د- مصطفى صادق الرافعي .. الذي سار بنا في "وحي القلم" منبأً بأديبٍ رفيع .. صاحب لغة سامية .. تتجلى من قلمه روعة البلاغة .. بألطف عبارة .. رحم الله الرافعي ..
وأثناء تجوالي بين كتبه .. وجدت كتاباً يدور حول ما أُحبه وأعشقه .. إنها فاكهة القارئ ، وأُنس المتابع ، وقدوة الباحث ، وحكاية الزمان .. إنه ما قال عنه الإمام أبو حنيفة النعمان –رحمه الله تعالى- : "إن السير أحب إلينا من كثير من الفقه" .. فالسير مدرسة الفقه .. وعلم التاريخ .. وتجارب الحياة .. وحكاية الزمان .. والحكايات التاريخية .. عهدتها على الرواة .. ما لم يتهم .. وهكذا تجلت ريشة أديبنا الرافعي لترسم الحديقة الغناء .. في كتابه الرائع [ الدعوة والدعـاة في الإســلام ] .. واختار عدد من الدعاة والعلماء .. ومنهم الإمام المجدد ..
والسبب لتأليف هذا الكتاب: ( فمن أجل حركة توعية رائدة ، ومن أجل تجهيز دعاة إسلاميين ذوي جدارة وأهلية ، لمواجهة النكبات التي تتوالى على الإسلام والمسلمين منذ أكثر من خمسة قرون ، أقدم هذه العجالة عن بعض الدعاة السابقين المؤهلين "رجال الإسلام" عسى أن يكون فيها بعض ما ينير الظلمات التي تكتنف حياتنا ،وتلف مجتمعاتنا ، وعسى أن تنشأ بوادر انتفاضة صحيحة تقوّم الاعوجاج ، وتزيح أستار الضلالة ، وتدفع بعربة الإسلام في طريق المجد والتقدم)
ومن القدوات لأبناء هذا الجيل إمام الدعوة السلفية المجدد محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله تعالى- ولنقف مع أديبنا د- مصطفى صادق الرافعي والإمام محمد بن عبدالوهاب .. حيث قال:
الدعوة السلفية
عاش الشرق الإسلامي زهاء خمسة قرون من عمر الزمن ، ينعم في بحبوحة ونعيم ، وحضارة وارفة الظلال ، بفضل نور الإسلام الوهاج الذي عمّم خيراته على كل أرض ، ونشر هدايته لكل قبيل.
بعدها اعتراه الوهن والضعف ، فمر في عهود سوداء ، وحاقت به ظلمات حالكة ، فتقلصت هداية الإسلام عن أرضه أو أوشكت ، وأصبح تراث المسلمين نهباً مقسماً بين شذاذ الأمم ، وذئبان الشعوب ، يستغلون علومه ويستأكلون حضارته ، فسيطر على بلاده الغربيون ، فأذاقوها من العذاب أقسـاه ، ومن الألم أشده ، حتى انحدرت بلاد المسلمين إلى هوة عميقة من الضعف والتخلف والانحطاط.
ثم ما إن أطلّ القرن الثامن عشر ، حتى انطلقت صيحة واعية مؤمنة من قلب الجزيرة العربية ، تهيب بالمسلمين أن يتحرروا من الشوائب التي اعترت عقائدهم ، والخرافات والأباطيل التي شوّهت دينهم ، وأن يعودوا في جميع شؤون حياتهم إلى ما كان عليه حال السابقين الأولي من أسلافهم.
وكان مرسل هذه الصيحة ، الداعي إلى الله على بصيرة القائد الفذّ ، محمد بن عبدالوهاب ، وإليه تنسب "الحركة السلفية" التي دعت إلى إصلاح النفوس ، واستعادة مجد الإسلام ، فظهرت بظهورها تباشير صبح جديد ، فيه كل معاني الصباح ، من نور وضياء ، وإشراق ولألاء ، فأيقظ المسلمين من سباتهم العميق الذي رزخوا تحت وطأته حقباً طويلة من الزمن.
.. تبع >>