هذا وكان يملك الجنة والنار أيضاً كما يذكرون عنه أن شخصاً من أصحابه تمنّى عتق من النار ينزل من السماء "فسقط منها ورقة بيضاء ، فلم ير فيها كتابه فأتى إلى الرفاعي فلم يخبره بالقصة ، فنظر إليها ثم خرّ ساجداً وقال:
الحمد لله الذي أراني عتق أصحابي من النار في الدنيا قبل الآخرة ، فقيل له: هذه بيضاء ، فقال: أي أولادي ، يد القدرة لا تكتب بسواد ، وهذه مكتوبة بالنور"(41).
هذا ولقد باع على واحد من مريديه ، واسمه: إسماعيل بن عبدالمنعم ، قصراً في الجنة تجمعه حدود أربعة: الأولى إلى جنة عدن ، والثاني إلى جنة المأوى ، والثالث إلى جنة الخلد ، والرابع إلى جنة الفردوس بجميع صوره وولدانه وفرشه وستره وأنهاره وأحجاره عوض بستانه"(42).
ولقد ذكرنا هذه الحكاية مفصلاً في باب (أوليــاء أم آلهة) فليراجع إليه للتفصيل.
وكان يقول كما ينقلون عنه:
"وأحمى مريديّ على كل حالة *** وأدخلهم دار النعيم أمامي
فمن كان منّـا أو يلوذ ببابنا *** غداً يوم القرب تحت خيامي
وأحميهم مما يختشى يوم خوفه *** وفي معظم الحالات عنه أحامي"(43)
وقال أحد أصحابه:
" ولا يكون الرجل ممكناً في سائر أحواله حتى يعرض عليه عند غروب الشمس جميع أعمال أحابه وأتباعه وتلامذته بالقرب والبعد ، فيمحو منها ما يشـاء ، ويثبت ما يشــاء ... لا يكون الشيخ كاملاً في سائر أموره وأحواله وأقواله وأفعاله ، ولا يصلح له الجلوس في المخدة حتى يحضر عند تلميذه في أربع مواضع:
عند خروج روحه من جســده.
وعند مسألة منكر ونكير له.
وعند جوازه على الصــراط.
وعند الميزان"(44).
وكان يقول:
" خذ من مجلسي حصة من الفضل الإلهي ، والمنح النبوي ، كلّ من أظلّته الخضـراء ، وأقلته الغبراء ، اليوم محتاج لأخذ هذه الحصة من هذا المجلس ، سل أهل الذوق ، سل أهل الشوق ، سل الأقطاب ، سل الأفراد ، سل الأوتاد ، ختمت بي هذه التوبة الجامعة المحمدية"(45).
ونقلوا عنه هذه الأبيات:
" وطاولت أعلام الرجال ولم أزل *** أطول إلى أن جزت من حضرة الرب
وفقت كبار القوم في كل مذهــــب **** وســــرت بلاثان إلى مذهـــب الحبّ
وصرت فريداً في بني الحب كلهم **** وجاؤا الحاني يطلبوا السكر من شربي
وهاموا بكأسي قبل شرب الذي به *** ونالوا الشفاء من صرعه الهجر في طبي
أنا القطب والغوث الكبير الذي على ** قبــــــــــــاب زوياتي بدا النور من ربي
أشـــاهد معنى الكل في كلّ مشهد **** وانظــــــــــــر من معنى حقيقتها سلبي
فمن عينها عيني ومن سرّ رمزها *** عرفت بأن الكلّ من سرها وهبي"(46).
وأيضاً:
"رفعت رايتي على الأعلام *** وصفا الوقت بل وراق مدامي
وخيولي تدور في كل أرض *** ثم في كل بلدة ومقام
وطبولي دقت وموكب عزّي *** في سرور على مدى الأيام
أنا قطب في مركز الفصل قدري ** وعلى هامة الهلال خيامي
فجميع الرجال في باب عزّي *** يطلبون العطاء من إكرامي
شهرتي في السماء والأرض دارت ** وافتخاري يزيد في كل عام"(47).
