العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية > منتدى عقيدة أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-09-04, 01:52 PM   رقم المشاركة : 1
ابو عبدالرحمن السلفي
عضو ذهبي





ابو عبدالرحمن السلفي غير متصل

ابو عبدالرحمن السلفي is on a distinguished road


مناظرة بين الشيخ سعد الحميد والظافر الإباضي حول مسند الإمام الربيع بن حبيب

مناظرة بين الشيخ سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز الحميّد و (الظافر؟!) الإباضي حول مسند الإمام الربيع بن حبيب


حول الإباضية وحقيقة مسند الربيع بن حبيب 3
الردُّ الأول للظافر على موضوع سعد الحميّد 8
الردُّ الثاني للظافر على موضوع سعد الحميّد 13
الردُّ الثالث للظافر على موضوع سعد الحميّد 19
الردُّ الرابع للظافر على موضوع سعد الحميّد 24
الردُّ الأول لسعد الحميّد على ردود الظافر 27
الردُّ الثاني لسعد الحميّد على ردود الظافر 39
الردُّ الثالث لسعد الحميّد على ردود الظافر 44
الردُّ الرابع لسعد الحميّد على ردود الظافر 49
الردُّ الخامس لسعد الحميّد على ردود الظافر 54
الردُّ السادس لسعد الحميّد على ردود الظافر 61
الردُّ السابع لسعد الحميّد على ردود الظافر 69
الردُّ الأول للظافر على ردود سعد الحميّد 74
الردُّ الثامن لسعد الحميّد على ردود الظافر 79
الردُّ الثاني للظافر على ردود سعد الحميّد 84
الردُّ التاسع لسعد الحميّد على ردود الظافر 91
الردُّ الثالث للظافر على ردود سعد الحميّد 95
الردُّ الرابع للظافر على ردود سعد الحميّد 102
الردُّ العاشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 111
الردُّ الحادي عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 116
الردُّ الثاني عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 125
الردُّ الثالث عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 130
الردُّ الرابع عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 134
الردُّ الخامس للظافر على ردود سعد الحميّد 138
الردُّ الخامس عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 144
الردُّ السادس عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 149
الردُّ السادس للظافر على ردود سعد الحميّد 153
الردُّ السابع للظافر على ردود سعد الحميّد 163
الردُّ السابع عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 169
الردُّ الثامن للظافر على ردود سعد الحميّد 174
الردُّ الثامن عشر لسعد الحميّد على ردود الظافر 183


ثالثاً : أصل الموضوع الذي دار عليه الحوار للشيخ سعد الحميد
"حول الإباضية وحقيقة مسند الربيع بن حبيب"

كانت بداية النقاش الموضوع الذي طرحه المدعو "سليل المجد" في الساحة الثقافية بموقع شبكة أهل الحق والاستقامة بتاريخ 19 سبتمبر 1999م بعنوان "حول الإباضية وحقيقة مسند الربيع بن حبيب". وقد نسب المدعو "سليل المجد" المقال إلى الشيخ سعد الحميّد. يمكن الرجوع إلى الموضوع الأصلي باستخدام الوصلة التالية:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/archive...al.pl?read=766


مسند الربيع بن حبيب المسمى بـ : (( الجامع الصغير )) هذا الكتاب لا شك في أنه موضوع مكذوب ، وليس هذا فقط ، بل إنه وضع في هذه الأعصار المتأخرة . والدليل على ذلك ما يلي :

1- لا يوجد للكتاب أصل مخطوط موثوق
2- الربيع بن حبيب الفراهيدي شخصية لا وجود لها في التاريخ ، ولم تلدها أرحام النساء ، وإنما نسجها خيال الإباضية لنصرة باطلهم ، فهم يزعمون أنه قاد الحركة الإباضية بالبصرة تعليقاً وتنظيماً ، وأنه ثقة مرتضى تتلمذ عليه رجال من الشرق والغرب من العرب والبربر ، وأنه توفي سنة 170 هـ . ونحن بدورنا نسألهم فنقول: نَّى لكم هذا ؟ ومن أين أخذتموه ؟ أعطونا مرجعاً من المراجع القديمة المعروفة قبل سنة 1000 للهجرة ، سوى كان ذلك المرجع لأهل السنة ، أو للإباضية ، أو للرافضة ، أو لليهود ، أو للنصارى ، أو لغيرهم ، أما المراجع الحديثة كالأعلام للزركلي ، أو معجم المؤلفين لعمر رضى كحالة أو نحوها فهي تؤكد على أن هذه الشخصية اُختلقت مؤخراً ، وهي إنما تلقت هذه المعلومات في إباضية هذا العصر . ومن تأمل كتب الرجال كطبقات ابن سعد ، والتاريخ الكبير للبخاري ، والجرح والتعديل لأبن أبي حاتم ، ونحوها من كتب التراجم ، يعلم علم يقينياً أنه ما من شخصية عرفت بعلماء أو دعوة أو غيرها – وبالأخص القرون الثلاثة الأولى – إلا ونجد عنها خبراً – ولومجرد ذكر – فكيف يمكن أن تعيش هذه الشخصية في بلاد كالبصرة ، في تلك الفترة ، وتقودحركة علمية ، ويتتلمذ عليها رجال من الشرق والغرب ، ومع ذلك لا تذكر بحرف ؟!
3- شيخ الربيع في كثير من المواضع في هذا الكتاب هو أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة التيمي بالولاء ، الذي يزعمون أنه تزعم الحركة الإباضية بعد جابر بن زيد ، وتوفي في عهد أبي جعفر المنصور سنة 158هـ. وهذا أيضاً لا توجد له ترجمة ، ونقول عنه كما قلنا عن الربيع بن حبيب .
4- مرتب الكتاب هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ، وهو _كما يزعمون _متأخر في القرن السادس ، وما قلناه عن الربيع وشيخه نقوله عن هذا أيضاً ، لأنه لا توجد له ترجمة في كتب الرجال التي عنيت بترجمة أهل ذلك العصر كالتكملة لوفيات النقلة ، أو سير أعلام النبلاء ، أو تاريخ الإسلام ، أو غيرها ، فجميع هذه الشخصيات التي لها علاقة مباشرة بالكتاب شخصيات مجهولة ندين الله عز وجل بأنها لم تنفخ فيها روح، ولم تطأ على أرض .
5- لو كان هذا الكتاب موجوداً منذ ذلك التاريخ الذي يزعمونه سنة 170 هـ تقريباً ، وأحاديثه معروفة ، لاشتهر شهرة عظيمة بسبب أسانيده العالية ، وكان الأقدمون من علمائنا يحرصون حرصاً بالغاً على علو الإسناد – كما هو حال هذا الكتاب – ولم يكونوا يمتنعون من الرواية عن الخوارج ، فقد رووا عن عمران بن حطّان الذي امتدح عبد الرحمن بن ملجم في قتله علياً رضي الله عنه ، فمن المعروف أن البخاري أخرج له في صحيحه ، فلو كان الربيع – وإن كان خارجياً – يروي هذه الأحاديث وهو ثقة ، لكان معروفاً ، ولعرف الكتاب ، ولعرفت تلك الأحاديث ، حتى وإن كان غير مرضي عنه كما هو واقع مسند زيد بن علي الذي يرويه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي فإن هذا المسند تزعم الزيدية فيه كما تزعم الإباضية في مسند الربيع بن حبيب ، ولكن العلماء السابقون لما عرفوه بينوا ما فيه ببيان حال راويه ، فقال وكيع بن الجراح عن عمرو بن خالد هذا : ((كان في جوارنا يضع الحديث ، فلما فُطن له تحوّل إلى واسط)) ، وقال الإمام أحمد : (( كذاب يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة )) ، ورماه بالكذب ووضع الأحاديث جمع من العلماء . فلو كان الربيع بن حبيب ومسنده معروفين ، لاشتهرا إن كان الربيع ثقة وكان مسنده صحيحاً ، أو لتكلم عنه العلماء إن كان الربيع غير ثقة وكان الكتاب مطعوناً فيه كما وقع لمسند زيد بن علي. ويؤكد هذا واقع الكتاب ، ففيه أحاديث لو كانت موجودة في ذلك العصر لا هتم بها العلماء غاية الاهتمام لشدة حاجتهم إليها ، كحديث : (( إنما الأعمال بالنيات)) فقد تكلم العلماء عن هذا الحديث كثيراً وعدّوه من غرائب الصحاح ، بل هو أول حديث يذكر في غرائب الصحاح ، لأنه لم يرو إلا من طريق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- ، ولم يروه عنه سوى علقمه بن وقاص الليثي ، ولا رواه عن علقمة سوى محمد بن إبراهيم التيمي ، ولا رواه عن محمد سوى يحي بن سعيد الأنصاري ، وعن يحي اشتهر . ونصّ العلماء على أنه لم يرو إلا عن عمر – رضي الله عنه - ، ولا يروى عن أحد من الصحابة غيره سوى رواية جاءت عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – وضعفها لأن أحد الرواة أخطأ فرواها عن الإمام مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، والصواب ما جاء في الموطأ للإمام مالك من روايته للحديث عن يحي بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة ، عن عمر كما رواه غيره . ومع هذا كله نجد مسند الربيع بن حبيب يستفتح برواية عن البيع ، عن شيخه أبي عبيدة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الأعمال بالنيات …… ألخ . وتعتبر هذه الرواية عندهم أصح من رواية حديث عمر . فلو كان ذلك كذلك ، لاهتم بها العلماء غاية الاهتمام ، أو على الأقل لنقدوها كما نقدوا روايته عن أبي سعيد !! ومثله حديث : (( اطلبوا العلم ولو في الصين )) . فهذا الحديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاؤا له في هذا المسند بطريقة تعتبر – كما يزعمون– من أصح الطرق – إن لم تكن أصحها - ، فيا للدهشة ! أما كان العلماء يعرفون تلك الطريق حتى يحكموا على الحديث بأنه موضوع ؟! لو كان هذا الكتاب موجوداً ، وتلك الطريق معروفة لما أغفلها العلماء الذين ملأ كلامهم عن الأحاديث وعللها الكتب ، وصنفوا في ذلك المصنفات ، كيحي القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعلي بن المديني ، ويحي بن معين ، والإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم بن الحجاج ، وأبي زرعة الرازي ، وأبي حاتم الرازي ، والنسائي ، والدارقطني ، بل هناك كتب صنفها العلماء تعني بالطرق الغريبة التي ترد لمتون معروفة من طرق أخرى ، كمسند البزار ، والمعجم الأوسط للطبراني ، مع ذلك لا تجد لهذه الطريق أدنى ذكر ، فَعَلاَمَ يدلّ هذا ! بل ترد فيه متون تناقض المتون الصحيحة مناقضة من كل وجه ، كحديث : (( ليست الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي )) ، فإنه يعارض الحديث الصحيح : (( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )) ، فالحديث الأول مروي في هذا المسند برقم (1004) ، ولو كان معروفاً لذكر في بطون الكتب الحديثية وما أكثرها ، ونحن نتحدّاهم أن يعطونا كتاباً أُلف قبل الألف للهجرة ذكر هذا الحديث ولو مجرد ذكر ، حتى وإن كان من كتب الموضوعات ، والسبب أن الوضاعين لم يجرأوا على ما اجترأ عليه هؤلاء الذين كان أهل السنة يروون عن أسلافهم لأنهم لا يكذبون ، أما هؤلاء الإباضية فقد جمعوا كذب أسلافهم خلال أكثر من ألف عام فصبّوه في هذا المسند الذي لا يشك من له أدنى إلمام بعلم الحديث بأنه أتفه من أن يذكر ، ولا يسوى مداد حرف من حروفه
6- لما واجه الإباضية مثل هذه الانتقادات زعموا أن السبب في عدم معرفة الكتاب ولا مؤلفه : معارضة الحكومتين : الأموية والعباسية للحركة الإباضية ، مما اضطرها إلى أن تعيش بثقافتها وتراثها في السراديب ، ولم تتهيأ للكتاب الفرصة المناسبة للخروج حتى يعرف ، ولا لمؤلفه كذلك. وهذا الكلام غير صحيح ، لأنهم يزعمون أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة تتلمذ على جابر بن زيد وتزعم الحركة الإباضية بعده ، فلماذا عُرف جابر بن زيد ، ولم يُعرف هو، ولا تلميذه الربيع ابن حبيب ، مع أنهما كانا يقودا حركة بأكملها ، والقادة هم أول من يُعرف ، بل إن من يتتبع ذاك الصراع الطويل للخوارج بأكملهم مع الأمويين والعباسيين يجد زعماء الخوارج معروفين ، ومواقفهم وشجاعتهم معروفة ، ولكن لم يرد لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ولا تلميذه الربيع بن حبيب أدنى ذكر . وكذلك أيضاً فإن تلاميذ جابر بن زيد معروفون ، ولم يُذكر فيهم أبو عبيدة ، فكيف يمكن التسليم لهم بأن الربيع بن حبيب تتلمذ عليه رجال من الشرق والغرب من العرب والبربر ؟ أما كان يُعرف واحد من هؤلاء الرجال يقول في ذلك الوقت : حدثني الربيع بن حبيب حتى نعلم أن الله خلقه ؟!!! وإذا كان هذا الكلام صحيحاً لماذا لم يختف عمران بن حطان الخارجي وتختف أحاديثه ؟ كيف استطاع أهل السنة الرواية عنه ؟ وإذا كان هذا الكلام صحيحاً ، فلماذا لم يظهر الكتاب أثناء قيام الدولة الرستمية الإباضية في المغرب ، من الذي كان سيبطش بالكتاب أو بجملته وهناك دولة تحميه ؟! لكننا نعرف السبب ، وهو أن الكتاب لم يكن معروفاً آنذاك ، وإنما كانت الدولة الرستمية تتلقف ما خلفه فكر الخوارج على ممر السنين دون أن يكون هناك مستند علمي مسطور. ولما واجه الإباضية مثل هذه الانتقادات التي تهدم بنيانهم ، وتأتي عليه من أساسه ، زعموا أن الربيع بن حبيب شخصية معروفة ، وذلك بعد أن ذهبوا يتلمسون في الكتب لعل هناك من يسمى بهذا الاسم ، فحداهم الشوق إلى أن ظفروا برجل يسمى الربيع بن حبيب زعموا أن الإمام أحمد قد وثقه ، ولكن الهوس أعماهم عن النظر في نِحْلَة ذلك الرجل ، ولم ينتبهوا إلى أنه شيعي ، وشتان بين الشيعي والخارجي ، ومع ذلك فلم يذكروا أنه فراهيدي ، ولا أزدي ، وإنما ذكروا أنه مولىً لبني عبس ، أو حنفي – على اختلاف بين العلماء في التفريق بين الاثنين أو جعلهما واحداً ، والإمام أحمد يرى أنهما واحد - ، ولم يذكروا عنه أنه روى عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، ولا أنه ألّف المسند ، أو روى شيئاً من هذه الأحاديث التي ضمها المسند وما أكثر المناكير فيها ، وإنما استنكروا على الربيع بن حبيب الشيعي حديثاً رواه وهو قول علي رضي الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السَّـوْم قبل طلوع الشمس ، وعن ذبح ذوات الدَّرّ ، وإنما وثقه الإمام أحمد لأنه يرى أن الخطأ في هذا الحديث من غيره . فالشاهد أنه ليس لديهم أدنى دليل يدل على أن هذا الرجل العبسي أو الحنفي هو صاحبهم الفراهيدي الأزدي ، والله أعلم. هذا مع أن الكتاب ترد فيه أحياناً أسماء لشيوخ الربيع بن حبيب وغيرهم ، وهم مجاهيل أيضاً لا يُعرفون ، والكلام عنهم كالكلام عن الربيع وشيخه. والكتاب بجملته إنما وضع لنصرة الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة ونفي الشفاعة ونفي الرؤية ونفي كثير من الصفات إن لم تكن كلها ، وغير ذلك مما تضمنه مذهبهم الباطل ، ويحاولون الاستدلال على ذلك بالسنة المكذوبة بعد أن عجزوا عن القرآن ، وصنعوا ما لم تصنعه طائفة غيرهم حين اختلقوا هذه الأحاديث في هذه الأعصار المتأخرة ، وما علموا أن العلماء قالوا : (( لما استعمل الرواة الكذب ، استعملنا لهم التاريخ )).

كتبه الشيخ / سعد بن عبد الله بن عبد العزيز الحميد


رابعاً : الردود
الردُّ الأول للظافر على موضوع الشيخ سعد الحميّد

بتاريخ 25/9/1999م ظهر الرد الأول للظافر على موضوع "حول الإباضية وحقيقة مسند الربيع بن حبيب". وقد نشر الرد الأول باسم الظافر في الساحة الثقافية لشبكة أهل الحق والاستقامة. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/archive...al.pl?read=779


((بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق))

ها هو التاريخ يعيد نفسه ..

شكك سعد الحميد في مقال له نشره المدعو " سليل المجد " في مسند الإمام الربيع بن حبيب رحمه الله تعالى .

ويذكرنا هذا بالخراشي الذي نشر مقاله الأول أبو عبد الإله ، فما أشبه الليلة بالبارحة ، والسعيد من اعتبر بغيره ، ولكن "ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور" ولست أشك في أن نهاية هذا كنهاية ذاك حيث نكص على عقبيه وولى الأدبار ولننظر النتيجة فإنها قريبة ، إن شاء الله .

أثار سعد الحميد الذي أعطي لقب "الشيخ" قضايا حول مسند الإمام الربيع وسأتناولها واحدة تلو الأخرى ، ولن أطيل فيها ، فمن لم ينفعه قليل الحكمة ضره كثيرها .

القضية الأولى : شخصية الإمام الربيع بن حبيب .. وباختصار يقول الإباضية عن هذا العالم الجليل :

هو أبو عمرو الربيع بن حبيب البصري الفراهيدي ، ثالث أئمة المذهب الإباضي ، ولد في عمان ثم انتقل إلى البصرة فمكث هناك أغلب حياته وعاد في آخر عمره إلى عمان مسقط رأسه وتوفي فيها ، وقبره في ولاية "لوى" التي فيها نسبة غير قليلة من السنة .

من شيوخه :
- أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي.
- ضمام بن السائب العماني.
- أبو نوح صالح الدهان.

من آثاره :
- المسند الصحيح.
- كتاب آثار الربيع.

هذا باختصار ما يقوله الإباضية عن الإمام الربيع ، فماذا يقول العالم النهرير والشيخ الكبير فريد دهره ووحيد عصره سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز الحميد .. اسمعوا أيها العقلاء :

"الربيع بن حبيب الفراهيدي شخصية لا وجود لها في التاريخ ، ولم تلدها أرحام النساء ، وإنما نسجها خيال الإباضية لنصرة باطلهم ، فهم يزعمون أنه قاد الحركة الإباضية بالبصرة تعليقا وتنظيما ، وأنه ثقة مرتضى تتلمذ عليه رجال من الشرق والغرب من العرب والبربر وأنه توفي سنة 170هـ . ونحن بدورنا نسألهم فنقول أنى لكم هذا ؟ ومن أين أخذتموه ؟ أعطونا مرجعا من المراجع القديمة المعروفة قبل سنة 1000 للهجرة سواء كان ذلك المرجع لأهل السنة أو للإباضية أو للرافضة أو لليهود أو للنصارى أو لغيرهم ، أما المراجع الحديثة كالأعلام للزركلي أو معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة أو نحوها فهي تؤكد على أن هذه الشخصية اختلقت مؤخرا ، وهي إنما تلقت هذه المعلومات في إباضية هذا العصر . ومن تأمل كتب الرجال كطبقات ابن سعد والتاريخ الكبير للبخاري والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ونحوها من كتب التراجم يعلم علما يقينيا أنه ما من شخصية عرفت بعلم أو دعوة أو غيرها وبالأخص القرون الثلاثة الأولى إلا ونجد عنها خبرا ولو مجرد ذكر فكيف يمكن أن تعيش هذه الشخصية في بلاد كالبصرة في تلك الفترة وتقود حركة علمية ويتتلمذ عليها رجال من الشرق والغرب ، ومع ذلك لا تذكر بحرف ؟"!
انتهى كلام علامة الجرح والتعديل وحامل لواء علم الرجال ، وللجواب عن هذا الكلام نقول :

أولا : قبح الله الجهل وأخزى الحماقة .

ثانيا : الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به بعض عباده .

ثالثا : الإمام الربيع بن حبيب ذكره علماء كثيرون وذكره المقدمون في فن الحديث والرجال ، وأما كتب الإباضية فقلما يخلو كتاب ألفه إباضي من ذكر هذا الإمام الجليل ابتداء من القرن الثاني الهجري إلى يومنا هذا ، وخذ مثلا :

1- مدونة أبي غانم الخراساني (ت أوائل القرن الثالث).
2- جامع ابن جعفر (القرن الثالث).
3- "جامع أبي الحواري" (القرن الثالث).
4- "المعتبر" للإمام أبي سعيد الكدمي (القرن الرابع).
5- "جامع ابن بركة" (القرن الرابع).
6- "جامع أبي الحسن البسيوي" (القرن الرابع).
7- "السير" لمجموعة من العلماء (من القرن الثاني إلى الرابع).
8- "بيان الشرع" لمحمد بن إبراهيم الكندي (القرن الخامس).
9- "المصنف" لأحمد بن عبدالله الكندي (القرن السادس).
10- "طبقات المشايخ" للدرجيني (القرن السابع).
11- "الجواهر المنتقاة" للبرادي (القرن الثامن).
12- "السيــر" للشماخي توفي عام 928هـ

كل هذه الكتب لعلماء توفوا قبل سنة 1000هـ وغيرهم كثير جدا .

وأما غير الإباضية فذكر منهم الإمام الربيع بن حبيب البصري الأئمة وأقطاب الجرح والتعديل :

1- البخاري في كتابه "التاريخ الكبير" الذي نفى ذكر الإمام الربيع فيه شيخ المحدثين سعد الحميد ، وأما الإمام البخاري فذكره فقال : (ج3 ص 277)
ربيع بن حبيب : سمع الحسن وابن سيرين روى عن موسى البصري

2- ابن حبان : قال في كتاب "الثقات" ج6 ص 299:
الربيع بن حبيب يروي عن الحسن وابن سيرين ، روى عن موسى بن إسماعيل
3- ابن شاهين في كتابه "تاريخ أسماء الثقات":
- والربيع بن حبيب أيضا بصري ، عن الحسن وابن سيرين ، وهو ثقة.

4- يحيى بن معين في كتابه "التاريخ" في عدة مواضع سيأتي ذكرها.

5- الإمام أحمد بن حنبل: ذكره بما لا يدع مجالا للشك في كتابه "العلل ومعرفة الرجال" (طبعة المكتبة الإسلامية الطبعة الأولى 1408هـ – 1988)
يقول عبدالله بن الإمام أحمد (ج2 ص 56 رقم 1538أ):
"سمعته يقول : كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له الهيثم بن عبدالغفار الطائي يحدثنا عن همام عن قتادة رأيه ، وعن رجل يقال له الربيع بن حبيب عن ضمام عن جابر بن زيد وعن رجاء بن أبي سلمة أحاديث ......"

أفهمت يا عالم العلماء !

"كان يقدم علينا من أهل البصرة رجل"
"وعن رجل يقال له : الربيع بن حبيب عن ضمام عن جابر بن زيد"
وهذا النص موجود في تاريخ بغداد ج14 ص 55

الا انه قال : "همام عن جابر بن زيد" ولا شك أنه تصحيف عن ضمام لورودها كذلك في كلام الإمام أحمد وجابر بن زيد هو أبو الشعثاء إمام الإباضية ، وأما ضمام فهو ابن السائب العماني الإباضي ذكره أيضا يحيى بن معين في "التاريخ" (طبعة دار القلم بيروت برواية الدوري) في موضعين :
- جـ2 ص157 رقم 3940
- جـ2 ص 268 رقم 4723.

وذكره الدولابي في "الكنى والأسماء" جـ2 ص 74 ، 75

وقد تقدم أن ضماما من شيوخ الإمام الربيع .
وروى الربيع في المسند عن ضمام عن جابر بن زيد الحديث رقم 520 ، وروى عنه الحديثين 112 ، 688 بواسطة أبي عبيدة مسلم .

والربيع بن حبيب هذا هو الإباضي المعروف ، وهو يختلف عن الآخرين اللذين ذكرا باسم الربيع بن حبيب ، وهما :

1- الربيع بن حبيب أبو سلمة الحنفي من أهل اليمامة :

ذكره البخاري في ( التاريخ الكبير ) وابن حبان في ( الثقات ) والذهبي في (ميزان الاعتدال) ، والمزي في (تهذيب الكمال) وابن حجر في (التهذيب) و (التقريب) وهو ثقة .

2- الربيع بن حبيب الكوفي أخو عائذ بن حبيب يقال لهما بنو الملاح .

ذكره البخاري في (التاريخ الكبير) ، وابن حبان في (المجروحين ) والذهبي في الميزان والمزي في التهذيب وابن حجر في التهذيب والتقريب وهو مختلف في توثيقه .

أما الربيع بن حبيب البصري فإلى معشر القراء الكرام شهادة يحيى بن معين فيه من كتابه التاريخ :
1- ج1ص260 رقم(1711) : الربيع بن حبيب أيضا بصري ، يروى عن الحسن وابن سيرين ، وهو ثقة .
2- ج2 ص87 رقم 3406 : الربيع بن حبيب ، بصري ثقة .
3- ج2ص113 رقم 3593 : الربيع بن حبيب بصري يحدث عن الحسن وابن سيرين وهو ثقة .
4- ج2ص195 رقم 4206 : الربيع بن حبيب البصري ، ثقة .
5- ج2 ص263 رقم 4697 : الربيع بن حبيب بصري يروي عنه أبو داود وعفان .

كما تقدم قول ابن شاهين فيه وهو "ثقة".

هذا عدا شهادات السادة الإباضية فيه .

وإلى لقاء قريب بعون الله .

الظــــــــافر


الردُّ الثاني للظافر على موضوع الشيخ سعد الحميّد

بتاريخ 6/10/1999م ظهر الرد الثاني للظافر على موضوع "حول الإباضية وحقيقة مسند الربيع بن حبيب". وقد نُشر الرد الثاني باسم الظافر في الساحة الثقافية لشبكة أهل الحق والاستقامة. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/archive...al.pl?read=871


وإذا أراد الله نشر فضيلة *** طويت أتاح لها لسان حسود

يقول شيخ نفسه/ سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز الحميد: ((شيخ الربيع في كثير من المواضع في هذا الكتاب هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي بالولاء، الذي يزعمون أنه تزعم الحركة الإباضية بعد جابر بن زيد، وتوفي في عهد أبي جعفر المنصور سنة 158هـ. وهذا أيضاً لا توجد له ترجمة، ونقول عنه كما قلنا عن الربيع بن حبيب.)) انتهى كلام هذا الرجل المسكين.

أيها الشيخ الوقور، إني لأشفق عليك حقا، وسأخبرك بقصة قصيرة، عسى أن تنال إعجابك:
جاء الأصمعي إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي ليتعلم على يديه علم العروض، فلما رآه الخليل لا يحسن تعاطي هذا الفن، قال له يوما:
كيف تقطع هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع
ففهم الأصمعي أن ذلك إشارة إلى أن يترك الأصمعي هذا العلم.
ما رأيك؟ أليست قصة جميلة؟ …
أيها الشيخ:
يقول الإباضية عن الإمام أبي عبيدة: هو التابعي الجليل أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي البصري، أجل تلامذة الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد، أدرك بعض الصحابة وروى عنهم بعض الأحاديث كما هو صريح قوله في بعض ما روى عنه الإمام الربيع في مسنده.
من شيوخه إضافة إلى أبي الشعثاء:
صحار العبدي، وجعفر ابن السماك، وضمام بن السائب، وصالح الدهان، وعمارة بن حيان.
قيل عنه كان رجلا في أمة، وأمة في رجل، اجتمع فيه الفقه والرواية والسياسة، وقد استطاع أن يقيم ثلاث دول، الأولى في حضرموت واليمن على يد طالب الحق، والثانية في عمان على يد الجلندى بن مسعود، والثالثة في المغرب على يد أبي الخطاب المعافري.

من أنجب تلاميذه:
الربيع بن حبيب، وأبو مودود حاجب الطائي، وسلمة بن سعد، وأبو أيوب وائل الحضرمي، وأبو حمزة الشاري، وعبدالرحمن بن رستم الفارسي، والأئمة الثلاثة السابق ذكرهم، وأبرهة بن الصباح الحميري وبلح بن عقبة، وأبو سفيان محبوب بن الرحيل القرشي المخزومي، والمعتمر بن عمارة الهلالي، وأبو المؤرج السدوسي.
ويُرجِّح الشيخ القنوبي أن أبا عبيدة ولد عام 45 هـ وتوفي سنة 150 هـ تقريبا.

والآن إلى ما قاله غير الإباضية عن هذا الإمام الجليل.
(1)- قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م المكتب الإسلامي: جـ3 ص11:
3922- قلت ليحيى (يقصد ابن معين): شيخ حدث عنه معتمر يقال له أبو عبيدة عن ضمام عن جابر بن زيد كره أن يأكل متكئا، من أبو عبيدة هذا؟ قال: رجل روى عنه معتمر، ليس به بأٍس، يقال له عبدالله بن القاسم. قلت ليحيى: فضمام هذا الذي روى عنه أبو عبيدة، من هو؟ قال: شيخ روى عن جابر بن زيد، روى عنه أبو عبيدة هذا، وروى عنه معمر يعني ضماما.

3923- سألت أبي (أي أن عبدالله بن أحمد سأل أباه) عن أبي عبيدة هذا قال: اسمه عبدالله بن قاسم يقال له: كورين.

3924- سألت يحيى قلت: معتمر عن أبي عبيدة عن عمارة بن حيان عن جابر بن زيد، من هذا عمارة بن حيان؟ قال: رجل روى عنه أبو عبيدة هذا من أصحاب جابر بن زيد، وقد حدث أبو عبيدة عن صالح الدهان، سمعت يحيى يقول: أبو عبيدة لم يسمع من جابر بن زيد عن رجل عنه.

(2)- ابن معين في كتاب التاريخ برواية الدوري طبعة دار القلم– بيروت: جـ2 ص 157 رقم 3940: سمعت يحيى يقول: سمع معتمر من أبي عبيدة، وأبو عبيدة هذا بصري هو عبدالله بن القاسم. وروى أبو عبيدة عن ضمام، وضمام هذا بصري، قلت له: من روى عن ضمام هذا سوى أبي عبيدة؟ قال معمر وغيره من البصريين.

جـ2 ص268 رقم4723: حدثنا يحيى قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبي عبيدة البصري ولقبه كورين (في المطبوع كوريز وهو خطأ) عن ضمام عن جابر بن زيد في الرجل يقتل الصيد، قال أما يقرأ القرآن؟ إنما يحكم في العمد.

(3)- عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب "الجرح والتعديل" جـ 5 ص141 رقم 657: عبدالله بن القاسم أبو عبيدة روى عن صالح الدهان عن جابر بن زيد وروى عن بنت أبي بكرة، روى عنه معتمر بن سليمان، سمعت أبي يقول ذلك. نا عبدالرحمن أنا عبدالله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: قلت ليحيى بن معين: شيخاً حدث عنه معتمر يقال له أبو عبيدة عن صالح الدهان عن جابر بن زيد، من أبو عبيدة هذا؟ قال: رجل يقال عبدالله بن القاسم ليس به بأس.

(4)- الدولابي في "الكنى والأسماء":
- جـ2 ص 73: أبو عبيدة عبدالله بن القاسم، حدث عنه معتمر بن سليمان.
- جـ2 ص 74: حدثني عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قلت ليحيى بن معين: شيخ يقال له أبو عبيدة حدث عنه معتمر عن جابر بن زيد أنه كره أن يأكل متكئا، قال: رجل روى عنه المعتمر ليس به بأس يقال له عبدالله بن القاسم….
قال العباس سمعت يحيى يقول: سمع معتمر من أبي عبيدة، وأبو عبيدة هذا بصري، هو عبدالله بن القاسم، وروى أبو عبيدة هذا عن ضمام، وضمام هذا بصري هو عبدالله بن القاسم، قلت: من روى عن ضمام هذا سوى أبي عبيدة؟ فقال: معمر وغيره من البصريين. حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا معتمر بن سليمان عن أبي عبيدة البصري لقبه رزين عن ضمام عن جابر بن زيد في المحرم يقتل الصيد خطأ فقال: أما يقرأ القرآن؟ إنما يحكم في العمد. قال يحيى: ضمام روى عنه معمر بن راشد. وأخبرني عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قلت ليحيى بن معين: شيخ يحدث عنه معتمر يقال له أبو عبيدة عن ضمام عن جابر بن زيد أنه كره أن يأكل متكئا، من أبو عبيدة هذا؟ قال: رجل روى عنه معتمر ليس به بأس يقال له عبدالله بن القاسم، قلت من حدث عنه غير معتمر؟ قال: البصريون يحدثون عنه، فقلت: فضمام هذا الذي روى أبو عبيدة عنه من هو؟ قال: شيخ روى عن جابر بن زيد روى عنه أبو عبيدة هذا وروى عنه معمر يعني عن ضمام.

هذا ما قاله علماء الجرح والتعديل. وملخص ما قالوه:
- أن أبا عبيدة بصري، إذ يروي عنه معتمر والبصريون
- أنه يروي عن ضمام عن جابر بن زيد
- وروى عن عمارة بن حيان عن جابر بن زيد
- وروى عن صالح الدهان عن جابر بن زيد
وقد مضى أن هؤلاء الثلاثة من شيوخ أبي عبيدة، وهم كلهم إباضية. وأما تسمية أبي عبيدة بعبدالله القاسم فهو خلط بينه وبين أبي عبيدة الصغير أحد أعلام الإباضية توفي حوالي سنة 170 هـ، وهو من طبقة تلامذة الإمام أبي عبيدة مسلم. وأبو عبيدة عبدالله بن القاسم ليس راوية للحديث خلافا لأبي عبيدة مسلم الفقيه الراوي.
وعليه فمن سمى أبا عبيدة مسلما بعبدالله القاسم قد عرفه ذاتا وجهله اسما. وعليه يحمل قول ابن معين: ((أبو عبيدة لم يسمع من جابر بن زيد، عن رجل عنه)) فهذا أبو عبيدة الصغير، أما أبو عبيدة الإمام فقد لازم جابرا ملازمة طويلة.
وأما تلقيبه بكورين فالظاهر أن ذلك لقب لأبيه أبي كريمة.

