الـســؤال
فرض الله خمس صلوات على المسلمين وقال تعالى الصلاة في وقتها هل تصلون الخمس صلوات في اوقاتها ولكم جزيل الشكر وبحفظ الله.
الجواب
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد، فان الشيعة الامامية ينفردون تطبيقياً في الجمع بين الصلاتين , ويذهبون الى جوازه مطلقاً بلا خلاف بينهم، بل الجمع عندهم من البديهيات , وهم يعملون به في جميع الافاق , تابعين في ذلك ائمتهم (عليهم السلام) الذي نهجوا نهج رسول الله(صلى الله عليه وسلم ) , ولذا لا تجد لهذه المسألة عنواناً في فقههم ـ مع انه موجود في اخبارهم ـ بينما على العكس من ذلك في فقه غيرهم .
فلقد جوّز " مالك والشافعي واحمد " الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في السفر والمطر و … على تفصيل عندهم . في حين منع ابو حنيفة ذلك !!!
ومما اتفق عليه الفريقان ـ شيعة وسنة ـ هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة وبين المغرب والعشاء في المزدلفة ؟
والدليل على صحة ما يذهب اليه الامامية هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة " التي ترويها كتب الجمهور " !
مواقيت الصلاة في القران :
1 ـ قوله تعالى(اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقران الفجر ان قران الفجر كان مشهوداً) ـ الاسراء:78 ـ يقول الفخر الرازي ـ وهو أحد اعلام المفسرين من اهل السنة ـ " .. فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن اول المغرب , وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الاية ثلاثة اوقات .
وقت الزوال , ووقت الغروب , ووقت الفجر . وهذا يقتضي ان يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر , فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين , وأن يكون اول المغرب وقتاً للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركاً ايضاً بين هاتين الصلاتين , فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقاً .
الا انه دلّ الدليل على ان الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز , فوجب ان يكون الجمع في السفر وعذر المطر وغيره " ـ التفسير الكبير(الفخر الرازي ):21 / 27 ـ .
وعلى عادته في عدم استغلال النتائج وتنكره لصحته , مع كامل اعترافه الصريح بدلالة الاية على جواز الجمع , يفضل الرازي التشبث ببعض السنة الملائم لأهوائه !
كما ايد البغوي هذا الامر بقوله:" .. حمل الدلوك على الزوال أولى القولين , لكثرة القائلين به , ولأنا اذا حملنا عليه كانت الاية جامعة لمواقيت الصلاة كله , فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر , وغسق الليل يتناول المغرب والعشاء , وقران الفجر هو صلاة الفجر .. " ـ راجع معالم التنزيل بهامش تفسير الخازن:4 / 171 ـ .
واخرج ابو بكر احمد بن عبد الله الكندي في موسوعته الفقهية عن النبي(صلى الله عليه وسلم )قوله في تفسير(اقم الصلاة لدلوك الشمس .. ): "(دلوك الشمس ):زواله , يعني صلاة الظهر والعصر . و(غسق الليل ):يعني ظلمة الليل , أي صلاة المغرب والعشاء . و(قران الفجر ):يعني صلاة الغداة , وهي صلاة الصبح . وقال:الجمع في الحضر كالإفراد في السفر " ـ المصنف:5 / 325 ـ .
2 ـ قوله تعالى(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات )ـ هود:114 ـ .
يقول القرطبي في تفسير هذه الاية:" لم يختلف أحد من أهل التأويل في ان الصلاة في هذه الاية يراد بها الصلوات المفروضة … قوله تعالى(طرفي النهار )قال مجاهد:" الطرف الاول صلاة الصبح , والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر , واختاره ابن عطية … والزلف المغرب والعشاء … " ـ الجامع لأحكام القران(القرطبي ):9 / 109 ـ وفي تفسير ابن كثير عن مجاهد في قوله تعالى(وأقم الصلاة طرفي النهار … )" قال:هي الصبح في اول النهار , والظهر والعصر مرة اخرى … وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه:وزلفاً من الليل يعني المغرب والعشاء , قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ):هما زلفا الليل , المغرب والعشاء . وكذا قال مجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والضحاك:انها صلاة المغرب والعشاء " ـ تفسير القرآن العظيم(ابن كثير ):2 / 461 .
فهذه الايات , واقوال المفسرين قد دلت بصراحة على ان اوقات الصلاة ثلاثة , وهذا يعني ان جمع الصلاة عند الشيعة الامامية موافق للاصل .
جمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم )للصلاة
ولقد جمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم )بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء في المدينة ـ أي انه كان حاضر وغير مسافر ـ ولم يكن هناك عارض من مطر او مرض او .. وقد اقرّت بذلك كتب العامة , لا سيما الصحيحين , وهو مروي في المتون !
فقد أخرج مسلم " عن ابن عباس قال:صلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم )الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر " صحيح مسلم(باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 284 .
وأيضاً " عن ابن عباس قال:ان رسول الله(صلى الله عليه وسلم )صلى بالمدينة سبعاً وثمانية، الظهر والعصر , والمغرب والعشاء " نفس المصدر السابق: 1 / 285 ـ .
