مرحباً بك أخي الفاضل أسير الذنب..
حمداً لك اللهمّ على أنك متفق معي على جهلنا عن معرفة كنه وكيفية وهيئة صفات الباري عز وجل، لأن عقولنا قاصرة محدودة، لا تدرك نفسها فكيف لها أن تستقل بالحكم على غيرها أو على الغائب غير المشاهد، كيف إذا كان ذلك في حق الحق تبارك وتعالى، وأخص ما له عز وجل؟!!
وجواباً على سؤالك وهو واضح وفهمت مطلوبك.. فإني والفضل لله تعالى.. أقرأ أحسن الحديث وهو كتاب الله تعالى،
القرآن العربي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، الذي تكلم الله به، وأسمعه لرسوله جبريل عليه السلام، فلبغه لرسول الله محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، كما قال تعالى:
(( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) )). سورة الشعراء.
فبلغه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأصحابه كما نزل عليه، وبلغه من بعده أصحابه للأمة وما كتموا منه حرفاً. ففهموه كله، ونحن بحمد الله تعالى نفهمه كما فهموه، ولا نزيد على ذلك شيئاً من عندنا.
ونفسر القرآن الكريم بما لا يتجاوز معنى اللفظ، باستعمال لغة القرآن الكريم، اللغة العربية، وغيرها من أنواع التفسير - وهي معلومة لديكم لا تخفاكم - مع تنزيه الرب عن مشابهة الخلق، دون تجاوز.
ونعلم أن الله تعالى قد يبتلينا ببعض المتشابه علينا، لاختبار إيماننا وتصديقنا. ولا نتكلف ما وراء ذلك كالحروف المقطعة في أوائل بعض السور.
فالله سبحانه وتعالى محتجب عنا، ولكنا نعرفه، ونؤمن به إيماناً جازماً لا يتطرق إليه الشك، وعرفناه سبحانه بما عرفنا به من أسمائه وصفاته، وأمرنا بتدبر آياته وآثار أفعاله، ولم نحط به علماً،
ومع ذلك فلم يأمرنا أن نتتبع ما وراء صفاته، ولا ما وراء أسمائه، ولا ما وراء أفعاله، وإنما علينا أن ندرك الخطاب الذي خاطبنا به، والذي يقوم به حدّ التكليف. فلم نجهل ربنا وهو محتجب عنّا.
[ مقتبس من كتاب المقدمات الأساسية في علوم القرآن للجديع مع تصرف يسير].
هذا جوابي أخي الحبيب أسير الذنب على سؤالك الذي تفضلت به، سواءاً في آيات الصفات، أو في آيات الأحكام، أو في آيات الغيب الأخرى والمعاد..
لا إشكال لديّ في فهم معاني آيات القرآن الكريم.
طبقاً لقوله تعالى: ((
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82) )) سورة الإسراء. فوالله العظيم إني لأجد الشفاء من خلال قرآته..
وقال تعالى: ((
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44) )) سورة فصلت. وأحمد الله تعالى أنه لي هدى وشفاء ورحمة، وليس بعمى فأسأل الله الثبات على ذلك.
وكما قال عز وجل: ((
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) )) سورة يونس. وأحمد الله على أنه ينشرح صدري حين تلاوته، ولا أجد فيه أي غضاضة، ولا مضض.
وأيضاً قوله عز وجل: ((
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) )) سورة آل عمران. فأسأل الله تعالى أن يجعلني من المتقين، حتى أحوز هذا الفضل العميم.
وقوله تعالى: ((
وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (77) )) سورة النمل... وهكذا آيات كثيرة، عظيمة جليلة، تدل على أنه لا شيء خفي في القرآن الكريم، بل هو واضح ظاهر للناس،
وهذا مقتضى حكمة الله عز وجل، وأن كتابه فرقان، وبرهان، ونور، وهدى، وشفاء، ورحمة، وموعظة، ومبين، ومفصل، وبالذات في موضوع الأسماء والصفات لأنها من أعلى المقامات، ومن قال بغير ذلك فقد شكك في القرآن العظيم، وطعن فيه أعظم الطعن، خصوصاً مع حاجة الأمة إلى ما فيه، وبالذات ما ورد من العلم بالله تعالى،
فلا حيرة ولا ضلال، ولا قلق ولا تردد، بل هذا القول محال، ولا يمكن أن يكون، ولما فيه من غلق باب تدبر كتاب الله، ومصادمة النصوص الدالة على الإثبات، واعتقاد ما يليق بالله تعالى، كما اعتقده الأنبياء والمرسلون فهم أعلم منا، ولم يجهلوا القرآن الكريم ومعانيه. ولم يخالفهم من بعدهم الصحابة الكرام.
وأيضاً فإن الله تعالى ذمَّ من لا يفهم كتابه، وأن مجرد حظه منه السماع، دون فهم معناه.
فلا نخلط ولله الحمد بين المعنى المجرد المعهود في الأذهان، والكيف الذي توهمه البعض بعقولهم البسيطة المخدوعة فجعلوه أصلاً، لأنهم لم يعلموا معناه، فتجاوزوا ذلك إلى الكيف، فوجدوا أنفسهم مضطرين في النهاية إلى التفويض، لأن النفي تعطيل غير لائق. والتفويض أخفّ كما توهموه، وإنما هو أشدّ.
فمعاني القرآن الكريم بالنسبة إليّ واضحة معلومة مفهومة، والفضل لله في ذلك، وأعتقد التفويض في الكيفيات. فهات أنت معنى التفويض الذي أشكل عليك. لأنك أنت صاحب الإشكال الذي لا تفهم بعض معاني آيات القرآن.
أرجوا أن أكون قد وفقت أخي الحبيب أسير الذنب في توضيح وتقريب الجواب إليك.
فهل عندك إشكال بالتحديد، أو غاب عن ذهنك معنى آية في كتاب الله تعالى، فلم تفهم معناها، بإمكاننا المطارحة فيها باللتي هي أحسن.
والله يحفظك، ويوفقك، ويرعاك.