ظاهرة الحوثي كانت أخطر من الانفصال
كتب خيرالله خيرالله: لم تكن ظاهرة رجل الدين اليمني حسين بدر الدين الحوثي، الذي أعلنت وزارة الدفاع اليمنية أمس مقتله مجرد ظاهرة عادية, فالذين يعرفون في الشأن اليمني من داخل يقولون إن ظاهرة الحوثي بكل ما كانت تمثله كانت أخطر من ظاهرة الانفصال.
قبل كل شيء حاول الحوثي الذي قاوم الجيش وقوات الأمن اليمنية نحو أربعة أشهر زرع فتنة مذهبية في البلد الذي عاش قرونا من دون أي تفريق او تمييز بين زيدي وشافعي, على العكس من ذلك كان هناك دائماً وئام بين المذهبين ولم يطرح يوما سؤال عن مذهب هذا أو ذاك من اليمنيين.
على الأرض سعى الحوثي الى نشر المذهب الشيعي الاثني عشري وهو مختلف عن الزيدية واقام مدارس دينية في مناطق عدة وما كان ممكنا ان يفعل ذلك من دون امكانات كبيرة, والسؤال الذي كان يردده المسؤولون اليمنيون في استمرار هو: من أين جاء بهذه الإمكانات الى بلد معروف تماماً لدى القاصي والداني ان القبائل فيه لا يمكن أن تساير أحداً من دون مقابل؟
لقد أتاحت هذه الامكانات للحوثي أن يتمدد الى خارج محافظة صعدة وهو حاول بالامكانات المتوافرة لديه استمالة الزيود في حجة وذمار ايضاً, وكان التحرك السريع للسلطات اليمنية وراء حصره في صعدة أخيراً ومنعه من التوسع, وكانت اللعبة الذكية التي مارستها السلطات معه محاصرته في منطقة جبلية صعبة والدخول معه في حرب استنزاف ادت أخيراً الى القضاء عليه.
في موضوع الانفصال، أي خلال حرب صيف عام 1994 كانت الخطوط التي تفرق بين المتقاتلين واضحة, كان هناك من هو مع الوحدة ومن هو مع الانفصال، وكان بين الأسلحة القوية المتوافرة لدى الرئيس علي عبدالله صالح ان الجنوبي لم يكن بالضرورة انفصالياً، بل ان قادة عسكريين جنوبيين كانوا في جيش ما كان يسمى «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية» خاضوا معارك لمصلحة الوحدة، وساهم ذلك الى حد كبير في تحطيم مقولة إن الحرب بين الشمال والجنوب، وتحويلها الى حرب بين الشرعية والرافضين لها، بين الوحدة والمطالبين بالعودة عنها.
أما في موضوع الحوثي، فقد كان الرجل يخطط لفتنة مذهبية تتجاوز حدود اليمن، فتنة معروف كيف تبدأ وليس معروفاً كيف يمكن أن تنتهي باستثناء انها كفيلة فتح الأبواب أمام تدخلات أجنبية في البلد في ظل ازدياد مخاطر الحروب المذهبية فيه.
فوق ذلك كله كان لافتاً ان انصار الحوثي كانوا معبئين بطريقة غريبة اذ كانوا في غاية الشراسة في المعارك التي خاضوها, وادى ذلك الى اطالة أمد القتال وسقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف القوات المسلحة اليمنية التي كان قادتها يسعون الى تجنب القتال في الأماكن الآهلة خشية إلحاق خسائر بالمدنيين.
لولا الشعور العميق بأن الحوثي كان يمثل ظاهرة في غاية الخطورة على اليمن، لما كانت القيادة اليمنية جندت كل هذه الامكانات وكل هذا الجهد للقضاء عليه، بل كان يمكن تركه يمارس نشاطه السياسي والديني بحرية مع وضعه تحت المراقبة تفادياً لحصول فتن، لكن استيعاب مدى خطورة الحوثي الآنية خصوصاً الامكانات الكبيرة المتوافرة لديه وشراسة رجاله وتدريبهم الجيد والرغبة في التوسع الى مناطق يمنية أخرى في اتجاه طرح موضوع عودة الامامة، جعل الرئيس علي عبدالله صالح يلجأ الى آخر الدواء,,, أي الى الكي، وهو المعروف انه يقدم كل شيء على استخدام القوة في بلد لايزال فيه السلاح زينة الرجال.
في هذه الايام التي يسعى فيها العرب الى تفادي الفتن، يأتي أخيراً خبر مفرح من اليمن الذي يحتاج اول ما يحتاج الى الاستقرار الداخلي لمعالجة مشاكله على رأسها الوضع الاقتصادي وتردي مستوى التعليم في المدارس وتحسين الخدمات للمواطنين واستثمار امكانات البلد الكثيرة، وهو أمر ممكن اذا توافرت الاستثمارات الخارجية التي تحتاج اول ما تحتاج الى الاستقرار.
http://www.alraialaam.com/11-09-2004...ontpage.htm#06