قول سيدنا الإمام/ أبو بكر الصديق صلوات الله وسلامه عليه:
«أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ»
دليل تواضعه، وزهده، واستصغاره لنفسه، وهذا هو مقام أولياء الرحمن الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
قال الامام ابن كثير:
خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وما فيها من الحوادث.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ وَكَانَ الغد جلس أبو بكر فَقَامَ عُمَرُ فتكلَّم قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهِ وأثنى عليه لما هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي قَدْ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ وما وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَهُ إليَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم سيدبِّر أَمْرَنَا، يَقُولُ: يَكُونُ آخِرَنَا، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمُ اللَّهُ لِمَا كَانَ هداه الله لَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، فَبَايَعَ النَّاس أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ بَعْدَ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ.
ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، والضَّعيف فيكم (قَوِيٌّ) عندي حتى أرجِّع عَلَيْهِ حقَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضعيف عندي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدْعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلا خذلهم اللَّهُ بالذُّل، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا عمَّهم اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ
وَقَدِ اتَّفق الصَّحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى بَيْعَةِ الصِّديق فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ والزُّبير بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنهما، والدَّليل عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ حَيْثُ قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَافِظُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَا: ثنا بندار بن يسار، ثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا داود بن أبي هند، ثنا أبو نصرة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَاجْتَمَعَ النَّاس فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ: فَقَامَ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أتعلمون أنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَنَحْنُ أَنْصَارُ خَلِيفَتِهِ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَهُ، قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ قَائِلُكُمْ ولو قلتم غير هذا لم نبايعكم فأخد بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ، فبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار،
وقال: فَصَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ القوم فلم ير الزبير، قال: فدعا الزُّبير فَجَاءَ قَالَ: قُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ،
قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَامَ فَبَايَعَهُ،
ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب قال: قُلْتُ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ عَلَى ابْنَتِهِ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ،
قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَبَايَعَهُ، هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: جَاءَنِي مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَتَبْتُهُ لَهُ فِي رُقْعَةٍ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ،
فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ يُسَاوِي بَدَنَةً،
فَقُلْتُ: يَسْوَى بَدَنَةً، بَلْ هَذَا يَسْوَى بَدْرَةً
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الثِّقة عَنْ وُهَيْبٍ مُخْتَصَرًا، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ وُهَيْبٍ مُطَوَّلًا كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
(البداية والنهاية ط إحياء التراث - ج6 ص332)
وهذا الكلام المنقول عن سيدنا الإمام/ أبو بكر الصديق – صلوات الله وسلامه عليه، فيه مدح كبير له رضي الله عنه وأرضاه، ويدل على تواضعه، وزهده، واستصغاره لنفسه، وهذا هو مقام الاولياء، وبمثل هذه النفسية الطيبة، والتواضع الجم نال ما ناله خليفة المسلمين سيدنا الإمام/ أبو بكر الصديق رضي الله عنه من الفضل والمكانة العظيمة
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، والضَّعيف فيكم (قَوِيٌّ) عندي حتى أرجِّع عَلَيْهِ حقَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضعيف عندي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدْعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلا خذلهم اللَّهُ بالذُّل، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا عمَّهم اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ))
فيا لها من كلمات جامعة حوت الصراحة والعدل، مع التواضع والفضل، والحث على الجهاد لنصرة الدين، وإعلاء شأن المسلمين.
قال الإمام/ ابو نعيم الاصبهاني – رضى الله عنه:
فَإِن عَارض بقول أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ:"وليتكُمْ وَلست بِخَيْرِكُمْ ".
قيل لَهُ: إِنَّمَا حمله على هَذَا الْكَلَام التَّوَاضُع والإزراء على نَفسه وَإِزَالَة الْعجب عَنْهَا، وَلَيْسَ مِنْهُم أحد إِلَّا وَقد قَالَ مثله وَأعظم مِنْهُ فِي حَال الإزراء على النَّفس وَالْخَوْف عَلَيْهَا، وَذَلِكَ سجية أهل الْخَوْف والتقى لَا يركنون إِلَى شَيْء من أَعْمَالهم وأحوالهم، بل يلزمون أنفسهم الذلة والتواضع.
وَمثل ذَلِك قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا تخيروني على الْأَنْبِيَاء وَلَا يَقُولَن أحدكُم أَنا خير من يُونُس بن مَتى»
وَكَقَوْلِه:
«رحم الله أخي يُوسُف لَو لَبِثت فِي السجْن ثمَّ جَاءَنِي الدَّاعِي لَأَسْرَعت»
وَكَقَوْلِه:
«نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم»
كل ذَلِك إِنَّمَا قَالَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقتدي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يرفعون من أنفسهم بل يلزمون التَّوَاضُع والإزراء.
