المرشد حاكم غير مسؤول والرئيس مسؤول من دون صلاحيات
26/8/2000
آثارت التطورات الأخيرة في إيران تساؤلات حول دور رئيس الجمهورية ومجلس الشورى في الخارطة السياسية وقدرتهما على إنجاز البرامج الإصلاحية، ونوعية علاقتهما بمرشد الثورة علي خامنئي.
خصوصاً بعدما طلب خامنئي من مجلس الشورى سحب مشروع قانون يتعلق بالصحافة قدّمه النواب الإصلاحيون الذين ثارت ثائرتهم واشتبكوا بالأيدي مع نواب محافظين. فكيف يستطيع المرشد منع مجلس الشورى المنتخب من ممارسة دوره في التشريع؟ يتألف النظام الجمهوري الإسلامي الإيراني من أربعة أركان هي:
1ـ ولاية الفقيه الممثلة بمرشد الجمهورية، أو الإمام الذي يفترض أن يكون واحداً من مراجع التقليد (المجتهدين) في الفقه الشيعي.
2ـ رئاسة الجمهورية.
3ـ مجلس الشورى الإسلامي.
4ـ القضاء.
وكان النظام الإيراني يضم قبل التعديل الدستوري الذي جرى بعيد وفاة الإمام الخميني عام 1989 ركناً خامساً هو رئاسة الوزراء، الذي حُلّ وأدمج مهماته التنفيذية في رئاسة الجمهورية.
وقد وُلد هذا النظام كما هو معروف، من التزواج بين الأصالة والحداثة، بين الفكر السياسي الإسلامي الموروث والديموقراطية الغربية، كحل وسط بين تيار إسلامي يطالب بإقامة دولة إسلامية يحكمها مرجع تقليدي (مجتهد) ويعاونه مستشارون ومساعدون تنفيذيون، وتيار ديموقراطي حديث يطالب بإقامة جمهورية إسلامية يحكمها رئيس جمهورية منتخب ومجلس برلمان منتخب أيضاً من الشعب، ولايُمانع بإعطاء مراجع الدين دوراً توجيهياً روحياً مشرفاً ومحافظاً على الطابع الإسلامي للدولة.
وبما أن أياً من التيارين لم يكن باستطاعته حسم المعركة لمصلحته في بداية تأسيس النظام قبل واحد وعشرين عاماً، فقد تم التوصل إلى صيغة توفيقية في مجلس الخبراء التأسيسي الأول وتم الدمج بين المشروعين، أو بالأحرى المصادقة على شرعية كل من النظام الإسلامي والنظام الديموقراطي جنباً إلى جنب، حيث تمت إقامة سلطة عليا باسم ولاية الفقيه، لها صلاحية قيادة القوات المسلحة والإشراف على القضاء والمصادقة على انتخاب رئيس الجمهورية، وإقامة سلطة تنفيذية عبر انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب وسلطة تشريعية تتمثل في مجلس شورى مستقل ومنتخب من الشعب أيضاً.
وعلى رغم أن النظام الإسلامي جعل ((الولي الفقيه)) أعلى مرتبة من رئيس الجمهورية وأعطاه قيادة القوات المسلحة، إلا أنه حرمه من الإشراف أو التدخل في شؤون السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ماكان يخالف نظرية ولاية الفقيه في تطويرها الأخير على يد الإمام الخميني. ولذلك بدأ قبوله للدستور الإيراني أقرب إلى القبول التكتيكي منه إلى القبول التام الثابت المنسجم مع العقيدة والطموح، وهو مافتح الباب أمامه بعد ذلك لفرض معدلات دستورية واقعية أخرى. حيث فرض بقوته المعنوية الهائلة هيمنته على مجلس الشورى وأجبره على تنفيذ إرادته في قضايا عدة منها قضية الحرب مع العراق وانتخاب رئيس الوزراء السابق حسين موسوي.
وعندما حاول رئيس الجمهورية الأول أبو الحسن بني صدر أن يمارس استقلاليته وجد نفسه سريعاً خارج السلطة وخارج الوطن ليخلفه محمد علي رجائي الذي أعلن أنه ليس سوى ((مقلّد)) تابع للإمام الخميني، ثم جاء من بعده السيد علي خامنئي الذي رضي برئاسة الجمهورية كمنصب شرفي في ظل قيادة الإمام الخميني وحكومة رئيس الوزراء المعين من قبل الإمام أيضاً، وتخلى خامنئي عن حقه الدستوري في تعين رئيس الوزراء كما تخلى مجلس الشورى عن حقه في رفض رئيس الوزراء أو مناقشته له القضايا المهمة.
مجلة الوسط العدد 446