الخوارج ، الذين كفروا أصحاب رسول الله ، وقد أخبر النبي بمروقهم ، وأمر أصحابه بقتلهم ، ولهم عبادة وزهد؛ لكنهم: أخطؤوا في فهم الكتاب ، والسنة ، واستغنوا بجهلهم ، عن أن يأخذوا العلم من أصحاب رسول الله ، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
ولهم نصـوص قصـروا في فهمـها فأتوا من التقصير في العرفان
وقد ناظر ابن عباس ، رضي الله عنه ، أهل النهروان ، فرجع بعضهم إلى الحق ، واستمر بعضهم على الباطل ، حتى قتلهم علي رضي الله عنه بالنهروان؛ وفيهما المخدج ، الذي
(ص212) أخبر به النبي ؛ فإذا كانت هذه الطائفة ، قد خرجت في عهد الخلفاء الراشدين ، فلا بد أن يكون لهم أشباه في هذه الأمة ، فاحذروهم؛ وتأمل: قوله تعالى ، في حق سادات الأمة ، أصحاب رسول الله (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ، فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم) [الحجرات: 8،7 ] فليس العجب ممن هلك ، كيف هلك؛ إنما العجب ممن نجا ، كيف نجا ، والله أعلم .