وقد ذكر ذلك:
(5)- الجاحظ المعتزلي فقال في كتابه "البيان والتبيين" الطبعة الأولى 1414هـ 1993، دار "إحياء العلوم": جـ1 ص 523: ((ومن الخوارج وعلمائهم ورواتهم: مسلم بن كورين وكنيته أبو عبيدة، وكان إباضيا، ومن علماء الصفرية))
وهذا صريح في أن كورين اسم أبيه، وأما عده أبا عبيدة من الخوارج فهو كعادة غير الإباضية في إلصاقهم بالخوارج، وهو خلط اعتدنا عليه، ونحوه قول الجاحظ ((وكان إباضيا، ومن علماء الصفرية)) إذ لا علاقة للإباضية بالصفرية.
وقول الجاحظ هذا في أبي عبيدة بأنه مسلم بن كورين يفسر كلامه الثاني جـ2 ص907 عند الحديث عن الذين أطلق عليهم الخوارج: ((ومن علمائهم: مليل، وأصغر بن عبدالرحمن، وأبو عبيدة كورين واسمه مسلم، وهو مولى لعروة بن أذينة))
وربما سقطت كلمة "بن" بين "أبوعبيدة" وبين "كورين" في المطبوع.
وأما ما ذكره الدولابي عن ابن معين من أن اللقب "رزين" بدلا من "كورين" فالظاهر أنه تحريف.
هذا وقد ذكر أبا عبيدة مسلم بن كريمة أيضا:
(6)- أحمد بن يحيى الناصر أحد علماء الزيدية المتوفي سنة 315هـ في كتابه "النجاة" دار النشر: فرانز شتاينر، 1405هـ– 1985م: قال ص 337: ((فصار الذكر هو الرسول، وهذا ما لم يدفع، فصار أهل البيت عليهم السلام المأمور المخلق بسؤالهم، ولم يكلفوا أن يسألوا عبدالله بن يزيد البغداذي ولا عبدالرحمن بن خليل ولا عبدالكريم بن نعيم، ولا مسلم بن أبي كريمة، ولا عبدالصمد ولا المعلم ولا نجدة بن عامر ولا أبا مؤرج السدوسي))

هذا وقد ذكر مسلم بن أبي كريمة أيضا كثيرون:
- الإمام البخاري في "التاريخ الكبير" جـ7 ص271 رقم 1144: قال: ((مسلم بن أبي كريمة ، يذكر عن علي))
- عبدالرحمن بن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" جـ8 ص193 رقم 1845: قال: ((مسلم بن أبي كريمة، روى عن علي رضي الله عنه، روى عنه ….. سمعت أبي يقول ذلك ويقول: هو مجهول)).
- ابن حبان في كتابه "الثقات" جـ5 ص401 قال: ((مسلم بن عقال، ومسلم بن عمار ، ومسلم بن أبي كريمة ، ومسلم بن هرمز ، ومسلم مولى علي ، رووا هؤلاء عن علي بن أبي طالب، إلا أني لست أعتمد عليهم، ولا يعجبني الاحتجاج بهم لما كانوا فيه من المذهب الردي)) وقد فسر كلام ابن حبان هذا ابن حجر في كتابه "اللسان" جـ6 ص37 رقم 1572/8357، فبعد أن نقل قول ابن حبان قال: ((يعني لأجل التشيع))

وملخص هذه الأقوال:
- أن مسلم ابن أبي كريمة روى عن علي، فإن كان يقصد الرواية المباشرة والسماع منه فهو لا يتأتى لأبي عبيدة الإمام الإباضي، لأنه ولد بعد وفاته بزمن، بل حتى شيخه أبو الشعثاء يروي عن علي بالبلاغ، وإن كان يقصد مجرد الرواية فإن أبا عبيدة روى عن علي كذلك كما في المسند رقم (412).
وأما عده شيعيا فهو تفسير ابن حجر لكلام ابن حبان، ولم يصرح ابن حبان بمذهبه. ولكن الناصر الشيعي الزيدي يدل كلامه على أن مسلم بن أبي كريمة الذي ذكره ليس شيعيا، لا سيما أن الناصر ذكر من الإباضية أيضا عبدالله بن يزيد البغداذي وهو أحد تلامذة الإمام الربيع، وأبا مؤرج السدوسي وقد تقدم أنه أحد تلامذة الإمام أبي عبيدة مسلم، فالجمع بينهم يفيد أن مسلم بن أبي كريمة الذي ذكره هو الإمام الإباضي. يضاف إلى ذلك أن الناصر عده أحد العلماء الذين يرجع إليهم، هذا عدا كلام الجاحظ في أن أبا عبيدة مسلما من علماء الإباضية ورواتهم.
ولعل ابن حجر نظر إلى رواية مسلم بن أبي كريمة عن علي فجعله لذلك شيعيا وأما جعل ابن حبان مذهبه "رديا" فليس بغريب عليه وعلى جميع الحشوية والحانقين على هذا المذهب العزيز ورجاله، أوليس سعد الحميد يتهم الإباضية بالكذب والانتحال، وسوف يلاقي جزاءه على هذه التهمة الشنيعة والجريمة القبيحة، إلا أن يعلن توبته عن هذه الفرية المهلكة.
وإذا كان أبو حاتم يقول عن مسلم أبي كريمة: مجهول وتبعه عليه الذهبي في الميزان، فذلك عائد إلى عدم معرفته به، فجهالته إياه لا تضره، كما جهله علامة الرجال وشيخ الجرح والتعديل سعد الحميد.
وأما ابن حبان الذي لا يعجبه الاحتجاج به فمناقض لإيراده إياه في كتابه "الثقات" فلماذا لم يذكره في "المجروحين" إذن؟ وهذا منهج عدد من المحدثين لا يحتجون بكلام مخالفيهم في المذهب.
ومع كل هذا نكتفي بقول ابن معين في أبي عبيدة ((لا بأس به)) كما سبق ذكره، وقد اتفق علماء المصطلح والجرح والتعديل أن قول ابن معين: ((لا بأس به)) هو بمنزلة قوله ((ثقة)).
كيف لا وهو حجة حجة وثقة ثقة وإمام جليل وعالم نبيل.
وأخيرا إلى العلامة سعد الحميد: كيف تقطع هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع

إلى زائر معجب:
أخي العزيز: أشكرك الشكر الجزيل على نصيحتك الخالصة وكلماتك المعبرة، فأنا محتاج إلى من يوجه إليَّ النصح والإرشاد بين الحين والآخر ويشد من عزمي.
أسأله تعالى العفو والسلامة والمغفرة والتوفيق
وإلى لقاء
الظـــــــــــافر


الردُّ الثالث للظافر على موضوع الشيخ سعد الحميّد

بتاريخ 26/10/1999م ظهر الرد الثالث للظافر على موضوع "حول الإباضية وحقيقة مسند الربيع بن حبيب". وقد نُشر الرد الثالث باسم الظافر في الساحة الثقافية لشبكة أهل الحق والاستقامة. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/archive...l.pl?read=1121

وليس يصح في الأذهان شيء ***** إذا احتاج النهار إلى دليل

إخوتي الأعزاء ، أعتذر إليكم عن التأخر الكثير لظروف سببت ذلك ، ولكن ليتلق الوهابية مني ما تطيب به النفس بعونه تعالى .

يقول وحيد دهره وفريد عصره سعد الحميد في مقاله الذي أنكر فيه شخصية الإمام الربيع بن حبيب وشخصية أبي عبيدة مسلم ليتوصل إلى إنكار المسند الشريف :

"مرتب الكتاب هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني، وهو _كما يزعمون _ متأخر في القرن السادس، وما قلناه عن الربيع وشيخه نقوله عن هذا أيضاً، لأنه لا توجد له ترجمة في كتب الرجال التي عنيت بترجمة أهل ذلك العصر كالتكملة لوفيات النقلة، أو سير أعلام النبلاء، أو تاريخ الإسلام، أو غيرها، فجميع هذه الشخصيات التي لها علاقة مباشرة بالكتاب شخصيات مجهولة ندين الله عز وجل بأنها لم تنفخ فيها روح، ولم تطأ على أرض".
انتهى كلامه بنصه وحروفه .

وتذكر أخي القارئ قوله: "ندين الله عز وجل بأنها لم تنفخ فيها روح ولم تطأ على أرض" . هكذا دين الوهابية ، قائم على الظنون والأوهام وما تهوى الأنفس ، مجرد توهم من سعد الحميد جعله عقيدة ودينا ، فيا بشرى بالعلم والفهم والتقوى! وعلى أي شيء اعتمد في هذه العقيدة وهي إنكار هذه الشخصيات الثلاث؟
اعتمد على "سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه".
هذا ، ونحن نقول لسعد الحميد :
لقد ثبت أن ما قاله في كل من الإمامين أبي عبيدة والربيع رحمهما الله تعالى مجرد هراء وتخريف ، كما ثبت للقراء الكرام أنه ليس لكلام سعد الحميد حقيقة إلا الأوهام وليس للكلمة عنده مسؤولية وليس لمعلوماته مصداقية . وإذا تطرق الشك إلى بعض معلوماته سرى ذلك إليها كلها ، فلا تبقى لكلمته وقع ولا أمانة ولا تقدير . وليت الأمر توقف عند سعد الحميد عند مجرد التساؤل أو التشكيك في شخصية لا وزن لها ، إذن لهان الخطب ولكان لقوله بعض الاحترام . أما أن يتجاوز الأمر كل ذلك إلى اليقين والدينونة لله سبحانه بعدم وجود ثلاث شخصيات لكل واحدة منها أثر واضح في التاريخ فماذا يسمى ؟ !
يسمــى سفســطة وحمقــــا وغبــــــاء .
أما أبو يعقوب الوارجلاني فإليك أخي الكريم ترجمته من كتب الإباضية :
هو يوسف بن إبراهيم الوارجلاني الإباضي ، من علماء القرن السادس الهجري ، من سدراته بوارجلان ، من وادي ميزاب بالجنوب الجزائري . عالم جليل وإمام نبيل ، جامع لعلوم شتى وفنون مختلفة ، مكثر من التأليف ، قوي الحجة ، واسع النظر ، حياته حافلة بالأحداث الكثيرة …
من شيوخه :
- أبو سليمان أيوب بن إسماعيل ، وصفه الدرجيني بأنه "بحر تتقاذف في غواربه السفن" ، رثاه تليمذه أبو يعقوب بقصيدة مطلعها:
أيوب ما أيوب ما أيوب **** أودى به قدر الردى المجلوب
- أبو زكريا يحيى بن أبي زكريا (ت عام 528ه)
- أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي، من سوف على حدود الجزائر ، صاحب كتاب السؤالات.

من تلاميذه :
- ابنه أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يعقوب
- أبو سليمان أيوب بن نوح

رحلاته :
1- رحلته إلى الأندلس ، وفيها تعلم علوم اللغة والعلوم العقلية والرياضية .
2- رحلته إلى السودان ، وهدفها تجاري ، وكان لها بجانب ذلك فوائد علمية ، وفيها اكتشف خط الاستواء كما صرح بنفسه بذلك في كتاب الدليل والبرهان 3/216.
3- رحلته إلى المشرق التي أدى فيها فريضة الحج ، وله فيها قصيدة ذكر فيها تفاصيل رحلته وأحداثها ، ومما ذكره أخذ أعراب الحجاز المكس من الحجاج وابتزازهم أموالهم …. وما أشبه الليلة بالبارحة .

بعض إنتاجه :
1- في التفسير :
فسر الإمام أبو يعقوب القرآن الكريم ، كما ذكر ذلك البرادي في خاتمة كتابه "الجواهر المنتقاة"، وفصل القول عن تفسير أبي يعقوب ، لكنه مفقود إلى الآن، ويقال أنه موجود في روما عاصمة إيطاليا.
2- في الحديث :
رتب الوارجلاني مسند الإمام الربيع على وفق أبواب الفقه بعد أن كان مرتبا على طريقة المسانيد ، وجعله في جزأين ، وأضاف إليه آثار احتج بها الربيع على مخالفيه وجعلها جزءا ثالثا ، ثم أضاف روايات الإمام محبوب بن الرحيل عن الربيع ، وروايات الإمام أفلح بن عبدالوهاب عن أبي غانم ، ومراسيل الإمام جابر بن زيد فجعلها جزءا رابعا .

وقد شرح كتاب الترتيب كاملا العلامة محمد بن عمر الملقب بالمحشي، من علماء القرن الحادي عشر الهجري، وسماه "حاشية الترتيب"، كما أعاد الإمام قطب الأئمة ترتيب أبي يعقوب وسماه "ترتيب الترتيب".
وشرح الجزأين الأول والثاني الإمام السالمي في "شرح الجامع الصحيح".

3- في أصول الدين :
كتاب الدليل والبرهان

4- في الفلسفة :
كتاب مرج البحرين

5- في التاريخ :
كتاب فتوح المغرب

6- في أصول الفقه
"كتاب العدل والإنصاف" الذي لقي من الإباضية عناية كبيرة :
- شرحه البرادي في كتاب "البحث الصادق والكشف من حقائق العدل والإنصاف"
- اختصره البدر الشماخي في "مختصر العدل والإنصاف"
- ثم شرح البدر الشماخي مختصره بنفسه في "شرح مختصر العدل والإنصاف"
- ثم شرح الإمام القطب شرح البدر الشماخي في "شرح شرح مختصر العدل والإنصاف"
- ونظم الشيخ عامر بن خميس المالكي مختصر العدل والإنصاف في منظومته "موارد الألطاف"

من كتب عن الوارجلاني :
1- أبو عمار عبدالكافي صاحب كتاب (الموجز) الشهير، وهو معاصر لأبي يعقوب وتوفي قبله ، ذكره في كتاب "السير"
2- الدرجيني المتوفى سنة 670هـ في كتاب "الطبقات" وقد فصل في حياة أبي يعقوب.
3- البرادي المتوفى سنة 810 هـ في خاتمة كتابه "الجواهر المنتقاة"
4- البدر الشماخي المتوفى سنة 982 هـ في كتابه "السير".

هذا عدا الرسائل والأبحاث العربية والأوروبية المكتوبة فيه ، من أهمها :
رسالة ماجستير بعنوان : "أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد الغزالي"، أعدها مصطفى بن صالح باجو وأشرف عليها د. محمد السويسي ، جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية ، السنة الجامعية 1412 هـ 1413هـ / 1992-1993م.
توفي أبو يعقوب الوارجلاني في سدراته عام 570 هـ رحمه الله رحمة واسعة .

هذا ما عند أهل الحق والاستقامة، فماذا يقول علامة الرجال وحامل لواء علم التراجم سعد الحميد؟!
هذا ، ولم أجد في تراجم غير الإباضية ذكرا لأبي يعقوب يوسف بن ابراهيم الوارجلاني ، وشهرته تغني عن محاولة إثبات وجوده ، فإن من العبث والسخرية بالعقول أن نرغم أنفسنا أن نجد ترجمة لهذا العالم الجليل، وكأنه الإباضي الوحيد الذي لم نجد له ترجمة في كتب غير الإباضية .
وهل عرف سعد الحميد عشر معشار علماء الإباضية ومشاهيرهم فضلا عن المغمورين منهم حتى يحيط بهم وينكر منهم من يريد ولو على حساب عقله وضميره ودينه وعقيدته .
وأين هو من علماء المشرق وعلماء المغرب الكثيرين ، بل أين هو عن دولهم المشهورة، وهل عرف غير الدولة الرستمية التي ربما لا يعرف عنها الا اسمها ؟ هل يعرف سعد الحميد مؤسسها عبدالرحمن بن رسم وابنه عبدالوهاب وابنه أفلح بن عبدالوهاب وغيرهم. وهل ذكر هؤلاء في كتب غير الإباضية ليعترف بهم سعد الحميد ؟
ثم أين هو عن الأسر الإباضية المعروفة ، كأسرة آل الرحيل القرشية المخزومية .. محبوب بن الرحيل وابنه محمد بن محبوب أعلم أهل زمانه وأشهرهم في موطنه، وابناه بشير وعبدالله ابنا محمد بن محبوب، وإمام المسلمين سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب رضي الله عنهم أجمعين . وأين هو عن دولة اليعاربة ، وهل لها ذكر في مؤلفاتهم ؟
أيها القارئ الكريم، إن السخافة في مقال سعد الحميد قد أرغت وأزبدت، ومعلوماته فيه تثير الغثيان. فليت شعري كيف يطمئن طلابه إلى دروسه، أم كيف يثقون بمعلوماته ويقنعون ببضاعته ؟
والى لقاء قريب إن شاء الله..

الظافـــــر


الردُّ الرابع للظافر على موضوع الشيخ سعد الحميّد

بتاريخ 10/11/1999م ظهر الرد الرابع للظافر على موضوع "حول الإباضية وحقيقة مسند الربيع بن حبيب". وقد نُشر الرد الرابع باسم الظافر في الساحة الثقافية لشبكة أهل الحق والاستقامة. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/archive...l.pl?read=1339

وإذا ما خلا الجبان بأرض *** طلب الطعن وحده والنـزالا

يقول سعد الحميد في معرض قدحه في مسند الإمام الربيع بن حبيب رحمه الله : "لا يوجد للكتاب أصل مخطوط موثوق" .. انتهى كلامه الجميل وعلمه الغزير .

وقبل أن أدخل معه في حوار حول هذا الكلام أطلب من القراء الكرام أن يبدوا وجهات نظرهم فيما كتبته في الحلقات الثلاث السابقة بكل نزاهة وموضوعية . كما أدعو الشيخ / سعد الحميد أن يرد على كل ما قلت ردا علميا مقنعا ، ولا يفعل كما فعل الخراشي من قبل وكما يفعل الوهابية من الانتقال من غصن الى غصن دون الجواب على الأمر الذي يدور حوله النقاش .

ولا زلت أحتمل للشيخ سعد الحميد أن يكون لم يبلغه شيء من تلك المقالات ، ولكني لا أبرىء ساحة الوهابية من إيصالها إليه –إن كان لم يصله شيء بعد- لا سيما بعد أن وعد الشيخ/ عادل الكلباني إمام جامع الملك خالد بأم الحمام / الرياض في موقع الساحة الإسلامية أن يرد الشيخ/ سعد الحميد .

هذا إن كان عنده رد ، وإلا فليعترف بالحقيقة وليقل ما عنده بكل جرأة فإن الاعتراف في مجال الحق هو الشجاعة لا أن يتطلب الشبهات والمآخذ والأعذار وتأخذه العزة بالإثم .. فما أجمل الاعتراف بالحقيقة وإن كانت ضد الإنسان ، ولا يأخذن الوهابية شنآن الإباضية وبغضهم لهم عن قول الحقيقة والانصياع للحق ، فإننا وجدنا رب العزة سبحانه وتعالى يقول : "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" فجعل الاعتراف بالحق دالا على تقوى الانسان ، ووجدناه تعالى يقول : "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد" .
فاتق اللــــــــــــه يا سعــــــــــد الحميـــد .

هذا وسكوت سعد الحميد – إن كان بلغه شيء- عن التعقيب في هذا الموضوع أعده رضوخا للحق وتسليما من قبله بكل ما كتبته في هذه المقالات . أو لنقل : إن هول المفاجأة بما رآه في هذه المقالات ألجمه عن الكلام ، فلله كيف الحق يخرس لسان الباطل .
وأعود الآن فأقول يا سعد الحميد :
أوردتها فلم تعرف كيف توردها
لقد قلت : "لا يوجـــد للكتاب أصـــل مخطوط موثـــوق"

يا شيخ سعد ، من أين لك أن تتكلم عن الإباضية وتعطي أحكاما ، وتقرب وتبعد .. هلا اكتفيت بمعلوماتك وسكت عن المسند وعن الإباضية إذ لم تعرف عنهم شيئا فكيف وقد عرفت عنهم ما هو خلاف الحقيقة ، وصدق من قال : "إن البلاء موكل بالمنطق ".
فلا تؤاخذنا يا شيخ سعد بما تسمعه منا وتقرأه ، فإنك أنت البادي وأنت المتعدي ، ظلمت نفسك بقلمك ولسانك .

وليعلم القراء الكرام أن ما نقول إنما هو من باب قوله تعالى : "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وقد قال القائل :
جراحات السنان لها التئــــام *** ولا يلتام ما جرح اللسان

أيها الشيخ :
إن حكمك على مسند الإمام الربيع بعدم وجود نسخة مخطوطة موثوقة يقتضي أنك فرغت من معرفة كل شيء عن المذهب الإباضي ، ولم تقتصر معرفتك الواسعة على الكتب المطبوعة ، بل تجاوز ذلك الى المخطوطات ، وها أنت تعرف تلك المخطوطات واحدة واحدة ، وتعرف دور المخطوطات كلها سواء التي في عمان أو الجزائر أو تونس أو ليبيا أو العراق أو اليمن أو أفريقيا ، بل حتى أوروبا ، فتشتها مكتبة مكتبة ودارا دارا ، وحتى المكتبات الخاصة لدى أفراد الإباضية ، عرفتها وعرفت ما فيها وخلصت إلى هذه النتيجة الرائعة التي تستحق عليها أن تسجل في الموسوعة العالمية للأرقام القياسية (جينس) ولقبك حينئذ : الباحث الذي فتش جميع مخطوطات المكتبات العالمية (الرسمية والخاصة) ..
فهنيئا للوهابية بوجود مثلك فيهم ، وهنيئا للعلم إذ غشيه مثلك .. ولكن أيها الشيخ الجليل ، أظن أن هناك مخطوطة واحدة لم تعرفها ، لعلك حين زرت المكتبة التي هي فيها لم ترها ، أو لعل أصحابها أخفوها عنك حين دخلت المكتبة أو ربما رأيتها فنسيت أنك رأيتها ، وهناك احتمال رابع وهو أن هذه المخطوطة أدخلت الى تلك المكتبة بعد أن زرتها أنت ، والاحتمال الخامس أنك –عافاك الله- لم تعرف قراءة عنوانها أو لم تفهم موضوع المخطوطة .. هذه احتمالات –وهي أقل من سبعين- كافية لعدم القدح في علمك الواسع .

بقي أن نقول إن هذه المخطوطة هي مخطوطة مسند الإمام الربيع بن حبيب نسخت سنة 815 هـ
أكــــــــــــــرر سنــــــــة 815 هـ .
وبالأحرف سنــة خمــس عـشرة وثمانمائــــة من الهجرة .
والمخطوط موجود في مكتبة (آل يدّر) بوادي ميزاب من الجنوب الجزائري تحت الرقم التالي : (113/ج8) (~6/159)

وإلى لقاء
الظـــــــــــــافر


الردُّ الأول للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

بتاريخ 28/4/2000م بدء سعد الحميّد سلسلة ردوده على ردود الظافر الأربعة التي أوردناها سابقاً. وقد قام بنشر الرد الأول المدعو "إحسان العتيبي" في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/002509.html

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وبعـد :

فقد أطلعني بعض الإخوة على أوراق منسوخة من موقع من مواقع " الإنترنت" يخص فرقة الإباضية ، فيه ردّ ممن أسمى نفسه :"الظافر" على كتابة كنت كتبتها منذ سنوات جوابًا عن سؤال عن "مسند الربيع بن حبيب".

وعلمت من خلال الرد أن هناك من أدخل هذه الكتابة على موقعهم - بقصد الاحتساب فيما يظهر-، ولقب نفسه بـ"سليل المجد"، وكان بودّي لو استأذنني قبل نشره لهذه الكتابة أدبًا أولاً ، ثم قد يكون لدي زيادة أو تعديل فيما كنت كتبت ثانيًا ، وبالأخص بعد اطلاعي على كتاب "الإمام الربيع بن حبيب ، مكانته ومسنده" ، تأليف سعيد بن مبروك القنوبي ، نشر مكتبة الضامري بعمان ، الطبعة الأولى سنة 1416 هـ، وهو عبارة عن دراسة توثيقية لـ"مسند الربيع بن حبيب" ودفاع عنه، وجواب عن اعتراضات أبداها الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، والشيخ بكر أبوزيد ، والأخ مشهور بن حسن ، وكانوا قد نقدوا هذا "المسند"؛ كما نقده أيضًا غيري وغيرهم؛ كالدكتور خليل ملاّ خاطر في رسالة له في هذا الصدد، والدكتور أبي لبابة الطاهر حسين في "مناهج المحدثين" وقد أفدت من كتابتيهما ؛ كما نقد "المسند" أيضًا الدكتور صابر طعيمة في كتابه" الإباضية عقيدة ومذهبًا " (ص106و107و122 و125 و165)، والدكتور محمد عبدالفتاح عليان في كتابه "نشأة الحركة الإباضية"(ص214-215و220).
هذا ولابد من التذكير بأن كتابتي تضمنت عدة أمور تدل بمجموعها على أن "مسند الربيع بن حبيب" مكذوب وأحاديثه موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد أجاب الظافر عن بعض هذه الاعتراضات بأجوبة ستأتي مناقشتها ، ولم يُجب عن بعضها الآخر، ومن ذلك : ما ذكرته عن جهالة الكتاب وجهالة أحاديثه التي لم تذكر في كتب علماء الحديث الذين يقطع من يعرف منهجهم أن الكتاب لو كان موجودًا لتكلموا عليه وعلى أحاديثه ، ولو على سبيل النقد ، واستدللت على ذلك ببعض الأحاديث الموجودة في الكتاب ؛ كحديث : (( اطلبوا العلم ولو في الصين )) ، وغيره مما هو مذكور في كتابتي المنشورة .

ومن ذلك أنه أتيحت للكتاب فرصة الظهور حينما قامت للإباضية دولة في المغرب ، وهي الدولة الرستمية ، فلماذا لم يظهر ولم يشتهر حينما قامت لهم دولة ... ، وهكذا في جزئيات أخرى ذكرتها.

ومع هذا أقول للظافر : جميل منك استعدادك لمناقشة هذه القضايا المهمة المتعلقة بأهم شيء في حياة الإنسان ؛ وهو عقيدته ، وأظنك توافقني على أن نعاهد الله أنا وأنت على أن نكون متجردين عن الهوى والعصبية ، وأن يكون الصدق رائدنا ، وأن نحترم عقول من نكتب لهم ، فلا نعرض أمامهم إلا الشيء الذي حاسبنا أنفسنا عليه ، وعلمنا أن الله تعالى سيحاسبنا عليه ، وأن لا نستغل معرفتنا ببعض
العلوم فنقدم للقراء معلومات محرفة ، أو نصوصًا مبتورة ، أو كلامًا في غير موضعه ، ثم ننمقه بعبارات هائجة ، وأمثال ، وأشعار ، وكلام بذيء ينبغي لحامل العلم الشرعي هجره والبعد عنه ، فليس المقام مقام عرض قوة الجسد والافتخار بها أمام الناس ، فذاك له ميادينه ، وأذكرك ونفسي بترك المراء ، فهو مذموم، وأن نعمد إلى الحقيقة فنحاول تجليتها ، ونبتهل إلى الله تعالى أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وندعو بدعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ".

وسأتجاوز جميع ما تضمنه ردك من سخرية بشخصي وعلمي ، فالوقت أشرف من أن يضيع في مثل هذه القضايا ، وأعمد إلى مناقشة المسائل العلمية التي هي بيت القصيد .

فأقول : اعلم هداك الله أني عجبت من صنيعك أنت وسعيد القنوبي فيما يتعلق بما كتبتماه عن "مسند الربيع بن حبيب"!!
أما سعيد القنوبي فإنه ترجم لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة بترجمة أخذها من كتب الإباضية كـ "الطبقات" للدرجيني ، و" السير" للشماخي - وسيأتي الحديث عنها -، ثم نقل (ص35) النص الآتي:" وقع غلام لحاجب رحمه الله تعالى عند أبي جعفر المنصور ، فسأله : لمن كان ؟ فقال لحاجب ، وكان عالِمًا به وبأبي عبيدة ،فدخل عليه يومًا حزينًا فسأله ، فقال : مولاي الذي كنت له مات - يعني حاجبًا رحمه الله - فرجّع أبو جعفر فقال : رحم الله حاجبًا ، ثم دخل عليه بعد ذلك فرآه حزينًا ؛ فقال : مالي أراك حزينًا ؟ فقال : مات صديق لمولاي يُقال له أبو عبيدة الأعور ، قال : إنه قد مات ؟ قال : نعم ، فرجّع وقال : ذهبت الإباضية " ا.هـ.
ثم عزا هذا النقل لـ"الكامل" لابن الأثير (ج5 ص316-317)، وهو نقل غاية في الأهمية بالنسبة لي ولكل من تكلم عن شخصية أبي عبيدة من غير الإباضية ، فكتاب "الكامل" مما لا شكّ في معرفته ومعرفة مؤلفه ، وهذا النص يخدم المؤلف في إثبات ذكر شخصية أبي عبيدة في كتب غير الإباضية ، وقد رجعت إلى هذا العزو في مختلف طبعات "الكامل" التي وقفت عليها فلم أجده ، وبحثت عنه بالحاسب الآلي "الكمبيوتر" فلم أجده ، فإذا لم يكن النص منقولاً عن "الكامل" كما ذكر المؤلف ،
فعلام يدل هذا ؟!
وفي ترجمة أبي عبيدة أيضًا قال (ص30) ما نصه :" وقد سأل أحمد بن حنبل يحيى بن معين – إمام الجرح والتعديل – عن أبي عبيدة رحمه الله تعالى حيث قال له : شيخ حدّث عن معتمر يُقال له : أبو عبيدة عن ضمام عن جابر بن زيد : كره أن يأكل متّكئًا ، مَن أبو عبيدة هذا ؟ قال رجل روَى عنه معتمر ليس به بأس ، قلت : مَن حدث عنه غير المعتمر ؟ قال : البصريون يُحدّثون عنه ، وسأل أحمد بن حنبل عن عمارة بن حَيّان ، فقال يحيى بن معين : رجلٌ روى عنه أبو عبيدة ؛ هذا من أصحاب جابر بن زيد وقد حدّث أبو عُبيدة عن صالح الدهّان " اهـ.
ثم عزا هذا النقل لكتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل (ج3 ص11-12 ترجمة رقم 3922).

وقد وقع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه أنت ، وهو دعوى أن السائل ليحيى بن معين هو الإمام أحمد ، وإنما السائل هو عبدالله ابن الإمام أحمد راوي كتاب "العلل"، وهذا بلا شك خطأ غير مقصود منكما ، وإنما ذكرته للفائدة فقط .

وأما الخطأ الذي يثير الدهشة ! فهو بتره للنص ، وحذفه لكلام لا يجوز حذفه ؛ لعلاقته المباشرة بالموضوع ، وها أنا ذا أسوق النص بتمامه ، وأنبه على المحذوف .

قال عبدالله بن أحمد في كتاب "العلل"(3/11-12 رقم3922-3924):" قلت ليحيى: شيخ حدّث عنه معتمر يُقال له : أبو عبيدة ، عن ضمام ، عن جابر بن زيد : كَره أن يأكل متكئًا ، مَن أبو عبيدة هذا ؟ قال رجل روَى عنه معتمر ليس به بأس ، يقال له : عبدالله بن القاسم . قلت : مَن حدث عنه غير المعتمر ؟ قال : البصريون يُحدّثون بـه عنه، قلت ليحيى : فضِمام هذا الذي روى عنه أبو عبيدة من هو ؟ قال: شيخ روَى عن جابر ابن زَيد، روى عنه أبو عبيدة هذا وروى عنه معمر يعني ضِمامًا.
سألت أبي عن أبي عُبيدة هذا ، قال : اسمه عبدالله بن قاسم يقال له: كُورِين .
سألت يحيى قلت : معتمر عن أبي عبيدة عن عمارة بن حَيّان عن جابر بن زيدٍ من هذا عمارة بن حيان ؟ قال : رجلٌ روى عنه أبو عبيدة هذا من أصحاب جابر بن زيد وقد حدّث أبو عُبيدة عن صالح الدهّان سمعت يحيى يقول: أبو عبيدة لم يسمع من جابر بن زيد، عن رجل عنه ".

وقد أسقط من النص كلامًا مهمًّا يؤثر على دعواه : أن أبا عبيدة المذكور هنا هو مسلم ابن أبي كريمة، ومن أهم ما أسقط كما يتضح من المقارنة بين النّصين قوله :" يقال له : عبدالله بن القاسم "؛ يعني : أبا عبيدة ، وكذا قوله :" سألت أبي عن أبي عبيدة هذا ، قال: اسمه عبدالله بن قاسم ، يقال له: كورين "، وقوله: "سمعت يحيى يقول : أبو عبيدة لم يسمع من جابر بن زيد ، عن رجل عنه ".

فهذا النقل يدل على أن أبا عبيدة الذي يتكلم عنه يحيى بن معين والإمام أحمد ليس مسلم بن أبي كريمة ، بل هو عبدالله بن القاسم الملقب بـ" كورين " ، وهذا لم يسمع من جابر بن زيد ، وإنما يروي عنه بواسطة رجل ، فأين هذا من ذاك ؟ وأين الأمانة في النقل ؟!
وهكذا في ملوحظات عديدة في كتابته المشار إليها ، وإنما ذكرتها هنا بجامع اتحادكما في المذهب ، وكتابتكما في الموضوع نفسه ، ومن الواضح أنك استفدت من كتابه كما يدل عليه نقلك عنه في ترجمة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، ولا أكتمك أني لا أستبعد أن تكون أنت هو ، وأنا معذور في ظني هذا ؛ لأن مشكلة الكتابة في "الأنترنت" أنك تتعامل مع أشباح ؛ ألقاب وكنى لا تدري من أصحابها ؟ وقد يكتب الكاتب باسم ، ثم يكتب كتابة أخرى باسم آخر يؤيد فيه تلك الكتابة ، وهكذا حتى يخيل إليك أنك تُجابه الدنيا بأسرها ، ولذا فالتحادث في موضوع علمي كهذا – فيما أرى - لا يكون له مصداقية إلا بالوضوح ، وها أنت تتحدث معي وتعلم أن اسمي حقيقي ومعروف لديكم ، وقد نقل سعيد القنوبي في كتابه المذكور آنفًا من بعض مؤلفاتي ما يخدم هواه ، فهل يحصل لنا شرف التعارف أيها الظافر ! إنني لا أملك أن ألزمك بهذا ، ولكني أحبذه ، وأظن من يقرأ ما نكتبه أنا وأنت يحبذ ذلك أيضًا .

وعودًا على بدء ، فبعد أن أشرت إلى عجبي من بعض صنيع سعيد القنوبي ، أذكرك بعجبي من صنيعك أنت !
ففي معرض ذكرك للأئمة الذين ترى أنهم ذكروا الربيع بن حبيب صاحب "المسند" قلت ما نصه: "الإمام أحمد بن حنبل : ذكره بما لا يدع مجالاً للشك في كتابه "العلل ومعرفة الرجال"(طبعة المكتبة الإسلامية ، الطبعة الأولى 1408-1988) يقول عبدالله ابن الإمام أحمد (ج2 ص56 رقم 1538أ): " سمعته يقول : كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له : الهيثم بن عبدالغفار الطائي يحدثنا عن همام ، عن قتادة رأيه ، وعن رجل يقال له: الربيع بن حبيب عن ضمام، عن جابر بن زيد، وعن رجاء بن أبي سلمة أحاديث ..." اهـ.
هكذا انتهى النص عندك ، فلماذا انتهيت في النقل إلى هذا الحدّ ووضعت النقط (…)؟! ألم أقل لك: إن من الواجب عليّ وعليك احترام عقول من نكتب لهم ؟
فلماذا أخذت ما يخدم هواك وتركت ما يوضح الحقيقة ويجليها ؟ ووضع النقط لا يعفيك من عدم ذكرك للنص كاملاً ؛ لأن هذا إنما يكون فيما إذا كان الكلام المحذوف لا يؤثر على الكلام المنقول، أما إن كان يؤثر فليس من الأمانة العلمية حذفه ،والقراء يطالبونك بذكر الحقيقة كاملة ، وليس مهمًّا أن أقتنع بما تقول ، أو تقتنع بما أقول ، ولكن اعرض ما عندك بأمانة ، وأعرض ما عندي بأمانة ، وللناس عقول يميزون بها بين الصحيح وضده ، وليسمح لي القراء بنقل النص كاملاً ، ثم ننظر بعد ذلك في الكلام المحذوف هل له أثر على استدلالك أو لا ؟
قال عبد الله بن الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (2/56 رقم1538 أ):
"سمعته يقول: كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له : الهيثم بن عبدالغفار الطائي يحدثنا عن همام ، عن قتادة رأيه ، وعن رجل يقال له : الربيع بن حبيب ،عن ضمام ، عن جابر بن زيد ، وعن رجاء بن أبي سلمة أحاديث ، وعن سعيد بن عبدالعزيز ، وكنا معجبين به ، فحدثنا بشيء أنكرته وارتبت به ، ثم لقيته بعد، فقال لي : ذاك الحديث اتركه – أَوْ دَعْه -، فقدمت على عبدالرحمن بن مهدي ،فعرضت عليه بعض حديثه ، فقال : هذا رجل كذاب – أو قال : غير ثقة -. قال أبي: ولقيت الأقرع بمكة ، فذكرت له بعض هذه الأحاديث ، فقال : هذا حديث البُرِّي عن قتادة – يعني أحاديث همام – قلبها . قال : فخرقت حديثه وتركناه بعد ".

ثم علق محقق "العلل" على آخر النص قائلاً :" انظر النص (1492)"، وبالرجوع إلى النص (1492 ج2/ص42) نجد عبدالله بن أحمد يحكي عن أبيه قوله :" وعرضت على ابن مهدي أحاديث الهيثم بن عبدالغفار الطائي عن همام وغيره ، فقال : هذا يضع الحديث ، وسألت الأقرع فذكر مثله أو نحوه . قال أبي : وكان الأقرع من أصحاب الحديث ".

وهذا النص الآخر أحسب أنك أيها الظافر اطلعت عليه ؛ لأن المحقق أحالك عليه ، وعلى فرض أنك لم تطلع عليه ؛ فالنص الذي حذفته كافٍ فيما ذكرته لك .

والمهم أن كلا النصين يدلان على أن الهيثم بن عبدالغفار الطائي هذا كذاب يضع الحديث ، فجميع ما يرويه لا يوثق به ، وقد استنكر عليه الأئمة روايته عن الربيع بن حبيب وغيره ، ومن عانى صنعة الحديث يعلم أن الأئمة لا يعترفون بوجود الراوي الذي لا يذكر إلا من طريق كذاب، ولذلك قال الإمام أحمد :" وعن رجل يقال له: الربيع بن حبيب "، ولو كان الربيع هذا معروفًا لما قال :" عن رجل يقال له "، بل كان يسميه جزمًا ؛ كما جزم بغيره من المعروفين ؛ كهمام وسعيد بن عبدالعزيز
ورجاء بن أبي سلمة ، هذا إن كنت ترى أن المسمى في هذا النص هو الربيع الإباضي ،لكن صنعيك في ردك يدل على اضطرابك ، فأنت تقلب صفحات الكتب لتظفر بمن يسمى بالربيع بن حبيب ، ثم لا تتحرج في الزعم بأنه الإباضي صاحب "المسند"! ومن يطالع في كتب الرجال يجد أربعة كلهم يسمى "الربيع ابن حبيب ".

