[ALIGN=CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصيام
من الروض الربع للبهوتي
وهو شرح لزاد المستقنع للحجاوي
تتبعه تعليقات
[/ALIGN]
[ALIGN=JUSTIFY]الصيام لغه : مجرد الإمساك . يقال للساكت : صائم ؛ لإمساكه عن الكلام . ومنه ( إني نذرت للرحمن صوما ) وفي الشرع : إمساك بنية عن أشياء مخصوصة في زمن معين من شخص مخصوص .
وفرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة . قال ابن حجر في شرح الأربعين : ( في شعبان ) . انتهى . فصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع رمضانات إجماعاً .
[ يجب صوم رمضان برؤيه هلاله ] لقوله تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
والمستحب قول : شهر رمضان ؛ كما قال الله تعالى , ولا يكره قول : رمضان .
[ فإن لم ير ] الهلال [ مع صحو ليلة الثلاثين ] من شعبان [ أصبحوا مفطرين ] ، وكره الصوم ؛ لأنَّه يوم الشك المنهي عنه . [ وإن حال دونه ] أي دون هلال رمضان بأن كان في مطلعه ليلة الثلاثين من شعبان [ غيم أو قتر ] بالتحريك أي غبرة ، وكذا دخان [ فظاهر المذهب يجب صومه ] أي صوم يوم تلك الليلة ، حكما ظنيا ، احتياطيا ، بنية رمضان . قال في الإنصاف : ( وهو المذهب عند الأصحاب ونصروه ، وصنفوا فيه التصانيف ، وردوا حجج المخالف ، وقالوا : نصوص أحمد تدل عليه ) . انتهى . وهذا قول عمر وابنه ، وعمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وأنس ومعاوية ، وعائشة ، وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّما الشهر تسع وعشرون يوماً ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له ) . قال نافع : ( كان عبد الله بن عمر إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون يوما ، يبعث من ينظر له الهلال ، فإن رؤى فذاك ، وإن لم ير ، ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر ؛ أصبح مفطرا ، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما ) . ومعنى ( أقدروا له ) أي ضيقوا ، بأن يجعل شعبان تسعا وعشرين ؟، وقد فسره ابن عمر بفعله ، وهو راوية ، وأعلم بمعناه ، فيجب الرجوع إلى تفسيره . ويجزئ صوم ذلك اليوم ، إن ظهر منه ، وتصلى التراويح تلك الليلة . ويجب إمساكه على من لم يبيت نيته ، لا عتق أو طلاق معلق برمضان .
[ وإن رؤي ] الهلال [ نهارا ] ولو قبل الزوال [ فهو لليلة المقبلة ] كما لو رؤي آخر النهار . وروى البخاري في تأريخه مرفوعا : ( من أشراط الساعة ، أن يروا الهلال ، يقولون : هو ابن ليلتين ) .
[ وإذا رآه أهل بلد ] أي متى ثبتت رؤيته ببلد [ لزم الناس كلهم الصوم ] . لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ) وهو خطاب للأمة كافة . فإن رآه جماعة ببلد ، ثم سافروا لبلد بعيد ، فلم ير الهلال به في آخر الشهر أفطروا .
[ ويصام ] وجوبا [ برؤية عدل ] مكلف . ويكفي خبره بذلك ؛ لقول ابن عمر : ( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه ) . رواه أبو داود . [ ولو ] كان [ أنثى ] ، أو عبدا ، أو بدون لفظ الشهادة . ولا يختص بحاكم ، فيلزم الصوم من سمع عدلا يخبر برؤيته ، وتثبت بقية الأحكام . ولا يقبل في شوال وسائر الشهور إلا ذكران ، بلفظ الشهادة ، ولو صاموا ثمانية وعشرين يوما ، ثم رأوه ، قضوا يوما فقط . [ وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما فلم ير الهلال ] لم يفطروا ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( وإن شهد اثنان فصوموا وأفطروا ) ، [ أو صاموا لأجل غيم ] ثلاثين يوما ، ولم يروا الهلال [ لم يفطروا ] ؛ لأن الصوم إنما كان احتياطا ، والأصل بقاء رمضان . وعلم منه أنهم لو صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما ولم يروه أفطروا ، صحوا كان أو غيما ، لما تقدم . [ ومن رأى وحده هلال رمضان ، ورد قوله ] لزمه الصوم ، وجميع أحكام الشهر ، من طلاق وغيره ، معلق به ، لعلمه أنه من رمضان . [ أو رأى ] وحده [ هلال شوال صام ] ولم يفطر، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ) . رواه الترمذي وصححه . وإن اشتبهت الأشهر ، على ما نحو مأسور ، تحرى وصام وأجزأه إن لم يعلم أنه تقدمه ، ويقضي ما وافق عيدا أو أيام تشريق .
[ ويلزم الصوم ] في شهر رمضان [ لكل مسلم ] لا كافر ولو أسلم في أثنائه قضى الباقي فقط ، [ مكلف ] لا صغير ومجنون ، [ قادر ] لا مريض يعجز عنه للآية ، وعلى ولي صغير مطيق أمره به ، وضربه عليه ، ليعتاده . [ وإذا قامت البينة في أثناء النهار ] برؤية الهلال تلك الليلة ، [ وجب الإمساك ، والقضاء ] لذلك اليوم الذي أفطره [ على كل من صار في أثنائه أهلا لوجوبه ] أي وجوب الصوم ، وإن لم يكن حال الفطر من أهل وجوبه . [ وكذا حائض ونفساء طهرتا ] في أثناء النهار ، فيمسكان ويقضيان، [ و ] كذا [ مسافر قدم مفطرا ] يمسك ، ويقضي ، وكذا لو برئ مريض مفطراً ، أو بلغ صغير في أثنائه مفطراً ، أمسك وقضى ، فإن كانوا صائمين أجزأهم ، وإنْ علم مسافر أنه يقدم غداً ، لزمه الصوم ، لا صغير علم أنه يبلغ غداً ، لعدم تكليفه .
[ ومن أفطر لكبر ، أو مرض لا يرجى برؤه ، أطعم لكل يوم مسكيناُ ] ما يجزئ في كفارة : مُدُّ بُرٍ ، أو نصف صاع من غيره ، لقول ابن عباس - في قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) - : ( ليست بمنسوخة ،هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم ) . رواه البخاري . والمريض الذي لا يرجى برؤه ، في حكم الكبير . لكن إن كان الكبير ، أو المريض الذي لا يرجى برؤه مسافراً ، فلا فدية ، لفطره بعذر معتاد ولا قضاء ، لعجزه عنه . [ وسن ] الفطر [ لمريض يضره ] الصوم ، [ و لمسافر يقصر ] ، ولو بلا مشقة ، لقوله تعالى : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعده من أيام أخر ) . ويكره لهما الصوم . ويجوز وطء لمن به مرض ينتفع به فيه ، أو به شبق ، ولم تندفع شهوته بدون وطء ويخاف تشقق أنثييه . ولا كفارة ويقضي ، ما لم يتعذر لشبق ، فيطعم كالكبير . وإن سافر ليفطر حرما [ وإن نوى حاضر صوم يوم ، ثم سافر في أثنائه فله الفطر ] إذا فارق بيوت قريته ونحوها ، لظاهر الآية ، والأخبار الصحيحة ، والأفضل عدمه . [ وإن أفطرت حامل ، أو ] أفطرت [ مرضع ، خوفا على أنفسهما ] فقط ، أو مع الولد [ قضتاه ] أي قضتا الصوم [ فقط ] من غير فدية ، لأنهما بمنزلة المريض ، الخائف على نفسه ، [ و ] إن أفطرتا خوفا [ على ولديهما ] فقط [ قضتا ] عدد الأيام ، [ وأطعمتا ] أي وجب على من يمون الولد أن يطعم عنهما ، [ لكل يوم مسكينا ] ، مايجزئ في كفارة ، لقوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) ، قال ابن عباس : ( كانت رخصة للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام ، أن يفطرا ، ويطعما مكان كل يوم مسكينا ، والمرضع والحبلى ، إذا خافتا على أولادهما ، أفطرتا وأطعمتا ) . رواه أبو داود ، وروي عن ابن عمر . وتجزئ هذه الكفارة إلى مسكين واحد جملة . ومتى قبل رضيع ثدي غيرها وقُدِر أن يُستأجر له ، لم تفطر ، وظئر كأم . ويجب الفطر على من يحتاجه لإنقاذ معصوم من هلكة كغرق . وليس لمن أبيح له فطر رمضان ، صوم غيره فيه . [ ومن نوى الصوم ثم جُنَّ ، أو أغمي عليه ، جميع النهار ، ولم يفق جزءاً منه ، لم يصح صومه ] ، لأن الصوم الشرعي الإمساك مع النية ، فلا يضاف للمجنون ، ولا للمغمى عليه ، فإن أفاق جزءا من النهار ، صح الصوم ، سواء كان من أول النهار ، أو آخره . [ لا إن نام جميع النهار ] فلا يمنع صحة صومه ، لأن النوم عادة ، ولا يزول به الإحساس بالكلية . [ ويلزم المغمى عليه القضاء ] أي قضاء الصوم الواجب زمن الإغماء ، لأن مدته لا تطول غالباً ، فلم يزل به التكليف [ فقط ] بخلاف المجنون ، فلا قضاء عليه ، لزوال تكليفه .
[ ويجب تعيين النية ] بأن يعتقد أنه يصوم من رمضان ، أو قضائه ، أو نذر ، أو كفارة ، لقوله عليه السلام : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، [ من الليل ] ، لما روى الدار قطني بإسناده عن عمرة ، عن عائشة مرفوعاً : ( من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر ، فلا صيام له ) ، وقال : ( إسناده كلهم ثقات ) ، ولا فرق بين أول الليل ، ووسطه ، وآخره ، ولو أتى بعدها ليلا بمناف للصوم ، من نحو أكل ووطء ، [ لصوم كل يوم واجب ] ، لأن كل يوم عبادة مفردة ، لا يفسد صومه بفساد صوم غيره ، [ لا نية الفريضة ] ، أي لا يشترط أن ينوي كون الصيام فرضا ، لأن التعيين يجزئ عنه ، ومن قال : أنا صائم غداً إن شاء الله . مترددا ، فسدت نيته ، لا متبركا ، كما لا يفسد إيمانه بقوله : أنا مؤمن إن شاء غير متردد في الحال ، ويكفي في النيه الأكل والشرب بنية الصوم ، [ ويصح ] صوم [ النفل من النهار ، قبل الزوال و بعده ] ، لقول معاذ ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وحديث عائشة : ( دخل علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، فقال : هل عندكم من شيء ؟ فقلنا : لا . قال : فإني إذاً صائم ) . رواه الجماعة إلا البخاري . وأمر بصوم عاشوراء في أثنائه ، ويحكم بالصوم الشرعي ، المثاب عليه ، من وقتها . [ ولو نوى : إن كان غدا من رمضان فهو فرضي ] ؛ لعدم جزمه بالنية ، وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان ، وقال : وإلا فأنا مفطر . فبان من رمضان ، أجزأه ؛ لأنه بني على أصل ، لم يثبت زواله . [ ومن نوى الإفطار أفطر ] أي صار كمن لم ينو ، لقطعه النية . وليس كمن أكل ، أو شرب ، فيصح أن ينويه نفلا بغير رمضان ، ومن قطع نية نذر ، أو كفارة ، ثم نواه نفلا أو قلب نيتهما إلى العربي صح ؛ كما لو انتقل من فرض صلاة إلى نفلها .[/ALIGN]
[ALIGN=LEFT]يتبع ...[/ALIGN]