في إيران 20 مليون مسلم سني يعانون القهر والتعذيب والقتل بسيوف آيات الله في الجمهورية الإيرانية الإسلامية، بعضهم ناصر الثورة منذ بدايتها ولكنها انقلبت عليه، وبعضهم فضل الوقوف في وضع المتفرج فلم يكن مصيره أحسن من بقية إخوانه.
ولهذه الأسباب، وبسبب طول المعايشة والاحتكاك يرى السنة في إيران أن الدعاوى التي يرفعها بعض فقهاء السنة في العالم الإسلامي ليست إلا ضربا من النفاق، وأوهاما لا يمكن تحققها وخديعة مؤكدة ستدفع ثمنها الجماهير السنية.
وفي التحقيق التالي نقترب بصورة أكبر من عالم المسلمين السنة في إيران، ونلمس معاناتهم، كما نستمع إلى حججهم التي تدعوهم إلى رفض كل محاولات التعايش والتقريب مع الشيعة في إيران، واتهاماتهم التي يوجهونها إلى علماء السنة.
والمسلمون السنة في إيران حسب الإحصاءات شبه الرسمية تتراوح أعدادهم بين 15 و20 مليون مسلم يشكلون نسبة 25% من الشعب الإيراني الذي يصل طبقا للإحصاءات الحكومية إلى 60 مليون نسمة، وهم مقسمون إلى 3 عرقيات رئيسية هي الأكراد والبلوش والتركمان، ويسكنون بالقرب من خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية مثل باكستان وأفغانستان، والعراق وتركمانستان، أما المسلمون من العرق الفارسي فوجودهم نادر إذ يغلب على الفرس التشيع منذ أيام الدولة الصفوية.
اعتقالات واغتيالات
وحسب الروايات المتواترة بين المراقبين وبين المسلمين السنة فقد تعرض هؤلاء لاضطهاد عظيم منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية في إيران، فلم تترك المخابرات الإيرانية وسيلة من وسائل التعذيب لم تجربها معهم، فمنذ اليوم الأول للثورة انقلب آية الله خميني على من عاونه من علماء السنة في الثورة وهو الشيخ أحمد مفتي زادة -العالم الكردي السني الشهير، فكان مصيره الاعتقال الذي استمر طيلة عقدين من الزمان، ومن بعد هذا العالم تعرض كثير من علماء السنة للاعتقال والتعذيب والقتل والاغتيالات في الشوارع، كما عانوا أيضا من التضييق في ممارسة الشعائر وفي المدارس وإقامة الصلوات، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى تلغيم الأرض التي يقيمون فيها.
عن هذا الاضطهاد الذي يعانون منه يقول الدكتور أبو منتصر البلوشي -أحد علماء السنة الإيرانيين ومقيم في لندن-: لا يوجد لون من ألوان التعذيب أو الإيذاء لم يتعرض له السنة في إيران، ويبدو أن المخابرات الإيرانية الواواك تمارس تدريباتها العملية في مواقع السنة، فاغتيال علماء السنة وتوفيقهم المتتالي والعشوائي مستمر حتى هذه اللحظة وحتى بعد مجئ خاتمي، وقد بدأت أمواج الاضطهاد تتسرب من المدن السنية إلى القرى، ولأضرب لك مثلا بما جرى في الشهور الأخيرة حيث اقتيد الشيخ نظام الدين روانبد بن الشيخ عبد الله رحمه الله العالم والشاعر الشهير في بلوشستان الإيرانية إلى السجن، ولم يعرف عنه شيء حتى الآن، ويبدو أن تهمته كانت محاولة بناء مسجد، كما كان يدير مدرسة صغيرة؛ فبناء المسجد والمدرسة الدينية للسنة في إيران من الجرائم التي لا تغتفر.