1- الربيع بن حبيب الذي يروي عن ضمام ، ويروي عنه الهيثم بن عبدالغفار ،وهذا مجهول لا يمكن الاستدلال على وجوده بذكر الهيثم بن عبدالغفار الكذاب له ،ومع هذا فليس هناك ما يدل على أنه الربيع بن حبيب الإباضي سوى روايته عن ضمام ،وهذه غير كافية .

2- الربيع بن حبيب بن الملاّح العبسي ، مولاهم ، أبو هشام الكوفي الأحول ، أخو عائذ بن حبيب، يروي عن نوفل بن عبدالملك ويحيى بن قيس الطائفي ،ويروي عنه عبيدالله بن موسى ووكيع بن الجراح . وهذا باعترافك غير الإباضي .

3- الربيع بن حبيب الذي سمع الحسن البصري ومحمد بن سيرين ، ويروي عنه موسى ابن إسماعيل البصري . وهذا الذي زعمت أنه الإباضي ، وزدت على ذلك دعوى أنه الأول الذي يروي عنه الهيثم بن عبدالغفار الكذاب ، فجعلت هذين الاثنين واحدًا ، وهذه دعوى لم يسبقك إليها أحد فيما علمت ، إلا أن يكون إباضيًّا مثلك ، ونحن نطالبك بالدليل عليها ، كما نطالبك بالدليل على أن الربيع بن حبيب هذا الذي سمع الحسن البصري ومحمد بن سيرين ويروي عنه موسى بن إسماعيل هو الإباضي صاحب "المسند".
فإن قلت : اشتراكهما في الاسم والبلد يدل على ذلك .
فالجواب : ما أخفيتَه مرة أخرى على القراء ، والأمانة العلمية تلزمك بعرضه ، وهذا ما سأوضحه بعد ذكري للرجل الرابع ممن يسمى الربيع بن حبيب .

4- الربيع بن حبيب أبو سلمة الحنفي الذي سمع عبدالله بن عبيد بن عمير وأبا سعيد الرقاشي، ويروي عنه أبو داود الطيالسي وعبدالصمد بن عبدالوارث ويحيى بن سعيد القطان.

وهذا والذي قبله واحد ، وإنما فرق بينهما البخاري وتبعه ابن حبان وابن شاهين . وأما ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/457) وأبوه فاستدركا ذلك على البخاري فجعلاهما واحدًا ، قال ابن أبي حاتم :" ربيع بن حبيب أبو سلمة ، روى عن أبي جعفر محمد بن علي والحسن وابن سيرين وعبدالله بن عبيد بن عمير وأبي سعيد الرقاشي ، روى عنه يحيى بن سعيد القطان وأبو داود الطيالسي وعبدالصمد بن عبدالوارث وبهز بن أسد والحجاج بن المنهال وموسى بن إسماعيل ، سمعت أبي يقول
ذلك "، وكذا صنع يعقوب بن شيبة ، والخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (911-909/2)؛ حيث قال :" الربيع بن حبيب اثنان كذلك ، أخبرني أبو القاسم الأزهري ، حدثنا عبدالرحمن بن عمر الخلال ، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، حدثنا جدي قال : الربيع بن حبيب : بصري ثقة روى عنه ابن مهدي ، وأبو داود الطيالسي . والربيع بن حبيب كوفي أخو عائذ بن حبيب بن ملاّح ، ثقتان جميعًا ".
ثم قال الخطيب :" والبصري يكنى أبا سلمة ، وهو حنفي ، حدث عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين والحسن البصري وابن سيرين وأبي سعيد الرقاشي وعبدالله بن عبيدالله بن عمير وغيرهم . روى عنه عبدالصمد بن عبدالوارث ويحيى بن سعيد القطان وبهز بن أسد وحجاج بن منهال وموسى بن إسماعيل ". وقوله :" عبدالله بن عبيدالله بن عمير" صوابه :" عبدالله بن عبيد بن عمير ". قال الخطيب :" وأما الربيع بن حبيب الكوفي، فإنه حدث عن نوفل بن عبدالملك ، روى عنه عبيدالله بن موسى ".
وهذا ما رجحه الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (9/69-70)، والحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب" (1/591). فقد ترجم المزي للربيع بن حبيب بن الملاّح ، ثم قال : " ولهم شيخ آخر يقال له : الربيع بن حبيب الحنفي ، أبو سلمة البصري ؛ يروي عن الحسن البصري وعبدالله بن عبيد بن عمير ومحمد بن سيرين وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وأبي سعيد الرقاشي ، ويروي عنه : بهز بن أسد وحجاج بن المنهال وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي وعبدالصمد بن عبدالوارث وموسى بن إسماعيل ويحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغير واحد ، ذكرناه للتمييز بينهما ، وقد خلط بعضهم إحدى هاتين الترجمتين بالأخرى ، والصواب التفريق ، والله أعلم ". وكذا قال ابن حجر .
والغريب أنك ذهبت تستدل بأقوال يحيى بن معين في "تاريخه"، وترى أنها شهادة منه على معرفته بشخصية الربيع بن حبيب الإباضي ، ومن ذلك قوله (ج2 ص263 رقم4697):" الربيع بن حبيب بصري يروي عنه أبو داود وعفان " ! وهذا كدليل على أن ابن معين يرى أنه الحنفي أظهر من أنه يفرق بينهما ؛ بسبب ذكره لرواية أبي داود عنه ، بل ليس في كلام ابن معين في سائر المواضع ما يدل على أنه فرق بينهما كما صنع البخاري، فمن أين لك أن ابن معين يتكلم عن الربيع الإباضي ؟
فتبين بهذا أن الربيع بن حبيب هذا الذي يروي عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين ، ويروي عنه موسى بن إسماعيل ليس الإباضي صاحب "المسند"، فالإباضي أزدي كنيته :" أبو عمر"، وهذا حنفي كنيته :" أبو سلمة "، مع كونهما بصريين ، اللهم إلا إذا كنت ترى أنه لا يجوز للبصرة أن تضم بين جَنَبَتَيْها سوى الربيع بن حبيب الإباضي !!

وبعدُ فهاهنا ثلاثة أسئلة موجهة لك أيها الظافر :

أ - لماذا لم تذكر هذا البحث بكامله ، وإنما أخذت ما يخدم هواك وتركت الباقي ؟
ب – على فرض أنك قلت : إن الحق مع البخاري في جعلهما اثنين ، فعلى أي شيء بنيت هذا الترجيح ؟
جـ – على فرض أن الحق مع البخاري بالدليل القاطع ، فمن أين لك أن الربيع بن حبيب هو الإباضي صاحب "المسند" والذي في كتاب البخاري لا يدل على شيء من ذلك بحال، وهذا نصه :" ربيع بن حبيب، سمع الحسن وابن سيرين، روى عنه موسى البصري "؟ وليس هناك ما يدل على أن الإباضي صاحب "المسند" روى عن الحسن وابن سيرين ،ولا روى عنه موسى بن إسماعيل ، وهذا "المسند" أكبر شاهد ، فالربيع لا يروي عن الحسن وابن سيرين إلا بواسطة كأبي عبيدة ، أو واسطة مجهولة ، والفرق بين وفاتيهما ووفاته يدل على عدم سماعه منهما !
وأرى أن القارئ بحاجة إلى تأصيل في بعض قضايا الجرح والتعديل والمعرفة بأحوال الرجال ؛ ليخرج من هذه المعمعة بفهم صحيح لما نتكلم عليـه .

فأقول للأخ القارئ : اعلم – رعاك الله – بأن الرواة يتفقون أحيانًا في أسمائهم وأسماء آبائهم ، وربما فيما هو أكثر من ذلك ؛ كاسم الجد ، والنسبة ،والكنية ، والطبقة - أي الزمن الذي عاشا فيه -، وبعض الشيوخ والتلاميذ ، فيلتبس الأمر أحيانًا حتى على كبار الحفاظ فيظن الاثنين واحدًا، أو العكس ؛ فيجعل الواحد اثنين .

ولأهمية هذا الأمر ألّف طائفة من العلماء في هذا بعض المصنفات ، وبعضهم أدرجه في ثنايا بعض مصنفاته ، ومن أهم ما وصل إلينا كتابان : أحدهما :" الموضح لأوهام الجمع والتفريق"، والآخر :" المتفق والمفترق"، كلاهما للخطيب البغدادي .

أما الأول ، فإن الخطيب البغدادي اعتنى فيه بالأوهام التي يرى أنها وقعت للبخاري في "تاريخه الكبير"، وزاد فيه ما وقع لغير البخاري ، وقد أوضح منهجه في هذا الكتاب بقوله (1/2-5):" قد أوردنا في هذا الكتاب ذكر جماعة كثيرة من الرواة انتهت إلينا تسمية كل واحد منهم وكنيته والأمور التي يعزى إليها ؛ كنسبته على وجوه مختلفة في روايات مفترقة ذكر في بعضها حقيقة اسمه ونسبه ، واقتصر في البعض على شهرة كنيته أو لقبه ، وغيّر في موضع اسمه واسم أبيه ومـوّه ذلك بنوع من
أنواع التمويه ، ومعلوم أن بعض من انتهت إليه تلك الروايات فوقوع الخطأ في جمعها وتفريقها غير مأمون عليه ؛ ولما كان الأمر على ما ذكرته بعثني ذلك على أن بينته وشرحته ... "، ثم روى بسنده عن أبي الحسن الدارقطني قال:" ذكر البخاري في كتاب "التاريخ" في باب إسماعيل بن سعيد البجلي ، روى عن حبة، حدث عنه بدر بن خليل . وذكر بعده : إسماعيل بن سعيد ابن عزرة ، روى عن جندب وعن حبة ، حدث عنه يونس بن أبي إسحاق . قال أبو الحسن : وهو رجل واحد ؛ هو إسماعيل بن سعيد ابن عزرة البجلي الكوفي، يكنى: أبا السابغة، حدث عنه أبو الخليل بدر بن الخليل ويونس بن أبي إسحاق وشريك بن عبدالله ، حدث عن جندب عن علي قصة الخوارج والمخدج ، وعن حبة أيضًا …".
ثم قال الخطيب رحمه الله :" في كتاب "التاريخ" الذي صنفه أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري نظائر كثيرة لما ذكره أبو الحسن الدارقطني عنه ؛ من جعله الاثنين واحدًا ، والواحد اثنين وأكثر ، ونحن ذاكرون منها بمشيئة الله تعالى ما وضح قاصده وقرب منا على تصديق دعوانا في ذلك شاهده ، ومُتْبـعوه بما يشاكله من أوهام الأئمة سوى البخاري في هذا النوع ، ونذكر فيه ما اختلف العلماء فيه، وأيّهم أقرب إلى الصواب فيما يدعيه ، ثم نشرع فيما له رسمنا هذاالكتاب ، ونجعله ملخصًا على نسق واحد الحروف المرتبة والأبواب.
ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه ، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمناه يلحق سيء الظن بنا ، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا ، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا ، وأنّى يكون ذلك وبهم ذُكرنا ، وبشعاع ضيائهم تبصرنا ،وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا..." الخ ما ذكره في الاعتذار.

وأما الكتاب الثاني -"المتفق والمفترق"-، فلم يقصد به كتابًا بعينه ، وقد أوضح سبب تأليفه له في مقدمته فقال (1/105) :" فإني ذاكر في كتابي هذا نوعًا من علم الحديث قد يقع الإشكال في مثله على من لم ترتفع في العلم رتبته ، ولم تَعْل في تدبيره طبقته ، وهو : بيان أسماء وأنساب وردت في الحديث متفقةً متماثلةً ،وإذا اعتبرت وجدت مفترقة متباينة ، فلم يؤمن وقوع الإشكال فيها ، ولو في بعضها ؛ لاشتباهها وتضاهيها .

وقد وهم غير واحد من حملة العلم المعروفين بحسن الحفظ والفهم في شيء من هذا النوع الذي ذكرناه ، فحدانا ذلك على أن شرحناه ولخصناه …"، ثم ذكر الحكاية الآتية في وهم ابن معين في توهيمه للإمام مالك ، ثم قال :" فإذا كان يحيى بن معين لم يَسْلَم من الوهم مع ثبوت قدمه في هذا العلم ؛ لأدنى شبهة دخلت عليه من قبل كلام وقع إليه ، فكيف يكون حال من هو دونه إذا ورد اسمان في كل جهة ،متفقان نسبًا ، وتسميةً ، وطبقةً ، وروايةً ؟ إنّ وقوع الإشكال يكون أكثر ، إلا
من أمعن النظر فيه وتدبَّر ".

وقـد أشرت في أثناء كتابتي إلى أن الإباضية ذهبوا يتلمّسون في الكتب لعلهم يجدون من يسمى بـ" الربيع بن حبيب"، فظفروا بمن زعموا أن الإمام أحمد وثقه … الخ ما ذكرت.
وها هو الظافر يعيد ما كنت نفيته ، ويتهمني بالجهل لعدم اطلاعي عليه !
فاحكم أيها القارئ بعد أن تقارن كلامي السابق مع كلامه في ضوء ما يأتي:-
اعلم – علمني الله وإياك – أن علم الرجال من أصعب العلوم ، وهو السلاح الذي كان بأيدي أهل الحديث وعلماء السنة لذبّ الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكثيرًا ما يقع الوهم فيه حتى لكبار الحفاظ ، وكثيرًا ما يستغله أهل الأهواء لنصرة باطلهم ، وخذ بعض الأمثلة على ذلك :
فهذا إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين له أوهام معروفة في علم الرجال ؛ كقوله : "وقد روى مالك بن أنس عن شيخ يقال له : عبدالملك بن قُريب – وهو الأصمعي-، ولكن في كتاب مالك : عبدالملك بن قُرير ، وهو خطأ ؛ إنما هو الأصمعي ". انظر "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (3/215 رقم993).
وقد أوضح الخطيب البغدادي أن الوهم من ابن معين وليس من الإمام مالك ،فقال في "المتفق والمفترق" (1/109):" قد غلط ابن معين في هذا القول غلطًا ظاهرًا ، وأخطأ خطأً فاحشًا، وحديث مالك صحيح رواه عنه كافة أصحابه، وساقه في "موطأه" عن عبدالملك بن قُرير ، عن محمد بن سيرين . ويُرى أن الوهم دخل فيه على يحيى لاتفاق الاسمين ، وتقارب الأبوين - أعني من عبدالملك بن قرير وعبدالملك بن قُريب -، مع ما أخبرنا به أبو سعيد الصيرفي ؛ قال : سمعت محمد بن يعقوب الأصم يقول : سمعت العباس الدوري يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت الأصمعي يقول: "سمع مني مالك بن أنس ". فلما صح سماع يحيى هذا من الأصمعي - واسمه عبدالملك بن قُريب -، وانتهت إليه رواية مالك عن عبدالملك بن قرير ؛ ظنه الأصمعي، فقضى على مالك بالخطأ ، وألزمه الوهم . ولو أمعن يحيى النظر ؛ لعَلِم أن الأصمعي لا يروي عن محمد بن سيرين " ا.هـ.

وهذا محمد بن إسماعيل البخاري صاحب "الصحيح"، ومن سلّمت له الدنيا بالإمامة في الحديث والحفظ والإتقان ، ومع ذلك وقعت له أوهام في كتابه: "التاريخ الكبير"، وسبق ذكر تنبيه الدارقطني على ذلك مع المثال ، وقد استدرك عليه هذه الأوهام أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ؛ كما تجده في كتاب ابن أبي حاتم :"بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري"، وربما كان الحق معهما ، وربما كان البخاري هو المصيب ، وجميعهم أئمة لا يختلف في إمامتهم ومعرفتهم بالرجال .

وأما استغلال أهل الأهواء هذا العلم لنصرة باطلهم ، فالأمثلة عليه كثيرة ،وإن شئت فانظر الأمثلة الكثيرة التي ساقها الشيخ عبدالرحمن المعلمي- رحمه الله- في كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"، من استغلال الكوثري لمعرفته بعلم الرجال لنصرة باطله؛ كجرحه لبعض الرواة الثقات لتضعيف ما يريد تضعيفه . وغير ذلك مما لا أطيل بذكره ، فأرجو أن لا تكون من هذا الصنف أيها
الظافر !
ورحم الله عبدالرحمن بن مهدي حيث يقول :" أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم ". انظر "الجواب الصحيح" لشيخ الإسلام ابن تيمية (6/343). وقد وردت هذه العبارة أيضًا عن وكيع كما في "السنن" للدارقطني (1/26 رقم32) بلفظ :" أهل العلم …" الخ.
والدلائل على هذا كثيرة ؛ فهذا علي بن المديني ، سئل مرة عن أبيه ، فقال :
اسألوا غيري ، فقالوا : سألناك ، فأطرق ، ثم رفع رأسه فقال :" هذا هو الدين ،أبي ضعيف ". انظر "المجروحين" لابن حبان (2/15).
فنخلص مما سبق بأن الربيع بن حبيب الإباضي الأزدي أبا عمر البصري ليس هو المذكور في كتب الرجال التي ذكرها الظافر كـ"التاريخ الكبير" للبخاري ،و"الثقات" لابن حبان ، ولابن شاهين ، و"تاريخ ابن معين"، وعليه يبقى ما كنت ذكرته قائمًا ؛ من كونه شخصية مجهولة لم تلدها أرحام النساء .

وأما كتب الإباضية التي ذكر الظافر أنها صُنِّفت قبل القرن العاشر ، فأرجو أن لا يملّ القارئ من مصاحبة هذا النقاش في اللقاءات القادمة - إن شاء الله -،فإني إنما أجبت هنا عن الفقرة الأولى من فقرات هذا النقاش ، وهي ما يتعلق بشخصية الربيع بن حبيب ، وهناك أمور أخرى ستأتي مناقشتها- إن شاء الله تعالى -؛ كشخصية أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، وأبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ، والكلام عن الدولة الرستمية ، وعن بعض المصنفات في المذهب الإباضي ، وعن النسخ الخطية لـ" مسند الربيع بن حبيب "، ثم أختم بالنقد المفصل لبعض ما تضمنه "مسند الربيع بن حبيب" من أحاديث .


الردُّ الثاني للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 5/5/2000م قام المدعو "الصارم المسلول" بنشر الردّ الثاني من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/002446.html

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعـد :
فبعد الفراغ من مناقشة الظافر في كلامه عن شخصية الربيع بن حبيب ، يتواصل النقاش معه عن شخصية أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي بالولاء ، البصري ، الذي صدر الكلام عنه بترجمة له من كتب الإباضية التي سيأتي الحديث عنها إن شاء الله ، ثم ثنَّى بكتب غير الإباضية ، ومسلكه فيها شبيه بمسلكه في ترجمة الربيع بن حبيب ؛ فإنه ذهب يقلّب صفحات الكتب طمعًا في العثور على من يمكنه الزعم بأنه أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة الإباضي ، فوجد رجلين لا علاقة لأحدهما بالآخر ، وأحدهما متقدم عن الآخر زمنًا، فجمع بينهما ، وزعم أنهما رجل واحد ، وأنه أبو عبيدة الإباضي ، في دعوىً لم يسبقه إليها أحد فيما علمت ، إلا أن يكون إباضيًّا مثله ، بل خالف في ذلك أئمة الجرح والتعديل العارفين بأحوال الرجال ؛ كالإمام أحمد ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، وأبي حاتم الرازي ، وابنه ، والدولابي ، وابن حبان ، وابن ماكولا ، والذهبي ، وابن حجر ، وإليك البيــان :
أولاً : هناك أثر يرويه معتمر بن سليمان ، عن أبي عبيدة ، عن ضمام ، عن جابر بن زيد : أنه كره أن يأكل متكئًا - كما في "العلل" لعبدالله بن أحمد (12-11/3). وكما هي طريقة المحدثين في محاولة التعرف على الرجال الذين لهم رواية ، وأحوالهم التي يتوصلون من خلالها للحكم على رواياتهم؛ بدأت تتجه أسئلة الطلاب لشيوخهم عما خفي عليهم .
فوجه عبدالله ابن الإمام أحمد سؤاله لوالده وليحيى بن معين في محاولة للتعرف على هذا الراوي - أعني أبا عبيدة - الذي ذكر بكنيته ولم يذكر اسمه : من يكون ؟ وما حاله ؟ فأجابا باتفاق أن اسمه : عبدالله بن القاسم . وزاد الإمام أحمد : أنه يلقب: كورين ، وزاد ابن معين : أنه لا بأس به. وفي بعض الروايات عن ابن معين : أن لقبه : رزين ، وليس : كوريز ، كما في الطبعة المصحفة التي اعتمد عليها الظافر .
وسأل عبدالله يحيى بن معين عمن حدث عن أبي عبيدة هذا غير المعتمر؟ فقال: " البصريون يحدثون به عنه "؛ أي : يحدثون بهذا الأثر عن أبي عبيدة .
وقد أسقط الظافر من العبارة قوله :" به "، فلعل ذلك وقع سهوًا ، أو من الطباعة .
وقد تجنب الظافر هنا ذكر كتاب البخاري -"التاريخ الكبير"- الذي اعتمد عليه في كلامه عن شخصية الربيع بن حبيب ، وذكر هنا كتاب ابن أبي حاتم -"الجرح والتعديل"- الذي تجنب ذكره في كلامه عن شخصية الربيع بن حبيب ، فلماذا يا ترى يذهب إلى "العلل" لعبدالله بن أحمد ، و"التاريخ" لابن معين ، و"الكنى" للدولابي، بل إلى "البيان والتبيين" للجاحظ، و"النجاة" للزيدي أحمد بن يحيى الناصر ، ويدع "التاريخ الكبير" للبخاري الذي لا تخفى شهرته على صغار طلبة العلم ؟!
الجواب أدعه عقب نقلي نص كلام البخاري في "تاريخه"(5/173-174)؛ حيث قال: "عبدالله بن القاسم أبو عبيدة ، عن صالح الدهان ، عن جابر بن زيد قوله(1)، روى عنه معتمر . وقال محمد بن عقبة : حدثنا عبدالله بن حفص الكناني ، سمع عبدالله بن القاسم ، سمعت ابنة أبي بكرة : أن أبا بكرة نهى عن الحجامة يوم الثلاثاء ، ويقول : لا تهيجوا الدم يوم توبيغه(2)، ويروي عن ضمام ، عن جابر بن زيد ، وعن عزرة(3) بن حيان ، عن جابر ابن زيد قوله ". اهـ.
فالبخاري إذًا يؤكد أن أبا عبيدة الذي روى عن صالح الدهان ، وضمام وعزرة- أو عمارة -بن حيان ، عن جابر بن زيد ، هو عبدالله بن القاسم ، ويدلل على ذلك بتسمية تلميذه عبدالله بن حفص الكنـاني له حـين ذكر أنه سمع عبدالله بن القاسـم ، ويرى أنه هـو الراوي عن ابنة أبي بكرة هذاالحديث عن أبيها . وتسمية الراوي لشيخه تنفي جميع الأغلوطات التي ذهب إليها الظافر في زعمه أن الأئمة جهلوا اسم أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، فسموه : عبدالله بن القاسم. وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة قاله أئمة آخرون سواهم :
1- فهذا ابن حبان يقول في "الثقات" (7/45):" عبدالله بن القاسم أبو عبيدة ، بصري يروي عن بنت أبي بكرة ، عن أبيها ، روى عنه معتمر بن سليمان".







التوقيع :
شيخنا حارس السحيمي جزاك الله خيراً وجمعنا بك في جنات النعيم

http://www.gafelh.com/modules/Cards/...img/tad3oo.gif

و لا تصحب أخا الجهل ... و إيــاك و إيــاه
فكم من جـاهل أردى ... حليما حين يلقاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا مـا هـو مـاشاه
و للشيء على الشيء ... مقاييس و أشباه
و للقلب على القلب ... دليل حين يلقاه

http://www.wylsh.com/images/wylsh-banner-new.gif

لماذا تركنا التشيع ؟
http://www.wylsh.com/
من مواضيعي في المنتدى
»» رحلة بين أربع ديانات
»» هل هناك في الدين بدعة مُباحة وما معنى قول عمر نِعْمَة البدعة
»» بُشرى تم افتتاح مركز هيئة جديد بمنطقة الثمامة بالرياض
»» اول قائدة طائرة سعودية
»» المدعو " اتيت اليكم " ماهو الا رافضي متستر ( نتمنى طرده لقطع المسرحيه عليه )
 
قديم 16-09-04, 01:53 PM   رقم المشاركة : 2
ابو عبدالرحمن السلفي
عضو ذهبي





ابو عبدالرحمن السلفي غير متصل

ابو عبدالرحمن السلفي is on a distinguished road


بنت أبي بكرة ، عن أبيها ، روى عنه معتمر بن سليمان".
2- وهذا ابن ما كولا يقول في "الإكمال" (7/141):" أما كورين - بعد الكاف المضمومة واو ، ثم راء -: فقال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عن أبي عبيدة الذي روى عنه معتمر ، يحدِّث عن جابر بن زيد(4)، فقال : اسمه عبدالله بن القاسم، يقال له: كورين".
3- وهذا الحافظ الذهبي ذكر في "المقتنى" عددًا ممن يكنى : أبا عبيدة، وذكر منهم (1/383 رقم3993):" عبدالله بن القاسم ، بصري ، عن صالح الدهان".
4- وهذا الحافظ ابن حجر في " نزهة الألباب في الألقاب " (2/129) يقول: "كورين هو أبو عبيدة البصري ، واسمه : عبدالله بن القاسم ، شيخ لمعتمر بن سليمان". ويقول في "لسان الميزان" (7/79):" أبو عبيدة هو عبدالله بن القاسم ". وقال أيضًا في موضع آخر (3/326):" عبدالله بن القاسم أبو عبيدة ، روى عنه المعتمر بن سليمان ، قال ابن المديني :" مجهول "، نقلته من خط ابن عبدالهادي". وهذا ما ذهب إليه أبو حاتم الرازي ، وابنه عبدالرحمن ، والدولابي في "الكنى"؛ كما نقله عنهم الظافر في مقاله، ثم قال - أي : الظافر -:" هذا ما قاله علماء الجرح والتعديل . وملخص ما قالوه : أن أبا عبيدة بصري ؛ إذ يروي عنه معتمر والبصريون - أنه يروي عن ضمام عن جابر بن زيد - وروى عن عمارة بن حيان، عن جابر بن زيد ، وروى عن صالح الدهان عن جابر بن زيد ، وقد مضى أن هؤلاء الثلاثة من شيوخ أبي عبيدة ، وهم كلهم إباضية . وأما تسمية أبي عبيدة بعبدالله
القاسم فهو خلط بينه وبين أبي عبيدة الصغير أحد أعلام الإباضية توفي حوالي سنة 170 هـ، وهو من طبقة تلامذة الإمام أبي عبيدة مسلم، وأبو عبيدة عبدالله بن القاسم ليس راوية للحديث خلافًا لأبي عبيدة مسلم الفقيه الراوي . وعليه فمن سمى أبا عبيدة مسلمًا بعبدالله القاسم قد عرفه ذاتًا وجهله اسمًا ، وعليه يحمل قول ابن معين :" أبو عبيدة لم يسمع من جابر بن زيد ، عن رجل عنه " فهذا أبو عبيدة الصغير ، أما أبو عبيدة الإمام فقد لازم جابرًا ملازمة طويلة . وأما تلقيبه بكورين فالظاهر أن ذلك لقب لأبيه أبي كريمة " اهـ.
وإني لأعجب من هذه الجرأة من الظافر التي جعلت منه رجلاً كأن الله نشر له الخليقة منذ خلق آدم عليه السلام إلى عصرنا هذا ، فاطلع عليهم اطلاعة استطاع معها أن يكتشف في هذا الزمن خطأ الإمام أحمد وابن معين قبل ما يقرب من مائتي سنة وألف سنة !! ويكتشف معه خطأ الأئمة الآخرين الذين ذهبوا هذا المذهب كأبي حاتم وابنه والبخاري والدولابي وابن حبان وابن ماكولا والذهبي وابن حجر!!
وليت هناك من سبقه إلى هذا - ولو كان مخطئًا - لكان الأمر أهون ، أما أن يعمد إلى رجل اتفق الأئمة كلهم على وصفه بوصف يفارق به الإباضي ، فيخطئهم كلهم ، ويرى أنه الإباضي ، فهذا غير مقبول مع وجود هذه المفارقات :
1- فالذي تكلم عنه الأئمة اسمه عبدالله بن القاسم ، والإباضي اسمه مسلم بن أبي كريمة .
2- والذي تكلم عنه الأئمة لقبه : كورين - أو رزين -، والإباضي لا يعرف بهذا اللقب ، ولو كان معروفًا لنقله الظافر ، أو القنوبي من كتب الإباضية .
3- الإباضي يروي مباشرة عن جابر بن زيد ، بل يعتبره الإباضية وارث علومه ، ويرون أنه قاد الحركة الإباضية بعده ، وهذا مسند الربيع بن حبيب قلّما تجد فيه حديثًا من رواية غير أبي عبيدة عن جابر. بينما الذي تكلم عنه الأئمة يرونه لم يسمع من جابر بن زيد ، وإنما يروي عنه بواسطة ضمام، أو عمارة بن حيان ، أو صالح الدهان ، بل صرح بذلك يحيى بن معين حين قال : "أبو عبيدة لم يسمع من جابر بن زيد ، عن رجل عنه".
ومن عانى صنعة الأسانيد ، ومعرفة الرجال يعلم أن الأئمة يفرقون بين الراويين بأقل من هذا بكثير .
وقد اعترف الظافر بأن هناك إباضيًّا يكنى : أبا عبيدة ، واسمه عبدالله بن القاسم ، ولم يسمع من جابر بن زيد ، فهو غير أبي عبيدة شيخ الربيع بن حبيب، ويعرف عندهم بأبي عبيدة الصغير ، ولكن يرى أنه ليس له رواية للحديث ، ولذلك عمد إلى سلبه كل هذا التعريف الذي حُظي به ؛ ليمنحه شيخ الربيع بن حبيب المتقدم عن هذا زمنًا ، والمفارق له اسمًا ولقبًا ، لا لشيء ، إلا ليدفع عنه وصف الجهالة الذي ذكرته عنه أنا وغيري .
وأنا لا أجزم بأن أبا عبيدة الصغير هذا هو عبدالله بن القاسم الملقب: كورين ، الذي تكلم عنه الأئمة، ولا أنفي ذلك ، فإذا كان الظافر يعرفه ، فإن تنزيل كلام الأئمة عليه يكاد يكون مقبولاً ؛ بحكم الاشتراك في الاسم، والكنية ، والطبقة ، ودفع ذلك بحجة أنه ليس راوية للحديث غير مقبول ، فعدم العلم ليس علمًا بالعدم ، وقد يكون الراوي مقلاًّ من الرواية ، فيظن أنه غير راوية لقلّة روايته .
وصنيع الظافر هنا يذكرنا بصنيع سعيد بن مبروك القنوبي - الذي سبق ذكره -؛ حين نقل النص من كتاب "العلل" لعبدالله بن أحمد وأسقط منه جميع الدلائل التي تدل على أن أبا عبيدة الذي تكلم عنه الإمامان - أحمد وابن معين - رجل آخر غير مسلم بن أبي كريمة ، وهكذا تكون الأمانة !!
ثانيــًا : ذكر الأئمة : البخاري ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان - كما نقل الظافر - ذكروا رجلاً يقال له :" مسلم بن أبي كريمة " يروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فزعم الظافر أنه أبو عبيدة الإباضي ، وأنه الذي أخطأ الأئمة فسموه عبدالله بن القاسم ، فجمع بين هذا الذي يروي عن علي رضي الله عنه ، وبين ذاك الذي روى عنه معتمر بن سليمان ، والذي لم يسمع من جابر بن زيد التابعي، فضلاً عن أن يكون أدرك عليًّا رضي الله عنه . وكما قلت سابقًا : في دعوى لم يسبقه إليها أحد فيما علمت ، إلا أن يكون إباضيًا مثله! والظاهر أن الظافر لا يتقبل أن يسمى أحد " مسلم بن أبي كريمة " سوى إمامهم الإباضي ! وإلا فالفرق واضح ، فأين يكون الذي يروي عن علي رضي الله عنه – وهو متـوفى ســنة 40 هـ -، من الـذي يروي عن جابر بن زيـد - وهـو متـوفى ســـنة 93 هـ، أو 103 هـ -؟ وأين يكون هذان من عبدالله بن القاسم الذي لم يسمع من جابر بن زيد؟
والأعجب من هذا أن مسلم بن أبي كريمة الذي يروي عن علي رضي الله عنه شيعي ، وصاحبهم إباضي !!
يا أيها الْمُنْكِحُ الثُّـريّا سُـهيلاً عَمركَ الله كيف يلتقيان؟
هـي شــامية إذا مـا اســتقلّت وسـهيل إذا اسـتقلّ يماني!
ولذلك لما ذكر ابن حبان هذا الرجل وآخرين مثله ، قال في "الثقات": (401/5) إلا أني لست أعتمد عليهم ، ولا يعجبنـي الاحتجاج بهم ؛ لما كانوا فيه من المذهب الردي " - يعني التشيع كما نقله الظافر عن ابن حجر -. وقد قال أبو حاتم عن هذا الرجل : "مجهول" كما في نقل الظافر. وذكره ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكين" (3/118 رقم3311) فقال :" مسلم بن أبي كريمة ، قال الرازي : مجهول". وقال الذهبي في "الميزان" (6/419):" مسلم بن أبي كريمة ، عن علي ، مجهول". وكذا قال في "المغني" (2/656). وقال ابن حجر في "اللسان" (7/91):" وذكره ابن حبان في "الثقات" قال : إلا أني لا أعتمد عليه - يعني لأجل التشيع – "
وأخيرًا قل لي أيها الظافر : هل الحق معك أو مع القنوبي حيث يقول في كتابه "الإمام الربيع بن حبيب مكانته ومسنده " (ص 32):" على أن مسلم بن أبي كريمة الذي حكم بجهالته أبو حاتم غير الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة قطعًا ؛ لأن مسلمًا الذي ذكره أبو حاتم يروي عن الإمام علي، وأبو عبيدة الإمام راوي المسند عن الإمام جابر لم يرو عن علي شيئًا ، بل لم يكن أبو عبيدة مولودًا في حياة علي ، والله أعلم " ا.هـ؟
هذا إن كنتَ غير القنوبي ، وإن كانت الأخرى .... !!
وللحديث بقيـة .
تنبيـه : عقب فراغي من هذه المقالة ، أُخبرت بأن الظافر كتب مقالة يبدي فيها استعداده للحوار العلمي الهادئ ، وأنا في انتظار كتاباته ، وإن كنت أفضل تريُّـثه حتى أفرغ من مقالاتي ، وأسأل الله لي وله ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق .



الردُّ الثالث للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 12/5/2000م قام المدعو "الصارم المسلول" بنشر الردّ الثالث من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/002759.html

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :
فاستكمالاً لكلامي السابق عن :"مسلم بن أبي كريمة " الذي يروي عن علي رضي الله عنه ، أقول : إن الظافر ذهب ينفي عنه صفة التشيع ؛ ليسلم له القول بأنه الإباضي ، محتجًّا في ذلك بالآتي :
أ - أن ابن حبان لم يصرح بمذهب هذا الراوي ، وإنما هو تفسير من ابن حجر لكلامه، ولعله بسبب نظره إلى روايته عن علي رضي الله عنه جعله لذلك شيعيًّا .
ب - كلام الناصر الشيعي الزيدي يدل على أن مسلم بن أبي كريمة الذي ذكره في كتابه ليس شيعيًّا، بل يفيد أنه الإمام الإباضي ، هذا عدا كلام الجاحظ في أن أبا عبيدة مسلمًا من علماء الإباضية ورواتهم .
هذا الذي احتج به الظافر لنفي صفة التشيع عن هذا الراوي ، وهو كما ترى مبني على التسليم بأن ليس في الوجود من يسمى مسلم بن أبي كريمة سوى أبي عبيدة الإباضي ، فهل يا ترى لا يمكن أن يسمى عمر بن الخطاب سوى الخليفة الراشد، فيكون أصحاب كتب التراجم أخطأوا حين ذكروا أن هناك عمر بن الخطاب المتوفى سنة 264 هـ، وغيره ؛ كما تجده في "التقريب" (ص 717 رقم 4921و4923) وباقي كتب الرجال.
وأما قول ابن حبان :" لما كانوا فيه من المذهب الرديء "، وتفسير ابن حجر له بقوله : " يعني التشيع"، فهذا هو الصواب ؛ فإن أئمة الجرح والتعديل اصطلحوا على أن هذه العبارة ومثيلاتها تدل على وصف الراوي بالتشيع .
1- فهذا أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني يكثر من استخدام هذه اللفظة ومثيلاتها في حق الشيعة ، حتى اتهم بأنه ناصبـي ، وأنه غلا في القدح في بعض الرواة الموصوفين بالتشيع ، ومن أمثلة استخدامه لهذه اللفظة :
أ - قوله في كتاب "الشجرة في أحوال الرجال"(ص 212 رقم209):" بريدة بن سفيان بن فروة رديء المذهبت".
ب – وقال (ص350رقم387):" محمد بن حميد الرازي كان رديء المذهب غير ثقة".
جـ - وقال (ص 351 رقم388):" علي بن مهران الطبري كان رديء المذهب".
وجميع هؤلاء الرواة موصوفون بالتشيع .
2- أبو أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني: قال في "الكامل" (5/168):" وعثمان بن عمير أبو اليقظان هذا رديء المذهب، غالٍ في التشيع ، يؤمن بالرجعة".
3- يحيى بن منده: نقل عنه الذهبي في "السير" (17/516) قوله :" كان ابن فاذ شاه صاحب ضياع
كثيرة، صحيح السماع ، رديء المذهب ". قال الذهبي :" قلت : كان يُرمى بالاعتزال والتشيع ". وانظر "لسان الميزان" (1/363 رقم 827).
4- أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري: قال في "المدخل إلى الصحيح" (ص125):" تليد بن سليمان المحاربي ، وكنيته أبو إدريس ، رديء المذهب ، منكر الحديث". وتليد هذا قال عنه أبو داود :" رافضي خبيث ، رجل سوء ، يشتم أبا بكر وعمر"؛ كما في "تهذيب التهذيب" (1/258). وقال عنه ابن حبان في "المجروحين"(1/204):" كان رافضيًّا يشتم أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم".
5- أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني: قال في مقدمة "المستخرج على صحيح مسلم" (1/66 رقم77):" زياد بن المنذر، أبو الجارود الكوفي ، الثقفي ، صاحب المذهب الرديء". وزياد هذا قال عنه ابن حبان في "المجروحين" (1/306): " كان رافضيًّا يضع الحديث في مثالب أصحاب النبي".
6- أبو القاسم عبدالواحد بن علي الأسدي: نقل عنه الخطيب في "تاريخ بغداد" (6/380) قوله عن إسحاق بن محمد بن أبان النخعي :" كان خبيث المذهب ، رديء الاعتقاد ؛ يقول : إن عليًّا هو الله جل جلاله".
7- أبو القاسم عبيدالله بن أحمد الأزهري: نقل عنه الخطيب أيضًا (7/299) قوله عن الحسن بن الحسين القاضي :" كان النوبختي رافضيًّا رديء المذهب".
8- الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان. تقدم نقله لكلام ابن منده وتفسيره له . وقال في "الميزان"(1/136 رقم546):" أحمد بن محمد بن فاذ شاه ، صاحب الطبراني، سماعه صحيح ، لكنه شيعي معتزلي ردي المذهب ". وفي "السير"(16/149) ذكر العبيدي المغربي، فقال :" فغلب المغربي بالشام ، وأظهر المذهب الرديء ..." ، إلى أن قال :" قلت: لا يوصف ما قلب هؤلاء العبيدية الدين ظهرًا لبطن ، واستولوا على المغرب ، ثم على مصر والشام ، وسبوا الصحابة". وانظر أيضًا "تاريخ بغداد" (5/127)، و"الضعفاء" لابن الجوزي (2/215-216 رقم 2502)، و"ميزان الاعتدال" (3/220و222و376 رقم 6194و6207و6826)، و"لسان الميزان" (5/314 و317 رقم 6206و6217)، و(6/44 رقم6724)، و"تهذيب التهذيب" (71/1) ، فقد أطلقت هذه العبارة في هذه المواضع على رواة لم يتحدد لي مذهبهم .
ولم أقف على كلام لأحد من أئمة الجرح والتعديل أطلق فيه قوله :" المذهب الرديء " على مذهب الخوارج(1)- أو أي فرقة منه(2)-، أو قال عن أحد رجاله: " رديء المذهب "، فإن كان الظافر وقف على شيء من ذلك فليتحفنا به لنستفيد ، وكان الأولى بمثله الفخر بتفضيل أهل السنة لمذهبه على التشيع والرفض ، لا أن يسعى في مذمّته بإلحاق من ليس منه بـه ، وأذكره بقوله – صلى الله عليه وسلم – (( ليس من رجل ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ))، وبقوله – صلى الله عليه وسلم -: (( لا ترغبوا عن آبائكم ، فمن رغب عن أبيه فهو كفر )). رواهما البخاري ومسلم. ورويا أيضًا عن أبي عثمان النهدي قال : لما ادُّعي زياد ، لقيت أبا بكرة فقلت له : ما هذا الذي صنعتم ؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : سمع أذناي من رسول الله وهو يقول : (( من ادَّعى أبًا في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه ، فالجنة عليه حرام ))، فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله .
وأما استدلال الظافر بكلام الجاحظ المعتزلي ، وأحمد بن يحيى الناصر الزيدي ، في إثبات وجود شخص أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، فأجيب عنه بالآتي :
أولا : الجاحــظ :
نقل عنه الظافر أنه قال في "البيان والتبيين" (1/523):" ومن الخوارج وعلمائهم ورواتهم : مسلم بن كورين ، وكنيته : أبو عبيدة ، وكان إباضيًّا ، ومن علماء الصفرية ". وفي موضع آخر (2/907) قال : " ومن علمائهم : مليل ، وأصغر بن عبدالرحمن ، وأبو عبيدة كورين ، واسمه مسلم ، وهو مولى لعروة بن أذينة".
ويرى الظافر أن هذا الذي ذكره الجاحظ هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة شيخ الربيع ابن حبيب ، وتلميذ جابر بن زيد ، ويضم هذا النص مع النصوص السابقة التي ذكر فيها الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما أبا عبيدة عبدالله بن القاسم الملقب بـ" كورين "، ويستدل به على صحة دعواه : أن الإمام أحمد وابن معين وغيرهما ممن سمى كورين هذا : عبدالله بن القاسم قد عرفه ذاتًا وجهله اسـمًا. وعليه أقول :
1- بخٍ بخٍ !! جهل هذا الرجل الإمام أحمد ، ويحيى بن معين ، والبخاري، وأبو حاتم الرازي ، وابنه عبدالرحمن ، والدولابي ، وابن حبان ، وابن ماكولا، والذهبي ، وابن حجر ، وعرفه إمام الجرح والتعديل الجاحظ!! هداك الله أيها الظافر !
2- تنقل كتب تراجم علماء الإباضية ترجمة وافية لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ؛ كالسير للشماخي وغيره ، ولاحظت من خلال قراءتي في بعضها الآتي :
أ - لم يلقب أبو عبيدة فيها بـ" كورين "، ولا أبوه .
والأخ الظافر يعلم غرابة مثل هذا اللقب، إلى حدّ أن الزبيدي ذكره في "تاج العروس" (14/80) في مادة " كور "، فقال :" وكورين - بالضمّ -: شيخ أبي عبيـدة، وكـوران - بالضمّ -: قرية ؛ كما في "التكملة". قلت : وهو عبدالله بن القاسم، ولقبه : كورين ، وكنيته : أبو عبيدة ، من شيوخ أبي عبيدة معمر بن المثنى ، وقد روى عن جابر ابن زيد".
وقال في "التكملة" (3/133):" وكورين - بالضمّ -: لقب أبي عبيدة عبدالله بن القاسم ، من شيوخ أبي عبيدة معمر بن المثنى ، وقد روى عن جابر بن زيد ، هكذا ذكره الصنعاني. والذي حققه الحافظ(3): أن الذي سمع منه أبو عبيدة هو : مِسْمَعُ بن كُرْدين – بالدال –". فإذا كان هذا الرجل هو أعظم شخصية عند الإباضية بعد جابر بن زيد ، فلا شك أن الدواعي متوافرة لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عنه ، فكيف يعرف غير الإباضية – من أهل السنة وغيرهم - عن هذا الرجل هذا اللقب الغريب ، ولا يعرفه أهل مذهبه ؟ ؟ !!
فشهرة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة عند الإباضية أعظم بكثير من شهرة عبدالرحمن ابن هرمز الأعرج وسليمان بن مهران الأعمش عند أهل السنة . وغرابة لقب " كورين " أشد من غرابة لقب " الأعرج " و" الأعمش"، ومع هذا فلا تكاد تجد في الأسانيد قولهم :" عن عبدالرحمن بن هرمز "، أو :" عن سليمان بن مهران "، وإنما يقولون :" عن الأعرج "، و :" عن الأعمش "، غلب عليهما هذا اللقب. فأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة على شهرته العظيمة عندكم ، وغرابة لقبه ، لا تذكر عنه كتب التراجم عندكم هذا اللقب !!
3- وتبعًا لاستغرابي في الفقرة المتقدمة يتواصل استغرابي لولاء أبي عبيدة. فكتبكم تذكر أنه مولى لبني تميم ، والجاحظ قال :" وهو مولى لعروة بن أذينة". وعروة بن أذينة ليثي ؛ كما في "الجرح والتعديل" (6/396 رقم2212)، وأين ليث من تميم ؟! وكأني بك ستقول : ما وقع في كتاب الجاحظ تصحف فيـه " عروة بن أديّة " إلى "عـروة بن أذيـنة "؛ فقد جــاء في إحدى نســخ "البيان والتبيـين" كذلك كما ذكر المحقـــق عبدالسلام هارون في حاشيته (3/265)، وقد ذكر القنوبي في كتابه - "الإمام الربيع بن حبيب مكانته ومسنده "-(ص 26) أنه كان مولى لعروة بن أُديَّة التميمي ، وأسند هذه المعلومة للشيخ أحمد الخليلي . وهذا غير مستبعد ، لكن باقي نسخ كتاب الجاحظ جميعها اتفقت على :" أذينة"، وكذا جاء في جميع طبعات الكتاب ، ومنها الطبعة التي أحلت إليها في عزوك ، ولذا أعرض عبدالسلام هارون - على قوّة تمكنه ومعرفته - عن هذا الخلاف ،وأثبت :" أذينة". ولم أجد فيما اطلعت عليه من كتبكم - على قلّتها عندي - أنه نسب ولاؤه لعروة بن أُديَّة أخي مرداس بن أُديَّة التميمي ، سوى ما ذكره القنوبي عن الشيخ الخليلي، فإن وجدت شيئًا من ذلك ، فأكون شاكرًا لك في تصحيح هذه المعلومة .
وأما الشيخ الخليلي فمتأخر ، وأنت تعلم أن كلاًّ سيتساءل ببساطة : من أين استقى الشيخ الخليلي هذه الفائدة؟ وفي ظني أنه اعتمد على ما جاء في كتاب الجاحظ ، وترجيحه للنسخة الشاذة، إلا أن تفيدنا بمعلومة موثقة من أحد كتبكم القديمة ، فإن لم تجد فيعود الاستغراب مرة أخرى : رجل له هذه المكانة عندكم يعرف عن ولائه غيركم أكثر من معرفتكم ؟
وثمرة هذا كله : هل هذا الذي ذكره الجاحظ هو : أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة شيخ الربيع بن حبيب أو لا ؟ أما أنا فلا أجد دليلاً مقنعًا يدل على أنه هو ، وأما أنت فشأنك .
وللحديـث بقيــة .




الردُّ الرابع للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 19/5/2000م قام المدعو "الصارم المسلول" بنشر الردّ الرابع من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/002947.html

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :
فاستمرارًا مع الظافر في مناقشة ذكر بعض الكتب لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، وبعد الفراغ من الكلام عن "البيان والتبيين" للجاحظ ، نأتي للكلام عن :
ثانيـًا : أحمد بن يحيى الناصر الزيدي .
نقل عنه الظافر قوله في كتاب " النجاة " (ص 337): « فصار الذكر هو الرسول ، وهذا ما لم يدفع، فصار أهل البيت عليهم السلام المأمور الخلق بسؤالهم ، ولم يكلفوا أن يسألوا عبدالله بن يزيد البغداذي ، ولا عبدالرحمن بن خليل ، ولا عبدالكريم بن نعيم ، ولا مسلم بن أبي كريمة ، ولا عبدالصمد ، ولا المعلم ، ولا نجدة بن عامر ، ولا أبا مؤرج السدوسي". وبالرجوع إلى الكتاب المذكور وجدت أن محققه المستشرق :" فيلفرد ماديلونغ " وضع كلمة " أبي" بين معكوفين ، ولم يعلق عليها . وقدم للكتاب بمقدمة باللغة الألمانية ذكر فيها اعتماده على نسختين خطيتين ، إحداهما نسخة مكتبة ميونيخ ، والأخرى نسخة جامع صنعاء باليمن . وظهر من خلال عمله إثباته لفروق هاتين النسختين ؛ حيث رمز لنسخة ميونيخ بالرمز "م"، ولنسخة جامع صنعاء بالرمز "ص"؛ إلا أن هناك بعض المواضع يضع فيها أحيانًا بعض الجمل أوالكلمات بين معكوفين ويشير إلى أن ما بين المعكوفين ساقط من النسختين ؛ كما تجد أمثلته في (ص 73 حاشية 13)، و (ص 82 حاشية 4 و 6)، و (ص 92 حاشية 13) و(ص 94 حاشية 4 ) وغيرها . ولكنه في مواضع أخرى لا يذكر شيئًا عما جعله بين معكوفين ؛ كما تجد أمثلته (ص50 و 59 و 106 و 108 و 128 ) وغيرها ، ومن ضمنــها كلمـة " أبي " في النـص الذي نقله الظافر ( ص 337 ). وفي ( ص 25 حاشية 6 ) ذكر أن قوله :" قل " ساقط من النسختين ، ثم قال :" ثم أضيفت في م بغير خط الناسخ ". وأما إذا رأى الكلمة متصحفة في النسختين فإنه يصوبها ، ولا يضع ذلك بين معكوفين؛ كما تجد أمثلته في مواضع كثيرة ؛ منها (ص 82 حاشية رقم 9 و 20 )، و (ص83 حاشية رقم 1 و2 و4 و5)، و (ص 84 حاشية رقم 3)، وغيرها .
وثمرة ما مضى : أن صنيعه هذا يدل على أن النسختين اللتين اعتمدهما في تحقيقه اتفقتا على أن اسم هذا الرجل :" مسلم بن كريمة "، لا "مسلم بن أبي كريمة". وقد بذلت الجهد - ولازلت - في البحث عن النسختين الخطيتين أو إحداهما لأقف على العبارة في النسخة بنفسي ، حذرًا من أن يكون " كورين " تصحف على هذا المستشرق إلى " كريمة "، أو تكون الكلمة تناولتها يـد غير يـد الناسخ بالتعديل ، كما يدل عليه كلام هذا المستشرق في مقدمته ، وفي بعض التعليقات على الكتاب، منها ما سبق نقله، ومنها في (ص 284 حاشية 21 )، حيث ذكر المحقق أن بعض الكلام شطب في نسخة صنعاء ، وكتب في الهامش ما نصه :" قد دُسّ في الكتاب في هذه المسألة خلاف المذهب". ولم أتمكن إلى الآن من العثور على المخطوط ، ولعلي أتمكن من ذلك مستقبلاً ، وسأكون شاكرًا لمن يساعدني في الوقوف عليه .
وعلى أي حال فإن رجلاً يصل إلى درجة الإمامة في المذهب ، والعمل الدؤوب في نشره إلى حدّ أنه هو الذي أرسل الإرساليات إلى المغرب - أبو الخطاب المعافري وعبدالرحمن بن رستم ومن معهما-، الذين يعتبرون النواة في نشر المذهب الإباضي بالمغرب، وقيام الدولة الرستمية ، إن رجلاً كهذا لا يمكن أن يكون بهذا الخفاء ، بحيث يعـزّ على كتب التواريخ والأدب والتراجم ذكره ، وقد ذكرتْ من هو أقل شأنًا منه بكثير ، وهذا الظافر قد نقل من "البيان والتبيين" للجاحظ لأنه يعلم أن كتب الأدب عنيت بأخبار الخوارج وأشعارهم ، ومن يطالع كتاب "الكامل" لتلميذ الجاحظ : المبرِّد ، المتوفى سنة (285 هـ) يجده عني بذكر أخبار الخوارج ورجالهم عناية فائقة ، ولو كان الربيع بن حبيب وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة معروفين لوردا عنده في تلك الأخبار ، هذا عدا كتب الرجال والتراجم التي يترجم فيها للموافق والمخالف ، فهبك أيها الظافر تقول : إن أصحاب هذه الكتب من أهل السنة ، فلن يُعْنَوْ بالترجمة للإباضية ، وهي مقولة ينطق واقع تلك الكتب بخلافها ، فأيما أعظم جرمًا عند أهل السنة : أئمة الإباضية أو جهم بن صفوان ، وعمرو بن عبيد ، وبشر بن غياث المرِّيسي ، وأحمد بن أبي دؤاد ؟ لا شك أن جرم هؤلاء الأربعة أعظم عند أهل السنة ، بدليل أنك لا تجدهم يحتجّون بهم في شيء من الروايات ، بل لا يكادون يروون عنهم ، بينما تجدهم أخرجوا في الصحيح لطائفة من الخوارج ، ومنهم عمران بن حطان الذي امتدح عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي. ومع ذلك تجد أهل السنة ترجموا لرؤوس الجهم والاعتزال هؤلاء ، فهذا جهم بن صفوان ترجم له الذهبي في "السير" (6/26-27) فقال :« جهم بن صفوان ، أبو مُحرز الراسبي، مولاهم، السمرقندي، الكاتب، المتكلم، أُسُّ الضلالة، ورأس الجهمية، كان صاحب ذكاء وجدل ...» الخ ما قال ، وانظر أيضًا عنده ترجمة عمرو بن عبيد (6/104-106)، وترجمة بشر المريسي (10/199-202)، وترجمة أحمد بن أبي دؤاد (11/169-171).
أما كان يمكن لأصحاب كتب التراجم أن يترجموا للربيع بن حبيب وأبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة ولو على سبيل الذم كما ترجموا لهؤلاء وغيرهم ؟!
وهذا ينسحب أيضًا على أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني الذي اعترف الظافر بأنه لم يجد له ذكرًا في تراجم غير الإباضية .
وإذا ما واجه الإباضية هذه السؤالات الموقعة في الحرج ، وحاروا جوابًا عنها ، فروا للتعلق بالمشجب الذي يعلقون عليه أعذارهم ؛ وهو التذمُّر من ظلم الولاة الذي ألجأ أئمتهم هؤلاء إلى التواري ، وإلا خُضدت شوكة الإباضية .
وما ذكروه عن تواري أئمتهم ؛ ذكروه أيضًا عن تواري كتبهم ؛ كـ" مسند الربيع بن حبيب". وهذا مدفوع بالآتي :
1- قد يتوارى الرجل ويختفي إما بشخصه ، أو بما يحمله من فكر ، لكن لا يصل الأمر إلى درجة جهالته البتّة ، إلا أن يكون مسلوب الإمامة ، عاميّاً كعامة الناس الذين ليس لهم من صفات البروز والظهور ما يستدعي ذكرهم في كتب التراجم والسير .
وهناك عدد من الأئمة المتوارين عن الحكام الظلمة الذين طاردوهم للظفر بهم والانتقام منهم بسبب كلمة حق قالوها ، كالحسن البصري وسفيان الثوري رحمهما الله ، إلى حد أن الإمام عبدالغني بن سعيد الأزدي جمعهم في كتابه المشهور :" المتوارين "، إلا أن هذا كان سببًا في شهرتهم وحسن ذكرهم ، وعلوّ مكانتهم ؛ لا سببًا في خمول ذكرهم ، ولم يمنع من معرفة سيرتهم على التفصيل .
فإن قيل هذا مختص بعلماء أهل السنة .
قلنا : قد توارى بعض أئمة البدعة من بعض الولاة ، ولم يمنع ذلك من ذكرهم ؛ كبعض الزنادقة الذين كان الخليفة العباس المهدي رحمه الله يتتبعهم ؛ كما تجده في ترجمة صالح بن عبدالقدوس في "لسان الميزان" وغيرها .
2- وأما التواري بالفكر فكثير ، والإباضية يرون جابر بن زيد رحمه الله هو إمام المذهب ، ويرونه متواريًا بفكره ؛ ينكر أمام الناس انتساب الإباضية إليه .
وأقوى ما يدان به المرء اعترافه على نفسه .
فإذا كان الإباضية يرون جابر بن زيد رحمه الله هو إمام المذهب - بِغَض النظر عن صحة هذه الدعوى من عدمها -، واستطاع إثبات وجوده كعالم مزدوج بين أهل السنة والإباضية ، أما كان يسع أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ما وسع شيخه من إظهار العلم المتفق عليه من الجميع ، والاختفاء بما يخص به الإباضية ؟!
وقد ذكر المزي في "تهذيب الكمال" (4/435) عشرين تلميذًا من تلاميذ جابر بن زيد، أما كان يمكن أن يُذكر - على الأقل ، ولو مجرد ذكر -أبو عبيدة على أنه ممن تتلمذ على جابر ؟
أو ما كان يمكن أن يرد على لسان أحد تلاميذ جابر ذكر مرافقة أبي عبيدة لهم في الأخذ عن جابر ؟
أو ما كان يمكن أن تكون هناك قصة حدثت في مجلس جابر - أو معه - يشترك فيها أبو عبيدة ؟
أو ما كان هناك سؤال يرد من أبي عبيدة لشيخه جابر يقول فيه الراوي : سأل أبو عبيدة جابر بن زيد؟.... الخ ما هنالك من التساؤلات التي تدور في رأس كل أحد وهو يسمع بهذه القدرة الخارقة عند أبي عبيدة على الاختفاء مع الاحتفاظ بلقب أعظم أئمة المذهب بعد جابر بن زيد ؟!
3- هناك مبالغة من الإباضية في ذكر أسباب اختفاء أبي عبيدة ، فالوقت الذي عاش فيه أبو عبيدة - وهو كما يقولون ما بين 45 هـ إلى 150 تقريبًا - كان يعجّ بالفتن من كل جانب ؛ منها الوقعة التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنهما ، ووقعة الحرّة ، وقتال ابن الزبير ، ثم فتنة ابن الأشعث، ووقعة الجماجم ، وغيرها من الفتن والملاحم التي وقعت في عصر بني أمية ، ومن أهمها خروج بني العباس عليهم ، وما جرى من الملاحم التي قادها أبو مسلم الخراساني التي أفنى فيها عرب خراسان ، وهذا أوجد بيئة خصبة لجميع الفرق لبث فكرها ونصرته ، من الرافضة ، والخوارج على اختلاف مذاهبهم وفرقهم ، ومن الناصبة ، ومن المرجئة ، ومن الجهمية ، ومن الشعوبية ، بل من الزنادقة الذين كانوا يطعنون في الإسلام ، وكلٌّ يدعو وله أتباع ، والسنة وحملتها وأهلها في مواجهة جميع هذه الجبهات، وليس لهم قوة إلا اعتصامهم بالله ، والحكام ما بين مشغول بحروبه ، وما بين غارق في شهواته ، وما بين إمام عادل لم يفسح في مدته ، وما بين ضعيف عاجز عن نصرة الحق وأهله ، فأي عذر لأبي عبيدة في الاختفاء ؟!
4- اعترف الظافر بأن أبا عبيدة استطاع أن يقيم ثلاث دول : الأولى في حضرموت واليمـن على يـد طالب الحـق ، والثـانية في عمـان على يد الجلنـدي بن مسعود ، والثالثـة في المغرب على يد أبي الخطاب المعافري . ونحن لا ننكر قيام هذه الحركات ، ولكن تفاصيلها ومبالغة الإباضية في ربطها بأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة هي التي تستوقفنا . فحركة عبدالله بن يحيى طالب الحق - على سبيل المثال - التي يزعم الظافر أنها دولة أقامها أبو عبيدة في حضرموت واليمن ، إنما هي حركة من حركات الخروج في الأطراف على الدولة الأموية في فترة ضعفها . وقد تحدث ابن جرير الطبري في "تاريخه" (8/237 و267-269 و288-296) في حوادث سنة (128 هـ - 130 هـ) عن هذه الحركة ، فإن قبلنا كل ما أورده من طريق متهم بالكذب، أو مجهول، أو إسناد منقطع، فإن الأمر لا يعدو أنها حركة قام بها عبدالله بن يحيى طالب الحق ، وتابعه الخارجي أبو حمزة ، وتحركوا في تلك الأطراف التي يضعف فيها سلطان بني أمية في فترة ضعفهم ؛ أعني اليمن وحضرموت ، لكن بلغ بهم العجب بقوتهم إلى المسير إلى الحرمين مكة والمدينة مستغلين موسم الحج ، فاستولوا عليها ، فما كان من الحاكم الأموي مروان بن محمد إلا أن أرسل لهم قائده عبدالملك بن محمد بن عطية السعدي في قوة قوامها أربعة آلاف رجل ، فانتزعوا منهم الحرمين ، وقتلوا القائد أبا حمزة الخارجي ، وساروا حتى وصلوا اليمن فالتقوا مع عبدالله بن يحيى طالب الحق فقتلوه ، فأي دولة تلك التي يفنيها أربعة الآف ؟!
ثم إذا كان أبو عبيدة أقام هذه الدول الثلاث ، أما كان ذلك مدعاة لشهرته وظهوره ، ولماذا يبقى في البصرة التي يعيش فيها على تخوُّف ، ولا يذهب لإحدى هذه الدول حيث يأمن فيها ويظهر للناس؟!
وأما أبو الخطاب المعافري ودولته التي أقامها في المغرب ، فهي نواة الدولة الرستمية التي سيأتي الحديث عنها في المقال القادم إن شاء الله تعالى.


الردُّ الخامس للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 30/5/2000م قام المدعو "الصارم المسلول" بنشر الردّ الخامس من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/003309.html

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :

فقد ذكرت في مقالي السابق عددًا من الإيرادات التي تدل على أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة شخصية مجهولة ، لا كما يصوره كتاب الإباضية وعلماؤهم ؛ من وصفه بأوصاف تدل على مكانته، وشهرته ، وقيادته للحركة الإباضية بعد جابر بن زيد .

ومع ما سبق أضيف هنا ثلاثة أمور- وقد يكون هناك أكثر مما ذكرت-.

الأمـر الأول : يذكر الإباضية في كتبهم مبالغة أبي عبيدة في السرية ، إلا أنه « رغم هذا التنظيم وهذه السرية ما كان ليسلم أبو عبيدة من أن يقع في فخ المكائد التي تحبك له. فقد وقع أبو عبيدة في قبضة الدولة الأموية التي وكلت أمر البصرة لذلك الطاغية الحجاج ابن يوسف الثقفي الذي نفى جابر بن زيد إلى عمان ، ثم سجن أبا عبيدة وضمامًا وكثيرًا ممن معهما من أهل الاستقامة » اهـ. من "حملة العلم إلى المغرب" (ص9) لسيف بن أحمد البوسعيدي الإباضي ، وأحال على كتاب " أبو حمزة الشاري " (ص76).

ونقل البوسعيدي (ص9-10) أيضًا عن الدرجيني أنه قال في "الطبقات" (2/247): « بلغنا عن ضمام حين سجنه الحجاج هو وأبو عبيدة قال : أدخلنا في سجن ، قال : فلم يكن يوصل إلينا ولا يدخل علينا حديدة ولا جلم ، قال: وإنما كنا نقص شواربنا بأسناننا، وإن كان الرجل منا لينفض لحيته فيتساقط منها القمل ، قال : وإنما كان يطعمنا خبز الشعير والملح الجرش ، قال : ويعمد إلى مراكن عظام فيسكب فيها الماء ، ثم يؤتى بملح فيلقى في تلك المراكن ، ثم يضرب حتى يخرج رغوته ، ثم يقال : يا أهل السجن ! خذوا ماءكم ، قال : فمن أخذ من أوله كان أمثل قليلاً ، ومن أخذ من آخره فهو العذاب ، قال : فكان ضمام ربما ضاق فيقول له أبو عبيدة : ويلك ! ما هناك على من تضيق وعلى من تدل » اهـ. وهذه الحادثة ذكرها أيضًا الشماخي في " السير " (1/81).

فحادثة اعتقال أبي عبيدة هذه تدل على أن شهرته في قيادة التنظيم كسرت طوق السرية التي أحاط بها نفسه وعمله ، وأصبح تنظيمه مكشوفًا للحجاج بن يوسف ، مما حدى به إلى اعتقاله ، فلا معنى إذًا لدعوى أن مرحلة الكتمان وسرية العمل كانت سببًا في خمول ذكر أبي عبيدة عند غير الإباضية - وبخاصة في كتب التراجم والتواريخ - ما دام التنظيم قد كشف ، وقيادته قد عُرفت ، وهذا مما يؤكد ما ذكرته سابقًا من زيف تلك المعلومات التي يدلي بها الإباضية عن شخصية أبي عبيدة .

ثم إن نفس الحدث - أعني حدث اعتقال أبي عبيدة ومن معه - مدعاة لذكره في الحوادث التي يُعنى بكتابتها المؤرخون الذين عنوا بذكر مظالم الحجاج وتعذيبه لخصومه ، وقد ذكروا ما هو أقل من هذا!

الأمر الثاني : نقل البوسعيدي أيضًا (ص 12) عن الدرجيني أنه ذكر في "الطبقات" (2/246) أن واصل بن عطاء - إمام المعتزلة - كان يتمنى لقاء أبي عبيدة ويقول : لوقطعته قطعت الإباضية ، فبينما هو في المسجد الحرام ومعه أصحابه ، إذ أقبل أبو عبيدة ومعه أصحابه ، فقيل لواصل : هذا أبو عبيدة في الطواف ، فقام إليه واصل فلقيه ، وقال : أنت أبو عبيدة ؟ قال : نعم ، قال : أنت الذي بلغني أنك تقول : إن الله يعذب على القدر ؟ فقال أبو عبيدة : ما هكذا قلت ، لكن قلت : إن الله يعذب على المقدور ، فقال أبو عبيدة : وأنت واصل بن عطاء ؟ قال : نعم ، قال : أنت الذي بلغني عنك أنك تقول: إن الله يُعصى بالاستكراه ؟ فنكس واصل رأسه فلم يجب بشيء ، ومضى أبو عبيدة، وأقبل أصحاب واصل على واصل يلومونه ، يقولون: كنت تتمنى لقاء أبي عبيدة فسألته فخرج، وسألك فلم تجب ، فقال واصل : ويحكم ! بنيت بناء منذ أربعين سنة ، فهدمه وأنا قائم ، فلم أقعد ولم أبرح مكاني » اهـ.

ومثل هذا الحِجاج للقدرية الحاجة ماسة لذكره في كتب العقائد ، بل وكتب المعتزلة أنفسهم ، فلماذا لم يذكر ؟ والحادثة تؤكد أن شهرة أبي عبيدة بلغت إلى حد أن يتمنى هذا المتكلم رأس المعتزلة لقاءه ، فهل بلغ الشحّ بالكتَّاب أن يبخلوا على أبي عبيدة بقطرة من الحبر يذكرون فيها شيئًا من علمه وصفاته ؟!

الأمـر الثالث : ذكرت في المقال الأول ذلك النقل الذي زعم القنوبي أنه أخذه عن "الكامل" لابن الأثير ، والحقيقة أنه أخذه عن "السير" للشماخي الإباضي (1/85)، والنقل يصور أن أبا عبيدة كان معروفًا عند الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور معرفة دفعته للقول عندما بلغه خبر موته :" وإنه قد مات ؟! " فرجّع ، وقال :" ذهب الإباضية".

فهل يمكن أن نتصور رجلاً يكون بهذه الشهرة ، وهذه المكانة ، ومع ذلك يهمل ذكره المؤرخون والمترجمون ؟

وبعد الفراغ من الكلام عن شخصية أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، نأتي للكلام عن الدولة الرستمية.

فقد أشار الظافر في رده إلى أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة استطاع أن يقيم ثلاث دول ، الأولى في حضرموت واليمن على يـد طالب الحـق ، والثـانية في عمـان على يد الجلنـدي بن مسعود ، والثالثـة في المغرب على يد أبي الخطاب المعافري .

وكنت ذكرت في مقالي - الذي أثار هذا النقاش - أن "مسند الربيع" واتته فرصة للظهور أثناء قيام الدولة الرستمية في المغرب ، وكان رد الظافر على هذا الحجة قوله : «وهل عرف سعد الحميد عشر معشار علماء الإباضية ؟ .... ،وهل عرف غير الدولة الرستمية التي ربما لا يعرف عنها إلا اسمها ؟ هل يعرف سعد الحميد مؤسسها عبدالرحمن ابن رستم ، وابنه عبدالوهاب ، وابنه أفلح بن عبدالوهاب وغيرهم ؟ وهل ذكر هؤلاء في كتب غير الإباضية ليعترف بهم سعد الحميد ؟".

ودعك - أخي القارئ - من هذا التهويل والتهويش ، فكما قلت سابقًا : العمر أشرف من أن يضيع في مثل هذه الخصومات ، ولولا ما تضمنه كلام الظافر من خلط السباب والسخرية ببعض المسائل العلمية التي لابد من بيان وجه الحق فيها ، لأعرضت عن مناقشته ، وسأجعل كلامي هنا عن الدولة الرستمية محصورًا في مسألتين :

1- عرض مختصر عن الدولة الرستمية ونشأتها ، وأئمتها ، وهل ذكروا في غير كتب الإباضية أولا ؟

2- ثمرة ذكري للدولة الرستمية .

أما نشأة الدولة الرستمية : فأمامنا فيه رأيان :

أ - رأي الإباضية ، وهو الذي يقصده الظافر بدعواه أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة استطاع أن يقيم ثلاث دول: التي في عمان، والتي في اليمن، والثالثـة التي في المغرب.

وخلاصة ما ذكروه أن رجلاً يدعى سلمة بن سعد الحضرمي اتفق مع أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ليرسل له في البصرة مجموعة من إباضية المغرب ليعدَّهم دعاة هناك ، فوصل خمسة من هؤلاء الدعاة ، وهم : عاصم السدراتي ، وإسماعيل بن درار الغدامسي ، وأبو داود القبلي النفزاوي ، وعبدالرحمن بن رستم الفارسي الأصل ، وأبو الخطاب عبدالأعلى بن السمح المعافري الحميري ، من أهل اليمن .

وكان وصولهم إلى أبي عبيدة سنة (135 هـ)، ومكثوا عنده خمس سنوات ، وتخرَّجوا من مدرسته سنة (140 هـ)، وتوجهوا للمغرب ، وكان أبو عبيدة أشار عليهم بتولية أبي الخطاب المعافري لصفات رآها فيه ، فعقدت له الإمامة في نفس العام سنة (140 هـ)، وبايعه الإباضيون ، فبدأ حروبه ، حيث استولى على طرابلس ، ثم توجه إلى القيروان فاستولى عليها ، وكانت هناك عدة وقائع بينه وبين العباسيين ، حتى إنه قتل من جنود بني العباس في إحدى الوقائع ستة عشر ألفًا .

وكانت نهايته في سنة (144هـ) حين التقى مع قائد الحملة العباسية محمد بن الأشعث في " تورغا"- على مسيرة ثمانية أيام من طرابلس -، فأبادهم جميعًا هذا القائد العباسي ، وكانت عدتهم أربعة عشر ألفًا ، واحتزّ محمد بن الأشعث رأس أبي الخطاب ، وبعث به إلى الخليفة العباسي المنصور في بغداد .

وكان أبو الخطاب قد ولّى عامله عبدالرحمن بن رستم على مدينة القيروان ، فلما حصل له ما حصل؛ فـرّ عبدالرحمن بن رستم من القيروان ، وأخلاها لابن الأشعث ، وتوجّه إلى المغرب حيث اعتصم بجبل منيع هناك ، وحاصره فيه ابن الأشعث مدة فلم يتمكن منه ، فارتحل عنه . ثم إن ابن رستم استطاع أن يجمع فلول الإباضية هناك ، ويقيم دولة في مدينة " تيهرت "- شمال الجزائر الآن -، عرفت هذه الدولة بـ" الدولة الرستمية " نسبة إلى عبدالرحمن بن رستم هذا ، وهو ابن رستم بن بهرام بن سام بن كسرى أنو شروان ملك الفرس ، وذلك في سنة (160 هـ).

وكانت وفاة عبدالرحمن بن رستم هذا سنة (171 هـ).

ثم تولى بعده ابنه عبدالوهاب ، وتوفي سنة (190 هـ).

ثم تولى بعده ابنه أفلح بن عبدالوهاب ، وتوفي سنة (240 هـ).

