قال الشيخُ ابنُ عثيمين في " شرح الواسطية " (1/266 – 267) : مسألة : إذا تاب القاتل ، هل يستحق الوعيد ؟
الجواب : لا يستحق الوعيد بنص القرآن ، لقوله تعالى : " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " [ الفرقان : 68-70 ] ، وهذا واضح ، أن من تاب - حتى من القتل - ، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات .
والحديث الصحيح في قصة الرجل من بني إسرائيل فأنظر كيف كان من بني إسرائيل فقبلت توبته ، مع أن الله جعل عليهم آصاراً وأغلالاً ، وهذه الأمة رفع عنها الآصار والأغلال ، فالتوبة في حقها أسهل، فإذا كان هذا في بني إسرائيل ، فكيف بهذه الأمة ؟
فإن قلت : ماذا تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن القاتل ليس له توبة ؟
فالجواب : من أحد الوجهين :
1 - إما أن ابن عباس رضي الله عنهما استبعد أن يكون للقاتل عمداً توبة ، ورأى أنه لا يوفق للتوبة ، وإذا لم يوفق للتوبة ، فإنه لا يسقط عنه الإثم، بل يؤاخذ به .
2 - وإما أن يقال : إن مراد ابن عباس رضي الله عنهما : أن لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول ، لأن القاتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق : حق الله ، وحق المقتول ، والثالث لأولياء المقتول .
أ - أما حق الله ، فلا شك أن التوبة ترفع ، لقوله تعالى : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا " [الزمر : 53 ] ، وهذه في التائبين .
ب - وأما حق أولياء المقتول ، فيسقط إذا سلم الإنسان نفسه لهم ، أتى إليهم وقال : أنا قتلت صاحبكم ، واصنعوا ما شئتم فهم إما أن يقتصوا ، أو يأخذوا الدية ، أو يعفوا ، والحق لهم .
جـ - وأما حق المقتول ، فلا سبيل إلى التخلص منه في الدنيا .
وعلى هذا يحمل قول ابن عباس أنه لا توبة له ، أي : بالنسبة لحق المقتول .
على أن الذي يظهر لي أنه إذا تاب توبة نصوحاً ، فإنه حتى حق المقتول يسقط ، لا إهداراً لحقه ، ولكن الله عز وجل بفضله يتحمل عن القاتل ويعطي المقتول رفعة درجات في الجنة أو عفواً عن السيئات ، لأن التوبة الخالصة لا تبقي شيئاً ، ويؤيد هذا عموم آية الفرقان : " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ..... " إلى قوله : " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " [الفرقان : 70 ] .ا.هـ.
راجــــع : http://saaid.net/Doat/Zugail/322.htm