وقبل أشهر أيضا اغتيل الشيخ يار محمد كهرازهى إمام جمعة أهل السنة في مدينة خاش وكان هو الآخر يدير مدرسة دينية، وجميع الشواهد التي لدينا تدل على أن المخابرات الإيرانية هي التي اغتالته لأنها اغتالت قبل سنتين ونصف تقريبا مدير نفس المدرسة وهو الشيخ عبدا لستار رحمه الله إمام الجمعة والعالم الشهير لأهل السنة في مدينة خاش البلوشية، وذلك في إطار حملة مسعورة تهدف إلى إخلاء إيران من علماء السنة ليتسنى لهم تشييع البلد كليا بعد ذلك كما كتبوا ذلك في مخططاتهم الخمسينية السرية.
ويقول الدكتور أبو منتصر البلوشي: عندما قامت المخابرات الإيرانية باستجواب الشيخ يار محمد رحمه الله كغيره من مشايخ السنة طلبت منه فصل الطلاب من غير أبناء المنطقة -ليقطعوا أدنى صلة بين السنة في إيران حيث يعيشون في أطراف إيران الأربعة- وحين رفض الشيخ ذلك ألقي القبض على الطلاب وتم إعادتهم -بعد السجن والتعذيب- إلي بلادهم وكان للشيخ يارمحمد موقف مشهود في الدفاع عن هؤلاء الطلاب، وكان موقفه هذا هو المبرر لاغتياله.
في الجنوب والشمال
وإذا كان هذا ما يحدث في بلوشستان في جنوب شرقي إيران، فالأمر نفسه يحدث للسنة من أصول تركمانية في الشمال؛ فقد هاجمت عناصر المخابرات الإيرانية منزل الشيخ آخوند ولي محمد ارزانش في منتصف أغسطس من العام الماضي، ولكنه أحس بالمؤامرة التي تحاك ضده ففر عبر الحدود لاجئا إلى تركمنستان، وبالمثل فقد تعرض الشيخ ولي محمد لهجوم من رجل مخابرات مسلح بسكين فأصابه بجروح خطيرة ثم تلقى تهديدات مشددة بالسكوت وإلا تعرض للتنكيل هو وأسرته.
ويؤكد الدكتور أبو منتصر أن هذا النظام الذي يحكم إيران لا يقبل بالتعامل إلا مع نفسه، وقد بحت أصواتنا ونحن نطالب أن نعامل معاملة الأقليات الأخرى في إيران التي يتم تكريمها وتوفير الرعاية لها رغم أننا نعد النسبة الثانية في إيران بعد الشيعة ونشكل ربع سكان البلاد على أقل تقدير، ورغم تمثيلنا القوي فإن في العاصمة الإيرانية طهران معابد لليهود والزرادشتيين، وكنائس للنصارى ولكنها لا تضم مسجدا سنيا واحدا، وبعج كل هذا يتحدثون عن السماحة والتقريب بين السنة والشيعة.
وما يتعرض له علماء الدين السنة يتعرض لمثله الطلاب والشباب من المسلمين السنة في المدارس، والجامعات، بل وأثناء أدائهم للخدمة مثل أقرانهم من الشيعة في الجيش الإيراني، ولأمثل لك بحادثتين فقط، ففي قبل نحو عام من الآن ألقي القبض على الشاب خدابخش صلاح زهي بن حسين في قرية من قرى مدينة ايرانشهر البلوشية، وبعد أسبوعين من تعذيبه بتهمة انتسابه لجماعة مجاهدي أهل السنة تم إعدامه في مدينة همدان، وبعد أن تسلم أهله جثته ظهر أثر التعذيب واضحا على جسده.
أما الشاب الثاني فهو أنور مباركي بن الشيخ عبد الحق وهو أيضا من إحدى قرى مدينة ايرانشهر في بلوشستان، وكان يؤدي الخدمة العسكرية في مدينة زاهدان، ووجه إليه رئيسه -الضابط - التهديد ثم فتح عليه الرشاش وأرداه قتيلا لأنه سني، وذلك في محاولة منهم لنشر الرعب بين مواطني السنة بين حين و آخر.