ثم تولى بعده ابنه أبو بكر بن أفلح ، فلم تدم خلافته إلا نحو عام ، قيل : إنه مات بعدها ، وقيل سلّم الأمر لأخيه أبي اليقظان محمد بن أفلح سنة (241 هـ)، واستمرت خلافته إلى وفاته سنة (281هـ).

ثم تولى بعده ابنه أبو حاتم يوسف بن أبي اليقظان الذي مات مقتولاً من بعض قرابته سنة (294 هـ).

ثم تولى بعده أخوه اليقظان بن أبي اليقظان الذي نصّبه قرابته الذين قتلوا أخاه ، وهو آخر من تولى من بني رستم ، حيث انتهت دولتهم على يد أبي عبدالله الشيعي داعية العبيديين ، وذلك في سنة (296 هـ).

وهذا المذكور في جملته – عدى ذكر أبي عبيدة ودوره - موجود في كتب غير الإباضية التي جهلها الظافر ، فرماني بالعجز عن تحصيل ذكر الرستميين فيها . فمن تلك الكتب :

1- "الكامل في التاريخ " لمحمد بن محمد الشيـباني المعروف بابن الأثير ،الطبعة الرابعة سنة (1403 هـ)- نشر دار الكتاب العربي ببيروت - ذكرهم في (4/281)، و(5/32و157)، و(6/133).

2- "معجم البلدان " لياقوت الحموي .

ذكر (2/8-9) مدينة تيـهرت ، وذكر ملك بني رستم لها ، وبعض ملوكهم وأخبارهم .

3- "البيان الْمُغرب في أخبار الأندلس والمغرب " لابن عذاري المراكشي ، حيث عنون (1/196) بقوله: « ذكر مدينة تيهرت »، ثم ذكر تأسيس عبدالرحمن بن رستم لها، ثم عنون مرة أخرى (1/197) بقوله : « ذكر من ملك مدينة تيهرت من حين ابتدائها من بني رستم وغيرهم »، ثم ذكر تسلسل ملوك بني رستم في توليها ، إلا أنه سمى عبدالوهاب: عبدالوارث .

4- "العبر وديوان المبتدأ والخبر " لعبدالرحمن بن خلدون المغربي ، وهو المشهور بـ"تاريخ ابن خلدون " طبع دار الكتاب اللبناني سنة 1981 م .

ذكر ابن خلدون بعض ملوك بني رستم وأخبارهم في مواضع عدة من كتابه هذا ، منها 11/225 و226 و228 و232 و246 و247 و268 و287).

5- "البـدء والتاريخ" للمطهر بن طاهر المقدسي، ذكر ولاية ابن رستم في (4/73).

6- "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" لأحمد بن محمد المقري التلمساني ، نشر دار صادر ببيروت سنة 1968 م ، تحقيق د. إحسان عباس .

ذكرهم في (3/29).

7- "الحلة السيراء " لأبي عبدالله محمد بن عبدالله بن أبي بكر القضاعي ، نشر دار المعارف بالقاهرة، الطبعة الثانية سنة 1985 م، بتحقيق د. حسين مؤنس .

ذكرهم في (1/192).

8- "المغرب في حلى المغرب " لأبي سعيد المغربي . الطبعة الثالثة بالقاهرة سنة 1955 م ، نشر دار المعارف ، بتحقيق د. شوقي ضيف .

ذكرهم في (1/48 و 50).

9- "الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى " لأبي العباس أحمد بن خالد الناصري ، طبع دار الكتاب - الدار البيضاء ، سنة 1954 م.

ذكر ملوكهم وأخبارهم في عدة مواضع ، منها (1/124 و125 و128 و130 و134).

10- تاريخ الدولة العلية العثمانية " للأستاذ محمد فريد بك ، ذكر (ص 54) أن المهدي الفاطمي لما فتح مدينة تيـهرت انتهى ملك بني رستم بعد أن دام مائة وستين سنة .

فتبين بهذه النقول أن الدولة الرستمية وملوكها مذكورون في كنب أهل السنة التي لم يقف الظافر على ذكرهم فيها .

وللحديث بقيـة



الردُّ السادس للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 8/6/2000م قام المدعو "الصارم المسلول" بنشر الردّ السادس من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/003506.html

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :

فقد ذكرت في مقالي السابق رأي الإباضية في نشأة الدولة الرستمية بالمغرب.

ونأتي في هذا المقال على ذكر الرأي الثاني:

ب- وهو رأي باقي المؤرخين من غير الإباضية الذين ذكروا هذه الدولة ، ولم يذكروا لأبي عبيدة سبباً فيها ، شأنها شأن باقي الدول التي قامت في الشمال الإفريقي (المغرب) آنذاك.

وهذا يضطرنا إلى معرفة تاريخ دخول رأي الخوارج في الشمال الإفريقي وأسبابه.

فكتّاب الإباضية يبالغون في تصوير دور أبي عبيدة ، حتى إنه ليخيل للقارئ أن الخارجية ما وصلت للمغرب إلا عن طريق أبي عبيدة ودعاته الخمسة المتقدم ذكرهم ـ أبو الخطاب وابن رستم ومن معهما ـ، وليس الخارجية فقط ، بل الإسلام أجمع.

يقول البوسعيدي في كتابه "حملة العلم إلى المغرب" (ص15-16) وهو يذكر مجالس إعداد الدعاة السرية التي كان يعقدها أبو عبيدة بالبصرة: «حيث كان الدعاة الذين تم اختيارهم على أيدي رجال مهرة لهذا الغرض من مختلف الأمصار يتلقون العلم وأصول الدعوة وتعاليمها وتخطيطاتها عن الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي ، وعن شيوخ الإباضية البارزين الموثوقين.

في هذه المجالس التي أعدت بإحكام لأداء الغرض المنوط بها ، وهو إعداد جيل يستطيع أن يضطلع بالمهمة الشاقة التي سوف يتحملها إذا ما غدا خارجاً من سراديب البصرة التي كانت تعتبر بحق أهم مركز إشعاع عرفه الفكر الإباضي.

تلك السراديب التي خرجت أولئك الرجال الأبطال الأفذاذ الذين برهنوا للعالم أنهم أهل للمسئولية التي كانت ترجوها منهم الحركة الإباضية الأولى.

فهم مشاعل خير ، وآمال أمة ، وحملة للعلم إلى بلادهم وأمصارهم التي أتوا منها ، فقد أسلفنا أنهم أتوا من أماكن مختلفة ، فمنهم من أتى من عمان ؛ كالربيع بن حبيب الفراهيدي ، وبشير بن المنذر النزواني ، ومحمد بن المعلا الكندي ، وراشد بن عمر الحديدي ، وأبي حمزة المختار بن عوف ، وبلج بن عقبة الفراهيدي ، والجلندى بن مسعود ، وغيرهم.

ومنهم من أتى من اليمن ؛ كسلمة بن سعد الحضرمي ، وعبد الله بن يحي الكندي طالب الحق ، وأبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري ، وأبي أيوب وائل بن أيوب الحضرمي.

ومنهم من أتى من الحجاز ؛ كمحمد بن سلمة المدني ، وأبي سفيان محبوب بن الرحيل القرشي المكي، وأبي الحر علي بن الحصين.

ومنهم من أتى من خراسان ؛ كهلال بن عطية الخراساني ، وأبي عيسى الخراساني، وأبي عبد الله هاشم بن عبد الله الخراساني.

ومنهم من أتى من مصر ؛ كمحمد بن عباد المصري ، وعيسى بن علقمة المصري.

وقد تعلم ناس من نفس العراق أيضاً ؛ كأبي غسان مخلد بن العمرد الغساني العراقي ، وعبد الملك الطويل ، وأبي سعيد عبد الله بن عبد العزيز.

ومنهم من أتى من الشمال الإفريقي (بلاد المغرب) ؛ مثل: عبد الرحمن بن رستم الفارسي ، وعاصم السدراتي ، وإسماعيل بن درار الغدامسي ، وأبو داؤد القبلي.

الذين أطلق عليهم لقب (حملة العلم إلى المغرب) بعد أن انضم إليهم أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري اليمني ، فكوّن هؤلاء الخمسة هذه الحملة المباركة التي آتت ثمارها الطيبة في بلاد المغرب كما سوف نرى من خلال الأحداث الآتية سيرة وآثار هؤلاء الدعاة الذين كان لهم الفضل الأكبر في قيام الصبغة الإباضية في بلاد المغرب» ا.هـ.

ويقول أيضا (ص17-18): « أما سكّان المغرب فكان اسمهم الأمازيغ نسبة إلى جدهم مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح ، ثم سمّاهم العرب بربراً بتفخيم الراءين ، للغتهم التي لا يفهمونها.

وكان البربر ينقسمون إلى طائفتين متباينتين: البربر البرانس ـ أو الحضر ـ ، وكانوا ينزلون السهل الساحلي الذي يقع بين الجبال والبحر ثم ينتشرون على طول الجبال الممتدة من الشرق إلى الغرب في السفوح المزروعة والنواحي الخصيبة ، أما البربر الرحل ـ أو البتر ـ ، فكانوا يعمرون الصحاري والواحات التي تلي ذلك جنوباً وشرقاً.

كانت بلاد المغرب قبل الإسلام وبعد فتحها على يد الفاتحين الأوائل من المسلمين المجاهدين وطناً واحداً ، وكانت القبيلة الواحدة تتفرق في كافة أجزائه.

وإذا رجعنا إلى دخول الإسلام بلاد المغرب ، فإننا نجد أن الفضل الأول كما أسلفنا إلى الفاتحين الأوائل من المسلمين ، ولكن الفضل الأكبر في نشر الإسلام وازدهاره في بلاد المغرب في الثلاثة القرون الأولى للهجرة يرجع في المقام الأول إلى دعاة الإباضية الذين انطلقوا من المشرق ، فربطوا بينهم وبين بلاد المغرب على بعد المشقة بين المشرق والمغرب.

وفي القرن الثاني والثالث الهجري ظهر أثر جهد هؤلاء الدعاة ، فقامت الإمامة الإباضية ، وتمخض شرق المغرب الأدنى والمغرب الأوسط عن الدولة الإباضية الكبرى التي التزمت في سياستها الدين القويم ، وأحيت سيرة الخلفاء الراشدين ، فتقدمت بلاد المغرب في كل نواحي الحضارة الإسلامية ، وصار المغرب الإسلامي العربي حصناً منيعاً للدّين ، ورمزاً للأخوة الإسلامية والعربية» ا.هـ.

فالخارجية إذاً سرت في قبائل البربر، والذي سمّاهم بهذا الاسم هو أفريقش بن قيس ابن صيفي أحد ملوك التبابعة لما غزا المغرب ، ورأى هذا الجيل وكثرة كلامهم ، وسمع رطانتهم ، ووعى اختلافها وتنوعها ، تعجب من ذلك وقال: « ما أكثر بربرتكم !! » فسمّوا البربر ، والبربرة بلسان العرب: اختلاف الأصوات غير المفهومة. انظر "تاريخ ابن خلدون" (11/176 و184-185).

ومن صفات هذا الجنس من البشر: العنف والشدة والأنفة ، وكونهم ليسوا أهل دين سابق يجمعهم بل كانوا على حال عظيم من الجهل قبل دخول الإسلام ، واستمر ذلك في بداية الفتح الإسلامي.

ينقل ابن خلدون في "تاريخه" (11/205 و220) عن أبي محمد ابن أبي زيد أن البربر ارتدوا بإفريقية المغرب من طرابلس إلى طنجة اثنتي عشرة مرة ، ولم يستقر إسلامهم إلا في أيام موسى بن نصير ، وقيل بعدها.

وقال ابن خلدون (11/212): « هؤلاء البربر جيل ذو شعوب وقبائل أكثر من أن تحصى حسبما هو معروف في تاريخ الفتح بإفريقية والمغرب ، وفي أخبار ردتهم وحروبهم فيها نقل ابن أبي الرقيق: أن موسى بن نصير لما فتح سقوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك أنه صار لك من سبي سقوما مائة ألف رأس. فكتب إليه الوليد بن عبد الملك: ويحك! إني أظنها من بعض كذباتك ، فإن كنت صادقاً فهذا محشر الأمة ، ولم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل وإلى الإسكندرية عامرة بهذا الجيل ما بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يعرف أولها ولا ما قبلها. وكان دينهم دين المجوسية شأن الأعاجم كلهم بالمشرق والمغرب إلاّ في بعض الأحايين يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم. فإن الأمم أهل الدول العظيمة كانوا يتغلبون عليهم فقد غزتهم ملوك اليمن من قرارهم مراراً على ما ذكر مؤرخوهم ، فاستكانوا لغلبهم ودانوا بدينهم » ا.هـ.

وقال أيضاً (11/220-221): « وذكر أبو محمد ابن أبي زيد أن البربر ارتدوا اثنتي عشرة مرة من طرابلس إلى طنجة ، ولم يستقر إسلامهم حتى أجاز طارق وموسى بن نصير إلى الأندلس بعد أن دوّخ المغرب ، وأجاز معه كثير من رجالات البربر وأمرائهم برسم الجهاد ، فاستقروا هنالك من لدن الفتح ، فحينئذ استقر الإسلام بالمغرب وأذعن البربر لحكمه ، ورسخت فيهم كلمة الإسلام وتناسوا الردة. ثم نبضت فيهم عروق الخارجية ، فدانوا بها ولُقِّنوها من العرب الناقليها من منبعها بالعراق. وتعددت طوائفهم وتشعبت طرقها ، من الإباضية والصفرية كما ذكرنا في أخبار الخوارج. وفشت هذه البدعة وأعقدها رؤوس النفاق من العرب وجراثيم الفتنة من البربر ؛ ذريعة إلى الانتزاء على الأمر، فاختلوا في كل جهة ، ودعوا إلى قائدهم طغام البربر ، تتلون عليهم مذاهب كفرها ، ويلبسون الحق بالباطل فيها ، إلى أن رسخت فيهم كلمات منها ، ووشجت بينهم عروق من غرائسها. ثم تطاول البربر إلى الفتك بأمراء العرب ، فقتلوا يزيد بن أبي مسلم سنة اثنتين ومائة لما نقموا عليه في بعض الفعلات. ثم انتقض البربر بعد ذلك سنة اثنتين وعشرين ومائة في ولاية عبد الله بن الحبحاب أيام هشام بن عبد الملك لما أوطأ عساكره بلاد السوس ، وأثخن في البربر وسبى وغنم ، وانتهى إلى مسوفة فقتل وسبى وداخل البربر منه رعب ، وبلغه أن البربر أحسوا بأنهم فيء للمسلمين، فانتقضوا عليه ، وثار ميسرة المطغري بطنجة على عمرو بن عبد الله فقتله ، وبايع لعبد الأعلى بن جريج الإفريقي روميّ الأصل ومولى العرب ، كان مقدّم الصُفْرِيَّة من الخوارج في انتحال مذهبهم ، فقام بأمرهم مدة ، وبايع ميسرة لنفسه بالخلافة داعياً إلى نحلته من الخارجية على مذهب الصفرية ، ثم ساءت سيرته ، فنقم عليه البربر ما جاء به ، فقتلوه وقدموا على أنفسهم خالد بن حميد الزناتي» ا.هـ.

فدخول رأي الخوارج ـ من الإباضية والصفرية ـ إلى المغرب إذاً كان في وقت مبكر مع بداية الفتح الإسلامي من بعض العرب القادمين مع الفتح ، ولم ينتظر دعاة أبي عبيدة الخمسة ، وهذا عكرمة البربري معروف بنزعته الخارجية ، وهو مولى وتلميذ ابن عباس المتوفى سنة (68هـ).

وأمر آخر أيضاً ، وهو أن رجوع هؤلاء الخمسة إلى المغرب كان في سنة (140هـ)، وقيام دولة أبي الخطّاب المعافري كان في نفس السنة ، فهل استطاع أبو الخطّاب وأصحابه نشر الدعوة وإقامة الدولة بهذه السرعة ؟!

وقد صادف رأي الخوارج هذا محل قبول في قبائل البربر لأسباب عدة، من أهمها:

1- الجهل: فالبربر كانوا أمة عالة على غيرهم من الأمم في الديانة ، فمنهم المجوس، ومنهم النصارى، ومنهم من لا دين له كما تدل عليهم مقولة أحد ملوك المغرب ـ واسمه يليان ـ كما في البيان المغرب (1/26) ، وذلك أنه لمّا سالم عقبة بن نافع رحمه الله ونزل على حكمه ، قال: « قد تركت الروم وراء ظهرك ، وما أمامك إلا البربر ، وهم مثل البهائم ، لم يدخلوا في دين نصرانية ولا غيرها ، وهم يأكلون الجيف ، ويأكلون مواشيهم ويشربون دماءها من أعناقها ، فقد كفروا بالله العظيم فلا يعرفونه ، ومعظمهم المصامدة» ا.هـ.

فليس لهم إذاً ديانة مستقلة يحملونها ويدافعون عنها ، ولما دخلت طلائع الفتح الإسلامي وقفوا في وجه الإسلام أَنَفَةً أن يحكموا من غيرهم ، فإن كانت الدائرة عليهم أظهروا الإذعان لحكم الإسلام ، ومتى ما وجدوا فرصة للانتقاض انتقضوا ورجعوا إلى ما كانوا عليه ، وهذا الذي قصده أبو محمد ابن أبي زيد بقوله: إنهم ارتدوا اثنتي عشرة مرة. وكان لثوراتهم المتكررة أثر كبير في إضعاف شوكة المسلمين الفاتحين ، وإلا لاكتسحوا أوروبا بأكملها ، ولم يقفوا عند الأندلس فقط ، ومن يقرأ في كتب التواريخ ، ويطّلع على أخبارهم في مقاومة الفتح يجد عجباً.

وقد أدرك بعض المصلحين من الفاتحين مكمن الخطر في هذا الجنس من البشر ، ورأى أن أفضل الحلول: تعليمهم ، وتفقيههم ، ليعلموا أن القصد ليس الاستيلاء على الأرض وسلب الأموال ، وإنما نشر هذا الدّين ، فإذا خضعوا لحكم الإسلام عصموا دماءهم وأموالهم ، وأصبحوا جزءاً من هذا الكيان العظيم. فهذا موسى بن نصير رحمه الله يحكي عنه ابن عذاري المراكشي في "البيان المغرب" (1/42) أن البربر لما رأوا ما أوقع بهم رحمه الله من القتل والسبي استأمنوا وأطاعوا ، فولى عليهم والياً ، وأمر العرب أن يُعلِّموا البرابر القرآن ، وأن يفقهوهم في الدين ويعلموهم شرائع الإسلام ، وترك فيهم سبعة عشر رجلاً من العرب يعلِّمونهم ، فحصل من جرّاء ذلك خير كثير ، حيث تم إسلام أهل المغرب الأقصى ، وبنيت المساجد ، إلا أن هذا إنما حصل لبعضهم ، وبعضهم الآخر بقوا على جهلهم، وإليك هذا الخبر الذي ذكره ابن عذاري في "البيان المغرب" (1/56-57) في حوادث سنة (124هـ) حيث قال: « ذِكْرُ برغواطة وارتدادهم عن الإسلام: قال ابن القطان وغيره: كان طريف من ولد شمعون بن اسحاق ، وإن الصفرية رجعت إلى مدينة القيروان لنهبها واستباحتها في ثلاثمائة ألف من البربر مع أمير منهم ، وكانوا قد اقتسموا بلاد إفريقية وحريمها وأموالها ، فهزمهم الله تعالى بأهل القيروان ، وهم في اثني عشر ألف مقاتل ، نصرهم الله تعالى عليهم ، وخبرهم طويل يمنع من إيراده هنا خيفة التطويل. وكان طريف هذا من جملة قواد هذا العسكر ، وإليه تنسب جزيرة طريف. فلما هزمهم الله بأهل القيروان ، وتفرقوا ، وقُتِل من قُتِل منهم ، وتشتت جمعهم ، سار طريف إلى تامسنا ـ وكانت بلاد بعض قبائل البربر ـ ، فنظر إلى شدة جهلهم ؛ فقام فيهم ، ودعا إلى نفسه ، فبايعوه وقدَّموه على أنفسهم ، فشرع لهم ما شرع ، ومات بعد مدة، وخلَّف من الولد أربعة ، فقدم البربر ابنه صالحاً ، فأقام فيهم على الشرع الذي شرعه أبوه طريف، وكان قد حضر مع أبيه حرب ميسرة الحقير ومغرور بن طالوت الصفريين اللذان كانا رأس الصفرية ، فادّعى أنه أُنزل عليه قرآنهم الذي كانوا يقرءونه ؛ وقال لهم إنه صالح المؤمنين الذي ذكره الله في كتابه العزيز ، وعهد صالح إلى ابنه إلياس بديانته ، وعلّمه شرائعه ، وفقهه في دينه ، وأمره ألاّ يظهر الديانة حتى يظهر أمره ، وينتشر خبره ، فيقتل حينئذ من خالفه ، وأمره بموالاة أمير المؤمنين بالأندلس. وخرج صالح إلى المشرق ، ووعده أنه يرجع في دولة السابع من ملوكهم ، وزعم أنه المهدي الذي يكون في آخر الزمان لقتال الدجال ، وأن عيسى – عليه السلام - يكون من رجاله ، وأنه يصلي خلفه. وذكر في ذلك كلاماً نسبه إلى موسى - عليه السلام.

فولي بعد خروجه إلى المشرق ابنه إلياس خمسين سنة. فكتم شريعته إلى سنة 173هـ » ا.هـ.

2- ظلم الولاة: مما لا شك فيه أن حكام بني أمية يختلفون ، فمنهم صحابة كمعاوية – رضي الله عنه - ومنهم إمام عادل كعمر بن عبد العزيز رحمه الله ، ومنهم طالب ملك ، مقبل على الشهوات ، وهؤلاء يختلفون ، فبعضهم عنده توسع في المباحات ، بل إسراف فيها ، إلا أن ذلك لم يوقعه في الحرام ؛ كشرب الخمر والزنا ونحوهما ، ومع ذلك فهو غيور على الإسلام راغب في الجهاد ؛ كسليمان بن عبد الملك ، ومنهم من وقع في الحرام نسأل الله السلامة.

وهؤلاء الولاة أسندوا أمر الفتوحات إلى ولاة آخرين ، فمنهم أناس أهل تقى وصلاح كعقبة بن نافع وموسى بن نصير ، ومنهم غير ذلك ، وهؤلاء وقع منهم ظلم لبعض البربر ؛ كعمر بن عبد الله المرادي عامل طنجة وما والاها ، فيحكي ابن عذاري في "البيان المغرب" (51-52) عنه أنه: "أنه أساء السيرة وتعدى في الصدقات والعشر ، وأراد تخميس البربر ، وزعم أنهم فيء المسلمين ، وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله ، وإنما كان الولاة يُخَمِّسون من لم يُجِبْ للإسلام. فكان فعله الذميم هذا سبباً لنقض البلاد ، ووقوع الفتن العظيمة المؤدية إلى كثير القتل في العباد ، نعوذ بالله من الظلم الذي هو وبال على أهله! » ا.هـ.

ويقول ابن خلدون (11/239-240): « ولما ولي عبيد الله بن الحبحاب على إفريقية من قبل هشام بن عبد الملك ، وأمره أن يمضي إليها من مصر ، فقدمها سنة أربع عشرة ، واستعمل عمر بن عبد الله المرادي على طنجة والمغرب الأقصى ، وابنه إسماعيل على السوس وما وراءه. واتصل أمر ولايتهم ، وساءت سيرتهم في البربر ، ونقموا عليهم أحوالهم وما كانوا يطالبونهم به من الوصائف البربريات ، والأفرية العسلية الألوان ، وأنواع طرف المغرب فكانوا يتغالبون في جمعهم ذلك وانتحاله ، حتى كانت الصرمة من الغنم تستهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ، ولا يوجد فيها مع ذلك إلا الواحد وما قرب منه. فكثر عيثهم بذلك في أموال البربر وجورهم عليهم ، وامتعض لذلك ميسرة الحفيد زعيم مطغرة ، وحمل البرابرة على الفتك بعمر بن عبد الله عامل طنجة ، فقتلوه سنة خمس وعشرين ، وولى ميسرة مكانه عبد الأعلى بن خدع الإفريقي الرومي الأصل ؛ كان من موالي العرب وأهل خارجيتهم ، وكان يرى رأي الصفرية ، فولاه ميسرة على طنجة ، وتقدم إلى السوس فقتله عامله إسماعيل بن عبد الله ، واضطرم المغرب ناراً ، وانتقض أمره على خلفاء المشرق ، فلم يراجع طاعتهم بعد » ا.هـ.

3- حقد البربر على الفاتحين: فيرون أنهم جنس غريب عليهم ـ عرب ـ يريد الاستيلاء على بلادهم وثرواتهم ؛ كما في مقولة ملكتهم الكاهنة: « إن العرب إنما يطلبون من إفريقية المدائن والذهب والفضة ، ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي ، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد إفريقية كلها حتى ييئس منها العرب ، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر ». انظر البيان المغرب (1/36).

4- ملاقاة الفكر الخارجي لطبائع البربر: فالقسوة ، والثورة لأدنى سبب من سمات الفكر الخارجي ، وهذه تتناسب مع طباع البربر ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك باقي الأسباب؟!

5- شهوة الحكم: وهي التي يعبر عنها ابن خلدون بقوله ـ فيما سبق نقله ـ: « ذريعة إلى الانتزاء على الأمر ». فإذا كان هناك شهوة جامحة ، ورغبة في الملك ، ووجد الطالب لذلك ذريعة يتذرع بها للوصول لهدفه ؛ وانضافت هذه الأسباب بعضها إلى بعض، أوجدت أرضا خصبة للفكر الخارجي ولا شك.

وقد أساء رأي الخوارج للبربر مع باقي الطباع حتى أصبح كثير من الناس يستنكف عن الانتساب إليهم كما تجد شيئاً من ذلك عند ابن خلدون في "تاريخه" (11/206) ، مع أن فيهم من الفضائل ما لا ينكر، وبعد اضمحلال رأي الخوارج فيهم نبغ فيهم علماء وصالحون كما تجد تفصيل ذلك في "تاريخ ابن خلدون" أيضاً (11/205-211) ؛ حيث عقد فصلا عنون له بقوله: « الفصل الثالث: في ذكر ما كان لهذا الجيل قديماً وحديثاً من الفضائل الانسانية ، والخصائص الشريفة الراقية بهم إلى مراقي العز ومعارج السلطان والملك".

ونعوذ بالله من دعوى الجاهلية التي قال عنها المصطفى- صلى الله عليه وسلم – "دعوها فإنها منتنة »، وأرجو ألا يساء فهم الكلام السابق ، فكلنا يعلم أن الإسلام جاء والعرب في جاهلية جهلاء ، فهذّبهم، ووصف الله سبحانه جهلة الأعراب بقوله: { الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم }، ثم قال سبحانه: { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ... } الخ الآية.

وهكذا الكلام السابق إنما يتنزل على من لم يتخلق بأخلاق الإسلام ويتأدب بآدابه، سواءً كان من البربر أو غيرهم ، إلا أنه إذا انضاف إلى البعد عن هدي الإسلام الطبائع المشار إليها ، لم يبعد ما ذُكر، والله أعلم.

وللحديث بقية







التوقيع :
شيخنا حارس السحيمي جزاك الله خيراً وجمعنا بك في جنات النعيم

http://www.gafelh.com/modules/Cards/...img/tad3oo.gif

و لا تصحب أخا الجهل ... و إيــاك و إيــاه
فكم من جـاهل أردى ... حليما حين يلقاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا مـا هـو مـاشاه
و للشيء على الشيء ... مقاييس و أشباه
و للقلب على القلب ... دليل حين يلقاه

http://www.wylsh.com/images/wylsh-banner-new.gif

لماذا تركنا التشيع ؟
http://www.wylsh.com/
من مواضيعي في المنتدى
»» من قصص سوء الخاتمة لشيوخ الرافضة (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )
»» الرد على شبهات الشيعة في رسالة أرسلتها أحد الأخوات المسلمات
»» أهذا نشيد أم غناء
»» يادكتور الرشودي : هذه هي نهاية الذل للروافض
»» كيف نستغل الإجازة في رحاب الله ؟
 
قديم 16-09-04, 01:55 PM   رقم المشاركة : 3
ابو عبدالرحمن السلفي
عضو ذهبي





ابو عبدالرحمن السلفي غير متصل

ابو عبدالرحمن السلفي is on a distinguished road


الردُّ السابع للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 12/6/2000م قام المدعو "الصارم المسلول" بنشر الردّ السابع من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/003619.html

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :
فبعد فراغي من الكلام عن الدولة الرستمية ، لابد من ذكر السبب الذي دفعني لذكرها ، فأقول :
2- ثمرة ذكري لهذه الدولة .
لم يكن من مقصودي هذا الاسترسال في الكلام عن الدولة الرستمية ومتعلقاتها، وإنما دفعني لذلك بعض ما ذكره الظافر في مقاله ، والرغبة في توضيح ما رأيت أن المصلحة في توضيحه .
وثمرة ذكري لهذه الدولة : دفع ما يذكره كتّاب الإباضية في دفاعهم عن "مسند الربيع بن حبيب" ؛ من الزعم بأن عدم ذكر هذا "المسند" في كتب الأوائل ، أو الإشارة إليه : مرحلة الكتمان التي مرّ بها هذا الكتاب . وهي دعوى يعجب المرء من قناعة الظافر وباقي الإباضية بها للأسباب الآتية :
أ - هب أيها الظافر أنك معذور في دعوى استخفاء أبي عبيدة والربيع بن حبيب خوفاً من الولاة في ذلك العصر ، وحرصاً على سرية الدعوة ، الأمر الذي كان سبباً في جهالة علماء الحديث لهم ، وخلوّ مصنفات غير الإباضية من ذكرهم ، فما علاقة الكتاب بهذا كله ؟ أله روح ستنتزع من بين جنبيه؟ أم له لسان سيدلّ به على مواقع الإباضية ؟!
ب - رأيتكم تعجبون كثيراً ممن يثير التساؤلات حول هذا "المسند" وتقولون : إن جميع الأحاديث التي فيه مروية في كتب السنة الأخرى ، فإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يخاف من هذا الكتاب؟ وما الذي منع من ظهوره في تلك العصور لينتفع به الناس؟!
جـ - يعلم صغار طلبة العلم ـ فضلاً عن كبارهم ـ حرص المحدثين على علوّ الإسناد، ولا شك أن هذا "المسند"- لو صح - لكان من أوائل ما يتبارى المحدثون على روايته لعلوّ إسناده .
د - تضمّن هذا الكتاب كثيراً من الأحاديث الغرائب - كما سنرى من خلال نقد بعض أحاديث الكتاب -، واهتمام المحدثين بالغرائب أمر يدعو للدهشة ، إذ بها يحكمون على رواتها ، وبها يعرفون علل الطرق الأخرى ، ولعل من يعرف منهج الطبراني في كتابه "المعجم الأوسط" يدرك هذا جيداً ، حتى إن طابع كثير من المؤلفات في القرن الرابع وما بعده كان جمع الغرائب ، كما في الأجزاء الحديثية التي صُنِّفت في ذلك العصر ، فأين هم من هذا الكتاب الذي يجدون فيه بغيتهم ؟
هـ - نرى أن كتب الفرق الأخرى المسندة تعرف عند علماء الحديث ، ويتكلمون عنها ؛ ككتاب "مسند زيد بن علي" الذي يعتمده الزيدية ، وراويه عن زيد هو أبو خالد عمرو بن خالد القرشي، ولم يشك أحد من أهل العلم في ثبوت هذا الكتاب عن عمرو بن خالد كما حصل من الشك في ثبوت "مسند الربيع" عن مؤلفه الربيع بن حبيب ، مع أن الموقف من الكتابين واحد ، فهذا يخص الإباضية ، وذاك يخص الزيدية ، فـ "مسند زيد" اعتبره أهل العلم موضوعاً مكذوباً على زيد ، وضعه عمرو بن خالد هذا ، ولو صحّت نسبة "مسند الربيع" للربيع لاتهموه به كما اتهموا عمرو بن خالد ، لكن لما لم يكن للكتاب وجود في العصور الأولى لم يتكلم عنه أحد بمدح أو قدح.
و - وخاتمة ذلك كله : أننا لو عذرناكم في دعوى اختفاء هذا الكتاب في العصور الأولى بسبب مرحلة الكتمان التي مرّ بها الإباضية وعلماؤهم ومؤلفاتهم ، فإن الكتاب واتته فرصة للظهور والتداول في ظل الدولة الرستمية التي تكلمنا عنها ، والتي استغرق حكمها ستاً وثلاثين ومائة سنة ، فهي أطول عمراً من الدولة الأموية ، وتذكرون عن قوتها وعظمتها واستتباب الأمن والعدل فيها شيئًا يفوق الوصف ، فلماذا لم يظهر الكتاب فترة حكمها ؟ ومن الذي سيهاجمه في ظلها ؟!
وبعد الفراغ من الكلام عن الدولة الرستمية وسبب ذكري لها ، نأتي للكلام عن المصنفات في المذهب الإباضي .
فقد ذكر الظافر في ردّه اثني عشر كتاباً من كتب الإباضية، على أنها من المصنفات التي صنفت قبل سنة (1000هـ) ، وذَكَرَت الربيع بن حبيب ، ومنها :" الطبقات" للدرجيني ، و"السير" للشماخي، وهذان يسهل العثور على الترجمة فيهما .
وأما بقية الكتب ، فهي :
1- "المدونة" لأبي غــانم .
2- " جامع ابن جعفــر ".
3- "جامع أبي الحواري".
4- " المعـتبر" لأبي سعيد الكدمي.
5- "جامع ابن بركة".
6- "جامع أبي الحسن البسيوي".
7- "السير" لمجموعة من العلماء.
8- "بيان الشرع" للكندي .
9- "المصنف" للكندي .
10- "الجواهر المنتقاة" للبرادي .
فأرجو من الأستاذ الظافر أن يتحفني برقم الجزء والصفحة الذي ذكر فيه الربيع بن حبيب في هذه الكتب ؛ إذ ليس من أصول الردّ أن تذكر الكتاب الذي قد يتكون من عدة مجلدات ، ولا تذكر الموضع ؛ هذا أولاً .
أما ثانـياً : فإني أعجب من هذه المصنفات في المذهب الإباضي ـ وربما غيرها ـ وبعضها في القرن الثالث ، وبعضها الآخر في الرابع ، ثم الخامس ، والسادس ، والسابع ، والثامن ، وسبب عجبي ما يأتي:
1- هذه المصنفات لماذا لم يذكرها أحد من أهل العلم ، أو ينقلوا منها ولو للرد عليها كما يصنعون مع الفرق الأخرى ، كالرافضة ، والمعتزلة ، وغيرهم ؟!
2- لماذا لم يذكرها أصحاب المؤلفات التي عُنوا فيها بذكر جميع ما صُنِّف في سائر الفنـون ، كـ" الفهرست" لابن النديم –على ما في مؤلفه من كلام-، و"مفتاح السعادة" لطاش كبري زادة ، و "كشف الظنون" لحاجي خليفة ، وغيرها ؟! مع أنهم ذكروا في هذه الكتب ما لا يخطر على بال ، فبالإضافة لكتب علوم الشريعة ؛ ذكروا كتب الفرق والمتكلمين ، وكتب الأديان الأخرى من يهود ونصارى وغيرهم ، وكتب الطب والهندسة ، بل كتب الموسيقا والمغنين، بل كتب الأسمار والخرافات والعزائم والسحر والشعوذة وأخبار المصورين ، فهل تمكنوا من هذه الكتب وعجزوا عن ذكر كتب الإباضية ؟!
3- على فرض أنه فاتهم ذكر بعض هذه الكتب ، أيفوتهم ذكرها جميعها ؟
4- على فرض أنه فاتهم ذكرها جميعها ، أيفوت أصحاب كتب التراجم الترجمة لمؤلفيها ؟ لا لأنهم ألفوا هذه الكتب ، ولكن على الأقل لأنهم من علماء المذاهب الأخرى؟!
5- ثم إن من المعلوم أن الحروب الصليبية أسفرت عن سلب كثير من المكتبات في العالم الإسلامي كثيرًا من كتبها ، وقدرًا فإن البلاد التي يكثر فيها الإباضية - كعمان ، والجزائر ، وزنجبار - دخلها الاستعمار كما دخل بعض بلاد العالم الإسلامي الأخرى ، فهل استطاع الإباضية صيانة كتبهم عن أن تطولها أيدي المستعمرين وفشل غيرهم ؟!
6- ألم يكن في مكتبات العالم الإسلامي شيء من هذه الكتب ، أو نسخ منها ، سواء بقيت مع ما بقي ، أو سلبت مع ما سلب ؟!
7- كم من الفتن التي وقعت بينكم وبين مخالفيكم - وبالأخص في المغـرب العربي -، ويحصل من جراء ذلك لكم قتل وسلب واستيلاء على الديار ، أما كان في جملة ما يسلب شيء من هذه الكتب ؟!
8- ذكر ابن خلدون في "تاريخه" (11/250) حال بلاد المغرب في عصره سنة ثمان وثلاثين من المائة الثامنة فما بعد ، واستقرار الدعوة الإسلامية بها ، ثم قال :« إلا أن القبائل الذين بها من البربر لم يزالوا يدينون بدين الخارجية ، ويتدارسون مذاهبهم ، وبينهم مجلدات تشتمل على تأليف لأئمتهم في قواعد ديانتهم ، وأصول عقائدهم ، وفروع مذاهبهم ، يتناقلونها ويعكفون على دراستها وقراءتها » اهـ.
وقال أيضًا (5/362 -363) وهو يتكلم عن الخوارج :« وانقرضت كلمة هؤلاء بالعراق والشام ، فلم يخرج بعد ذلك إلا شُذاذ متفرقون يستلحمهم الولاة بالنواحي ، إلا ما كان من خوارج البربر بإفريقية ، فإن دعوة الخارجية فشت فيهم من لدن مسيرة الظُفري سنة ثلاث وعشرين ومائة . ثم فشت دعوة الإباضية والصُفرية منهم في هوارة ولمـاية ونفزة ومغيلة ، وفي مغرواة وبني يفرن من زناتة حسبما يذكر في أخبار البربر ، لبني رستم من الخوارج بالمغرب دولة في تاهرت من الغرب الأوسط نذكرها في أخبار البربر أيضًا. ثم سار بإفريقية منهم على دولة العُبيديين خلفاء القيروان أبو يزيد بن مخلد المغربي ، وكانت له معهم حروب وأخبار نذكرها في موضعها .
ثم لم يزل أمرهم في تناقص إلى أن اضمحلت وافترقت جماعتهم ، وبقيت آثار نحلتهم في أعقاب البربر الذين دانوا بها أول الأمر . ففي بلاد زناتة بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد في قصور ربع وواديه ، وفي مغراوة من شعوب زناتة يسمون الراهبية نسبة إلى عبدالله بن وهب الراهبي ، أول من بويع منهم أيام علي بن أبي طالب . وهم في قصور هنالك مظهرين لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنة والجماعة . وكذلك في جبال طرابلس وزناتة أثر باق من تلك النِحلة يدين بها أولئك البربر في المجاورة لهم مثل ذلك ، وتطير إلينا هذا العهد من تلك البلاد دواوين ومجلدات من كلامهم في فقه الدين ، وتمهيد عقائده وفروعه ، مباينة لمناحي السنة وطرقها بالكلية ، إلا أنها ضاربة بسهم في إجادة التأليف والترتيب ، وبناء الفروع على أصولهم الفاسدة » اهـ.
فهذه الكتب التي ذكر ابن خلدون أنها تطير إليهم ؛ ألم يكن فيها شيء من كتبكم هذه فتعرف ؟!
9- يكثر تظلم بعض كتاب الإباضية - كما في كتاب " هذه مبادئنا "- من بعض العلماء الذين تكلموا عن الإباضية ومعتقداتها ؛ كأبي الحسن الأشعري في كتابه : "مقالات الإسلاميين"، والبغدادي في "الفرق بين الفرق"، وابن حزم في "الفصل"، والشهرستاني في "الملل والنحل"، ويرى كتاب الإباضية أن هؤلاء العلماء حكموا على الإباضية من غير كتبهم . فإذا كان هؤلاء العلماء على سعة اطلاعهم وعنايتهم بالكتابة في موضوع الفرق لم يطلعوا على كتب الإباضية ، بل حكموا عليهم بالنقل عن غيرهم ، فأين كانت تلك الكتب ؟
10- لعل مما يساعد في توضيح الفقرة السابقة قول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفرقان بين الحق والباطل" (ص37): « وأقوال الخوارج إنما عرفناها من نقل الناس عنهم، لم نقف لهم على كتاب مصنف كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة والزيدية والكرامية والأشعرية والسابلية وأهل المذاهب الأربعة والظاهرية ومذاهب أهل الحديث والفلاسفة والصوفية ونحو هؤلاء ». اهـ.
فلا العلماء السابقون ، ولا شيخ الإسلام ابن تيمية وقفوا على هذه الكتب ، فأين كانت ؟!
11- الذي يظهر أن التأليف عند الإباضية لم يأخذ حظه من العناية إلا في القرون المتأخرة ، وعبارة ابن خلدون تشعر بهذا ، ولو كان هناك تصانيف متقدمة لوقف عليها العلماء السابق ذكرهم ، فإن أردت أيها الظافر إثبات عكس ذلك ، فطرق أهل العلم معروفة في توثيق النصوص ، وإثبات صحة نسبة الكتب إلى مصنفيها ، ومعرفة أصولها ، وهذا ما سيأتي الحديث عنه إن شاء الله ، وأظن الطريق طويل عليك !
وللحديث بقيـة .