(الإمامة والرد على الرافضة (ص: 268).
والتواضع لله تعالى يرفع درجة العبد عند الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي الوارد عند الإمام/ أحمد – ؤضى الله عنه، في المسند:
9008 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:
«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»
(حديث صحيح، وهذا سند حسن، عبد الرحمن بن إبراهيم القاص المدني وإن كان مختلفاً فيه، قد تابعه عليه غير واحد، انظر (حديث 7206).
مسند الإمام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج14 ص552،- تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد حسن).
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وعلى أزواجه وذريته، وغيره من الصحابة التفضيل لأبي بكر الصديق، على غيره من الصحابة الكرام – رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين ولعن من سابهم أو انتقصهم.
الحديث المتفق عليه: « أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ»،- قَالَ: «أَبُوهَا»
فهو في أعلى درجات الصحة بدين المسلمين أعلى الله مقامهم:
صحيح الإمام/ البخاري – رضى الله عنه، ج5 ص166.
كِتَابُ المَغَازِي: بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ
4358 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ العَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ
فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ: «عَائِشَةُ» قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟
قَالَ: «أَبُوهَا»
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «عُمَرُ» فَعَدَّ رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ
(ورواه الإمام/ مسلم، في: 44 - كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: 1 - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،- ج4 ص1856).
وهذا الحديث أبلغ المقال في التصريح والدلالة على عظيم فضائل واختصاص أم المؤمنين السيدة/ عائشة، والشيخين سيدنا/ أبا بكر الصديق، وسيدنا/ عمر الفاروق – رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
والتصريح بأفضلية الشيخين على جميع الصحابة رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
وأيضاً الحديث المتفق عليه: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا»
صحيح البخاري: كِتَابُ المَنَاقِبِ: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا»
3656 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي»
(أخرجه الإمام/ مسلم في صحيحه، 44 - كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ 1 - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، برقم: 3(2383).
وأيضاً روى سيدنا الإمام/ البخاري في صحيحه:
كِتَابُ المَنَاقِبِ: بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو القُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
3697 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ المَاجِشُونُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
«كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ» تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ
الرابط:
إجماع الأمة على أفضلية سيدنا/ أبو بكر الصديق، على سائر الصحابة رضى الله عنهم
وفي شأن تأخر علي والزبير عن مبايعة الصديق وردت أخبار عِدَّة، وجُلّ هذه الأخبار ليسـت صــحيحة.
وقد جاءت روايات صـحيحة السند تفيد بأن علياًّ والزبير – رضى الله عنها، بايعا الصديق – رضى الله عنه، في أول الأمر.
فعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، قال:
" لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ، يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَّا، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ وَالْآخَرُ مِنَّا، قَالَ: فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: «جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ» ثُمَّ قَالَ:
«أَمَا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ» ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ، فَبَايَعُوهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا
فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصًا الْمُسْلِمِينَ؟
فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَهُ
ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ
فَقَالَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَوَارِيُّهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ
فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَاهُ.
(صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضى الله عنهم، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب قتال أهل البغي، باب الأئمة من قريش (16315)، وصححه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
ومما يدل على أهمية هذا الحديث الصحيح المروي عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، أن الإمام/ مسلم بن الحجاج، صاجب الجامع الصحيح، الذي هو أصح كتب الحديث بعد صحيح البخاري، ذهب إلى الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة، صحاب صحيح ابن خزيمة، فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه.
فقال: مسلم لشيخه ابن خزيمة، هذا الحديث يساوي بَدَنَة.
فقال له ابن خزيمة:
هذا الحديث لا يساوي بدنة فقط، إنه يساوي بَدْرَة مال.
(البَدَنَة: الناقة أو البقرة تُنحَر بمكة، ولعِظَمها وضخامتها سُمِّيت بدنة)، (البَدْرَة: الكيس الذي في ألف أو عشرة آلاف دينار، والمعنى: أنه كنز ثمين).
وعلّق على هذا الحديث ابن كثير، فقال:
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بن نطعة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ.
وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ مُبَايَعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، إِمَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي مِنَ الْوَفَاةِ.
وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُفَارِقِ الصِّدِّيقَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُ.
(السيرة النبوية، ابن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د.ت، ج4 ص495).
