استدلال الشيعة بقوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين) على عصمة الأنبياء هو خطأ علمي فادح

[عبد الملك الشافعي]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فلا يزال الشيعة يوردون العديد من الأدلة العقلية والنقلية على وجوب عصمة الأنبياء من مطلق الذنوب قبل النبوة وبعدها ، وكان من بين الأدلة التي اعتمدوها في ذلك هو قوله تعالى ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )(البقرة:124) ، على أن الظلم في الآية هو مطلق المعاصي كبيرها وصغيرها فلن ينال عهد النبوة إلا من كان معصوماً من مطلق الذنوب ..

وحتى يتبين حقيقة الخطأ العلمي الفادح الذي وقع فيه علماء الإمامية بهذا الاستدلال سأستعرض الأمر بعدة مطالب وكما يلي:

المطلب الأول:عرض استدلال علماء الإمامية بتلك الآية

1- يقول المحقق الحلي في كتابه ( المسلك في أصول الدين )( ص 303-304 ):[ وإذا عرفت أن الأنبياء نصبوا لإرشاد الخلق ، وجب أن يكونوا معصومين من الذنوب كبيرها وصغيرها لأنهم قدوة الخلق ، فلو جاز وقوع الخطأ منهم لحمل ذلك على اتباعهم فيه . ويدل على ذلك من القرآن قوله تعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) ] ، وقال أيضاً في نفس الكتاب ( ص 155 ):[ وأما قبل النبوة فهو معصوم عن تعمد المعصية صغيرة كانت أو كبيرة ، ويدل عليه من القرآن قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين )].

2- يقول علامتهم الفيض الكاشاني في كتابه ( الوافي )( 6 / 590 ):[ وفي الآية دلالة على وجوب عصمة الأنبياء قبل البعثة ].

3- يقول علامتهم محمد باقر المجلسي في كتابه ( بحار الأنوار )( 11 / 96 ):[ الحادي عشر : النبي لو كان عاصياً " لكان من الظالمين ، وقد قال الله تعالى : " لا ينال عهدي الظالمين " ].

4- يقول شيخهم المحقق مرتضى الأنصاري في كتابه ( مطارح الأنظار )( ص 195 ):[ ومن هذا القبيل التمسك بعموم لا ينال عهدي الظالمين لعصمة النبي صلى الله عليه وآله ].

5- يقول علامتهم محسن الأمين في كتابه ( أعيان الشيعة )( 1 / 51 ):[ وكما يجب في النبي أن يكون معصوما ليقبل قوله ولا يسقط من القلوب محله كذلك يجب في الامام أن يكون معصوما للعلة نفسها ، ولقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين . والخلافة عهد من الله والعاصي ظالم لنفسه فلا ينالها ].

6- يقول آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي في كتابه ( الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية )( ص 55-56 ):[ عندنا أدلة قاطعة على عصمة الأنبياء ، ومن قرأ الأُصول حق قراءتها يعرف تمامية ما نقول ، فقد ذكر في مبحث المشتق بحث حول هذه الآية ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) وأنّها حجّة قاطعة على ذلك وهي ناظرة إلى هذا المورد ].

7- يقول آيتهم العظمى محمد سعيد الحكيم في كتابه ( أصول العقيدة )( ص 200 ):[ الدليل النقلي على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم:أما الأدلة النقلية فهي كثيرة ويكفينا منها قوله تعالى: ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ].

8- يقول علامتهم مصطفى الخميني في كتابه ( تفسير القرآن الكريم )( 5 / 458 ):[ وقد قال الله تعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) ، ومقتضى الإطلاق أنه لو كان ظالما في عصر أو مصر ، ماض أو مستقبل أو حال ، أو في آن ، فهو خارج عن تحمل عهد النبوة والخلافة والرسالة ].

9- يقول شيخهم محمد جواد مغنية في كتابه ( التفسير الكاشف )( 1 / 198 ):[ وأيضا استدل الشيعة الإمامية بقوله تعالى : " لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " على وجوب العصمة للنبي والوصي ].

المطلب الثاني:بيان الخطأ الذي وقعوا فيه بذلك الاستدلال

لقد أكثر الشيعة من الاستدلال بآية إمامة إبراهيم وهي قوله تعالى ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )(البقرة:124).

وكان أساس بنيانهم قائماً على أن هذه الإمامة التي منحها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام هي:
1- منصبٌ إلهي غير النبوة والرسالة لأنه ناله بعد أن كان نبياً ورسولاً.
2- منصبٌ إلهي أعلى وأعظم وأفضل وأخطر من منصبي النبوة والرسالة.
ولا يحتاج أن أسرد أقوالهم التي تثبت هذين الأمرين فهي منتشرة متفرقة سواء في مؤلفاتي أو مقالاتي ومعروفة لدى الشيعة وأهل السنة.

ولكن الذي يهمني في الموضوع هو أنَّ الآية - بعد التسليم الجدلي لما قرروه فيها - تشترط العصمة من الظلم في منصب الإمامة الذي هو أعلى وأفضل وأسمى وأخطر وأهم من منصبي النبوة والرسالة !!!

ومعلوم قطعاً أن ما كان شرطاً في المنصب الأعلى والأهم والأخطر لا يستلزم اشتراطه في المنصب الأدنى ..
وللتوضيح أقول:
إن الذي يُدَرِّس في الجامعة يُشترط فيه الماجستير أو الدكتوراه كما هو معلوم ، ولكن الوظيفة الأدنى وهي المُدَرِّس في الثانوي يُشترط فيه البكالوريوس فقط ، فلا يمكن لشخص يحترم عقله أن يقول بما أن شرط التدريس بالجامعة هو الماجستير والدكتوراه فهي شرطٌ فيمن يدرس بالثانوي !
وهكذا سيشطط في الاستدلال مَنْ يشترط في الوزير ( المنصب الأدنى ) نفس الشروط الحساسة والمُشَدَّدة المطلوبة في رئيس الدولة وهو المنصب الأعلى والأهم والأخطر !
وهذا بعينه وقع في موضوعنا ، فلا يمكن تنزيل شرط العصمة من الظلم في المنصب الأعلى وهو الإمامة على المنصب الأدنى وهو النبوة ، إلا أن يقولوا إن الله تعالى قد قصد بإمامة إبراهيم في الآية هي النبوة أو الرسالة وعندها ستنهدم كل الصروح التي بنوها !!!

فهم بين خيارين أحلاهما مرٌّ:

الخيار الأول:

أن يعترفوا ببطلان استدلال علمائهم على عصمة الأنبياء بهذه الآية التي تتكلم عن العصمة في منصب الإمامة وليس النبوة !
وهذا هو الخيار الأخفّ وقعاً على الإمامية.

الخيار الثاني:

أن يعترفوا بصحة استدلال علمائهم باستنباط اشتراط العصمة في النبي من الآية ، فيلزمهم حينها الاعتراف بأن الآية تتحدث عن منصب النبوة وليس منصب مغاير له أهم وأعلى وأفضل اسمه الإمامة !
وهذا ما لا يطيقه الإمامية بعد أن سودوا في إثباته آلاف الصفحات ومئات المباحث.

[شهد الشام]

جزاكم الله خيرا