الردُّ الأول للظافر على ردود الشيخ سعد الحميّد

في يوم 17/6/2000م بدء الظافر السلسلة الثانية من ردوده على ردود سعد الحميّد. وقد نشرت السلسة في الساحة الثقافية بموقع شبكة أهل الحق والاستقامة تحت عنوان "وجهاً لوجه مع سعد الحميد". يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/config-...l.pl?read=5363


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أيها الاخوة الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هانحن نلتقي على مائدة العلم والبحث والحوار؛ أو لنقل: ما نحسب أنه حوار، لأن سعد الحميّد الذي رحّب بالحوار في أول ردٍّ له هو الذي نقل عنه أصحابه أنه لا يحاور شخصاً بل يناقش فكرة، مما دعاه إلى أن ينسف مبادئه نسفاً ويضرب بها عرض الحائط.
ذلك أن الغاية من أي بحث الوصول إلى الحقيقة، ولا يتأتى ذلك إلا بالمحاورة الجادة، أما أن يتملص الإنسان من التزاماته، فتارة يخبط يميناً وتارة شمالاً بدعوى تجميع أطراف القضية فليس ذلك مما يُنفق في سوق العلم، ولا مما يحيرني في كيفية التعامل معه.
آثرت في البداية التوقف حتى ينتهي سعد الحميّد مما عنده.
ولكنني أراني- بعدما رأيت انحرافه الشديد عن الجادة حتى صار يخبط العشواء فيما يكتب وانتهج منهجاً عقيماً مبنياً على عدم الاعتراف بكل ما لم يوجد في كتب علمائه- أراني مضطراً إلى عطف قياد هذا النوع من الحوار، كما أراني مرغماً لأن تختلف لغتي إلى اللغة التي تناسب عقلية الشيخ سعد الحميّد.
فليهنأ القراء بما ينتظرونه مني، ولهم عليّ أن أدعم كلامي بالأدلة الواضحة.

ولنبدأ القضية من أساسها:
يمتلك الإباضية أهل الحق والإستقامة السند العالي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ممثلاً في قرب عهد إمامهم جابر بن زيد برسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي كتابهم الفريد مسند الإمام الربيع بن حبيب ثلاثي السند. ولنا أن نتصور مدى أهمية علو الإسناد حين نرى رحلة عدد جم من طلبة الحديث وأئمته من أجل ذلك.
وعلو الإسناد ميزة نادرة لم تتوفر للمذاهب الأخرى، ولا لكثير ممن ألّفوا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسبنا أن نعلم أن صحيح البخاري يضم اثنين وعشرين حديثاً ثلاثي السند فقط.
ولما رأى القوم شهرة هذا المسند لدى الإباضية وتمسكهم به وتقديمهم إياه على سائر الصحاح والسنن كان لهم مع الكتاب شأن يختلف عن المعهود عند المحدثين الذين يحرصون على تتبع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. والسبب في هذا الموقف أنه جاء من طريقٍ غير طريقهم، ولو كان راويه أحد أئمتهم لربما قدّموه على صحيح البخاري.
ولا نرى علّة حقيقية وسبباً مقنعاً إلا أنهم تفاجئوا بهذا المسند الشريف وسنده العالي لدى فرقة يعدّونها مبتدعة ضالة، مع اعترافهم بأنهم من أصدق الناس، فحسدوهم على ما آتاهم الله من فضله:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداء له وحسود

وقد كان الإباضية منذ القدم في معزلٍ- في كثير من الفترات- عن المذاهب الأخرى، لا سيما في عُمان موطن الإباضية، ولذلك لم نر شيئاً يتعلق بالحديث عن مسند الإمام الربيع في الأعصار المتقدمة عند أولئك القوم.
والآن لما تشابكت مصالح الناس وتوحدت قضايا المسلمين أو كادت، واختلطت الشعوب وانفتحت البلدان وعرف الناس الإباضية ومسندهم، منهم من سلّم بالحق، ومنهم من اجترّ عبارات المتقدمين المعلّبة، ولم يعبأ أن يعتمد على مثل الشهرستاني وابن حزم في إلصاق التهم والأكاذيب والأساطير بالإباضية.
وانطلق الوهابية مع الركب، وخاضوا مع الخائضين، بل رفعوا لواء العداء والتبديع والتفسيق والتسفيه، فكانوا من أوائل من أفتى في الإباضية، وشنوا حرباً شعواء بدأوها بفتواهم القاضية بحرق كتب الإباضية.
ولما لم تنفع هذه الحيلة لجأوا إلى إثارة التهم القديمة، شأنهم شأن القدامى من أشباههم في اتهام أهل النهروان عليهم الرحمة والرضوان، فإن خير وسيلة للدفاع الهجوم، وخير وسيلة للهجوم الاتهام.
وكتبوا ما كتبوا ..
ـ التحذير من كتب من أسموهم بأهل البدع (كتب حذّر منها العلماء) مع أن فيها كتباً لم يحذِّر من أي منها عالم واحد.
ـ الفتاوى
ـ المصادرة
ـ الردود
ـ الإشاعات
ـ التحذير
واليوم، قد أصبحنا في عالم الإنترنت، لم يستطيعوا أن يغلقوا عقول البشر، وملّ الناس ذلك الهراءـ
فماذا فعلوا.!
المحور الذي يدور عليه سعد الحميّد، وهو إلغاء الآخر تماماً من على الوجود، فإذا أردت أن يكون الحق معك فأقرب وسيلة أن تزعم وتشيع أن الآخر غير موجود.
وهاهو سعد الحميّد يقول:
ـ أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة .. شخصية لم تلدها أرحام النساء
ـ الربيع بن حبيب الإباضي .. شخصية لم تلدها أرحام النساء
ـ أبو يعقوب الوارجلاني .. شخصية لم تلدها أرحام النساء
ـ ومسند الإمام الربيع بن حبيب.. كتاب مكذوب!!!
ومن كذبه؟!
كذّبه الإباضية أصدق الناس.
ـ كتب الإباضية المؤلفة قبل عام 1000 للهجرة كتبُ مكذوبة .. ولماذا؟ السبب القوي لهذه الحقيقة أن (حاجي خليفة) لم يذكرها في كتاب (كشف الظنون).

ما أغزر هذا العلم.. وأعمق هذا البحر!!
ليت شعري، كم رجلٍ من الوهابية بنفس عقلية سعد الحميّد؟!
ليت شعري، كم عالم في الوهابية بنفس علم سعد الحميّد!
بل كم عاقلٍ في الوهابية بنفس ذكاء سعد الحميّد!!!
ورغم كل هذا فلن أستنكف أن أعامل الشيخ سعد الحميّد بنفس عقليته، لأنا أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، وذلك لسبب بسيط، وهو أن سعد الحميّد يرفع شعار الموضوعية.. فهنيئاً بالموضوعية التي تستطيعون بها أن تُلغوا عدداً جمّاً من الرجال المشهورين، والكتب المشهورة من الوجود.
وقريباً ننتظر من هذه الموضوعية أن تُلغى مذاهب بأكملها من الوجود، بحجة أنها لم يذكرها حاجي خليفة مثلاً.
ومن يدري ربما بعد 100 عام نُفاجأ أن الإمام السالمي رحمه الله تعالى شخصية لم تلدها أرحام النساء، والسبب أنه لم يذكره معاصروه من أهل السنة والجماعة ((الوهابية)) في كتبهم.
وإذن فإن "تحفة الأعيان" و "طلعة الشمس" و "مشارق أنوار العقول" و "جوهر النظام" و "معارج الآمال" كتبٌ مكذوبة لأنها لم يذكرها (مشهور حسن سلمان) مثلاً.

وتلك الموضوعية تعني أن:
تاريخ الإباضية كله تاريخ مكذوب، إلا التاريخ الذي ذكره أهل السنة والجماعة، مثل:
(1). دخول أبي حمزة الشاري مكة والمدينة فقط، وأما قصته في صنعاء وحضرموت فهي قصة مكذوبة إلا بعض الأحداث النادرة التي ذكرها أهل السنة والجماعة، فانتبهوا.

(2). الأئمة الذين نصَّبهم الإباضية طوال ثلاثة عشر قرناً مكذوبون، إلا النادر منهم..

وهم الذين ذكرهم أهل السنة والجماعة في كتبهم، فهؤلاء القلة هم الذين ولدتهم أرحام النساء.

ولكن يبقى السؤال؟! من نصّب أولئك القلة الذين ذكرهم أهل السنة والجماعة، لأن الذين نصبوهم لم تذكرهم كتب أهل السنة والجماعة؟! إنه أمرٌ محيّر.. لكن الموضوعية هي التي تقول ذلك.

وتلك الموضوعية تعني أيضاً أن:
مؤلفات الإباضية التي تتضاءل معها مؤلفات الوهابية مؤلفاتٌ كلها مكذوبة؛ لأن حاجي خليفة لم يذكرها..
وأما المؤلفات المذكورة بعد حاجي خليفة فالموضوعية تقتضي أنها مؤلفات مكذوبة أيضاً. وهاتوا أيها الإباضية أحداً من أهل السنة والجماعة ذكرها إن كنتم تستطيعون؟!
ولكن من كذب هذه المؤلفات؟! فإن الكذبة لم تلدهم أرحام النساء، والدليل أن كتب أهل السنة والجماعة "الوهابية" لم تذكر هؤلاء الكذبة.. وأتحداك يا سعد الحميّد أن تذكر هؤلاء الكَذّبَة. فإن كتبكم لم تذكرهم.. وإذن لم تلدهم أرحام النساء!!
وتلك الموضوعية تعني أيضاً أن:
أغلب الإباضية الموجودين الآن- أستغفر الله من القول بوجودهم- لم تلدهم أرحام النساء، وإلا فهاتوا أسماءهم من كتب أهل السنة والجماعة..
أيها الإباضية،
أنتم كلكم لم تلدكم أرحام النساء.. ولكي تكونوا ولدتكم أرحام النساء فإنني أنصحكم بالمسارعة إلى تقييد أسماءكم في المعجم الوهابي لحصر البشر منذ آدم عليه السلام إلى انتهاء الخليقة..
أما أنا- الظافر- فالحمد لله رب العالمين، ولدني رحم أمي؛ لأنني ذكرني علامة الرجال وحامل لواء علم التراجم الشيخ سعد الحميّد- كثر الله من أمثاله-.
وإلى لقاء عاجل إن شاء الله.
الظافــــــر




الردُّ الثامن للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 20/6/2000م قام المدعو "الصارم المسلول" بنشر الردّ الثامن من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/003763.html

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :
ففي أثناء إعـداد هذا المقال نشر الظافر ردًّا منه على المقالات السابقة ، ولست أدري ما الذي دفعه إلى العجلة ، فلا هو بالذي التزم بما أخذ على نفسه من الانتظار حتى أفرغ من ردي ، ولا هو بالذي كتب رده على إثر كل مقال أنشره !!
ولعل من يطالع مقاله المنشور يظهر له منه عدة أمور :
أولـها : لغة الحوار التي يكتب بها ، والتي سبق أن أشرت إلى ما فيها من سوء الأدب، وهذه لا ينتهجها إلا ضعيف الحجة - كما هو معلوم في أساليب المناظرات-، فمن ضعفت حجته ساءت عبارته ، وعلا صوته ، وأرعد وزمجر ، فهذا الذي يستطيعه ليستر ضعفه .
ثانيها : من يقرأ مقالاتي يرى الاهتمام فيها بالمسائل العلمية والبعد عن المهاترات ، وهذا الذي كنت أطمع فيه من الأستاذ الظافر ، ولربما التمسنا له العذر في المقالات السابقة، وقلنا : زلّة ، والصفح من شيم الكرام ، وطمعنا أن يكون النقاش علميًّا ومثمرًا يستفيد منه الجميع ، وبالأخص بعد إظهاره اللين في بعض مقالاته التي خرجت بعد نشري لردي ، ففاجأنا برده هذا الدَّالّ على نفسية متشنّجة ، وذلك ليس في مصلحة الحوار ، وبخاصة أن الظافر الآن يمثل رأس الحربة في الدفاع عن طائفته ، والمفترض في مثل من هذه مكانته أن يكون حسن التعامل، يمثل القدوة الحسنة ، فهو يعكس الصورة عمّن وراءه ، وها نحن نرى الدول تهتمّ باختيار سفرائها ليظهروا محاسن دولهم أمام الآخرين .
ثالثها : إذا كان قصد الظافر من ردّه هذا قطع طريق هذه المقالات التي أنشرها بأسلوب علمي ، وذلك بإثارتي لأدخل معه في مهاترات وخصومات ، فتضيع الحجج، ونترك الهدف الأساس، ومحور النقاش - وهو "مسند الربيع بن حبيب"-، فأقول له:
هوِّن عليك ! فالمقالات ستمضي ، وستتلوها مقالات - إن شاء الله -، إلا أن يصرفني عنها مالا أستطيع دفعه ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
هذا وقد لمست من ردّ الظافر امتعاضه الشديد من مقالاتي ، وبالأخص مقالي الأخير رقم ( 7 )، الذي ضيع عليه ما كان يؤمله وينتظره من ذكره للكتب المؤلفة عندهم في المذهب، والتي ظن بأنها معجزة القرن التي يستدل بها على وجود أبي عبيدة والوارجلاني والربيع و"مسنده". وهو بامتعاضه هذا لم يقابل الحجة بالحجة ، وكنت أؤمل منه: الإمساك بكل دليل ذكرته ، أو سؤال طرحته ، ثم الجواب عنه ، ولن يضره ذلك، كما أن بإمكانه الاستعانة بمن يرى فيه القدرة من علماء طائفته على الجواب على ذلك، فإن لم يمكنهم ذلك، فإما الرجوع إلى الحق ، أو على الأقل : التمسك بما عليه أباؤهم وأجدادهم ، و { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون }، ولا حاجة لسوء الأدب الذي يحرجه . علمًا بأن الظافر يمنع ما تجيزه طائفته لنفسها مع مخالفيهم ؛ من التشكيك في صحة بعض الكتب ، واتهام مؤلفيها بالجهالة ، واتهام بعض العلماء في نقلهم عن الإباضية ، وإليك الأمثلة :
1- من المعلوم أن الإباضية انقسمت على نفسها ، وافترقت إلى فرق ، ومن الفرق التي يعترف الإباضيون المعاصرون بانفصالها عنهم :" النفاثية "- أو " النفاتية" - نسبة إلى نفات بن نصر النفوسي، وقد ظهرت من هذه الفرقة أقوال خالفوا بها سواد الإباضية وقتئذٍ بقيادة ابن رستم ، ولما سئل بعضهم عن بعض معتقده قال: "هكذا وجدته في " الدفتر ""؛ أي : الكتاب المسمى عندهم بهذا الاسم . فجاء أحد كتّاب الإباضية وكبرائهم ومنظِّريهم في هذا العصر ، وهو علي يحيى معمر ، فقال
في كتابه " الإباضية بين الفرق الإسلامية " (ص 267):" وهذا الكتاب المسمى بالدفتر مجهول ، ومؤلفه أيضًا مجهول ". انظر "الإباضية عقيدة ومذهبًا " للدكتور صابر طعيمة (ص 58).
2- لما خرجت الخوارج على علي بن أبي طالب أرسل إليهم قبل القتال الحبر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لإقامة الحجة عليهم ، والإعذار أمام الله تعالى في قتالهم ، ورغبة في حقن دماء المسلمين ، فجرت بين ابن عباس وبينهم مناظرات أسفرت عن تراجع جزء كبير منهم ، فقلب متأخرو الإباضية الحادثة ، وزعموا أن ابن عباس هو الذي خُصِم ، وأنه تراجع عن مناصرة علي واعتزله ، في كلام طويل تجده في "الكشف والبيان" للقلهاتي (2/243-250)- نقلاً عن نشأة الحركة الإباضية (ص 226-227) للدكتور محمد عبدالفتاح عليان -، مع أن المروي بالإسناد المقبول : أن ابن عباس هو الذي خصمهم ، كما تجده في "خصائص علي " للنسائي وكتب السِّير، وأما زعم الإباضية فأين سنده ؟
وليس هذا من مقصودي فأفيض في الحديث عنه ، وإنما المقصود أن كاتبهم علي يحيى معمر أخذ يشكك في صحة هذه المناظرة التي خَصم ابنُ عباس فيها الخوارجَ ، فيقول في كتابه السابق (2/211)- نقلاً عن الدكتور عليان أيضًا -:" الواقع أني أشك في كثير من الأقاويل والمناقشات والمناظرات.... التي قيل إنها جرت بين الإمام أو ابن عباس والخوارج ، فإن الصنعة والتكلف - فيما يبدو لي - تقرأ واضحة في كثير من الاحتجاجات والبراهين التي تظهر عليها صنعة غير ذلك العصر".
فنسأل الأستاذ الظافر : أيجوز هذا لعلي يحيى معمر وغيره من الإباضية ويحرم على غيرهم ؟!
3- بل أنك لتعجب - والعجب لا ينقضي - إذا قلت لك : إنهم تطاولوا إلى صحيح البخاري ، وأجازوا لأنفسهم الطعن في أحاديثه التي لا تروق لهم ، كحديث أبي سعيد الخدري في قصة قتل الخوارج يوم النهروان .
فقد أخرج البخاري في "صحيحه" (12/290 رقم6933) في كتاب استتابة المرتدّين والمعاندين وقتالهم ، باب من ترك قتال الخوارج للتألّف ولئلا ينفر الناس عنه، من طريق معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : بَيْنَا النَّبِيّ يَقْسِمُ ؛ جَاءَ عَبْدُاللهِ بْنِ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيّ فَقَال : اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ : "وَيْلَكَ ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟" فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه - دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ ، قَالَ :" دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِه ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِه ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يُنْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَضِيِّهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ - أَوْ قَالَ : ثَدْيَيْهِ - مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ قَالَ: مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ ، جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعْتَهُ النَّبِيُّ .
وهذا الحديث مخرّج في "مسند الربيع بن حبيب" (1/12)، ونص روايته :" أبو عبيدة، عن جابر بن زيد، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول:" يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، تَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلا تَرَى شَيْئًا، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي القِدْحِ فَلا تَرَى شَيْئًا ، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلا تَرَى شَيْئًا، وَتَتَمَارَى فِي الفُوقِ " ا.هـ .
فرواية "مسند الربيع بن حبيب" هذه أسقط منها ذكر قصة قتل علي – رضي الله عنه - للخوارج يوم النهر ؛ لأن الإباضية يرون هؤلاء القتلى " خيار من على وجه الأرض "، كما يقول الشماخي في "سيره" (1/51)، فهم عندهم خير من جميع الصحابة الموجودين في ذلك العصر ، وفيهم باقي العشرة المبشرين بالجنة ، ورواية البخاري تدل على خلاف ما يراه الإباضية .
ولذلك ذهب الكاتب الإباضي : سالم بن حمد الحارثي في كتابه "العقود الفضية في أصول الإباضية" (ص66-67) للقدح في رواية البخاري بسبب أن جابر بن زيد الراوي عن أبي سعيد في "مسند الربيع" لم يذكر هذه الزيادة ، وأنها لو كانت معروفة عنده لما تولى أصحاب النهر ، وإليك نص عبارة الحارثي ؛ قال :" وهذه الزيادة لم يروها جابر بن زيد وهو قد سمع الحديث من أبي سعيد أيضًا ، أتراه يأخذ من أبي سعيد ويسمع منه ذلك ثم يتولى من كان هذا وصفه ؟ كلا بل هو أورع من ذلك ، وقد أدرك عصر الصحابة وسمع من كثير منهم ، وإني لأنزه البخاري عن الكذب ، ولكنه يأخذ عن أهل الأهواء كالشيعة والمرجئة ثـقة بهم ، وأن لهم أهواء لا يؤمنون معها على نقل يخالف ما هم فيه. وكيف يصح ذلك وهذا الحسن بن علي تلقى أباه حين دخل الكوفة- عقب معركة النهروان - فقال: يا أبت أقتلت القوم ؟ قال : نعم . قال : لا يرى قاتلهم الجنة . قال : ليت أني أدخلها ولو حبوًا . ولما فقد علي تلك الأصوات بالليل كأنها دوي النحل ، قال : أين أسود النهار ورهبان الليل ؟ قالوا له :قتلناهم يوم النهر ". ا.هـ.
فعبارة الحارثي هذه تدل على عدم الثقة بأحاديث البخاري جميعها . ولو أنه ذكر لهذه الرواية علة حديثية لأمكن النظر فيها ، ثم الحكم عليه بإعذاره في إعلاله من عدمه ، لكنه أطلق القول بأن البخاري يأخذ عن أصحاب الأهواء ؛ كالشيعة والمرجئة ثقة بهم ، وحسبك من شر سماعه . فإذا كان الحارثي يعتبر أن من تلبّس ببدعة كالتشيع والإرجاء يهجر حديثه ولا يخرج له في الصحاح ، فما قوله في "مسند الربيع بن حبيب" الذي هو أصح الكتب عندهم بعد كتاب الله ، ومقدَّم على صحيح البخاري ، وفيه الآتي :
1- يروي الربيع برقم (824 و844) عن شيخه بشر بن غياث المريسي رأس الجهمية في عصره ، والجهمية هم غلاة المرجئة كما هو معلوم .
2- يروي الربيـع برقم 836 ) من طريق الحارث الهمداني عن علي حديثًا- سيأتي الكلام عنه في نقد أحاديث "المسند"-، والحارث هذا هو ابن عبدالله الهمداني الأعور، غالٍ في التشيع إلى درجة أنه يزعم أنه تعلم الوحي في سنتين- أو ثلاث -؛ كما تجد ذلك في مقدمة "صحيح مسلم"، ولذلك كذبه جمع من أهل العلم .
هذا لمجرد التمثيل فقط ، وإلا فسيأتي التوسع في ذلك - إن شاء الله - في نقدي لأحاديث " المسند".
هذا مع أن البخاري لم ينفرد بالحديث ، بل أخرجه مسلم كذلك ، فهل قدر مسلم عند الحارثي أيضًا كقدر البخاري ؟!
ثم من حيث الصناعة الحديثية الحديث مداره على محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ويرويه عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف ، وأبو سلمة يرويه عن أبي سعيد الخدري. والزهري وأبو سلمة إمامان ثقتان مشهوران ، لم يوصف أحد منهما ببدعة ، لا تشيع ، ولا إرجاء ، ولا غيرهما ، بل إذا طُعن في حديث الزهري فعلى السُّنة السلام .
ورواه عن الزهري جمع ؛ منهم : شعيب بن أبي حمزة ، والأوزاعي ، ومعمـر ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، ويونس بن يزيد ، وليس فيهم شيعي ولا مرجئ ، فبماذا تَعلّ هذه الرواية إذًا ؟!
وللحـديث بقية



الردُّ الثاني للظافر على ردود الشيخ سعد الحميّد

بتاريخ 22/6/2000م نشر الظافر رده الثاني من سلسلة ردوده المعنونة بـ "وجهاً لوجه مع سعد الحميّد". وقد نشر الموضوع في الساحة الثقافية بموقع شبكة أهل الحق والاستقامة. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/config-...l.pl?read=5450

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا زلنا مع منهج الشيخ سعد الحميّد الذي ألغى بسببه علمه ونسي لأجله ضميره؛ ولنأت إلى ما جرى بيني وبينه من بداية الأمر.
نشر المدعو سليل المجد منذ زمن بعيد مقال الشيخ سعد الحميّد الذي حكم فيه بأن المسند مكذوب والشخصيات الثلاث مكذوبة..
وأترك القارئ يقرأ مقاله ويتمعّن فيه ويفهمه ويهضمه، ولكن أعطف عنايته إلى بعض الجمل والفقرات المهمة. فخذوا هذه الجمل الذهبية من كلامه:
1- "هذا الكتاب لا شك في أنه موضوع مكذوب".
2- "وليس هذا فقط، بل إنه وُضع في هذه الأعصار المتأخرة".
3- "لا يوجد للكتاب أصل مخطوط موثوق".
4- "الربيع بن حبيب الفراهيدي شخصية لا وجود لها في التاريخ ولم تلدها أرحام النساء، وإنما نسجها خيال الإباضية لنصر باطلهم".
5- "ونحن بدورنا نسألهم فنقول أنى لكم هذا؟ ومن أين أخذتموه؟".
6- "أعطونا مرجعاً من المراجع القديمة المعروفة قبل سنة 1000 للهجرة سواء كان ذلك المرجع لأهل السنة أو للإباضية أو للرافضة أو لليهود أو للنصارى أو لغيرهم".
7- "أما المراجع الحديثة كالأعلام للزركلي أو معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، أو نحوها فهي تؤكد على أن هذه الشخصية اختُلِقت مؤخراً وهي إنما تلقت هذه المعلومات في إباضية هذا العصر".
8- "شيخ الربيع في كثير من المواضع في هذا الكتاب هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي بالولاء، الذي يزعمون أنه تزعم الحركة الإباضية بعد جابر بن زيد ، وتوفي في عهد أبي جعفر المنصور سنة 158هـ .وهذا أيضاً لا توجد له ترجمة، ونقول عنه كما قلنا عن الربيع بن حبيب".
وأستأذن القارئ في ترجمة كلام العلامة سعد الحميّد حين يقول: (ونقول عنه كما قلنا عن الربيع بن حبيب)
والمعنى: أبوعبيدة مسلم بن أبي كريمة شخصية لا وجود لها في التاريخ ، ولم تلدها أرحام النساء ، وإنما نسجها خيال الإباضية لنصرة باطلهم.
9- مرتب الكتاب هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني، وهو- كما يزعمون- متأخر في القرن السادس، وما قلناه عن الربيع وشيخه نقوله عن هذا أيضاً ، لأنه لا توجد له ترجمة في كتب الرجال التي عنيت بترجمة أهل ذلك العصر كالتكملة لوفيات النقلة ، أو سير أعلام النبلاء ، أو تاريخ الإسلام ، أو غيرها ، فجميع هذه الشخصيات التي لها علاقة مباشرة بالكتاب شخصيات مجهولة ندين الله عز وجل بأنها لم تنفخ فيها روح، ولم تطأ على أرض".
10- "هذا مع أن الكتاب ترد فيه أحياناً أسماء لشيوخ الربيع بن حبيب وغيرهم ، وهم مجاهيل أيضاً لا يُعرفون ، والكلام عنهم كالكلام عن الربيع وشيخه. والكتاب بجملته إنما وضع لنصرة الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة ونفي الشفاعة ونفي الرؤية ونفي كثير من الصفات إن لم تكن كلها ، وغير ذلك مما تضمنه مذهبهم الباطل ، ويحاولون الاستدلال على ذلك بالسنة المكذوبة بعد أن عجزوا عن القرآن، وصنعوا ما لم تصنعه طائفة غيرهم حين اختلقوا هذه الأحاديث في هذه الأعصار المتأخرة".

هذه هي عباراته الذهبية في أول مقال له.

ولعلنا نلاحظ أن أول كلماته التكذيب للإباضية وتسفيه مذهبهم .. وقد رددت عليه بأربعة ردود، ومن شاء أن يقرأها أو يعيد قراءتها ويتمعن في ما كتبته فليرجع إليها.

ثم مضت فترة بعد هذه الردود إلى أن طالعنا يوم من الأيام ردّ الشيخ سعد الحميّد.

وابتدأ الحديث على أن يكون حواراً بين الطرفين، ثم رأيت سعد الحميّد، لا يبالي بما أكتب فتوقفت حتى يُكمِلَ ردوده، كما كتب بعض أتباع الوهابية رغبة سعد الحميّد أن يُكمل هو ردوده أولاً.
فكان منه الرد الأول والثاني، ومني الرد الأول والثاني. ثم توقفت وواصل هو حتى الرد السابع الذي كان غاية العلم وتاج الفهم لديه، إذ طالعنا بفكرةٍ وهابيةٍ مجرّدةٍ من أية موضوعيةٍ نسف فيها بكل علمهِ وفكره، متمماً بذلك فكرته السابقة التي أرشدت إلى حذف ثلاثة أئمة إباضية، وشطب مسند الإمام الربيع ليقول هنا: إن مئات الكتب التي ألفها الإباضية قبل الألف كتبٌ مكذوبة لأنها لم تُذكر في كشف الظنون لحاجي خليفة.

وأعود فأقول:
إن أول رد لسعد الحميد ينبئ عن بعض التفتح في الحوار الوهابي إذ قال فيه: (وعلمت من خلال الرد أن هناك من أدخل هذه الكتابة على موقعهم - بقصد الاحتساب فيما يظهر -، ولقب نفسه بـ"سليل المجد"، وكان بودّي لو استأذنني قبل نشره لهذه الكتابة أدبًا أولاً ، ثم قد يكون لدي زيادة أو تعديل فيما كنت كتبت ثانيًا).
فكنا نتوقع أن يكون للكلمة وزن عند سعد الحميّد، وكنا نتوقع أن تكون هذه العبارة رجوعاً منه إلى بعض ما رآه حقاً.
ورغم أني طلبت منه تحديد موقفه مما سبق أن كتبه في أول رد، لاسيما وقد عاتب سليل المجد بحجة أنه قد يكون لديه زيادة أو تعديل، ولكن ما هي النتيجة يا ترى؟!!
النتيجة المذهلة: أبو عبيدة والربيع وأبو يعقوب لم تلدهم أرحام المساء.
وادعى سعد الحميّد أن الحجة القوية في ذلك أن كتبهم لم تذكرهم.
إذن فالقاعدة:
المذكور في كتب القوم .. ولدتهم أرحام النساء.
غير المذكور في كتب القوم .. لم تلدهم أرحام النساء.
أتذكر يا سعد الحميّد قولك: (أعطونا مرجعاً من المراجع القديمة المعروفة قبل سنة 1000 للهجرة سواء كان ذلك المرجع لأهل السنة أو للإباضية أو للرافضة أو لليهود أو للنصارى أو لغيرهم).
أعطيناك العلل للإمام أحمد ، فماذا قلت؟!
نقلت القدح في الهيثم بن عبد الغفار الذي يروي عن الربيع، وقلت إنه كذاب، ونسيت أن مجرّد ذكره في العلل للإمام أحمد وغيره يقدح في مصداقية عبارتك السابقة .. ليكن الهيثم كذاباً لكنه مسلم تنطبق عليه عبارتك .. ثم إن كونه كذاباً لا يؤثر في صحة المسألة لسببين:
1- أن الهيثم وإن كان كذاباً لكنه صدق هنا، إذ لا يعقل أبداً أن يختلق الهيثم ما يلي:
ـ شخصية الربيع بن حبيب
ـ الذي يروي عن ضمام
ـ وضمام يروي عن جابر بن زيد

ثم يكون ذلك صحيحاً تمام الصحة عند الإباضية، كيف يختلق الإنسان شيئاً ثم يظهر حقيقةً في الواقع.
2- أن كتب الإباضية تؤيد ما قاله الهيثم في هذه النقطة، وهي رواية الربيع عن ضمام عن جابر، ونقول هنا عن الهيثم: "صدق وهو كذوب".

