السؤال : إن معتقد أهل السنة والجماعة في الأعمال أنها ركن من أركان الإيمان:
27- فما هو الفرق بين معتقد أهل السنة والخوارج في باب الأعمال ؟ فأرجو منكم توضيح ذلك ، وجزاكم الله خيرا.
إجابة الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله :
الحمد لله ، أهل السنة والجماعة يقولون : الإيمان قول وعمل ، ويعنون بالقول اعتقاد القلب ، وإقرار اللسان ، وبالعمل عمل القلب ، وعمل الجوارح ، وهذا معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في العقيدة الواسطية : إن الإيمان قول وعمل : قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح .
والمعتزلة ، والخوارج يوافقون على أن الإيمان قول ، وعمل ، ولكنه لا يزيد ، ولا ينقص ، فإذا ذهب بعضه ذهب كله ، فلهذا قالت الخوارج بكفر مرتكب الكبيرة ، وتخليده بالنار إذا مات ، ولم يتب ، وقالت المعتزلة بخروجه من الإيمان ، وأنه يكون في منزلة بين المنزلتين ، فليس بمؤمن ، ولا كافر ، وهو مخلد في النار إذا مات من غير توبة .
وأما أهل السنة فيقولون : الإيمان يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، ولا يكفرون بالذنوب ؛ بل يقولون أخوة الإيمان باقية مع ارتكاب الذنب ، وإن كان كبيرة ؛ فالفاسق عندهم مؤمن ناقص الإيمان ، وإن مات ، ولم يتب فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه بالنار ما شاء ، ثم يخرجه منها بشفاعة الشافعين من الأنبياء ، والصالحين ، أو برحمته سبحانه وتعالى ، وهو أرحم الراحمين ، كما دل على ذلك قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [(48) سورة النساء] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" يخرج من النار من قال لا إله إلا الله ، وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان .
وأما إطلاق القول بأن العمل ركن أو شرط صحة ، أو شرط كمال ، فهي عبارات لبعض المتأخرين ، وأما الأئمة فلم يطلقوا على العمل أنه ركن أو شرط ، وإنما قالوا : إن العمل من الإيمان خلافا للمرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان ، وقالوا : إن الإيمان هو تصديق القلب ، وإقرار اللسان .
ومعلوم أن مباني الإسلام الخمسة هي أصول الإسلام ، وهي من أصول الإيمان ، وهي على مراتب من حيث الوجوب ، وحكم الترك ، فأعظمها الشهادتان ، ثم الصلاة ، ثم الزكاة . فكل ما ناقض الشهادتين فهو كفر كالشرك الأكبر ، والتكذيب بمعلوم من دين الإسلام بالضرورة ؛ كجحد وجوب الصلاة ، وتحريم الزنا . وأما ترك شيء من أركان الإسلام الأربعة فقد قيل إنه كفر ، وجمهور العلماء على أنه ليس بكفر ، وأعظم ذلك ترك الصلاة ، والقول بكفر تاركها قوي ؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله :" بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". وقوله : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". إلى غير ذلك من الأدلة ، وأما ما سوى الأركان الأربعة من واجبات الدين فلم يقل أحد من أهل السنة بكفر من ترك شيئا منه .
وأما الإعراض عن الدين بالكلية علما ، وعملا ، فهذا لا يتصور فيمن معه أصل الإيمان في الباطن ، ولهذا عد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ الإعراض ناقضا من نواقض الإسلام قال في الناقض العاشر : الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ، ولا يعمل به .اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في رده على المرجئة : والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر. اهـ . والله أعلم .
المصدر: من إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك لمتلقى أهل الحديث .