[IMG]صورة JPEG[/IMG]
تلغيم أراضي المسلمين
ولم يقف الأمر عند هذا الحد.. فآخر ما تفتق عنه ذهن الحكومة الإيرانية -كما يقول الدكتور أبو منتصر- هو قيامها بتلغيم مساحات كبيرة من الأراضي البلوشية المتاخمة لأفغانستان، وتحديدا عند مرتفعات سلسلة جبال بير سوران، ودره غلاب، وغابة غزو، وآبار آب شورك، بحجة أنها مناطق لتهريب المخدرات.
واتخذت الحكومة من ذلك فرصة لتشويه سمعة المسلمين، وفرض المزيد من القيود والتضييق الاقتصادي عليهم فقد كانت هذه الأراضي مناطق رعي للمسلمين من البدو السنيين، وأدى هذا التصرف إلى تعرض عشرات منهم ومن مواشيهم للموت بشكل منتظم نتيجة انفجار الألغام، والأمثلة والأسماء في هذا الصدد أكثر من أن تحصى، ويمكننا القول باطمئنان إنه قتل إلى الآن نحو 200 مواطن بلوشي سني في هذه القرى والمرتفعات والأرياف المحيطة بمناطق الألغام المزروعة وكان هؤلاء يعبرون هذه المنطقة لقضاء حاجياتهم اليومية بالسيارة أو الدراجة.
تحسن نسبي
على صعيد آخر يرى السيد قطب العربي المراقب للشئون الإيرانية في القاهرة أن السنة بالفعل يتعرضون لظلم واضطهاد لم يتوقف منذ أول أيام الثورة الإيرانية، ولكن هذا الاضطهاد بدأ في التراجع منذ بدايات عهد خاتمي، فالمسلمون السنة ممثلون في البرلمان بـ 14 نائبا، وقد شكل الرئيس خاتمي لجنة لمتابعة شئونهم مشكلة من رئيس شيعي واثنان من المسلمين السنيين، وهذا الرئيس هو ابن شقيقة الرئيس خاتمي، وكان مديرا للمخابرات قبل ذلك في أحد الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة، وهؤلاء يطالبون باستمرار بتحسين أحوال المسلمين ويسعى خاتمي لذلك في حدود قدراته -المقيدة- كرئيس للجمهورية.
وحسبما يرى قطب العربي فإن أوضاع المسلمين السنة مرشحة لمزيد من التحسن خلال السنوات القادمة وخاصة بعد أن أظهروا في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى الإيراني حضورا ملفتا في دعمهم للاتجاه الإصلاحي، حيث ظهرت لأول مرة قائمة من النواب الإصلاحيين قالوا إنها مدعومة من المسلمين السنة في البلاد، وكان ذلك بالتنسيق مع محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس وزعيم الاتجاه الإصلاحي في الانتخابات.
أسباب عرقية وسياسية
ولكن هذا كله لا ينفي أن السنة ما زالوا يتعرضون لمشاكل وقيود كبيرة -والحديث ما زال لقطب العربي- ولكن يبدو لي أن مشكلتهم شديدة التداخل، ومرجعها ليس المذهبية وحدها وإن كانت أكبر العوامل، فلا يمكن مثلا إغفال أن جزءا من المشكلة يعود لأسباب عرقية في دولة تلعب فيها العرقيات دورا كبيرا مثل إيران، فجميع المسلمين السنة في إيران ليسوا من أصول فارسية فهم إما أكراد أو بلوشستان أو تركمان، ويقيمون على أطراف الدولة التي تصل بينها وبين دول سنية هي على خلاف مع إيران مثل العراق أو أفغانستان، أو باكستان، وزاد من مشكلتهم البعد السياسي الذي تمثل في أنهم لم ينخرطوا في الثورة الإيرانية منذ بداية قيامها واكتفوا بدور المراقب في الوقت الذي شاركت فيه كل فئات الشعب في الثورة.
وكانت كل هذه الأسباب مجتمعة -حسب قول العربي- مبررا لإثارة الريبة تجاه المسلمين السنة، فهم في نظر النظام الإيراني ليسوا مجرد فصيل يختلف مذهبيا معه، ولكنهم عرق مشكوك في انتمائه إلى جسد الدولة الإيرانية، وكثيرا ما يتهمون بالقيام بعمليات التهريب أو الاتصال بالجهات المعادية، وهي لدى النظام الإيراني مبررات كافية للتنكيل بهم، وإن كان النظام أنكر مرارا أنه يقوم باضطهاد السنة أو تعذيبهم إلا أنه اضطر في العام الأخير وتحت ضغوط الصحافة إلى الاعتراف بأن عددا من رجال النظام قاموا بأعمال عنف ضد المسلمين السنة وغيرهم من المعارضين، ولكنهم قالوا إن ذلك لم يصدر بأوامر من القيادة أو من الولي الفقيه.
لا يتمتعون بحقوق الزرادشتيين
ويعدد العربي صورا من المعاناة التي يعيشها السنة في إيران فمناطقهم هي الأقل استفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة، ومساجدهم القليلة المتاحة تتعرض لرقابة صارمة، وملاحقات مستمرة، ولا يسمح لهم بإقامة مدراس، وفي الوقت الذي يوجد فيه معبد للزرادشتية تمارس فيه عبادة النار في قلب طهران فإن المسلمون السنة وحدهم هم الممنوعون من إقامة مسجد يؤدون فيه شعائرهم رغم أنه مطلب يلحون عليه منذ سنوات.
وقد شاهدت بعيني -والكلام له- أن المسلمين السنة لا يجدون مكانا يؤدون فيه صلاة الجمعة في طهران إلا مساجد السفارتين السعودية والباكستانية، ولكن النظام عند مواجهته بهذا المطلب يردد دائما أنه لا يسعى للتفرقة بين السنة والشيعة وأن أبواب المساجد الشيعية مفتوحة للمسلمين السنة لأداء الصلاة فيها، وهو أمر يعلمون بطبيعة الحال أنه ربما يكون مستحيل التنفيذ في ظل الخلاف العقائدي العنيف بين الطرفين.
وكذلك، يقول العربي، فليس من حق المسلمين السنة أن يقيموا مساجد تعلم أبناءهم الفقه السني، ولكن يسمح لهم فقط بإقامة فصول ملحقة بالمساجد، وبالمناسبة، فإن المساجد السنية لا بد أن يتولى الإشراف عليها مسلم شيعي يقوم بمراقبة كل الأنشطة التي تتم فيها والموافقة عليها.
الخلاف العقدي
وأخيرا فإننا نعود إلى الخلاف العقدي الذي لا يمكن إنكاره، فهناك حالة من التضاد التام بين المذهبين، وعوام الإيرانيين من السنة والشيعة يحملون فوق كواهلهم ميراثا من الخلافات والعداء التاريخي والمذهبي، وربا تجد إيرانيا أميا لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه يجيد حفظ ماذا قال علماء مذهبه في تفنيد المذهب الآخر، ويزيد من حالة المذهبية هذه أن النظام الإيراني لم يفعل إلا ما يؤدي إلى تدعيمها رغم ظهوره في السنوات الأخيرة بمظهر المتسامح، فإن أحد المزارات الرئيسية في إيران قبر أبو لؤلؤة المجوسي، ورغم أنه من عبدة النار إلا أنهم يحتفون به لمجرد أنه قاتل عمر، كما أن من عقائدهم سب الصحابة وتجريح كبرائهم، وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن أن يقبلها المسلمون السنة.
وعند هذه النقطة نعود إلى الدكتور أبو منتصر البلوشي الذي يحمل بشدة على علماء المسلمين السنة الذين يسعون إلى التقريب بين المذاهب -ومن بينهم الأزهر الشريف، والجهود التي يقوم بها الدكتور يوسف القرضاوي وجماعة الإخوان المسلمين وغير هؤلاء في البلاد الإسلامية المختلفة- يقول الدكتور البلوشي: قبل نحو عامين فوجئت ببيان وقع عليه عدد من الدكاترة من القيادات الإسلامية السنية من بينهم (القرضاوي والهلباوي والتكريتي والغنوشي) نددوا فيه باغتيال بعض مشايخ الشيعة في العراق، وقالوا إن الهدف من هذه الاغتيالات هو بث جذور الخلاف بين السنة و الشيعة!!
وتعجبت جدا لماذا لم نسمع تنديدات هؤلاء العلماء عندما تم -ولم يزل-تصفية عشرات من علماء السنة -الذين لا بواكي لهم- في إيران على يد ذك النظام الطائفي الحاقد، ولماذا لا يتم نشر أخبار الاعتداء علينا كما تنشر أخبار الاعتداء على الشيعة، ثم منذ متى كان النظام العراقي هو حامي حمى السنة حتى يتوهم هؤلاء أن القصد هو بث الخلاف وكيف تأكدوا من ذلك؟!
إنني أعتبر أن السكوت على مذابحنا والتنديد بمذابح الشيعة هو نوع من الازدواجية والنفاق الذي تعيشه بعض المؤسسات والعلماء للأسف الشديد في العالم الإسلامي، فهم يسكتون سكوتا مريبا على سياسة التصفية الجسدية التي تتبعها إيران مع علماء السنة وطلابها ومثقفيها ودارسيها، ويسكتون على قيامها بدعم الشيعة لبث الفرقة و الخلاف في كل مكان، حتى قال الخميني لشيعته في أفغانستان: تريثوا مع الروس فإن جهادكم يبدأ بعد خروجهم من أفغانستان! فهلا تحمس هؤلاء الغيورون مرة واحدة لإخوانهم السنة كغيرتهم على الشيعة!
ويواصل الدكتور البلوشي حديثه الغاضب قائلا: أليس هذا البيان -على سبيل المثال- تقربا باردا للطائفة وللنظام الطائفي في إيران قبل أن يكون تنديدا بالاغتيالات، ألم يأخذوا العبرة من كلام إمامهم الخميني لما تجرأ على وصفهم بأجراء بغير أجرة -ونعتذر من نقل بشاعة كلامه-فهلا اعتبر إخواننا من وقاحة كهذه ؟ وهلا أنصفوا إخوانهم السنة المستضعفين في وقت يمد فيه النظام الشيعي إليهم مخلبه الناشب.
مداهنة ونفاق بلا طائل!
ويحكي الدكتور البلوشي عن مثال آخر لمحاولات التقريب المستفزة، يقول: "في مطلع هذا العام فوجئت ببرنامج تبثه قناة أبو ظبي الفضائية يتحدث فيه عالم سني هو الدكتور أحمد الكبيسي، قام خلاله بالترحم على المرجع الشيعي محمد شمس الدين واعتبره من رجالات الإسلام وترحم عليه، ثم سأله سائل من فلسطين عن حكم سب الصحابة، ففوجئت بإجابة العالم المسلم السني، الذي ارتسمت على وجهه علامات الغضب ثم أجاب بإجابة تحمل تحيزا شديدا ضد ضد المسلمين السنة، ويتهمهم من طرف خفي بأنهم كانوا ينتقصون من آل البيت الكرام حقهم، فقد طلب من الشاب الإنصاف، وقال له: "إنكم لا ترون القذى في أعينكم وترون الأذى عند غيركم، ثم قال: نعم سب الصحابة فسق ولكن سب آل البيت كفر، وقد لعن آل البيت 130 عاما على المنابر وأني أروي من مسلم وابن قتيبة"(!).
وأضاف الشيخ: "نعم من سب من الشيعة الرافضة فهو فاسق ولكن الشيعة لا يسبون بل الرافضة هم الذين يسبون!!".
ويرد الدكتور ابو منتصر: رغم أنني لست هنا بصدد الخوض في القضايا العقدية أو التاريخية، فإنني أقول إن الشيخ الكبيسي -وربما كان حسن النية ويقصد دعوتهم إلى الله- إلا أنه أساء إلى الإسلام وتاريخ المسلمين السنة أيما إساءة، وقام بنفاق ومداهنة من لا يكافئه خيرا على ما فعل، فالثابت في عقيدة أهل السنة أنهم لا تقبل صلاتهم حتى يصلوا على آل البيت في التشهد، وهم مأمورون بحبهم، كما أنه لم يثبت أبدا صحة ما قاله أن آل البيت لعنوا على المنابر طيلة 130 عاما.
ويضيف قائلا: إذا كان بعض ملوك بني أمية قد سبوا آل البيت فإن هذا ليس حجة على الإسلام ولا على أهل السنة، فقد قتل بنو أمية عددا من الصحابة أيضاً، فلماذا يتحمل أهل السنة اثم انحرافات كانوا ضحيتها هم أيضا، وفي مقابل ذلك فكيف يتجاهل عالم مسلم أن هؤلاء الذين يريد التقرب منهم يرون أن سب السنة وعلى رأسهم جميع الصحابة هو أصل من أصول دين الشيعة وهو مذهب يقول به كل أئمتهم من الكليني إلى الخميني، وفي المساجد الإٍيرانية اليوم يُسب أهل السنة تحت اسم مخالفي ولاية الفقيه بعد جميع الصلوات لدى الطائفة في مساجدهم، وحتى في حوزاتهم لا يرقى الطالب إلى الصفوف العليا ولا يسمح له بالانتقال إليها إلا بعد سب الشيخين (أبو بكر وعمر).
ويقول الدكتور أبو منتصر: وأما ما يشير إليه الدكتور الكبيسي من أن سب آل البيت ثابت في صحيح مسلم فإنه يشير بذلك إلى حديث عامر بن سعد بن أي وقاص عن أبيه قال: "أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ (أي عليا كرم الله وجهه) فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم" الحديث..
وأكتفي هنا بأن أذكره بما قاله الإمام النووي وهو شارح صحيح مسلم وفيما أظن فإن النووي أعلم من الشيخ الكبيسي بمفهوم حديث صحيح مسلم، وقد قال النووي: "قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه ، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب ، كأنه يقول : هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك، فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ، ولعل سعد قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم ، وعجز عن الإنكار ، او أنكر عليهم فسأله هذا السؤال ، قالوا ويحتمل قوله تأويلا آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وانه أخطا."
الإقبال على التشيع
وأخيرا كما يرى الدكتور أبو منتصر البلوشي فإن الاتجاه نحو التقريب بين المذهبين كما يقوم به العلماء حاليا هو اتجاه خطير ومدمر بصورة تدفع إلى التفكير أن وراءه مخطط تآمري ضخم على العالم الإسلامي، ويترتب على السير في هذا الطريق عدد من النتائج الخطيرة: 1. سيدفع هذا التذويب للفوارق بين السنة والشيعة إلى خداع الغافلين من أبناء المسلمين السنة فيتأثرون بالأطروحات الشيعية التي لا يتنازلون عنها، فيظنون أن مذهب هؤلاء الشيعة هو مذهب آل البيت ومعتقداتهم الشركية ومبتدعاتهم المخالفة للدين هي حقاً من عقائد آل البيت، فيقع هؤلاء فيما يقع فيه الشيعة من المعتقدات الفاسدة كعبادة القبور والشركيات، والرذائل الخلقية كزواج المتعة والتقية وأكل المال الحرام باسم الخمس، وهو ما يعني أن هذا الاتجاه سيدفع المسلمين السنة إلى التشيع. 2. كما أن هذا الاتجاه لن يؤدي إلى تقارب بين السنة والشيعة كما يظنون، لأن حقيقة الشيعة في إيران -كما يعرفها من خالطوهم- هي أنهم لا يقبلون إلا بمن يقبل بولاية آل البيت، ويقول بإمامتهم وتقديمهم على الشيخين بالمعنى الشيعي لهذه المفاهيم. 3. سيزيد هذا السلوك المهادن والصمت على مخالفات الشيعة إلى مزيد من المذابح والظلم والاغتيالات التي يتعرض لها المسلمون السنة في إيران، فيما يواصل العالم الإسلامي صمته رغبة في التواصل السياسي مع إيران موظفين الدين لتحقيق هذا الغرض.