وكان يقول:
" كل شيخ لم يحضر تلميذه عند الموت فليس هو عندنا برجل، وكل شيخ ينكشف تلميذه خلف القاف في ظلمة الليل ولا يمدّ يده يغطيه فما هو عندنا برجل ، وكل شيخ لا يغيّر صفات تلميذه ويكتب الشقي سعيداً فما هو عندنا برجل ، وكل شيخ لا يراعي تلميذه في القرب والبعد في حال حياته وبعد مماته فليس هو عندنا برجل"(48).
وكان يقول:
" وحق العزيز سبحانه وتعالى ، قبض العزيز جل وجلاله من نولا وجهه قبضة ، فخلق منها سيدنا المصطفى صلى الله عله وسلم فرسحت ، فخلقني منها ... وإني لما دعيت إلى هذا الأمر حملت إلى قبلة هذا البلد ، وشق صدري ملك من الملائكة المقربين فأخرج منه شيئاً مظلماً وغسّله بماء الحيوان من الرياء وسوء الخلق وكل ما كان للشيطان فيه نصيب ، كل ذلك وأنا أنظر بعيني كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم"(49).
انظر الجرأة وســــــوء الأدب في حضرة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه كيف يشبّهون متصوفهم مع الذي يصدق فيه قول الشاعر:
مضت الدهور وما أتن بمثله *** ولقد أتى فعجزن عن نظرائه
لكن هو الذي ينقلون عنه أنه قال:
" الشيخ في قومه كالنبي في أمته"(50).
ولذلك كانوا يجتزون على هذه المقولة:
" وكان حاله طبق حال رسول الله . وأوصافه موافقة في كل الشؤونات لأوصاف حبيب الله . وقد جرت عليه أحكام المطابقة الاضطرارية كموت أبيه قبل أمه وهو حمل . وبعضهم قال: وهو في المهد . وكتسميته بلا سعي منه أحمد وكشأنه في البطاح العربية وكولادته في قرية حسن وإقامته بأم عبيدة بلده جده وموته فيها وبينهما كما بين مكة والمدينة وكظهوره بين عرب جفاة وكبروزه في حالة مظهريته فقيراً وكموت أولاده الذكور قبله وكحصول الذرية له من بنتيه الكريمتين ومن صلبي ولدي بان عمه سيف الدين وعثمان كما سيأتي ذكره مفصلاً وغير ذلك . وكإقبال العامة الفقراء عليه وكتحمله وحلمه وسعة صدرته وسخاوته وكقوة عزمه في الله وكعلوية همته على الملوك والخلفاء وعدم التردد إليهم وكتواضعه للفقراء واشتغاله بخدمة الأرامل والأيتام وضعاف الناس وفقراء النصارى واليهود ومحتاجيهم وبذاك أسلم على يديه منهم خلق لا يحصى عددهم وككثرة وقوع الإرشاد على يديه وكتمكنه في مرتبة عبادته وعبوديته من غير ملل ولا كسل ولا استفزه حال ظهوره قط وكعدم جلوسه على سجادة وجلوسه مع إخوانه كأحدهم وكثرة صبره على أذية قومه وعشيرته حتى أرشدهم الله على يديه وكحسن معاشرته ولطف طبعه وصفاء سريرته وعذوبة لفظه"(51).
..........
(41) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298.
(42) انظر قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص 71.
(43) أيضاً ص 235.
(44) قلادة الجواهر ص 193.
(45) المجالس الرفاعية لأحمد الرفاعي ص 101 الطبعة الأولى مطبعة الإرشـاد بغداد 1971م,
(46) قلادة الجواهر ص 235.
(47) أيضاً ص 234 ، 235.
(48) أيضاً ص 94.
(49) القلادة لأبي الهدى الرفاعي ص 141.
(50) قلادة الجواهر لأبي الهدى الرفاعي ص 165.
(51) أيضاً 123.