أما أبو عبيدة فنقول عنه كما قلنا عن الربيع.
وحين وصلنا إلى هنا نجد سعد الحميّد يطلع علينا بفكرة وهابية مضحكة:
الربيع وأبو عبيدة وإن ذكرتهما كتب الإباضية فالمسألة بسيطة للغاية، وهي أنها كتب مكذوبة، لأن حاجي خليفة لم يذكرها في كشف الظنون ، وانتهت القضية.
أنسيت يا سعد الحميد كلمتك :
(أعطونا مرجعاً من المراجع القديمة المعروفة قبل سنة 1000 للهجرة سواء كان ذلك المرجع لأهل السنة أو للإباضية )
فلما أعطيناك أنكرت الكل، فأين أمانة الكلمة يا سعد الحميد ؟!
إنه ليس للكلمة عندك وزن ولا قيمة ولا أمانة !
ـ أما كتب الرافضة وتعني الشيعة فذكرت لك كتاب الناصر الزيدي لكنك ضربت به عرض الحائط.
ـ أما كتب اليهود والنصارى فنحن لا نشرف أن نُذكر فيها، ونحمد الله عز وجل على ألا علاقة بيننا وبينهم.
يا سعد الحميد، أنت أعلم من سيُذكر في كتبهم: الإباضية أم شيوخ الوهابية!
يا سعد الحميد:
لنفترض أن ما تقوله صحيح من حيث عدم صحة ذكر الربيع وأبي عبيدة وأبي يعقوب، لكن بأي شيء جعلت ذلك ديناَ وعقيدة حين تقول:
(فجميع هذه الشخصيات التي لها علاقة مباشرة بالكتاب شخصيات مجهولة ندين الله عز وجل بأنها لم تنفخ فيها روح، ولم تطأ على أرض).
ـ وأما أن المسند مكذوب لنصرة المذهب الإباضي فهو كلام الحمقى من البشر، وليتها خرجت من غيرك يا سعد. أتحداك يا شيخ سعد أن تكون الأحاديث التي تفرد بها الإباضية في المسند - وهي قليلة جداً - تُشكِّل مذهباً مستقلاً قائماً بذاته، على أنها في مجال الفقه الفرعي، وأما العقيدة فأدلة الإباضية فيها من القرآن والأحاديث التي رواها البخاري وغيره.
ـ وأما أن الإباضية كَذَبَة فهو كلام الحسّاد من الوهابية، ليت فيكم يا سعد الحميّد ويا معاشر الوهابية أجمعين أناساً صادقين كالإباضية.
أيها الاخوة الكرام، يقول سعد الحميّد الأستاذ الأكاديمي:
(أما هؤلاء الإباضية فقد جمعوا كذب أسلافهم خلال أكثر من ألف عام فصبّوه في هذا المسند الذي لا يشك من له أدنى إلمام بعلم الحديث بأنه أتفه من أن يذكر، ولا يسوى مداد حرف من حروفه).
ويقول ابن تيمية في الإباضية الذين يشملهم لفظ الخوارج عنده: "لا يعرف فيهم من يكذب" (التفسير الكبير) ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، جـ1 ص124، ويقول: (ليسوا ممن يتعمدون الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال إن حديثهم من أصح الحديث) (منهاج السنة) ط2، القاهرة مكتبة ابن تيمية، جـ1 ص31.
ويقول: (ومع هذا فما نقدر أن نرميهم بالكذب، لأننا جربناهم فوجدناهم يتحرون الصدق لهم وعليهم). المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ط3، الرياض، الرئاسة العامة للإفتاء ص505.
ويقول أبو داود: (ليس في أصحاب الأهواء أصح حديثاً من الخوارج) الكفاية للخطيب البغدادي ط2، القاهرة، دار التراث العربي، ص130.
ويقول الدكتور مصطفى السباعي في كتابه "السنة ومكانتها في التشريع" ص82، 83: (لم أعثر على حديث وضعه خارجي، وبحثت كثيراً في كتب الموضوعات فلم أعثر على خارجي عد من الكذابين والوضّاعين).
ثم قال:
(لقد حاولت أن أعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع إلى الخوارج، ولكني رأيت الأدلة العلمية علىالعكس، تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كان الخوارج كما ذكرنا يكفــرون مرتكب الكبيرة أو مرتكب الذنوب مطلقاً، والكذب كبيرة فكيف إذا كان على رســول الله صلى الله عليه وسلم؟! يقول المبرد: "والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذوي المعصية الظاهرة" وكانوا في جمهرتهم عرباً أقحاحاً فلم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل الدسائس من الزنادقة والشعوبيين كما وقع ذلك للرافضة، وكانوا في العبادة على حظ عظيم شجعاناً صرحاء لا يجاملون ولا يلجأون إلى التقية كما يفعل الشيعة، وقوم هذه صفاتهم يبعد جداً أن يقع منهم الكذب، ولو كانوا يستحلون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستحلوا الكذب على من دونه من الخلفاء والأمراء والطغاة كزياد والحجاج، وكل ما بين أيدينا من النصوص التاريخية يدل دلالة قاطعة على أنهم واجهوا الحكام والخلفاء والأمراء بمنتهى الصراحة والصدق، فلماذا يكذبون بعد ذلك؟! على أني أعود فأقول: إن من المهم عندنا أن نلمــس دليــلاً محسوســاً يـدل علــى أنهـم ممـــن وضعــوا الحـديث، وهـــذا مــا لـم أعثـر عليه حتى الآن).
ويقول الدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابه السنة قبل التدوين، بيروت دار الفكر، ص204، 205:
(لم نعثر في المراجع القريبة منا على ما يدل على وضع الخوارج للحديث أو على اعتمادهم على ذلك لدعم موقفهم وإثبات دعواهم، اللهم إلا ما ذكر عن ابن لهيعة قال: سمعت شيخاً من الخوارج تاب ورجع وهو يقول: "إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً" وما رواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم قال: "قال لي رجل من الخوارج: إن هذا الحديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، إنا كنا إذا هوينا أمراً جعلناه في حديث" وما رواه السيوطي: "روي عن شيخ خارجي أنه قال: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً" هذه أخبار ثلاثة بمعنى واحد، وطرق مختلفة، تدل على وضع الخوارج للحديث إلا أننا لم نجد دليلاً يثبت عليهم هذا بين الأحاديث الموضوعة، وربما كان عدم كذبهم هذا لاعتقادهم أن مرتكب الكبيرة كافر، والكذب من الكبائر، وهناك أدلة كثيرة على أنهم أصدق من نقل الحديث).
ثم قال:
(لا بد لنا بعد هذا من مخرج لما روي عنهم من الكذب، فالأخبار الأولى تدل على وقوع الوضع منهم باعتراف أحد شيوخهم، إلا أننا لم نعرف هذا الشيخ، وقد روى الخطيب عن حماد بن سلمة نحو حديث ابن لهيعة عن (شيخ من الرافضة) في نفس الصفحة التي روى فيها خبر ابن لهيعة فيمكن أن يحمل على أنه خطأ من الكاتب أو الراوي، وإذا فرضنا أنه خطأ فما موقفنا من الخبرين الآخرين اللذين لا سبيل إلى تسرب الخطأ إليهما؟، إلا أن الأخبار التي تدل على صدقهم تعارض هذه الروايات، والبحث لا يؤدي إلى دليل يدين الخوارج بالوضع فلا بد من حمل تلك الأخبار على وهم الراوي أن الشيخ خارجي وهو ليس كذلك، وأرجح من هذا أن الخبرين ضعيفان لجهالة الشيخ).
وخبر الشيخ الخارجي هذا تتبع الدكتور عمر فلاتة طرقه وأسانيده وأطال البحث فيه ثم قال في كتابه "الوضع في الحديث" دمشق، مكتبة الغزالي، ص235- 237:
(فقد ترجح لدي - والله أعلم - من رواية ابن لهيعة حيث قال: "سمعت شيخاً من أهل البدع تاب ورجع وهو يقول... إلخ" أن من صرح بأن الشيخ من الخوارج فقد روى ذلك حسب المعنى الذي فهم، وعلى ذلك فأثر ابن لهيعة لا يصلح أن يكون دليلاً على أن الخوارج وضعوا الحديث أو كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنه قد جاء ما يعارض هذه الرواية وأن الشيخ الذي أقر بالكذب والوضع كان من الرافضة، قال الخطيب: "أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم البزار، قال: حدثنا يزيد بن إسماعيل الخلال، حدثنا أبو عوف البزوري، قال: حدثنا عبدالله بن أمية قال: حدثني حماد بن سلمة قال: حدثني شيخ لهم يعني الرافضة قال: كنا إذا اجتمعنا استحسنا شيئاً جعلناه حديثاً" فهذه الرواية صرحت بأن الشيخ التائب من الرافضة وهي معارضة للروايات السابقة).
ثمّ قال الدكتور عمر فلاتة:
(والذي يظهر لي والله أعلم أن الخوارج لم يكن لهم أثر في وضع الحديث:
- إذا أمعنا النظر في الكتب المؤلفة لجمع الأحاديث الموضوعة والتي تناولت كل الجزئيات التي تطرق إليها الوضع بما في ذلك أحاديث الفرق والمذاهب التي وضعت تأييداً أو انتصاراً لتلك المذاهب، فإنا لا نرى لآراء الخوارج التي بنوا عليها مذهبهم ذكراً في تلك المؤلفات مما يدل على أن الخوارج لم يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي لا شك شهادة تثبت أن الخوارج لم يسلكوا هذا السبيل انتصاراً لمذهبهم أو للدعوة إلى آرائهم، وإذا ثبتت براءتهم فيما انفردوا به مع إعوازهم إلى الانتصار والتأييد، فإن تبرئتهم فيما شاركوا فيه غيرهم أولى وألزم.
- أن من أصول الخوارج أن مرتكب الكبيرة من الذنب كافر، والكذب عندهم من الكبائر ولذا فهم يكفرون الكاذب.
- شهادة جماعة من أئمة الحديث وعلماء الأمة بصدق الخوارج وترفعهم عن الكذب وصحة حديثهم مع مخالفتهم لهم، والحق ما شهدت به الأعداء، وقد اختص الخوارج عامة بهذه الميزة بخلاف غيرهم من الطوائف).
وانظر رواية الحديث عند الإباضية لصالح البوسعيدي من ص165- 170.
هذا ما قاله العلماء والباحثون، وليحكِّم سعد الحميّد عقله وضميره وعلمه.
وختاماً لعلّ رجلاً صغير العقل ضعيف الحلم يأتي فيقول: انظروا، الظافر يُثبت أن الإباضية من الخوارج!!
وببساطة نحن لسنا من الخوارج، ولكن هؤلاء العلماء والباحثين يرون أن الإباضية من الخوارج.
أيها الاخوة الأعزة، هذه ليست ردوداً على كلِّ ما كتبه سعد الحميّد، ولكنها بداية للانطلاقة في الموضوع، وبيان للمنهج الرائع الرائد للعلامة الجليل سعد الحميّد، وإلى لقاء عاجلٍ بعون الله وتوفيقه.
الظافــر بنصر الله



الردُّ التاسع للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 22/6/2000م قام المدعو "فتى الإسلام" بنشر الردّ التاسع من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/003791.html

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :
فكنت ذكرت في المقال السابق بعض الدلائل التي تدل على تشكيك بعض الإباضية في صحة بعض الكتب التي تتحدث عن معتقداتهم ، واتهامهم مؤلفيها بالجهالة ، واتهام بعض العلماء في نقلهم عن الإباضية .
ونأتي في هذا المقال لاستكمال بعض تلك الدلائل ، إلا أني أحب أن أشير إلى أن موقف متأخري الإباضية من كتب السنة عمومًا، والصحاح منها بالأخص-كما سبق نقله- لم نجده لأسلافهم، بل المعروف أن الخلاف معهم شبيه بالخلاف مع المعتزلة ، وليس للمعتزلة كتب في السنة يستقون منها غير كتب أهل الحديث المعروفة ، لكن تبقى عندهم عقدة الأخذ بأحاديث الآحاد في أمور العقائد، ورفضهم الاستدلال بها ما لم تصل إلى حدّ التواتر.
وهكذا الإباضية المتقدمون لم نجد أن أحدًا من أهل العلم ذكر أن لهم مصادر في السنة يستقون منها ، وإلا لكان موقفنا منهم كموقفنا من الرافضة ، فأنت ترى أننا لم نشكك في وجود "الكافي" للكليني مثلاً ، لكننا نعتبر الكليني نفسه كذابًا ، بدليل ما يرويه من خرافات ودجل ينسبها لصالحي أهل البيت كجعفر الصادق رحمه الله ، بحيث وصل الأمر بعقلائهم في هذا العصر إلى رفض تلك الخرافات، ومحاولتهم التصحيح في مذهبهم ، وأصبح هذا التيار يتنامى في أوساطهم يومًا بعد يوم ، وأظنك تعرف ذلك . ولقد سألت مرة أحد الذين تركوا التشيع واعتنقوا مذهب أهل السنة عن سبب تركه للتشيع ، فكان أقوى سبب عنده : ما رآه في مذهبهم من خرافة ودجل لا يقبلها عقل عاقل .
فنحن إذًا نحاوركم لوجود أرضية مشتركة نتحاور نحن وإياكم من خلالها ، وأهمها : وحدة مصدر التلقي ، وما رفضنا لـ" مسند الربيع بن حبيب" إلا لأنا - أولاً - لا يجوز أن نقبل بنسبة شيء للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو أصحابه رضي الله عنهم ، أو علماء الأمة ، ولا تصح نسبته إليهم ، وأما ثانيًا : فلأن هذا "المسند" يفقدنا تلك الأرضية التي أشرت إليها ، ويصبح ما بيننا وبينكم شبيه بما بيننا وبين الرافضة ، فلا هم يقبلون الأحاديث التي نستدل بها من كتب السنة ، ولا نحن بالذين نقبل ما يوجد في مصادرهم من طرق رواة كذابين ، فكيف نتحاور ؟!
ونكمل الآن ذكر تشكيك بعض كتّاب الإباضية في بعض الكتب وغيرها :
4- ذكر أبو الحسن الأشعري في كتابه " مقالات الإسلاميين" أن فرق الإباضية أربع ، وهي : الحفصية ، والحارثية ، واليزيدية ، وأصحاب طاعة لا يراد بها الله .
فذكر أحمد مهني مصلح الإباضي في كتابه " هذه مبادئنا " (ص70) كلام أبي الحسن الأشعري هذا ، واتهمه بأنه يلصق بكل فرقة شنائع يكفي بعضها للحكم على أصحابها بالشرك والردة، وقال عن كتاب الأشعري :« يزخر الكتاب بخرافات لا أساس لها من الدقة، فقد أورد مثلاً قصة إبراهيم وبيع الإماء دون ذكر المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات ، وجعل من هذا الرجل المجهول رئيسًا لفرقة انشقَّت عن الإباضية ، وكما قال الشيخ علي يحيى معمّر :" ليت أبا الحسن حين كتب هذا نسبه إلى مصدره حتى تبرأ ساحته من أية مسئولية ، وتكون العهدة راجعة إلى أصحابها ". ومن الغريب حقًّا أن يكون كل ما ذكره الأشعري عن الإباضية في كتابه - سواء عن الفرق ، أو الشخصيات ، وحتى بعض المقالات- خاطئًا ومخالفًا للحقيقة ! ...» الخ ما ذكره هو وعلي معمّر من تشكيك في نقل أبي الحسن الأشعري ، بل ما هو أعظم من التشكيك كما هو ظاهر من كلام علي يحيى معمّر .
ثم يلحق الكاتب بأبي الحسن الأشعري بقية الذين ألّفوا في الفرق وتحدثوا عن الإباضية ، كالبغدادي في "الفرق بين الفرق"، والشهرستاني في "الملل والنحل"، وابن حزم في "الفصل"، ويشكك في نزاهتهم، ويعتبرهم مجرد نقلة لكلام الأشعري .
5- يذكر المؤلفون في الفرق : فرقة اليزيدية على أنها من فرق الإباضية ، وأنهم ينتسبون إلى يزيد بن أنيسة - أو ابن أبي أنيسة -، ويذكرون من مقالاتها ما هو مستبشع ، ولا يلحق باقي الإباضية منهم لوم ، وكما قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام :{ معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده}، لكن موضع الشاهد أن الكاتب الإباضي علي يحيى معمّر ينكر الوجود التاريخي ليزيد بن أبي أنيسة ، ويوافقه على ذلك أحمد مهني مصلح في "هذه مبادئنا "(ص73)، فلماذا هذه الغضبة المضريّة أيها الظافر على سعد الحميد ، وهذا صنيع كتابكم ، وأنت تعلم ما في الكيل بمكيالين من الجور ؟!!
6- يُعَرِّض الكاتب الإباضي مهني عمر التيواجني في "هذه مبادئنا" (ص17) بالذين كتبوا عن الإباضية ، ويمتدح المستشرقين ، ويرى أنهم هم الذين أنصفوا الإباضية ، فيقول : « من المسلّم به أن الكتابة عن الإباضية ليست وليدة اليوم . فالإباضية كمذهب إسلامي من أقدم المذاهب من الناحية التاريخية حظى باهتمام المؤرخين وكتّاب المقالات منذ أن بدأ التدوين ، وقد تميزت دراسات هؤلاء بالسرد التاريخي والطبيعة الوصفية ، وللإباضية على هذه الكتابات مآخذ ومواقف لها ما يبررها . وقد ظل اللاحق من المؤرخين ينقل عن السابق حتى ظهرت حركة الاستشراق وقويت لدوافع معروفة ، فاشتغل قسم من المستشرقين بالمسألة الإباضية ، فأعطوا هذه الدراسات صورة جديدة حين رفضوا الاقتصار في دراسة هذا المذهب على كتب غيرهم كما هو الشأن مع الجماعة الأولى ، بل اختاروا الطريق الصعب ، فارتحلوا إلى موطن الإباضية وخاصة بشمال إفريقيا ، مستعينين بالقوة المادية والسياسة التي كانت وراء حركة الاستشراق ، فاطلعوا على الإباضية من خلال كتبهم ولقاءاتهم مع العلماء ، وتعرفوا على المكتبات ، ودوّنوا قوائم لبعض كتبها ، فترجموا البعض منها ، وحققوا بعضًا آخر ، وأصدروا الكتب ، وحرروا المقالات في المجلات المختصة ، وحاضروا حول المذهب في المؤتمرات التي كانوا يعقدونها".
فياسبحان الله ! ظَلمكم المسلمون ، وأنصفكم اليهود والنصارى !!
وليس معنى هذا أنا نلزمكم بما تتبرؤون منه من أخطاء، لكن لابد من ملاحظة الآتي:
أ - الوصف التاريخي ، وما كتب عن الإباضية فيما سبق ، فهذا لابد من بقائه ، ولا يحق لكائن من كان طمسه ، ولا يملك ذلك .
ب - ماكان في الوصف التاريخي وما كتبه الذين كتبوا عن الفرق من شيء يسوؤكم ولا تعتقدونه ، فلكم الحق أن تتبرؤا منه ، لكن لا حق لكم في طمسه تاريخيًّا ، فأنتم تملكون الحديث عن ذواتكم ، وأما غيركم فلا .
وربي يعلم أن صلاحكم يفرحنا ، وكم يسوؤنا ما بيننا وبينكم من خلاف ، ونتمنى أن نرى ذلك اليوم الذي نكون فيه نحن وأنتم يدًا واحدةً لنصرة دين الله ، وما ذلك على الله بعزيز .
وإذا كان يسوء الأستاذ الظافر التشكيك في بعض المصادر الإباضية ، فماذا يريد منا ؟ أيطمع في أن نقبل من كل أحد وإن لم تقم دلائل الصدق على دعواه ؟!
لماذا نشأ إذًا علم الجرح والتعديل ؟
لماذا عني أهل العلم بتوثيق الكتب ، والتحرّي في نسبتها إلى مؤلفيها - كما سيأتي الحديث عنه -؟
أيلام الإنسان في طلبه التثبُّت ؟
ودعني أوضح لك أكثر :
ذكر ابن النديم في "الفهرست"(ص258) الفن الرابع من المقالة الخامسة في أخبار العلماء وأسماء ما صنفوه من الكتب ، ويحتوي على أخبار متكلمي الخوارج وأسماء كتبهم ، ثم قال : قال محمد بن إسحاق :« الرؤساء من هؤلاء القوم كثير ، وليس جميعهم صنّف الكتب، ولعلّ من لا نعرف له كتابًا قد صنّف ولم يصل إلينا؛ لأن كتبهم مستورة محفوظة»، ثم ذكر الخوارج ومنهم الإباضية ، وذكر من ألّف منهم، وأسماء كتبهم؛ كأبي علي يحيى بن كامل بن طليحة الذي كان من المرجئة من أصحاب بشر المريسي ، ثم انتقل إلى مذاهب الإباضية ، وذكر له من الكتب : كتاب المسائل التي جرت بينه وبين جعفر بن حرب ، وتعرف بالجليلة .
ومع أن ابن النديم متهم ، كما تجد تفصيل ذلك في ترجمته في "اللسان"، إلا أني لا أستطيع أن أقول في هذه الكتب كما قلت عن"مسند الربيع" والكتب التي ذكرتها في مقالك.
ولو أن كل من ادعى دعوى ولم يأت لها ببرهان قبلت منه ؛ لحصل من جراء ذلك شر كثير .
فاليهود - مثلاً - زوَّروا على النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا زعموا أنه كتبه لهم يسقط فيه الجزية عن يهود خيبر ، وزعموا أنه بخط معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - وكان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم -، وأن سعد بن معاذ رضي الله عنه شهد عليه ، وجاؤوا به أيام محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة (310 هـ) فكذّبه من عدّة وجوه ، ثم أعادوا إخراجه أيام الخطيب البغدادي المتوفى سنة (463 هـ) فكذّبه أيضًا من عدة وجوه ، ثم أعادوا إخراجه أيام شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة (728 هـ)- كما ذكر ذلك ابن القيم في "المنار المنيف" (ص102-105)-، وأحضر بين يدي شيخ الإسلام ، وحوله اليهود يزفّونه ويجلّونه ، وقد غُشي بالحرير والديباج ، فلما فتحه وتأمّله بَزَق عليه ، وقال : هذا كذب من عدّة أوجه ، فذكرها ، فقاموا من عنده بالذّلّ والصغار .
وقد ذكر ابن القيم من تلك الأوجه : عشرة ، من أهمها :
أن في الكتاب شهادة سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو قد توفي في غزوة الخندق قبل غزوة خيبر .
ومنها : أن فيه :" وكتب معاوية بن أبي سفيان "، ومعاوية رضي الله عنه إنما أسلم زمن الفتح، بعد ذلك .
ومنها : أن الجزية لم تكن فرضت عام خيبر ، وإنما فرضت بعد عام تبوك .
ومنها : أن مثل هذا الكتاب مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، فكيف يكون قد وقع ولا يكون عِلْمُه عند حَمَلَة السُّنة ، من الصحابة ، والتابعين ، وأئمة الحديث ، وينفرد بعلمه ونقله يهود ؟
وهكذا - أيها الظافر -" مسند الربيع "، مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، فكيف يكون قد وقع ولا يكون عِلْمُه عند حملة السُّنة وأئمة الحديث ؟
وللحديث بقية .




الردُّ الثالث للظافر على ردود الشيخ سعد الحميّد

بتاريخ 22/6/2000م نشر الظافر رده الثالث من سلسلة ردوده المعنونة بـ "وجهاً لوجه مع سعد الحميّد". وقد نشر الموضوع في الساحة الثقافية بموقع شبكة أهل الحق والاستقامة. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/config-...l.pl?read=5450

إخوتي الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اطلعت على ما كتبه الشيخ سعد الحميِّد في رد رقم (8) الذي خرج فيه عن طوره، وسأتناول النقاط التي أثارها.
يقول سعد الحميِّد متسائلا متعجبا عن سبب ردي الأخير:
"ولست أدري ما الذي دفعه إلى العجلة، فلا هو بالذي التزم بما أخذ على نفسه من الانتظار حتى أفرغ من ردي، ولا هو بالذي كتب رده على إثر كل مقال أنشره"
يا سعد الحميِّد، أريدك أن تتعلم كيف تتكلم!
أريد منك أن تعرف كيف تكون دقيقا في عباراتك وكلماتك!
أريدك أن تعي ألفاظك التي تنطق بها وتكتبها ..
السبب الذي دفعني إلى الكتابة لا إلى العجلة بينته لك، وهو المنهج المنحرف الذي اعتمدته أنت، وهو عدم اعتماد غير كتب علمائك وأئمتك .. وهو منهج خاطئ عقيم، ولو حق لطائفة ألا تعتمد غير كتبها لكان أولاها الإباضية أهل الحق والاستقامة الذين اعترفتم بأنهم أصدق الناس لهجة ..
وأما قولك: "فلا هو بالذي التزم بما أخذ على نفسه من الانتظار حتى أفرغ من ردي" فهات لي وللقراء من كلامي ذلك الالتزام الذي نسبته إلي!
عبارتي بالحرف في المقال المعنون بحوار الظـــــــــــافر لسعد الحميد (2)
"بعد إعداد هذا المقال اطلعت على الرد الثالث لسعد الحميد المخصوص بالإمام الربيع، وبقدر ما سعدت بالكلام العلمي فيه بقدر ما أسفت على تضاؤل روح الحوار، فإن من المفترض أن لا ننتقل من قضية حتى ننتهي منها. وبناء على هذا فلي حق الإمساك عن الرد حتى تكتمل ردود الشيخ سعد الحميد ثم أجيب عليها نقطة نقطة. على أنه إذا تمادى في أسلوب بتر الحوار فإن لغتي ستختلف تماما".
فالإمساك عن الرّد ليس شرطا بيني وبينك ولا اشتراطا مني على نفسي، وإنما هو حق أمتلكه، فلي الإمساك ولي الرد متى شئت.
وقولك: "ولا هو بالذي كتب رده على إثر كل مقال أنشره"
ما أعجب أمرك يا سعد الحميِّد!!!
لما بدأت ردودك رددت عليك الأول والثاني فلم تعبأ بهما، فهل فاجأك هذا الرد؟!
أم كدّر عليك صفو مسيرك؟!
أم حطّم فكرة تبني عليها؟!
أم هدّم أساس بنيانك؟!
يقول سعد الحميِّد عني:
"لغة الحوار التي يكتب بها والتي سبق أن أشرت إلى ما فيها من سوء الأدب"
ما كان أحراك ألا تقولها يا سعد الحميِّد!
وأكِلُ أمرك فيها إلى الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك فإنني لا أجرؤ أن أقولها في حقك ...
ولكني يا سعد الحميِّد أريد أن أنبهكَ إلى بعض عباراتك المهذبة مع الإباضية، وقد ذكرتُ لك بعضها في رد السابق تقول:
ـ "هذا الكتاب لا شك في أنه موضوع مكذوب، وليس هذا فحسب بل إنه وضع في هذه الأعصار المتأخرة"
ـ "والسبب أن الوضاعين لم يجرؤوا على ما اجترأ عليه هؤلاء الذين كان أهل السنة يروون عن أسلافهم لأنهم لا يكذبون، أما هؤلاء الإباضية فقد جمعوا كذب أسلافهم خلال أكثر من ألف عام فصبّوه في هذا المسند الذي لا يشك من له أدنى إلمام بعلم الحديث بأنه أتفه من أن يذكر، ولا يسوى مداد حرف من حروفه"
استمع يا سعد!
"أتفه من أن يذكر ولا يسوى مداد حرف من حروفه"
أجل، لأن حروفه هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد جعلت الإباضية أحط مرتبة من الوضاعين .. فما أحسن هذا الاحترام الجم لديك ..
ولكنك لا تشعر ولا تحس..
يا سعد الحميِّد، إن ردّي الأخير أيقظ ضميرك من غفلته، وأرجو أن يؤرثك إحساسا حيّاً وشعوراً متيقظاً.
ـ وأما قولك: "وهذه لا ينتهجها إلا ضعيف الحجة .... الخ"
فهو حق لو كان الأمر كما تقول، ولكني ناقشتك في فكرة بنيت عليها كل بنيانك فعجزت أن تناقشني فيها، ولم تجد إلا أن تلجأ إلى السباب واتهامي بسوء الأدب – عافاك الله.
إن فكرتك الباطلة التي لا يقرّها لك حتى علماؤك ... هي عدم الاعتماد إلا على مؤلفات علمائكم وأصحابكم، وقد بيّنتُ لك ما تقتضيها هذه الفكرة، فهل حرتَ جواباً فيها؟!! كلا ..
ـ وأما قولك: "من يقرأ مقالاتي يرى الاهتمام فيها بالمسائل العلمية والبعد عن المهاترات"
يا شيخ سعد، إنما أردُّ عليك بشتى الوسائل المشروعة، ولك أن تتمعّن في ردودي الأربعة الأولى ..
ـ وقولك: "ففاجأنا بردِّه هذا الدَّال على نفسية متشنجة" كما هو حال ردك الثامن، فقد تشنجت أنت فيه إلى درجة قولتك المهذبة: "سوء الأدب".
ـ وأما قولك: "وبخاصة أن الظافر الآن يمثل رأس الحربة في الدفاع عن طائفته، والمفترض في مثل من هذه مكانته أن يكون حسن التعامل يمثل القدوة الحسنة ....." الخ
أنا لا أمثل رأس الحربة، إنما أنا رجل أدافع عن حقي وحقوق أصحابي، وكلنا نحاول – بعون الله – أن نبرز للناس ما لدينا من الحق والهدى، وأما حسن التعامل فهو منهجنا مع الناس، إلا إذا تطاول المرء علينا فلا يلومن إلا نفسه ... وقصتك معنا خير مثال لذلك، فقد طلعت علينا بنفسٍ متعجرفةٍ تسفِّه وتكذّب، فرددنا عليك بما يناسبك ... ثم عدت بأسلوب لين، فلِنّا معك، ثم انحرفت فعالجناك.
وأما قولك:
"إذا كان مقصد الظافر من رده هذا قطع طريق هذه المقالات.."
لا يا سعد الحميِّد، ليس ذلك قصدي، لأنني لا أملك ذلك من ناحية، ولأنني لا أريد من ناحية ثانية...
ولكنني أقول لك: إن مقالاتي وردودي ستمضي بإذن الله وعونه وتوفيقه وسوف تعلم يا سعد الحميِّد في يوم من الأيام: من هم الإباضية.
ـ قولك: "كما أن بإمكانه الاستعانة بمن يرى فيه القدرة من علماء طائفته ... الخ"
هذا الكلام يعكس نفسيتك يا سعد الحميِّد، حيث ترى أن الإباضية كلهم دونك بما فيهم علماؤهم .. أليس هذا في العيان نوعا من الهذيان؟!
ـ وأما مسألة النفاثية، فإن تشكيك الشيخ علي يحيى معمّر إنما هو في مسألة بعينها، وهي ما نسب إليه من قوله: "إن الله هو الدهر"
فالفارق من ثلاث نواح:
1- أن الكتاب المنسوب إلى نفاث: ليس له أية شهرة ولا يُعرف ما فيه ولم يُطلع عليه، وليس هناك نُقولٌ منه في أي كتاب، فهل مسند الإمام الربيع كهذا الكتاب؟
2- أن هدف الشيخ علي يحيى معمر هو تخفيف الفجوة بين هذه الفرقة المنشقة وبين غيرها. وأما هدفك أنت فهو تعميق هوّة الخلاف بين الإباضية وغيرهم.
3- أن الشيخ علي يحيى معمر لم يلغ نفّاثا من على الوجود، يقول: "وأعتقد أن إلغاء هذه المقالة من المقالات المنسوبة إليه أقرب من إثباتها عليه"
هكذا بكل احترام، وبألفاظ محتملة: "أعتقد" أي أظن، كما هو الاستعمال السائد ... "أقرب" ..
ولم يقل: مكذوب، موضوع، ندين لله تعالى ....
قصة أهل النهروان مع الإمام علي:
تقول فيها: "فقلب متأخرو الإباضية الحادثة وزعموا أن ابن عباس هو الذي خُصم، وأنه تراجع عن مناصرة علي واعتزاله في كلام طويل تجده في الكشف والبيان للقلهاتي"
سبحان الله!
1- لماذا يكون الإباضية هم الذين قلبوا الحادثة، ولماذا لم تقلبوها أنتم؟
2- الرواية عن ابن عباس وعدم خصمه لأهل النهروان لم يروها متأخرو الإباضية، بل رواها متقدموهم، كما رواها غير الإباضية:
الطبراني في تاريخه، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والبلاذري في "أنساب الأشراف" واليعقوبي في تاريخه.
(انظر: الخوارج والحقيقة الغائبة ص 41)؛ وبإمكانك الحصول على نسخة من هذا الكتاب من موقع: www.islamia.net

وأما رواية النسائي وغيره لها ففي متنها ما يمنع من قبول سندها، ومن ذلك:
قول ابن عباس: "أتسبون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها"
وهذا الكلام إنما قيل في موقعة الجَمَل فلا علاقة له بالنهروان ..
وتشكيك الشيخ علي يحيى معمر في هذه الحادثة لبراهين ناصعة وأدلة لامعة يا سعد الحميِّد، ورغم ذلك، فلم يقل الشيخ علي يحيى معمر:
"كتاب النسائي لا شك أنه موضوع مكذوب"
أفهمت يا سعد الحميِّد، الفرق بين منهجنا ومنهجكم ... منهجنا القويم ومنهجكم السقيم!
ـ وأما التطاول على صحيح البخاري، فهو ليس تطاولا بل هو حق من حقوق البخاري وحق كل مسلم أن يبين له الحق، على أنك – يا سعد الحميِّد – لم تقرأ كتاب "الطوفان" للمحدث الكبير العلامة الشيخ القنوبي حفظه الله تعالى، لترى من تكلم في أحاديث البخاري، ورغم كل ذلك فإننا نجل البخاري ونحترم كتابه ... ولم نقل:
"كتاب البخاري لا شك أنه موضوع مكذوب"، لأن منهجك العقيم يبيح لنا ذلك، فإن البخاري لم يذكر في كتبنا إلا في الأعصار المتأخرة، وهل يعقل– يا سعد الحميِّد– أن يكون صحيح البخاري ألف في القرن الثالث ولا تذكره كل كتب الإباضية طوال قرون مديدة ... إذن فهو كتاب مكذوب كذبه أهل السنة لنصرة باطلهم، فالكتاب موضوع مكذوب، علاوة على أن البخاري لم تلده أرحام النساء.
هذه هي طريقة سعد الحميِّد الرائدة الرائعة "والتي ظن بأنها معجزة القرن".
وقولك: "فرواية مسند الربيع بن حبيب هذه أسقط منها ذكر قصة قتل علي للخوارج يوم النهر، لأن الإباضية يرون القتلى "خيار من على وجه الأرض" كما يقول الشماخي في سيره (1/15) فهم عندهم خير من جميع الصحابة الموجودين في ذلك العصر، وفيهم باقي العشرة المبشرين بالجنة، ورواية البخاري تدل على خلاف ما يراه الاباضية"
انتهى كلام علامة الحديث ....

أولا: الربيع لم يتفرد بهذه الرواية، بل رواها البخاري بنفسه ومن طريق أبي سعيد الخدري أيضا، ولكن الهوى يعمي ويصم.
ثانيا: أنت لا تعرف الفرق بين أهل النهروان والخوارج ... فاقرأ أكثر لتعرف الفرق.
ثالثا: أتحداك أن تذكر لي أسماء باقي العشرة الموجودين في صف الإمام علي غيره ... بل أتحداك أن تذكر بسند صحيح أسماء عشرة صحابة كانوا في صف الإمام علي .. وكيف يكون معه الصحابة وهو يخطب فيهم بقوله: "يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال".
رابعا: أما الزيادة الموجودة في البخاري وغيره في قصة قتل أهل النهر فراجع كتاب "الخوارج والحقيقة الغائبة" ص 269 – 316
وأما نص كلام الشيخ سالم بن حمد الحارثي في كتاب "العقود الفضية" فهو كلام الإمام السالمي رحمه الله تعالى في شرحه لحديث المروق.
وقد تعاميت يا سعد الحميِّد عن الاحترام الجم والأدب الرفيع للإمام السالمي مع البخاري لتقلب كلامه رأسا على عقب، فعلى حين يقول الإمام نور الدين السالمي:
"ونحن ننزه البخاري عن الكذب ولكنه يأخذ عن أهل الأهواء كالشيعة والمرجئة ثقة بهم، وإن لهم أهواء لا يؤمنون معها عل نقل يخالف ما هم فيه"

تقول أنت بأن هذه العبارة "تدل على عدم الثقة بأحاديث البخاري جميعها .."
ما شاء الله!
يقول الإمام السالمي:
"ونحن ننزه البخاري عن الكذب"
ويقول الإمام سعد الحميِّد:
"أما هؤلاء الإباضية فقد جمعوا كذب أسلافهم خلال أكثر من ألف عام"
يأخذ الإمام السالمي بأحاديث البخاري ويحتج بها ويعتمد عليها ..
أما الإمام سعد الحميِّد فيقول عن المسند:
"هذا الكتاب لا شك في أنه موضوع مكذوب"

وأما عدم احتجاج الإمام نور الدين ببعض أحاديث المسند فشأنه شأن غيره من عشرات بل مئات علماء المذاهب الأربعة وغيرهم في تضعيف ورد وتكذيب بعض أحاديث البخاري وغيره.
يا سعد الحميِّد:
لا زالت معرفتك بالمسند ضعيفة، لأن المسند يشكل الجزء الأول والثاني فقط من كتاب الترتيب.
وأما الأحاديث التي مثلت بها فهي ليست من المسند، وراجع ما شئت من الكتب حول هذا الموضوع، على أن أية نسخة للمسند قد بين فيها هذا الأمر في تنبيهات الإمام السالمي، ومثلك لا يخفى عليه ذلك، فراجع معلوماتك قبل أن تتورط.
وعليه فرواية الربيع عن بشر بن غياث المريسي والحارث الهمداني كرواية البخاري عن بعض الضعفاء والمبتدعة والكذبة في مثل (الأدب المـــفرد).
على أن في صحيح البخاري من رمي بالكذب أيضا.
ورغم ذلك لم نقل:
"صحيح البخاري لا شك أنه موضوع مكذوب"
ولم نقل:
"البخاري لم تلده أرحام النساء"
وأما قولك:
"هذا، مع أن البخاري لم ينفرد بالحديث بل أخرجه مسلم كذلك، فهل قدر مسلم عند الحارثي كقدر البخاري!!"
الجواب:
طبعا لا، لأن قدر مسلم عندكم ليس كقدر البخاري.

