[align=center]أحاديث الأبدال والأقطاب
الحمد لله المعز لأوليائه. المذل لأعدائه. حمداً يوجب رضوانه. ويستوهب إحسانه. والصلاة والسلام على موضح آياته. ومبلِّغ كلماته. وبعد...
فإن من موجبات الرحمة والغفران ، كشف أباطيل أهل الزيغ والبهتان. وبيان أكاذيبهم على رسولنا الكريم. وما حرفوه من أصول وفروع شرعنا القويم. إعلاءاً لكلمة الحق. وتصديقاً بوعد الصدق. {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره}.
قال الحافظ ابن القيم "رحمه الله" في فصل عقده لأحاديث مشهورة باطلة من ((نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول)) (صفحة: 127): ((ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرب ما فيها حديث "لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم البدلاء ، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر" ذكره أحمد ، ولا يصح أيضا فإنه: منقطع)) اهـ.
وأما قول السيوطي "رحمه الله" في ((النكت)): ((خبر الأبدال صحيح فضلا عما دون ذلك ، وإن شئت قلت متواتر ، وقد أفردته بتأليف استوعبت فيه طرق الأحاديث الواردة في ذلك)) فمن مراكب الإعتساف ، والمباعدة عن مواقع الإنصاف ، إذ ليس فيما ذكره حديثاً واحداً تنتهض به الحجة لما ادَّعاه.
وأنا ذاكر بعون الله وتوفيقه جملة من الأحاديث التي ذكرَها ، ومبين آفاتِها وعللَها:[/align]
[align=justify]
(الأول) حديث عوف بن مالك
أخرجه الطبراني ((الكبير)) (18/65/120) ، وابن عساكر ((التاريخ)) (1/290) كلاهما من طريق عمرو بن واقد نا يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال: لما فتحت مصر سبوا أهل الشام ، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ، ثم قال: يا أهل مصر ، أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام ، فإني سمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فيهم الأبدال ، وبهم تنصرون ، وبهم ترزقون)).
هذا الحديث كذب كأنه موضوع ، وإنما يعرف بعمرو بن واقد أبي حفص الدمشقي ؛ مولى بنى أمية ، وهو هالك تالف. قال أبو مسهر علي بن مسهر: ليس بشيء كان يكذب. وقال البخاري والترمذي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال يعقوب بن سفيان عن دحيم: لم يكن شيوخنا يحدثون عنه. قال: وكأنه لم يشك أنه كان يكذب. وقال الدارقطني والنسائي والبرقاني: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك.
ومن مناكيره ، بل أباطيله وموضوعاته ، ما أخرجه الطبراني((الكبير)) (20/35/162) ، وابن عدى (5/118) والبيهقي ((شعب الإيمان)) (6/479/8974) جميعا عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((من أطعم مؤمنا حتى يشبعه من سغب أدخله الله بابا من أبواب الجنة ، لا يدخله إلا من كان مثله)).
قال ابن أبي حاتم ((علل الحديث)) (2/179/2031): ((سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار عن عمرو بن واقد ثنا يونس بن ميسرة بن حليس عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشبع جائعا)) الحديث بنحوه. قال أبي: هـذا حديث كأنه موضوع. ولا أعلم روى أبو إدريس عن معاذ إلا حديثا واحدا ، وعمرو ضعيف الحديث)) اهـ.
[/align]