بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد إمام المجاهدين وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد:
فإن الحملة الصليبية بقيادة الولايات المتحدة تهدف إلى فرض النظام الديمقراطي العلماني الكافر على العراق وعلى المنطقة.
النظام الديمقراطي نظام كفري:
وهذا النظام الديمقراطي الذي يعطي الحاكمية للناس يعني الكفر بحاكمية الله تعالى وبالإسلام كنظام للحياة ،ويعني أن يتخذ بعض الناس بعضا أربابا من دون الله يشرعون لهم ويحرمون لهم ويحلون لهم. ولا فرق بين النظام المستبد وبين النظام العلماني الديمقراطي في تعبيد الناس لغير الله تعالى، فالنظام المستبد يختص الحاكم ومن حوله بالتشريع للناس .وفي النظام الديمقراطي تختص فئة بالتشريع وهي البرلمان. فيصبح البرلمان ربا للناس يعبدونه من دون الله فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والتشريع ما شرعه.
فلا يتحرر الناس من عبودية العبيد في النظام المستبد، ولا في النظام الديمقراطي ،ولا ينالون حريتهم من عبادة العبيد وعبادة الهوى إلا بعبادة الله وحده لا شريك له. فالإسلام هو دين الحرية من عبادة غير الله تعالى، فلا يسجد المسلم إلا لله، ولا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا منه، ولا يتحاكم إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يذل إلا له، فلا يذل للأمريكان واليهود المحتلين، ولا يتحاكم إلى كفرهم وقوانينهم، ولا يخاف من قوتهم وإجرامهم، ولا يركن إليهم. فإذا تخلص المسلم من الذل للأمريكان واليهود ومن حكمهم والتبعية لهم فقد نال حريته من عبوديتهم، وأخلص الدين لله تعالى الذي خلقنا لعبادته والتحرر من عبودية الخلق.
وأما حرية الغرب المتمردة على الدين والأخلاق والآداب والعفاف، والمنفلتة من القيم، واللاهثة وراء كل متعة وشهوة دون ضابط من دين وخلق ،فهي حرية من شبههم الله تعالى في كتابه بالأنعام فقال تعالى{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }محمد/12.
واليهود والنصارى من صفاتهم القديمة أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله في التشريع والحاكمية التي يختص بها فئة منهم. فقد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله يشرعون لهم. واخترعوا في زماننا ربا جديدا يشرع لهم وهو البرلمان.
فإذاً هذا الكفر والشرك في الحاكمية والتشريع هو من صفات الأمم الكافرة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.وليس من صفات الأمة المسلمة التي أثنى الله عليها بأنها خير أمة أخرجت للناس، التي من الشرك في دينها أن تشرك في الحكم والتشريع مع الله أحداً من خلقه. وقد أمر الله تعالى بقتال أهل الكتاب وحرض على قتالهم بصفات الكفر التي فيهم، ومنها اتخاذ بعضهم بعضاً أربابا من دون الله
فقال الله تعالى{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة/29
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون. اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة/30-31
{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة/32
فوصفهم أنهم لا يؤمنون بالله ولا اليوم الآخر، وأنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، وأن اليهود قالت عزيرٌ ابن الله وأن النصارى قالت المسيح ابن الله وأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله واتخذوا المسيح رباً فهم مشركون. ووصفهم بأنهم كافرون يسعون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويصدوا عن الإسلام إلى الديمقراطية الكافرة. وما تقوم به وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية في محاربة الإسلام والترويج للديمقراطية والمشاركة في الحرب الإعلامية والنفسية لاحتلال العرق هو جزء من هذا السعي.
وفي قوله تعالى{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة/31 بين الله تعالى أنهم اتخذوهم أربابا يشرعون لهم وهم لم يؤمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً فالحلال ما أحلّه والحرام ما حرّمه والأمر ما أمر به لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون وروى الإمام أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة
فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قال: فقلت إنهم لم يعبدوهم فقالبلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم) فبين له أنهم عبدوهم عندما اتخذوهم أربابا مشرعين لهم من دون الله. قال ابن عباس رضي الله عنه: (لم يأمروهم أن يسجدوا لهم لكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم فسماهم الله بذلك أربابا) وقال حذيفة رضي الله عنه: ( إنهم لم يكونوا يصومون لهم ولا يصلون لهم لكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه و إذا حرّموا عليهم شيئاً أحله الله لهم حرّموه فتلك كانت ربوبيتهم ).