وأما قولك:
"ثم من حيث الصناعة الحديثية مداره على محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويرويه عن أبي سلمة بن عبدالله بن عوف وأبو سلمة يرويه عن أبي سعيد الخدري، والزهري وأبو سلمة إمامان ثقتان مشهوران، لم يوصف أحد منهما ببدعة لا تشيع ولا إرجاء ولا غيرهما بل إذا طعن في الزهري فعلى السنة السلام"
يا سعد الحميِّد:
الطعن في حديث الزهري ليس شرطاً أن يكون طعناُ في الزهري، وذلك لما يعتري الحافظ من ذهول ونسيان وخطأ وغير ذلك مما قرره أئمة فن الحديث، ورغم ما وجدته عن الزهري وما قيل فيه فإنه ليس عندي من الدلائل الكافية ما يقدح في رواية الزهري.
وورود تلك الزيادة من طريق جمع من أصحاب الزهري يؤيد ثبوتها عنه، وإن قيل في رواية بعضهم عن الزهري ما قيل، لكنها يعضد بعضها بعضا، لا سيما أن فيها القوي.
وبيان ذلك أن في رواية الأوزاعي ويونس بن يزيد عن الزهري شيئا .
أما محمد بن إبراهيم التيمي فلم يروها عن الزهري وإنما شارك الزهري في رواية حديث المروق عن أبي سلمة بدون تلك الزيادة المشار إليها، فتنبه لذلك .
وطعن أصحابنا في تلك الزيادة ليس لأجل الزهري نفسه، وإنما لأدلة خارجية أخرى يحكم بها على هذه الزيادة بالشذوذ والتفرد، لأنها لم ترد من طريق أبي سعيد – بسند صحيح – إلا من رواية الزهري عن أبي سلمة عنه رضي الله عنه. ولمزيد من التفصيل انظر: الخوارج والحقيقة الغائبة ص 304 وما بعدها.

يا شيخ سعد :
ومع ذلك فلم نقل في يوم من الأيام :
"صحيح البخاري كتاب مكذوب وضعه علماء المذاهب الأربعة لنصرة باطلهم" كما في أول عباراتك الرائعة عنا، وإنما نقدنا – كغيرنا من علمائكم – بعض أحاديثه .. وهذا غاية الإنصاف وقمة الاحترام.

وإلى لقاء قريب بتوفيق الله تعالى،

الظافــــــــر بعون الله


الردُّ الرابع للظافر على ردود الشيخ سعد الحميّد

بتاريخ 24/6/2000م نشر الظافر رده الرابع من سلسلة ردوده المعنونة بـ "وجهاً لوجه مع سعد الحميّد". وقد نشر الموضوع في الساحة الثقافية بموقع شبكة أهل الحق والاستقامة. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://ibadhiyah.net/cgi-bin/config-...l.pl?read=5471

إخوتي في الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اطلعت على مقال الشيخ سعد الحميّد رقم (9) الذي يبدو أنه كتبه قبل أن يطلع على ردي ((وجها لوجه مع سعد الحميّد (3)))
لكنني أرى أن سعد الحميّد يتعامى عن كل ما أكتبه، فقد ذكرت له نصوص علمائه في أن الإباضية أصدق الناس وأصدق من الوهابية أنفسهم.
ولكن:
لمن تقرأ زبورك يا داود!!!
وقبل أن أدخل في حوار مع سعد الحميّد في مواضيعه المتنوعة المتجددة أستوقف القارئ الكريم على ما يلي:
1- رغم كل ما أكتبه نجد أن سعد الحميّد يتجاهله تماماً ولا يلقي له بالاً، وهذا التصرف عين التهرب والجبن؛ لأنه يفترض أن يعترف بخطئه … ولكننا نراه إن أعجزه الدليل وحاصره البرهان سحب نفسه وعمد إلى ما يراه أنه أضعف الحجج فجمع له جراميزه.
2- نلاحظ في كل مقال تكرار بعض الأفكار البالية التي تعفنت منذ زمن طويل، بينما نجدها في ثوب جديد لدى سعد الحميّد، وعذري له أنه لا يعرف شيئاً عن الإباضية ويقرأ عنهم من خلال كتب خصومهم ككتاب "نشأة الحركة الإباضية" لعليان، وكتاب صابر طعيمة، وإذا قرأ من كتب الإباضية- وهي نادرة عنده– قرأ بعين السخط ولذا فهو لا يفهم إلا ما يعجبه.
وها هو سعد الحميّد يكرر ما قاله أصحاب الفرق ويقول إنه تاريخ لا يجوز لنا أن نلغيه …
ولكن سترى يا شيخ سعد من المتضرر من هذه الفكرة.
3- كما نلاحظ أن في كل مقال فكرة جديدة وموضوعاً جديداً، وهذا التنويع السريع هو معيار لمدى صمود سعد الحميّد أمام الفكرة التي نتحاور فيها.

والآن إلى مقاله رقم (9):
- يقول الشيخ سعد الحميّد: (( … إلا أني أحب أن أشير إلى أن موقف متأخري الإباضية من كتب السنة عموماً والصحاح منها بالأخص– كما سبق نقله– لم نجده لأسلافهم)).
صحيح لأنك لم تقرأ كتب أسلاف الإباضية، بل ولا يتأتى لك ذلك لأنهم لم تلدهم أرحام النساء، وأما كتبهم فلم يوردها حاجي خليفة، وإذن فمن المستحيل أن تصل إلى معرفة شئ عن أسلاف الإباضية، اللهم إلا ما ذكره علماؤك من التهم والأكاذيب فهو عندك حق، خاصة كتب الملل والنحل فلا يحق لنا نحن الإباضية أن ننكره ..
هذا هو المبدأ الذي أثبته أنت في مقالاتك السابقة.
وأما خلف الإباضية فمهما حاولوا أن يقولوا شيئاً عن أسلافهم فهو كذب عندك، لأن قضيتهم شبيهة بقضية اليهود المكذوبة.
إذن، فمن المحال أن تصل إلى معرفة رأي الإباضية في كتب السنة.
وأما قولك: ((بل المعروف أن الخلاف معهم شبيه بالخلاف مع المعتزلة، وليس للمعتزلة كتب في السنة يستقون منها غير كتب أهل الحديث المعروفة))
وقولك: ((وهكذا الإباضية المتقدمون لم نجد أن أحداً من أهل العلم ذكر أن لهم مصادر في السنة يستقون منها))

فهو هراء وتخريف:
- أما أولاً: فقضيتنا مختلفة عن المعتزلة، المعتزلة فرقه عقدية، والإباضية مذهب عقدي فقهي متكامل له أصوله وثوابته ومصادره وعلماؤه ومنظروه.
- وأما ثانياً: فمن هم أهل العلم الذين تعني؟!

يا سعد الحميّد،
لا يمكن أن يساوى الإباضية أهل الصدق والأمانة بغيرهم من المذاهب والفرق الأخرى والذين يبيحون الكذب على مخالفيهم، وعدم ذكر علمائكم لعلمائنا لا يقدم ولا يؤخر بل عدم ذكركم لعلمائنا نقصان شرف عظيم حرمكم الله عزوجل إياه.
وكم ترى الكتاب يتلألأ نوراً ويتبختر سروراً إذا ذكر فيه أحد علماء أهل الحق والإستقامة، لأنه ذكر رجلاً: صادقاً، صالحاً، زاهداً، لا يخون، ولا يكذب.
- وأما ثالثاً: فلأن لنا مصادرنا الموثقة، مسند الإمام الربيع الذي تقدم البخاري ومسند الإمام أحمد بسلسلة ذهبية نادرة يغار منها حساده .. ويغبطها عليها العلماء.

يا سعد الحميّد، أزيدك شيئاً أخر، هل تعرف مدونة أبي غانم الخراساني؟!
فيها عدد لا بأس به من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسند، ولا تخبرنا برأيك فيه فهو معروف، أجل، إن زملائي والقراء حفظوا الأنشودة التالية:
المسند كتاب مكذوب مصنوع … لأنه لم يذكره حاجي خليفة
إذن:
مدونة أبي غانم الخراساني كتاب موضوع … لأنه لم يذكره حاجي خليفة
وانتهت القضية المبنية على أسس علمية قوية.

ـ وأما قولك: ((وإلا لكان موقفنا منهم كموقفنا من الرافضة فأنت ترى أننا لم نشكك في وجود "الكافي" للكليني مثلاً، لكننا نعتبر الكليني كذاباً))
يا للإنصاف!!!
معنى هذه العبارة:
((أيها الإباضية لو ثبت أن الربيع ولدته أرحام النساء وفرضنا– معاذ الله– أن المسند ألفه الربيع لكنا نعتبر الربيع كذاباً))
ولماذا اعتبر سعد الحميّد الكليني كذاباً؟
يقول:
((بدليل ما يرويه من خرافات ودجل ينسبها لصالحي أهل البيت كجعفر الصادق رحمه الله))
لنفترض صحة ذلك:
- فهل في مسندنا خرافات ودجل ليكون الإمام الربيع من أجلها كذاباً أعاذه الله من ذلك.
- ولنفترض افتراضاً أن في المسند شيئاً من ذلك، فهل من أجلها يكون الإمام الربيع كذاباً؟!
وإذن فأين قول المحدثين من أسند فقد أحالك؟
وهل- بناءً على هذا- نعتبر الإمام أحمد كذاباً- حاشاه- وفي مسنده الموضوع والمكذوب والخرافات والدجل؟!

أما سؤالك للشيعي المتوهب عن سبب توهبه وجوابه إياك بسبب ما رآه في مذهبهم من خرافة ودجل لا يقبلها عقل عاقل فهو جواب من أكرمه الله عزوجل بنور الهداية على يدي أهل الحق والاستقامة، وهل هناك خرافة أعظم من القول باستقرار الله عزوجل على عرشه ومن تشبيهه بخلقه؟!

يقول سعد الحميّد:
((فنحن إذاً نحاوركم لوجود أرضية مشتركة نتحاور نحن وإياكم من خلالها، وأهمها: وحدة مصدر التلقي، وما رفضنا لمسند الربيع بن حبيب إلا لأننا – أولاً- لا يجوز أن نقبل بنسبة شئ للنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه رضي الله عنهم أو علماء الأمة، ولا تصح نسبته إليهم))
وكذلك نحن يا سعد الحميّد لا نقبل إلا ما ثبت، وبه نرفض عدداً من أحاديثكم الباطلة، وأما ما رواه أهل الحق والاستقامة فهو أبعد من الكذب.

يا سعد الحميّد:
إذا روى لك الإباضية حديثاً فشد عليه يديك وعض عليه بالنواجذ، أتدري لماذا؟!
لأنهم أصدق الناس على الإطلاق.
وحسبك ما نقلته لك في ردي رقم (2) من نصوص علمائك ومن كلام الباحثين دليلاً ناصعاً على هذه الحقيقة.
وأما نحن معاشر الإباضية أهل الحق والاستقامة والصدق والأمانة فما رواه غيرنا وضعناه على المحك لأسباب:
- لأنهم يكذب بعضهم بعضاً
- ولأن لهم مؤلفات في الكذابين منهم والوضاعين
- ولأن الكذب في عقيدتهم ليس بذاك الأمر الكبير

وأما قولك:
((وأما ثانياً فلأن هذا المسند يفقدنا تلك الأرضية التي أشرت إليها ويصبح ما بيننا وبينكم شبيهاً بما بيننا وبين الرافضة، فلاهم يقبلون الأحاديث التي نستدل بها من كتب السنة ولا نحن بالذين نقبل ما يوجد في مصادرهم من طرق رواة كذابين فكيف نتحاور))
ما أبعد هذا الكلام من العقل..
أيفقدكم المسند الأرضية التي نتحاور فيها؟!
- هل فيه خرافات ودجل .. كما في صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد وغيرهما؟!
- أيعني رفض الحنفية لأحاديث الرفع ثلاثاً فقدان الأرضية فيما بينكم؟
- أيعني الغمز المتكرر من البخاري في صحيحه لأبي حنيفة فقدان الأرضية فيما بينكم؟
- أيعني اختلافكم الكثير في الأحاديث الكثيرة فقدان الأرضية بينكم؟
لعلك يا سعد الحميّد تعني بذلك الأحاديث في الجزأين الثالث والرابع من كتاب الترتيب ..

فهل تفرد الربيع بها أو بأكثرها؟!
يا شيخ سعد، إن كانت إجابتك بنعم فهذا دليل على أنك تجهل صحيح البخاري ولا تعرف ما فيه، على أني قد أخبرتك فيما سبق أن الجزأين الثالث والرابع ليسا من المسند على ما رجحه علماؤنا.
ورغم ذلك فإن أحاديث المسند عندنا يمكن أن تخضع لضوابط النقد والترجيح لمن تأهل لذلك، فإنه لا عصمة عندنا لأحد إلا للأنبياء عليهم السلام، ولا قدسية عندنا لكتاب إلا للقرآن، وصدق الإمام الشافعي: أبى الله أن يتم إلا كتابه.

ثم يا سعد الحميّد:
وجه المقارنة خاطئ تماماً، الشيعة لا يأخذون بأحاديثكم، وأنتم لا تأخذون بأحاديثهم، وها أنتم لا تأخذون بما في مصادرنا- وهو شأنكم- فهل حملنا ذلك على ألا نعدل ونترك ما تبقى من علم السنة كما فعلتم أنتم ورميتم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رويناها وراءكم ظهريا.
ولننتقل الآن إلى كتب الفرق التي حزن سعد الحميّد على تشكيكنا في معلوماتها، أو لنقل: في كثير من معلوماتها، لكننا لم نشكك في نسبتها إلى أصحابها، ولم نقل إنهم لم تلدهم أرحام النساء.

شيخي سعد الحميّد:
الفارق بين تشكيكنا في معلومات كتاب الفرق وبين تشكيكك في مسند الإمام الربيع أمور:
1- أن الإباضية أصدق من غيرهم فيتطرق الشك إلى ما يكتبه غيرهم لا سيما عن الإباضية.
2- أن ما ذكره كتاب الفرق يمسنا نحن، ونحن أدرى بمذهبنا وعلمائنا، والمسند ليس كتاباً وضع في بيان عقائدكم وفرقكم .. ولذلك لم نتكلم نحن فيما نسبه كتاب الفرق إلى فرقهم وعلمائهم وفيما نسبوه إليكم.
3- أننا صدقناهم فيما موجود معنا، وقد بين الشيخ علي يحيى معمر أن المقالات التي نسبها الأشعري على العموم إلى الإباضية أو إلى جمهورهم هي خليط مما يذهب إليه الإباضية ومما يردونه ومما يحكمون على مخالفيه بالشرك، أما أنتم فكذبتم المسند جملة وتفصيلاً وتعديتم إلى إنكاره وإنكار مؤلفه أصلاً.
4- أن أحاديث المسند رواها غير الإباضية ولم يتفردوا إلا بالنادر، بينما أغلب معلومات كتاب الفرق عن الإباضية غير موجودة عند الإباضية أنفسهم.
5- أنكم بأنفسكم كذبتم كتاب الفرق، وكل من أتى منهم حكم على من قبله بالتزوير والتضليل، وإليك نصوصهم:
يقول أبوالحسن الأشعري في مقدمة "مقالات الإسلاميين": ((ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات ويصنفون في النحل والديانات، من بين مقصر فيما يحكيه، وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه، ومن بين متعمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه، ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين، ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أنه الحجة تلزمهم به، وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين))

استمع يا شيخ سعد:
((وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين))
واستمع أيضاً: ((ومن بين متعمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه))
هذا كلام أبي الحسن عمن قبله، وقد تبين أن أبا الحسن نفسه وقع فيما وقع فيه من قبله وفيما عاب غيره به.

ويقول الرازي: ((كتاب الملل والنحل للشهرستاني كتاب حكى فيه مذاهب أهل العلم بزعمه، إلا أنه غير معتمد عليه، لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمى "الفرق بين الفرق" من تأليف الأستاذ أبي منصور البغدادي، وهذا الأستاذ شديد التعصب على المخالفين فلا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه))
راجع "الخوارج والحقيقة الغائبة" لناصر السابعي ص 41 أيكفيك يا شيخ سعد؟!

الملل والنحل للشهرستاني: غير معتمد عليه البغدادي في الفرق بين الفرق: شديد التعصب على المخالفين فلا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه.

وأما كتاب "الفصل" لابن حزم الذي يدعو سعد الحميّد إلى بقائه ولا حق لنا في طمسه تاريخياً فتعال أخي الكريم لنرى ماذا يقول عنه ابن السبكي:
يقول كما نقله عنه أبو غدة في "الرفع والتكميل" الطبعة الثالثة ص 293 في الهامش: ((وابن حزم هذا رجل جريء بلسانه، متسرع إلى النقد لمجرد ظنه، هاجم على أئمة الإسلام بألفاظه، وكتابه هذا "الملل والنحل" من شر الكتب، وما برح المحققون من أصحابنا ينهون عن النظر فيه، لما فيه من الإزراء بأهل السنة ونسبة الأقوال السخيفة إليهم من غير تثبت عنهم والتشنيع عليهم بما لم يقولوه، وقد أفرط في كتابه هذا في الغض من شيخ السنة أبي الحسن الأشعري، وكاد يصرح بتكفيره في غير موضع، وصرح بنسبته إلى البدعة في كثير من المواضع، وما هو عنده إلا كواحد من المبتدعة، والذي تحققته بعد البحث الشديد أنه لا يعرفه، ولا بلغه بالنقل الصحيح معتقده، وإنما بلغته عته أقوال نقلها الكاذبون عليه، فصدقها لمجرد سماعه إياها، ثم لم يكتف بالتصديق بمجرد السماع حتى أخذ يشنع، وقد قام أبو الوليد الباجي وغيره على ابن حزم بهذا السبب وغيره، وأخرج من بلده، وجرى له ما هو مشهور في الكتب)).

يا شيخ سعد:
أحرام على بلابله الدوح *** حلال للطير من كل جنس

وانظر للتفصيل في قضية كتاب الفرق كتاب "الإباضية بين الفرق الإسلامية" لعلي يحيى معمر وكتاب "الإباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وكتاب المقالات" لعلي بن محمد الحجري الموجود على التالي:

http://www.islamia.net

أما قولك: ((ظلمكم المسلمون وأنصفكم اليهود))
نقول: من نسب إلينا ما ليس عندنا فهو ظلم سواء كان فاعله مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً …
وللأسف يا شيخ سعد أنت تريد الآن أن تبرر ظلمك لنا بفعل السابقين من علمائك فيا لخسارة العلم وضياعه ..
أما قولك: ((لماذا نشأ علم الجرح والتعديل؟ لماذا عني أهل العلم بتوثيق الكتب والتحري في نسبتها إلى مؤلفيها– كما سيأتي الحديث عنه– أيلام الإنسان في طلبه التثبت))
لا يلام الإنسان في طلبه التثبت، وإنما يلام في تهجمه بغير حق.
وأيضاً فعهدي بأهل العلم أنهم قالوا إن شهرة نسبة كتاب إلى مؤلفه تغني عن طلب السند إليه.
وعهدي بهم أن من ذكر في كتاب من أهل العلم وشهد له عدلان وقيل عدل فهو ثقة، والإمام الربيع ذكرته كل كتب الإباضية، وشهد له جميعهم بالعلم والفضل والورع والأمانة والضبط، فهل هناك توثيق أعلى من توثيق فحول الإباضية أهل الصدق والنـزاهة.
على أنكم بهذا سوف تتورطون في كتابين مهمين لديكم وهما: مسند الإمام أحمد والسنة لابنه عبدالله.

يا شيخ سعد:
عندما تقول: ((ودعني أوضح لك أكثر)) فذكرت الكتب التي نسبها ابن النديم إلينا، كان منهجك غاية في الإجحاف ونكران الحق، فقد عقبت بكل صلف بقولك:
((ومع أن ابن النديم متهم كما تجد تفصيل ذلك في ترجمته في اللسان، إلا أني لا أستطيع أن أقول في هذه الكتب كما قلت عن مسند الإمام الربيع والكتب التي ذكرتها في مقالك))
إنه لجور وإجحاف وظلم شديد …
ابن النديم متــــــــــــــــــــــــــــــهم .. ولكن لا يمكن أن تقول فيما ذكره من الكتب المنسوبة إلينا ما قلته في مسند الإمام الربيع وغيرها مما ألفه الإباضية!
والإباضية- أهل الصدق- لا يكفي أن يذكروا كلــــهم مسند الإمام الربيع!!!
فسبحان الله …… بأي عقل تفكر، أم بأي قلب تدبر؟!

يا شيخ سعد:
لقد تبين بكلامك هذا أن إحدى مصادر معلوماتك المتهمون والمزورون من كتاب المقالات والفرق، فهنيئاً لك.
وأما قصة اليهود أخزاهم الله فقد كنت أربأ بعقلك وضميرك أن تجعلها لنا مثلاً!
كنت عندي أرفع من أن تنزل إلى هذا المستوى من التفكير!
أتساوي الإباضية أهل الحق والاستقامة والصدق والأمانة باليهود أهل الغدر والخيانة والكذب والتزوير والباطل؟!
إنه ليس جديراً لمذهب أو فرقة أخرى أن تجعل في مستوى أهل الحق والاستقامة في الصدق والأمانة، فكيف باليهود المغضوب عليهم.
ولكن لا عجب،،،،
تساوى عند الشيخ سعد الحميّد: الهدى والضلال، والنور والظلام، وتعادل في ميزانه: التبر والتراب وفي بصيره: الدخان والسحاب

وختاماً:
أدعو الشيخ سعد الحميّد إلى أن يفيق من غفلته، ويصحو من غفوته، ويحاسب نفسه على أفكاره وعباراته وألفاظه، فإنه لا يضر بمثل هذه التصرفات إلا نفسه.
وقبل أن أوقف زمام اليراع أقول:
إن تمني الشيخ سعد أن يرى اليوم الذي نكون فيه يداً واحدة لنصرة دين الله منية كريمة ودعوة طاهرة..
وهي أساس دعوتنا منذ قديم الزمان، ولست أخفيكم إخوتي القراء أن مثل هذه الدعوات بمنزلة البلسم للجراح..
وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى
الظافر بنصر الله



الردُّ العاشر للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

في يوم 25/6/2000م قام المدعو "فتى الإسلام" بنشر الردّ العاشر من سلسلة ردود سعد الحميّد على ردود الظافر. وقد نشر الموضوع في المنتدى الإسلامي لمنتدى أنا المسلم. يمكن الرجوع إلى الوصلة التالية لقراءة الموضوع الأصلي:http://vip1.org/ubb/Forum1/HTML/003857.html

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :
فإن وضع الحديث واختلاقه ، ونسبته للنبي صلى الله عليه وسلم وجد من وقت مبكر ؛ بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ؛ كما تدل عليه بعض الآثار التي ذكرها مسلم في مقدمة صحيحه وغيرُه. ومن أراد التوسع فليراجع كتاب "الوضع في الحديث" للدكتور عمر فلاتـة .
وهذا المنحى هو السبب في نشأة علم الجرح والتعديل ، والتأكيد على أهمية الإسناد الذي خص الله به الأمة المحمدية دون سائر الأمم .
فاليهود والنصارى - مثلاً - لم يحظوا بهذا الشرف ، ولابدّ لهم من نقل كلام أنبيائهم، وأحبارهم ، وتاريخهم ، ففقدوا الضوابط التي بها يستطيعون صيانة ذلك كله من الزيادة والنقص والتحريف .
فلما وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ذلك ، ولم يلهموا هذا الشرف -شرف الإسناد-، وفاتهم الأوان ، اضطروا لإحداث ضوابط هي غاية ما يستطيعون ، ومنها : التواتر ، والمقاييس العقلية لنقد الأقوال والأخبار . وقد أغنى الله الأمة المحمدية بالإسناد ، مع مراعاة الضوابط الأخرى ؛ كنقد المتون وغيرها مما لا مجال لذكره هنا ، وإنما أشرت إليه كتوطئة بين يدي الكلام على توثيق الكتب المصنفة؛ إذ هو فرع عن التثبت في الحديث، ولذلك قيل: " الأسانيد أنساب الكتب "، ولأهل العلم طرائق في توثيق الكتب ، وإثبات صحة نسبتها لمصنفيها ، وصيانتها من الدَّخَل ، حتى لا يظن ظان أن من السهولة بمكان أن تخرج علينا بين فينة وأخرى كتب يزعم أصحابها ومن وراءهم أنها من مصادر السنة . وتاريخ الإسلام مليء بذكر الطوائف والفرق وأهل الأهواء الذين اتبعوا السبل فتفرقوا عن سبيل الله، ولكل منها نحلة ، وهدف . فمنهم من غلا في حب أهل البيت ، ومنهم من غلا ببغضهم ، ومنهم من غلا في حب بني أمية ، ومنهم من غلا في بغضهم ، ومنهم من فُتن بالنَّيْل من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسبب ما وقع بينهم من فتن ، وكأنهم يرون أن من شروط الصحبة : العصمة ، فلا تقع من صحابي معصية ، فضلاً عن أن يكون ذلك بتأويل ، وغفل عن قول الله تعالى :{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين }، فوصف كلا الطائفتين بالإيمان مع اقتتالهما . ومن أهل الأهواء من أفرط في مسائل الإيمان فكفّر أصحاب الكبائر ، ومنهم من فرّط فقال: لا تضرّ مع الإيمان معصية ، ومنهم من غلا في نفي القدر ، ومنهم من غلا في إثباته ، وسبيل أهل السنة وسط في ذلك كله ، بين الغالي والجافي .
ورأى أهل الأهواء أن الكتاب والسنة يقفان في طريق أقوالهم وإحداثاتهم . أما الكتاب فلا سبيل إلى الشك في ثبوته ، أو الزيادة فيه ، أو النقص منه ، فهو قطعي الثبوت لا يفتقر إلى الأسانيد .
وأما دلالته فهي التي نازع فيها أهل الأهواء ؛ بصرف النص عن دلالته الحقيقية لمعنى يوافق ما هم عليه ، أو على الأقل يخرج عن دلالة أهل السنة .
وقد جعل الله السنة قاضية على الخلاف الذي ينشأ بسبب اختلاف الناس في فهم القرآن . قال سبحانه :{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون }، فهي مفسِّرة مبيِّنة لما أُجمل في القرآن .
ولو شاء ربك لجعل السُّنة أيضًا كالقرآن في ثبوتها ، لا تحتاج لعلم الجرح والتعديل ، ومعرفة الأسانيد؛ كما أنه سبحانه لو شاء لجعل الناس كلهم مؤمنين ، ولكنه سبحانه يبتلي عباده ويختبرهم ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، هكذا قضى وقدّر سبحانه ، وليس لنا إلا التسليم .
ولما رأى أهل الأهواء ما في السنة من بيان ، وما تقضي عليه من خلاف لمعتقد سلف هذه الأمة ، وفتنوا بما رأوا من حاجتها للأسانيد وعلم الجرح والتعديل ، وأن منها ما يصح ، ومنها ما لا يصح ؛ كان لهم منها ثلاثة مواقف :
1- ففريق رفض الاحتجاج بالسنة مطلقًا ، ولم ير الاحتجاج إلا بالقرآن ، وهؤلاء ضلالهم لا أظنه يشكل كبير خلاف ، وانظر إن شئت " حجية السنة " للدكتور عبدالغني عبدالخالق .
2- وفريق لم يقبل من السنة إلا ما وافق ما هو عليه من هوى ، فإن جاء الخبر بخلاف هواه ردّه بحجة أنه خبر آحاد ، وهذا الصنف هم أكثر أهل الأهواء .
3- وفريق ذهب يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم لنصرة معتقده ومذهبه، وأكثر من كان يصنع ذلك الرافضة ، وإن وجد في غيرهم ، بل حتى من بعض جهلة أهل السنة ، والباطل يردّ من كائن من كان ، ولا يشفع له حسن مقصده .
وربما كان الوضع لحديث أو أحاديث ، وربما كان لصحف ، وربما كان لكتب .
وفي القرون الثلاثة الأولى كان كلام أئمة الجرح والتعديل متجهًا إلى عدالة الراوي وضبطه - سواء كان ضبط صدر أو ضبط كتاب -، وربما تكلموا في بعض أحاديثه التي يرويها ، وربما أسقطوا جميع رواياته فلم يعبأوا بشيء منها ، وربما قدحوا في بعض أحاديثه وأشاروا إلى أنها جزء من أحاديث صحيفة كاملة يرويها ذلك الراوي . ولهم طرق في امتحان الراوي ومعرفة صحة كتبه والأصول التي يحدث بأحاديثه منها .
قال أبو عبدالله الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص14-15): « ذكر النوع الثالث من أنواع علم الحديث : النوع الثالث من هذا العلم : معرفة صدق المحدِّث وإتقانه وثبته وصحة أصوله وما يحتمله سنُّه ورحلته من الأسانيد ، وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه وأصوله ». ثم نقل عن يحيى بن سعيد القطان قوله :« ينبغي أن يكون في صاحب الحديث غير خصلة ، ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبت الأخذ ، ويفهم ما يقال له ، ويبصر الرجال ، ثم يتعهد ذلك)).
ثم قال الحاكم (ص 15-17):« ومما يحتاج إليه طالب الحديث في زماننا هذا : أن يبحث عن أحوال المحدث أولاً : هل يعتقد الشريعة في التوحيد ؟ وهل يُلزم نفسه طاعة الأنبياء والرسل صلى الله عليهم فيما أوحي إليهم ووضعوا من الشرع ؟ ثم يتأمل حاله : هل هو صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ؟ فإن الداعي إلى البدعة لا يكتب عنه ولا كرامة ؛ لإجماع جماعة من أئمة المسلمين على تركه ، ثم يتعرّف سنَّه : هل يحتمل سماعه من شيوخه الذين يحدث عنهم ، فقد رأينا من المشايخ جماعة أخبرونا بسنّ يقصر عن لقاء شيوخ حدّثوا عنهم . ثم يتأمل أصولَه : أعتيقة هي أم جديدة ؟ فقد نبغ في عصرنا هذا جماعة يشترون الكتب فيُحدثون بها ، وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم في كتب عتيقة في الوقت ، فيحدّثون بها ، فمن يسمع منهم من غير أهل الصنعة فمعذور بجهله . فأما أهل الصنعة إذا سمعوا من أمثال هؤلاء بعد الخبرة ففيه جرحهم وإسقاطهم إلى أن تظهر توبتهم؛ على أن الجاهل بالصنعة لا يعذر ، فإنه يلزمه السؤال عما لا يعرفه ، وعلى ذلك كان السلف رضي الله عنهم أجمعين)).
ثم نقل عن الأعمش قوله :« كان إبراهيم - يعني النخعي - صَيْرَفيّ الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه)).
ونقل عن أبي جعفر الباقر قوله :« من فقه الرجل بصره بالحديث ، وإذا عرف طالب الحديث إسلام المحدّث وصحة سماعه كتب عنه ؛ فقل من يجد ما يرجع إلى الفهم والمعرفة والحفظ ، وكل محدث تهاون بالسماع واستخفّ بالحديث فلا يخفى حاله ويظهر أمره)).
ومن نظر بعين الإنصاف وجد من أمر هؤلاء المحدّثين عجبًا في العناية بالكتب ، ومعرفة ما يلحق بها أو يُغَيّر .
فقد روى إبراهيم بن جريج الرهاوي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الزهري ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( المعدة حوض البدن ، والعروق إليها واردة ...)) الحديث .
فاستنكر الأئمة هذا الحديث ، ومنهم الدارقطني حين قال - كما في "اللسان" (1/129-130)-:« لا يعرف هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من كلام ابن أبجر ، وكان طبيبًا)).
وكشف العقيلي علّته ، فأخرج في "الضعفاء" (1/51) عن أبي داود الحراني :« أن هذا الشيخ - يعني الرهاوي - وُقف على هذا الحديث ، فلم يكن عنده أصل ، وقال : كتبت عن زيد بن أبي أنيسة وضاع كتـابي ، فقيـل له : من كنت تجالـس ؟ فقـال : كـان فلان الطبيب بالقرب من منزلي، فكنت كثيرًا أجلس إليه)).
ثم قال العقيلي :« وهذا الكلام يروى عن ابن أبجر »، ثم ساقه بسنده عنه ، وكان قد قال عن المرفوع:« هذا الحديث باطل لا أصل له)).
وفي ترجمة إبراهيم بن عبدالصمد بن موسى الهاشمي العباسي من "لسان الميزان"(1/ 167):« وقال أبو الحسن ابن لؤلؤ الوراق : رحلت إليه إلى سامراء لأسمع منه "الموطأ"، فلم أر له أصلاً صحيحًا ، فتركته وخرجت)).
وفي ترجمة أحمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه أبي نصر البغدادي (1/296):« لم يكن من أهل هذا الشأن ، ولا صاحب أصول يعتمد عليها)).
وفي ترجمة أبي إسحاق إبراهيم بن عصمة النيسابوري العدل (1/170-171) ذكر ابن حجر أنهم أدخلوا في كتبه أحاديث ، وذكر أنه من شيوخ الحاكم ، وأن الحاكم قال عنه في "تاريخه":« وكانت أصوله صحاحًا ، وسماعاته صحيحة ، فوقع إليه بعض الورّاقين، فزاد فيها أشياء قد برّأ الله أبا إسحاق منها)).
فهذا الرجل عدل في نفسه ، وأما روايته فيقدح فيها ما ذُكر عنه مما لا ذنب له فيه .
وفي ترجمة إبراهيم بن أحمد العجلي (1/111) نقل ابن حجر عن الحسن بن سفيان أنه قال في "تاريخه" :« ويعرف بابن أخت الأشلّ ، وكتبنا عنه أجزاء كثيرة من حديث البغداديين ، من حديث أبي قلابة وغيره سماعًا صحيحًا ، ثم إنه بعد ذلك وضع أحاديث بخطّ طَرِيّ لا أصل لها)).
وفي ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلّس الحمّاني من "الكامل" (1/199) قال ابن عدي :« كان ينزل عند أصحاب الكتب ، ويحمل من عندهم رُزَمًا فيحدِّث بما فيها، وباسم من كُتب الكتاب باسمه ، فيحدِّث عن الرجل الذي اسمه في الكتاب ، ولا يبالي ذلك الرجل متى مات ، ولعله مات قبل أن يولد ». وانظر "اللسان" (1/371).
وفي ترجمة يعقوب بن حميد بن كاسب من " الضعفاء " للعقيلي (4/446-447) روى العقيلي عن شيخه زكريا بن يحيى الحلواني قال :« رأيت أبا داود السجستاني صاحب أحمد بن حنبل قد ظاهر بحديث ابن كاسب ، وجعله وقايات على ظهور ركبته - كذا ! والصواب : كتبه -، فسألته عنه فقال : رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها ، فطالبناه بالأصول فدافعها ، ثم أخرجها بعدُ فوجدنا الأحاديث في الأصول مغـيّرة بخطّ طَرِي ؛ كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها)).
وعكس الحكاية السابقة : ما حصل لأحمد بن الحسن بن عبدالجبار الصوفي ، ففي "تاريخ بغداد" (4/83) ذكر الخطيب أن البرقاني سأل أبا بكر الإسماعيلي عن حديث أحمد ابن الحسن الصوفي هذا ، عن سويد ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس ، عن أبي بكر رضي الله عنه : أُهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم جملاً لأبي جهل ؟ فذكر الإسماعيلي أن الصوفي حدثهم بالحديث بحضرة ابن صاعد وابن مطاهر ، فاختلفا فيه ، فقال أحدهما : هو صحيح، وقال الآخر: ليس بصحيح، «فأخرج الصوفي أصله العتيق، فكان كما قال)).
وللحديث بقية .
تنبيــه :
سيكون ردي على ردود الظافر الأخيرة عقب فراغي من هذه الردود - إن شاء الله-، فلم يبق منها إلا القليل ، ولن أشغل نفسي الآن بها حتى لا تخرج الردود عن طريقها ، والله الهادي إلى سواء السبيل.







 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:15 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "