[ALIGN=CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم
التمسوا لهم ألف عذر[/ALIGN]
الأحد 22/ رمضان المبارك/1424هـ
الموافق لـ 16/11/2003م
كتب بعض الناقدين مؤخراً مقالات يعتبون فيها بشدة على فريق من علماء الشريعة الإسلامية ( علماء الدين) وخاصة في المملكة العربية السعودية لإعراضهم عن الأخذ بنتائج الحسابات الفلكية في تحديد غُرر الشهور عامة وغرة رمضان خاصة. خصوصاً وأننا في عصر ثورة المعلومات التكنولوجية وغزو الفضاء والسير على سطح القمر!
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو: ( كيف يمكن أن نفهم إعراض كبار علماء الشريعة والدين عن الاستفادة من العلوم الفلكية المتطورة مع أن الإسلام نفسه دين العلم الذي يجعل مِداد العلماء بمثابة دماء الشهداء؟؟ وهو الدين الذي جاء ليُخرج الناس من ظلمات الجهل إلى رحاب نور العلم كما أنه هو الذي نقل العربَ من حالة الأمية لتكون أمة في مقدمة أمم الأرض علماً وحضارةً خلال قرن واحد من الزمان تحمل مشعل الهداية والعلوم النظرية والتطبيقية في شتى المجالات ومنها علم الفلك والحساب والرياضيات حتى نبغ فيهم عباقرة أعلام خلدهم التاريخ وكانوا السبب الرئيسي لنهضة الغرب الحديثةِ والسبب في سقوط نظام العصور الوسطى وعصور التخلف والجاهلية والظلم والظلمات إلى غير رجعة.؟!! )
وللجواب على ذلك السؤال الكبير نقول : إن العداء المستحكم بين الفريقين ( علماء الدين من جهة وعلماء الفلك من جهة أخري ) له أسباب تاريخية وأسباب موضوعية.
فأما الأسباب التاريخية : فتعود إلى عصر الخلفاء العباسيين وسلاطينهم وأمرائهم الذين فتحوا- بسبب التسامح الديني في الإسلام وبسبب حبهم للعلم والعلماء - صدورهم ودواوينهم ومجالسهم لكل من هبَّ ودبَّ من العلماء من كل علم وفنّ ومن كل جنس ودين. وقرّبوهم إليهم سواء من الفلاسفة أو الأطباء أو المنجمين والفلكيين وأحلّوهم في الصدارة وجعلوهم من بطانتهم ومستشاريهم على حساب علماء الدين من الفقهاء والمفسرين والوعاظ والخطباء والمرشدين مما أثار التنافس بين الفريقين وأشعل نيران الحقد والحسد والكراهية المتبادلة وفتح باب الوشايات والتآمر والتجسس والوقيعة على مصراعيه. واستطاع الفريق الثاني الذي يمثل العلوم العصرية وقتئذ أن يتغلب على خصمه ويكسب المعركة لصالحه حين أوغر قلوب الحكام ضد رجال الدين بتهمة التخلف والرجعية فأبعدوهم عن مناصبهم وتسببوا في زج بعضهم في السجون وتعريضهم للتعذيب حتى الموت وفي فتنة بعضهم وإحراجهم أمام حكامهم وشعوبهم وساعدوا على نشر الأفكار المخالفة لعقيدة التوحيد ونالوا في مقابل ذلك الهدايا والعطايا وأسمى الرتب والدرجات حتى صاروا للحكام عينهم التي يرون بها ويدهم التي يبطشون بها ومستشاريهم في كل أمر من الأمور الشخصية والسياسية والعسكرية والدينية و0000 رغم اختلاف الجنس والدين إلى درجة أنه كانت لا تُعقد معاهدة دولية ولا ترفع راية للحرب أو السلام أو لا يعزل وزير أو يُنصب ولي للعهد أو يُستبدل بغيره إلا بمشورة وموافقة المنجم (الفلكي) المختص. وهاهي مدينة بغداد قد تمّ تخطيطها ووضع حجر الأساس في بنائها وتعيين الزمان والمكان لذلك بمعرفة مجموعة من الفلكيين المنجمين يمثلون مختلف الأديان السماوية وغيرها من يهود ومجوس ونصارى! حتى إقامة حفلات الأعراس وتنصيب القادة والولاة وغير ذلك لا يتم إلا بمشورة المنجمين المقربين من السلطان أو الخليفة . والتاريخ شاهد على ذلك .
كل ذلك وغيره كثير قد شكّل خلفية للعداء المتوارث المستحكم بين رجال الدين والفلكيين والفلاسفة الملحدين . الأمر الذي توارثته الأجيال بعد الأجيال على مدى التاريخ حتى يومنا هذا !!!
وأما من الناحية الموضوعية: فكان رجال الدين من الفقهاء وغيرهم يُكفّرون في مجالسهم وكتبهم وفتاواهم أولئك الفلكيين والمنجمين والحاسبين الذين يدعون علم الغيب ويخوضون في أمور تمّس جوهر عقيدة التوحيد ويعتبرونهم مشركين وينفرون من علومهم ومن كتبهم ويحّرمون سماع أقوالهم وحضور مجالسهم خصوصاً وأن التنجيم والسحر كان مختلطاً بعلم الفلك اختلاط الماء بالطحين. لدرجة أنهم كانوا يعتبرون كل فلكي منجماً أو ساحـراً وكل منجـم أو ساحر فلكيــا. والطريف في هذا الموضوع على سبيل المثال : أن المدعــو يعقوب بن إسحاق الكنــدي والملقب بفيلسـوف الإسلام زعم أن العالم سينتهي عام 693 للهجرة بناء على حساباته الفلكية ! ونحن الآن في عام 1424 للهجرة ! وفي عصرنا الحديث زعم أيضاً المدعو خليفة رشاد خليفة أن العالم سينتهي عام 1710 للهجرة ! وما أكثر المنجمين والمشعوذين قديماً وحديثاً !!! وهذا الرقم من أضعاف الـ 19 ( 19×90 ) ! فكيف يرضــون أن يتدخل الفلكيـون في تحديد مواقـيت أو مواعيد عباداتهم وخصوصــاً في مسائـل الحج والصوم؟
لقد كان التنجيم فعلاً سيد العلوم حتى القرن السادس عشر الميلادي ومازالت له سطوته حتى اليوم في الشرق والغرب . ورغم انفصال التنجيم عن علم الفلك الأكاديمي فإنه ما زال مستساغاً لدى كبار رؤساء الدول في الغرب وفي أمريكا، لمعرفة حظوظهم ومستقبل مشاريعهم في السلم والحرب. وأصبح للمنجمين في الدول الغربية دكاكين ومكاتب وعناوين وإعلانات في الصحف والمجلات ومواعيد للزيارات والمراسلات والاتصالات عبر الإنترنت وبكل الوسائل المتاحة. ومازالت لهم هناك شعبية قوية وسوق رائجة رغم التقدم العلمي الهائل!!!
ولقد وجدت بنفسي في أمريكا في عدد من ولاياتها أن المكتبات التجارية فيها زاخرة بكتب التنجيم وقراءة الكف والحظ والطالع والنجم!!! في حين أن كتب الفلك الأكاديمية نادرة جداً قياساً بكتب التنجيم والشعوذة !!!
كل ذلك كان سبباً في الفجوة القائمة بين علماء الدين والفلكيين وفي تمسك الطرف الأول بمبدأ الأخذ بالنص القائل بلزوم تحري الأهلة بالرؤية البصرية وتحديد بدايات الشهور بها وليس بالحسابات الفلكية. وفي المقابل فإن الفلكيين الأكاديميين يرفضون النصوص الشرعية ويسخرون منها ومن المعتمدين عليها ولا يقبلون بشهادة الشهود العدول مهما كثروا مادامت شهادتهم تخالف نتائج حساباتهم، ربما ظناً منهم أنهم لا يخطئون وأن الحسابات الفلكية في كل الأحوال يقينية وأن الشهادة الشرعية البصرية التي تخالفهم، في كل الأحوال خاطئة ومرفوضة جملة وتفصيلاً ! وهذا بصراحة وهمٌ كبير لأسباب منها :
( أولاً ) : أثبتت الأحداث عملياً أن الحسابات الفلكية كثيراً ما أخطأت وكانت متناقضة فيما بينها . وتلك بياناتهم المعلنة في الصحف في السنين المنصرمة شاهد عليهم. وهي كثيرة جداً يمكن البحث عنها والرجوع إليها.
( ثانياً ) لقد سبق لي شخصياً أن شرحتُ عدداً من الأخطاء الحسابية الأكاديمية في أصل حسابات الفلكيين . وبيّنتها في الصحف المحلية وغير المحلية ووسائل الإعلام والمحاضرات العديدة في أمريكا وكندا ودولة الإمارات ونشرتها في مقدمة كتابي ( تقويم القرن الخامس عشر الهجري ) ودعوت أهل الاختصاص للحوار والمناقشة وبيان تلك الأخطاء للعمل على اجتنابها فيكون ذلك سبباً في تطابق الحسابات الأكاديمية الفلكية مع واقع الرؤية البصرية الشرعية فينعدم الخلاف وينحسم الاختلاف بين المسلمين وينفتح الباب لتوحيدهم على تقويم هجري إسلامي علمي واحد وهو ما تتوق إليه الأمة في كل مكان . ولكن دون جدوى مع شديد الأسف!
وفيما يلي ملخص للأخطاء الحسابية الفلكية الأكاديمية التي اكتشفتها الحسابات اليقينية للتقويم الأبدي المقارن:
- ( الخطأ الأول) : يعتبر الفلكيون الأكاديميون حتى ساعة كتابة هذه السطور أن بداية العد في التاريخ الهجري تبدأ بيوم الجمعة الموافق لـ 16/7/622م أي بزيادة يوم عن الحقيقة والواقع. لأن الحسابات السليمة أثبتت أن الأول من المحرم من العام الأول للهجرة كانت يوم الخميس الموافق لـ15/7/622م ، كما في التقويم الأبدي المقارن. وانسحب اليوم الزائد شهراً من بعد شهر في تقويم الأكاديمية البحرية الملكية البريطانية من بدايته حتى نهاية التقويم على مدى عشرين قرناً قمرياً . ولذلك نجد نتائج حسابات الفلكيين كل عام تأتي بزيادة يوم عن الحقيقة والواقع !!! وهذا هو السبب في أن يوم 17 رمضان من العام الثاني للهجرة وهو يوم غزوة بدر جاء في التقويم الأكاديمي المشار إليه موافقاً ليوم الثلاثاء بدلاً من الاثنين، كما تناقلته الأجيال بعد الأجيال والمؤرخون على مدى التاريخ ! وهو السبب أيضاً في أن يوم وقفة عرفة ( 9 ذي الحجة) من السنة العاشرة للهجرة جاء أيضاً يوم السبت بدلاً من الجمعة، ويوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوم الثلاثاء بدلاً من الاثنين وهكذا 0000!!!
- ( الخطأ الثاني ) : جعْلُ الفلكيين الكبْس القمري دائماً في آخر ذي الحجة مع أن التقويم الأبدي المقارن أثبت أن الكبس القمري قد يكون في غير شهر ذي الحجة أيضاً كشهر شوال أو شهر شعبان أو شهر جمادى الآخرة. فإذا كانت السنة الهجرية كبيسة في غير ذي الحجة وجعلوا الكبْس في ذي الحجة جاء تقويمهم خاطئاً أيضاً!!! وما لم يلتزم الفلكيون الأكاديميون بتصحيح أخطائهم المشار إليها فلن تتطابق أبداً مع الرؤية الشرعية اليقينية ولن ينحسم الخلاف والاختلاف.
- ولن أنسى ذلك اليوم الذي أعلن فيه الفلكيون استحالة رؤية هلال رمضان في ليلة معينة كنت حددتها لرؤيته طبقاً للتقويم الأبدي المقارن منذ بضع سنوات. وتحداني أحد الفلكيين المقيمين في دولة الإمارات العربية زاعماً أنه مَن يدعي رؤية الهلال في الليلة المشار إليها فسيكون واهماً أو كاذباّ أو أنه من أحفاد زرقاء اليمامة التي ترى الشيء في عين ضوء الشمس !!! ولكن ظنه خاب وظهر خطأ الحساب حين أعلنت اللجنة المكلفة بتحري هلال رمضان على لسان وكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف رؤية هلال رمضان في الموعد الذي كنت حددته ونشرته الصحف المحلية وغير المحلية خلافاً للحسابات الفلكية الأكاديمية وذلك حين شهد بذلك عدد من الشهود في الدولة من رجال ونساء وتوارى ذلك الفلكي من الخجل!!!
- ولما سُئِلَ الفلكي الأكاديمي عن سبب تلك الفضيحة أجاب وليته ما أجاب: بأن الذين رأوا الهلال - على كثرتهم - إنما رأوا هلال آخر شعبان فظنوه هلال أول رمضان ! وأصّر على دقة الحساب الفلكي وتكذيب الشهود !!! ولكنه نسي أمرين بدهيين :
- أن هلال أول رمضان يطلع من جهة الغرب أما هلال آخر شعبان فيطلع من جهة الشرق !
- وأن هلال أول رمضان يُرى بعد غروب الشمس مساءً وأما هلال آخر شعبان فيُرى قبل شروق الشمس صباحاً !!! فهل توهم جميع الشهود فاختلط عليهم المساء بالصباح والشرق بالغرب؟ فشتان شتان ما بين مُشّرِقٍ ومُغّربٍ !!! ولكنه العناد يفعل الأعاجيب.
أفلا يستحق هذا منا أن نعترف بأن الفلكيين يخطئون أيضاً ؟ وأن الحسابات الفلكية الأكاديمية ليست دائماً على الصواب ؟؟؟ ثم ألا يستحق أصحاب الفضيلة علماء الشريعة ( الدين) أن يتشككوا في الحسابات الفلكية وأن يسحبوا ثقتهم من نتائجها وتأكيداتها؟؟
- إن كل فلكي تُخطئ حساباتهُ ولو مرةً واحدةً في العمر تُعتبر هذه الحسابات ظنية وليست يقينية فلا يجوز التسليم لها أو الاعتماد عليها. وأما الحساب اليقيني الذي يُعتمد عليه فهو الحساب الذي يستحيل أن يخطئ ولو مرة واحدة في العمر. وهو ما عليه التقويم الأبدي المقارن ولا فخر!!!
وهكذا فإن كل تقويم فلكي يخطئ ويصيب، إلا التقويم الأبدي المقارن المستمد من القرآن والسنة فإنه بعزة الله تعالى يصيب ويصيب ولا مجال بعزة الله تعالى إلا أن يصيب !!! وهذا هو التقويم السليم وحده الذي يمكن الاعتماد عليه لتوحيد المسلمين على كلمة سواء تأخذ بالعلم الحديث وبالنصوص الشرعية معاً لأنهما من مشكاة واحدة. ويومئذ يفرح المؤمنون !
وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول للإخوة الناقدين لأصحاب الفضيلة علماء الدين عامة وأعضاء مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية خاصة : بصراحة لا تستعجلوا والتمسوا لهم ألف عذر يرحمكم الله !
(عن الشيخ) محمد كاظم حبيب
23-11-03, 12:17 PM
العرض العادي