وقال أبو العالية: ( قالوا ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا لقولهم وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا وما نهوا عنه فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ).
وقد سوّى الله تعالى بين اتخاذ الأحبار والرهبان مشرّعين وبين عبادة المسيح في جعل الربوبية لغير الله تعالى فكما أن من عبد المسيح فقد اتخذه ربا فكذلك من تحاكم لغير الله كالقوانين الوضعية والبرلمان وغيره فقد اتخذها أربابا وخرج من الإسلام.
وقال تبارك وتعالى{ ُقلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}آل عمران /64 قال الإمام ابن كثير هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه}والكلمة تطلق على الجملة المفيدة ثم وصفها بقوله{سواء بيننا وبينكم} أي عدل ونصَفٍ نستوي نحن وأنتم فيها، ثم فسرها بقوله{أن لا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا}لا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا نارا ولا شيئا بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له وهذه دعوة جميع الرسل قال الله تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}الأنبياء/25.
وقال تعالى{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}النحل/136.
ثم قال تعالى{ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} قال ابن جريج: يعني يطيع بعضنا بعضا في معصية الله وقال عكرمة يسجد بعضنا لبعض {فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} حيث إن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم انتهى كلامه.
وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم رسالة دعاه وقومه فيها إلى الإسلام وذكر فيها هذه الآية التي تدعو اليهود والنصارى إلى كلمة العدل والحق وهي التوحيد وإخلاص العبادة لله وأن لا تصرف العبادة لغير الله وأن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله في التشريع والحكم أو في غيره من العبادات فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.
وهذا هو الواجب على المسلمين: أن يدعو زعماء النصارى وأقوامهم إلى الإسلام والتوحيد، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله يشرعون لهم في البرلمان وفي غيرها، فإن تولوا عن دعوة التوحيد فنقول: اشهدوا بأنا مسلمون. ولكن انعكس الأمر في هذا الوقت، وأصبح اليهود والنصارى هم الذين يدعون المسلمين إلى شركهم وكفرهم وديمقراطيتهم، وأصبح البعض في ضلال عظيم في أمر دينهم .فبدلاً من أن يفرِّوا من الطاغوت الاستبدادي إلى دين الإسلام لجئوا إلى طاغوتٍ آخرَ وهو طاغوت الديمقراطية.
فبقوا يخبطون في تيه الظلمات وأحكام الجاهلية. فيفرِّون من ظلمةٍ جائرةٍ مستبدةٍ ليتيهوا في ظلمةٍ صليبيةٍ ظالمةٍ كافرةٍ. فالحكم والتشريع من خصائص الألوهية فمن تحاكم إلى غير الله كالقوانين الوضعية أو البرلمان أو هيئة الأمم المتحدة أو غيرها فقد أشرك لقوله تبارك تعالى {ولا يشرك في حكمه أحدا}الكهف/26.
أي الحكم له وحده تبارك وتعالى ولا يشرك غيره في حكمه وفي قراءة{ولا تشرك في حكمه أحدا} بصيغة النهي عن الشرك به تبارك وتعالى في الحكم والتشريع وهذه الآية كقوله تعالى { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}فتحاكموا إلى غير الله شرك كعبادة غيره.
وقال تعالى{إن الحكم إلا لله}أمر أن لا تعبدوا إلا إياه فبين أن الحكم لله تعالى وأمر أن لا تصرف العبادة ومنها التحاكم إلى غير الله.
وقال تعالى{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}الأنعام/121.
أي إذا أطعتم المشركين في مسألة حل الميتة إنكم لمشركون . فدل على أن من تحاكم إلى غير الله فهو مشرك ، وأن الحاكم المبدل لشرع الله بالقوانين الوضعية ولو في مسألة واحدة قد ارتكب شركاً. ودلّ على أنّ من اتّبع أحكام الكفار من ديمقراطية وغيرها وأعرض عن الإسلام أنّه مشرك. ودل على أن الأمريكان والأوربيين والمرتدين الذين يدعون إلى الديمقراطية الكافرة وترك الإسلام أنهم جند للشيطان وأن الشياطين يوحون إليهم ويأمرونهم بدعوة المسلمين إلى الديمقراطية.
وقال تعالى{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}النحل/100.
فدلت الآية على أن توليهم للشيطان بطاعته هو عبادة له وشرك بالله تعالى كما قال الله تعالى{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}يس /60-61.
وأخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لأبيه يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا فعبادة الشيطان هي طاعته في معصية الله.
وقال تعالى{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}إبراهيم /22. فتبرأ الشيطان منهم ومن شركهم وقال إني كفرت بما أشركتمون من قبل وبين أن عبادتهم له وشركهم كان بطاعته لقوله{ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي}.
وقال تعالى{ َجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ}الأنعام/100.
فأشرك المشركون الجن مع الله في العبادة وكان عبادتهم للجن بطاعتهم والله تعالى هو الذي خلقهم فكيف يشرك معه غيره من الخلق في الطاعة والتشريع وقال تبارك وتعالى{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا}النساء/117.
أي إن يعبدون إلا شيطاناً مريدا؛ لأنهم إذا عبدوا الأوثان التي يسمونها بتسمية الإناث فقد عبدوا الشيطان في نفس الأمر الذي حسن لهم هذا الشرك وأمر به. فعبادتهم للشيطان هي بطاعته . فدل على أن من اتخذ غير الله مشرعا وحكماً فقد عبده من دون الله.
وقال تعالى{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ 40 قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ}سبأ/41.
فنزه الله تعالى عن الشريك وتبرأ من شرك المشركين، ومن موالاتهم. وذكر أن المشركين كانوا يعبدون الجن أي الشياطين الذين يأمرونهم بعبادة الملائكة وغيرهم ، فكانت طاعتهم للشياطين في الشرك هي عبادتهم، فهم مؤمنون بالشياطين ومصدقون ومنقادون لتشريعهم لقوله تعالى{أكثرهم بهم مؤمنون}وهكذا من اتخذ البرلمان أو القوانين أو هيئة الأمم المتحدة أو غيرها سلطة مشرعة وحاكمة فقد عبدها من دون الله وآمن بها وهذا يقتضي ردته وخروجه من الإسلام، فلا فرق بين من يتخذ الشيطان مشرعاً، وبين من يتخذ البرلمان أو الحاكم مشرعاً فالجميع قد صرفوا العبادة لغير الله فهم مشركون.
ومن الأدلة قوله تعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }الشورى /21.
فسمى بارك وتعالى المشرعين شركاء وقال تبارك وتعالى{ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ}الأنعام /137. فسماهم شركاء لأنهم أطاعوهم في قتل أولادهم. ومن الأدلة قوله تعالى{ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ}التوبة/37. فبين تبارك وتعالى أن الكفار الذين يحلون ما حرم الله قد ازدادوا كفرا بتشريعهم على كفرهم الأصلي.
وقال تبارك وتعالى{ فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}المائدة/44.
فحرم وحذر من مانعين يمنعان من الحكم بما أنزل الله أولهما خشية الناس والثاني الطمع في الدنيا والرغبة فيها ثم بين تعالى بحكم صارم واضح أن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. وقال تعالى{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}المائدة/45 . وقال تعالى{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}المائدة/47.
والكفر والظلم والفسق تذكر في القران والسنة ويراد بها في مواطن الكفر الأكبر المخرج من الملة والظلم الأكبر المخرج من الملة كقوله تعالى{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}لقمان /13. والفسق الأكبر المخرج من الملة قوله تعالى{ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}السجدة/20. وتأتي كلمات الكفر والظلم والفسق في مواطن ويراد بها المعصية
تحكيم القوانين الوضعية على وجه التشريع كفر أكبر مخرج من الملة:
فإذا كان الحاكم مبدلا لشرع الله تعالى ومحكماً للقوانين الوضعية في عموم الحياة أو في بعضها فهذا كفره وظلمه وفسقه مما يخرج من الملة. فإن التشريع من خصائص الألوهية. فمن ادعى الألوهية أو دعا الناس إلى عبادة غير الله في الحكم والتشريع وألزمهم بها فهو طاغوت كافرٌ محاربٌ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان من حكم بالتوراة المحرفة المنسوخة بدلاً من القران يَكْفُرُ ويخرجُ من الإسلام فكُفْرُ من حكم بالقوانين الوضعية من الحكام في العالم الإسلامي من باب أولى.
قال الإمام ابن كثير: ومن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ا.هـ.
وأما الكفر دون كفر الذي لا يخرج من الملة فهو أن يكون الإسلام هو الحاكم في البلاد ولكن الحاكم ظلم ولم يحكم بما أنزل الله في قضية محددة معينة ولم يشرّع قانونا لمثل هذه القضية أو غيرها.
ومن الأدلة على أن التحاكم لغير الله من الكفر والنفاق الأكبر قوله تعالى{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً 59 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا 60 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا 61 فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}النساء/59-62.
فجعل الرد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند التنازع شرطا في الإيمان وذكر كلمة شيء في قوله{فإن تنازعتم في شيء} وهي نكرة في سياق الشرط فتقتضي العموم .فكل شيء تنازع فيه المتنازعون من سياسة أو قضاء أو اقتصاد أو غيرها من شؤون الحياة فالرد فيها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم بين أن الرد إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم هو الخير في الدنيا والآخرة، والأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة.
ثم جاء بصيغة التعجب من تناقض المنافقين في زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله ثم يخالفون هذا الزعم ويريدون التحاكم إلى الطاغوت، فهذا تناقض ونقض لما يدعون، فإن ادعاء الإيمان يقتضي التحاكمَ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والكفرَ بالطاغوت، وعدمَ التحاكم إليه كما قال تعالى {وقد أمروا أن يكفروا به}.
فالواجب الكفر بالطاغوت.وليس التحاكم إليه كحال من يدعي أنه مسلم ثم يريد التحاكم إلى طاغوت الديمقراطية الكافرة. والطاغوت اشتقاقه من الطغيان،وهو مجاوزة الحد.
قال الإمام ابن القيم: الطاغوت كل ما تجاوز به الحد من معبود،أو متبوع، أو مطاع. فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة الله.فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم الطاغوت وعن طاعته ومتابعته رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته .انتهى كلامه
فالإيمان بالله لا يتحقق إلا بالكفر بالطاغوت كما قال تعالى{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ}البقرة/256.
والعروة الوثقى:هي الإسلام، وشهادة أن لا إله إلا الله. والشهادة: نفي، وإثبات : نفي الألوهية عن غير الله، وهو الكفر بالطاغوت. وإثبات الألوهية لله ،وهو الإيمان بالله. فدل على أن من آمن بالطاغوت لم يحقق لا إله إلا الله.
ثم بين تعالى أن هؤلاء الذين يدّعون الإيمان ثم يريدون التحاكم إلى الطاغوت كالبرلمان وغيره قد أضلهم الشيطان ضلالاً بعيداً.ولقد ضلوا هذا الضلال البعيد لإشراكهم مع الله غيره في التشريع كما قال تعالى{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا}وبين أنهم إذا دُعُوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم للحكم بينهم صدّوا وأعرضوا عن التحاكم إلى الإسلام.
ثم قال تعالى{فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم }أي فكيف إذا حلت بهم مصيبة بسبب ذنوبهم وإعراضهم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا}أي إن أردنا إلا الإحسان والتوفيق بين الإسلام والأنظمة التي تخالفه كالديمقراطية والشيوعية وغيرها. والإيمان يقتضي الكفر بالأنظمة المخالفة للإسلام، وليس التوفيق والجمع بينها وبين الإسلام ،كمن يرفع شعار الديمقراطية الإسلامية وغيرها من شعارات أهل النفاق. والمنافقون يتصفون بسوء الظن بشرع الله تعالى، ويظنون أن الشريعة لا تناسب هذه المرحلة، أو هذا الزمان ،وأن أنظمة إخوانهم من النصارى أو اليهود كالديمقراطية هي التي تصلح لهذا الزمان، وتناسب تعدّد الطوائف والأديان والقوميات في العراق.
ولقد قال الله تعالى في مثل هؤلاء من المنافقين{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ . وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور /47-51.
فنفى عنهم الإيمان الذي يتظاهرون به لتولّيهم عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قوله{وما أولئك بالمؤمنين}وبين أنهم يعرضون عن التحاكم للإسلام إذا دعوا إليه ويرغبون بالتحاكم إلى طواغيتهم كالقوانين وغيرها وأنهم لا يقبلون من شرع الله إلا ما وافق أهواءهم فإذا وافق الحكم أهوائهم انقادوا إليه. ثم ذكر تعالى سبب إعراضهم عن شرع الله فقال { أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }النور / 50 أي أفي قلوبهم مرض النفاق والكفر؟ أم ارتابوا أي شكّوا في الإسلام ؟ أم خافوا أن يظلمهم الله ورسوله في الحكم ؟ بل أولئك المنافقون هم الظالمون المائلون عن الحق والعدل .
ثم بين حال المؤمنين في مقابل حال المنافقين فقال{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}النور / 51 . فدلت الآيات على أن سوء الظن بشرع الله تعالى وإحسان الظن بأحكام الجاهلية هو من صفات أهل النفاق من دعاة الديمقراطية الكافرة وغيرها. وقد قال تعالى{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ 49 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة / 49 – 50 .
فليس هناك إلا حكمان : حكم الله تعالى، وحكم الجاهلية، وهو ما خالف الإسلام من الأنظمة والأحكام.ولا يعلم حسن الإسلام إلا من عمر الله قلبه باليقين والإيمان. وأما من حجب فطرته وقلبه بالكفر والنفاق فلا يؤمن برسالة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان.
صفات المستحقّ للحكم والتشريع:
وقد قال الله تبارك وتعالى مبيناً صفات من له الحكم والتشريع { إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }الأعراف / 54 فمن له الأمر والحكم والتشريع هو المتصف بهذه الصفات العظيمة، الذي خلق السماوات والأرض ومن فيهما، فمن نازعه التشريع والحكم فقد طغى وتجاوز العبودية وطلب العبودية فهو طاغوت.
وقال تعالى في صفات من له الحكم والتشريع{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ . فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الشورى / 10 - 11.
قال العلامة الشنقيطي: اعلم أن الله جل وعلا بيّن في آياتٍ كثيرةٍ صفاتِ مَنْ يستحق أن يكون الحكم له. فعلى كل عاقلٍ أن يتأمل الصفات المذكورة التي سنوضحها الآن - إن شاء الله - ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع سبحان الله وتعالى عن ذلك ؟ فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون فليتبع تشريعهم، وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك فليقف به عند حدهم ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية. فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله{فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}
ثم قال مبيناً صفات من له الحكم{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ . فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ . لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}الشورى / 10- 11 .
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور ويتوكل عليه؟ وأنه فاطر السموات والأرض؟ أي خالقهما ومخترعهما على غير مثال سابق ؟ وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجا؟ وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية ؟ وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ؟ وأن له مقاليد السماوات والأرض ؟ وأنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يضيقه على من يشاء وهو بكل شيء عليم ؟ فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم ولا تقبلوا تشريعا من كافرٍ خسيسٍ حقير ٍجاهلٍ.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى{لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } الكهف / 26 فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السموات والأرض؟ وأن يبالَغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكل المسموعات وبصره بكل المبصَرات وأنه ليس لأحد دونه من ولي؟
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى{ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص / 88 فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق بأن يوصف بأنه الإله الواحد؟ وأن كل شيء هالك إلا وجهه وأن الخلائق يرجعون إليه؟
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ . وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} القصص / 70- 73 فهل في مشرعي القوانين الوضعية من يستحق أن يوصف بأن له الحمد في الأولى والآخرة؟ وأنه هو الذي يصرف الليل والنهار؟
ومن الآيات على ذلك قوله تعالى{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}يوسف / 40فهل في أولئك من يستحق أن يوصف بأنه هو الإله المعبود وحده؟ وأنّ عبادته وحده هي الدين القيم؟ ومنها قوله تعالى{إنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}يوسف /67 فهل فيهم من يستحق أن يُتوكل عليه وتفوض الأمور إليه ؟
ومنها قوله تعالى { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ 49 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}المائدة/49- 50فهل في أولئك المشرعين من يستحق أن يوصف بأن حكمه بما أنزل الله؟ وأنه مخالف لاتباع الهوى؟ وأن من تولى عنه أصابه الله ببعض ذنوبه -لأن الذنوب لا يؤاخذ بجميعها إلا في الآخرة-؟ وأنه لا حكم أحسن من حكمه لقوم يوقنون؟
ومنها قوله تعالى{ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ }يونس /59فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي ينزل الرزق للخلائق؟ وأنه لا يمكن أن يكون تحليل ولا تحريم إلا بإذنه ؛ لأن من الضروري أن من خلق الرزق وأنزله هو الذي له التصرف فيه بالتحليل والتحريم؟.
ومنها قوله تعالى{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }النحل /116 فقد أوضحت الآية أن المشرّعين غيرَ ما شرعه الله إنما تصف ألسنتهم الكذب لأجل أن يفتروه على الله، وأنهم لا يفلحون، وأنهم يمتعون قليلا ثم يعذبون العذاب الأليم، وذلك واضح في بعد صفاتهم مِنْ صفات مَنْ له أن يحلّل ويحرّم.
ولما كان التشريع وجميع الأحكام - شرعيةً كانت أو كونيةً قدريةً - من خصائص الربوبية كما دلت عليه الآيات المذكورة كان كل من اتبع تشريعاً غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع رباً وأشركه مع الله" انتهى كلامه.
فاليهود والنصارى لن يرضوا عن المسلمين حتى يخرجوهم من الإسلام إلى الكفر كالديمقراطية وغيرها. وقد بين الله تعالى حرصهم على إخراج المسلمين من دينهم في قوله تعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة/120.
وقال تعالى{ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }البقرة/105.
وقال تعالى{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم }البقرة/109.
وقال تعالى{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيل. وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا } النساء/44-45 .
فإنّ تَمَكُّنَ الأمريكان من إقامة نظامهم الديمقراطي الكافر على المسلمين في العراق يعني أنهم قد حققوا أهدافهم، ومنها صرف عبودية المسلمين لله في الحكم والتشريع إلى غيره من الناس، ويقع المسلمون في نفس الخطأ السابق والانحراف الكبير، عندما تمكن الاستعمار في العالم الإسلامي من إزالة الإسلام وفرض أنظمة وقوانين النصارى على المسلمين، ثم تنصيب المرتدين حكاما لحماية أنظمةِ وقوانينِ ومحاكمِ النصارى. فالواجب على المسلمين في العراق أن يجاهدوا الأمريكان لتكون كلمة الله هي العليا، ولِيـَحكُم الإسلام في العراق، وليطهروا العراق من الصليبين، ومن أنظمتهم ورجسهم وفسادهم.
كما يجب أن ينفر المجاهدون من خارج العراق إلى العراق حتى تحصل الكفاية وينصروا إخوانهم ويدفعوا المعتدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قالــه : الشيخ محمد بن عبدالله السيف ( من تلاميذ العلامـة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو من طلبة العلم القلة الذين نفروا للجهاد في سبيل الله ، وهو رئيس المحاكم الشرعية في الششان بعد الحرب الأولى هناك )
المصدر : سلسلة دروس للشيخ أبو عمر محمد بن عبدالله السيف تحت عنوان " العراق وغزو الصليب "