وأيضاً " عن ابن عباس قال:صليت مع النبي(صلى الله عليه وسلم )ثمانياً جميعاً وسبعاً جميع , قال عمرو بن دينار , قلت:يا ابا الشعثاء أظنه اخّر الظهر وعجّل العصر , وأخّر المغرب وعجّل العشاء , قال:وانا اظن ذلك " صحيح مسلم(باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ):1 / 285 , مسند احمد:1 / 221 , المصنف(ابن ابي شيبة )2 / 344 .
وعن عبد الله بن شقيق قال:" خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم , وجعل الناس يقولون الصلاة .. الصلاة .. قال:فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني , الصلاة .. الصلاة . قال:فقال ابن عباس:أتعلمني بالسنة لا أم لك ؟! ثم قال:رأيت رسول الله(صلى الله عليه وسلم )جمع بين الظهر والعصر , والمغرب والعشاء .
قال عبد الله ابن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء , فأتيت ابا هريرة فسألته فصدق مقالته " صحيح مسلم(باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ):1 / 285 , مسند احمد:1 / 251 .
وعن معاذ بن جبل " قال:جمع رسول الله(صلى الله عليه وسلم )في غزوة تبوك بين الظهر والعصر , وبين المغرب والعشاء . قال:فقلت:ما حمله على ذلك ؟ فقال:اراد ان لا يحرج امته " صحيح مسلم(باب الجمع بين الصلاتين في الحضر )1/284 , مصنف ابن ابي شيبة:2/244 ح2 .
واخرج البخاري بسنده عن ابي امامة قوله:" صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر , ثم خرجنا حتى دخلنا على انس بن مالك فوجدناه يصلي العصر ! فقلت:يا عم ! ما هذه الصلاة التي صليت ؟ قال:العصر، وهذه صلاة رسول الله(صلى الله عليه وسلم )التي كنّا نصلي معه " اخرجه البخاري (باب وقت العصر ):1 / 144 .
وكذا اخرج مالك في موطئه عن ابن عباس:" صلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم )الظهر والعصر جميع , والمغرب والعشاء جميع , في غير خوف ولا سفر " موطأ مالك باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ):1 / 144 / 4.
كما اخرج احمد في مسنده عن ابن عباس انه قال:" صلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم )في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً " مسند احمد:1 / 221 .
ومصادر اخرى ذكرت جمع النبي(صلى الله عليه وسلم )لصلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء , من غير اضطرار ـ ابو داود في الصلاة:1211 , النسائي في المواقيت:1 / 6 , شرح النووي:1 / 246 ـ .
وبالجملة فان علماء الجمهور ـ القائلين بجواز الجمع وغير القائلين به ـ متفقون على صحة هذه الاحاديث وظهوره , وتعليقاتهم خير دليل على ذلك ! وحسبك ما نقله النووي في شرحه لصحيح مسلم , والزرقاني في شرحه لموطأ مالك , والعسقلاني والقسطلاني وزكريا الانصاري في شروحهم لصحيح البخاري , وسائر من علّق على أي كتاب من كتب السنن المشتمل على احاديث عبد الله بن عباس في الجمع بين الصلاتين .
علّة الجمع
ولقد كانت الاحاديث التي روتها الصحاح , كحديث ابن عباس " .. أراد ان لا يحرج احداً من امته" , وحديث معاذ بن جبل " .. اراد ان لا يحرج امته " , صريحة في بيان العلة , فجمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم )بين صلاتي الظهرين وصلاتي العشاءين , هو للتوسعة على الامة وعدم احراجها بالتزام التفريق , رأفة بأهل المشاغل ـ وهم اغلب الناس ـ لأن التفريق لا يتيسر لكل واحد , وعدم اليسر لا يجتمع مع سهولة الشريعة وسماحتها .
ان التزام التفريق بين الصلوات قد يجعل البعض متوجهاً للصلاة على مضض ! أو تركها اصلاً !
لقد جرت حكمة الله تعالى بتشريع الجمع على لسان نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم )ومن خلال فعله المبارك , فلماذا ينكر المخالفون امر الله وسنة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم )؟! ولماذا يتأولون هذا التشريع ويتركون غيره ؟!
فالجمع ميسور لكل انسان , ولا يتنافى مع الشرع الصحيح , ويقبله العقل والذوق السليم , فهو يتماشى مع القران , ويهتدي بالسنة .
ولقد اتفقت مرويات اهل البيت(عليهم السلام )مع الايات المباركة التي ذكرت في مورد الاستدلال , ومع الاحاديث الشريفة التي رويت عن النبي(صلى الله عليه وسلم ). فقد ورد عن الامام الصادق(عليه السلام )انه " قال:ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم )جمع بين الظهر والعصر بأذان واقامتين , وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وقامتين " .
هذا بالاضافة الى احاديث كثيرة مروية عن اهل البيت النبوي الطاهر بهذا الخصوص ـ راجع الوسائل ـ .