وفي رواية حبيب بن أبي ثابت، حيث قال:
كان علي في بيته إذ أتي فقيل له قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء، عجلاً كراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه، ثم جلس إليه، وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلله ولزم مجلسه.
وقد سأل عمرو بن حريث، سعيد بن زيد أشهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم قال فمتى بويع أبو بكر قال يوم مات رسول الله صلى الله عليه و سلم كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة.
قال فخالف عليه أحد قال لا إلا مرتد أو من قد كاد أن يرتد لولا أن الله عز و جل ينقذهم من الأنصار قال فهل قعد أحد من المهاجرين قال لا تتابع المهاجرون على بيعته.
(أخرجه ابن جرير الطبري (المسلم) في كتابه: تاريخ الرسل والملوك، ج2 ص447).
وكان مما قاله علي رضى الله عنه، لابن الكواء وقيس بن عباد – حينما قدما البصرة وسألاه عن مسيره:
لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما ولو لم أجد إلا بُردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يُقتل قتلاً ولم يمت فجأة، بل مكث في مرضه أياماً وليالي يأتيه المؤذن فيؤذِنُه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلى بالناس، وهو يرى مكاني.
ولقد أرادت امرأة من نسائه صلى الله عليه وسلم، أن تَصْرِفه عن أبي بكر، فأبى وغضب، وقال:
«إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ»
(أخرجه البخاري في صحيحه، كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِي العِلْمِ، وَالغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالبِدَعِ (7303)، ومسلم في صحيحه، 4 - كِتَابُ الصَّلَاةِ: 21- بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ، (94- 418).
فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا، من رضيه النبي (صلى الله عليه وسلم) لديننا، فكانت الصلاة أصل الإسلام وقوام الدين، وهو أمين الدين فبايعنا أبا بكر فكان لذلك أهلاً.
- لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة.
- فأديت إلى أبي بكر حقه
- وعرفت له طاعته
- وغزوت معه في جنوده
- وكنت آخذ إذا أعطاني
- وأغزو إذا أغزاني
- وأضرب بين يديه الحدود بسوطي
(أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ج42 ص4442).
وكان مما قال علي، في خطبته على منبر الكوفة، في ثنائه على أبي بكر – رضى الله عنهما:
فأعطى المسلمون البيعة طائعين، فكنتُ أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب.
وجاءت روايات أشارت إلى مبايعة علي لأبي بكر الصديق رضى الله عنهما، في أول الأمر وإن لم تصرح بذلك، فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أنه قال:
إن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم وقال:
«والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط، ولا كنت فيها راغبًا، ولا سألتها الله عز وجل في سر ولا علانية، ولكنى أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولابد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم»، فقبل المهاجرون منه ما قال، وما اعتذر به.
قال على والزبير – رضى الله عنهما:
«ما غضبنا إلا لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وأنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه، وكبره، ولقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة بالناس وهو حي»
وعن قيس العبدي قال:
«شهدت خطبة على يوم البصرة قال: فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عالج من الناس، ثم قبضه الله عز وجل إليه، ثم رأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر- رضي الله عنه - فبايعوا وعاهدوا وسلموا، وبايعت وعاهدت وسلمت، ورضوا ورضيت، وفعل من الخير وجاهد حتى قبضه الله عز وجل، رحمة الله عليه»
إن عليًا لم يفارق الصديق – رضى الله عنهما، في وقت من الأوقات ولم ينقطع عنه في جماعة من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين. ويرى ابن كثير ومجموعة من أهل العلم أن عليًا جدد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة الأولى أي بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة(1). ولكن لما وقعت البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليًا لم يبايع قبلها، فنفى ذلك والمثبت مقدم على النافي، فمن عَلِم حُجّةٌ على من لم يعلم كما يقولون.
(علي بن أبي طالب، د/ علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص145 : 147 بتصرف، ولمزيد من التفصيل ينظر:
موقف الشيعة الأثنى عشرية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، د/ عبد القادر بن محمد عطا صوفي، ج2 ص1094).
وقد سبق أن بيّنا أن خلافة عمر تمَّت بإجماع أغلب أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى أزواجه وذريته، حيث تلقوا عهد أبي بكر بالخلافة لعمر بالقبول والتسليم، ولم يعارض في ذلك أحد، بل يُذْكَر أن علياً كان ضمن من استشارهم الصديق فيمن يتولى الخلافةَ بعده، وكان رأي علي أن يتولَّى الخلافة بعد الصديق الفاروق – رضى الله عن الجميع.
(علي بن أبي طالب، د/ علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص166).