خاص/ مدونة سنة العراق
بقلم/آملة البغدادية
في خطوة صادمة هزت العالم، بدأت روسيا أولى ضرباتها الجوية في سوريا لضرب داعش ، فقد أعلن الناطق بأسم الرئاسة الروسية بأن الضربات الجوية جاءت بناءاً على طلب الحكومة السورية . هذا بعد العون الروسي للسفاح بشار الأسد بشتى الأسلحة مع الدعم الدبلوماسي في جميع المحادثات الدولية حول الشأن السوري ولمدى أربع أعوام ، وكلها باءت بالفشل ، حيث لم يتم التخلص من تنظيم الدولة وتمدده الذي بات يهدد العاصمة دمشق . يسبق هذا التدخل إعلان الحكومة في العراق عن تجمع رباعي في غرفة عمليات داخل العاصمة بغداد، تضم روسيا وإيران وسوريا والعراق ضد داعش ، ومما أقلق البيت الأبيض حيث ظهرت تصريحات تعترض على هذا التجمع ، مع أخرى مبهمة تتحدث عن محادثات بين أمريكا وروسيا لمنع التصادم الجوي بينهما ، ولعلها ردة فعل كبيرة تنم عن الخوف الأمريكي من تبعات التدخل الجوي، وربما البري في المنطقة التي اعتبرها البيت الأبيض ضمن الحصة الأمريكية .
اسئلة مهمة تفرض نفسها
هل يعتبر إنهاء وجود داعش هو الهدف في التدخل الروسي المباشر في سوريا ؟
هل نقول أن روسيا غبية بخوض تجربة مشابهة لتجربتها في أفغانستان ؟
هل تسمح امريكا بالتدخل الروسي المباشر أم تبدأ الحرب الباردة ثم الساخنة؟
هل تسقط ثمار التدخل في سلة إيران مرة أخرى ؟
ثم السؤال الأهم : أين الحكام العرب من هذا ؟
للجواب عن هذا لا بد من التحدث عن إمكانات روسيا العسكرية ، فقد تم نشر عدة توثيقات في اليوتيوب عن الأسلحة المتطورة الروسية ، منها ما يؤكد تفوقه على الأسلحة الأمريكية، مثل السلاح الباليستي المسمى ( النظام الصاروخي الروسي "Club – k" ) ، حيث له القدرة على ضرب الطائرات والبواخر الحربية عبر القارات ، هذا عدا التقنية الليزرية التي تعمل روسيا على تطويرها وجعلها في حيز الاستعمال قريباً . من هنا يبرز الخوف الأمريكي من تصارع القوى التي دأب البلدين على تحاشيها بأسلوب الدبلوماسي والتسليحي المرعب كإرهاب يبعد العدو . إن ما يثير الاشمئزاز بحق هو حقارة الدول العظمى مثل روسيا وأمريكا في عدم أستعمال أقوى الأسلحة في أزمة أقليمية مثل الأزمة السورية التي قارب على انتهاء السنة الرابعة ، والتي تنبع من نظرتها للعرب كسوق غني لاسلحتها القديمة المكدسة في مخازنها منذ عشرات السنين ، ولا بد من استغلال الحدث والربح مضاعف كون المتسوق هو العدو بصفته (الإسلام) العدو الأبدي للصليبية، والتي تخفت تحت بدلات رسمية لحكام العالم والقطبين على الخصوص ، حتى تم إعلانها صراحة على لسان بوش وبوتين .
لقد بدأت أول الضربات في أواخر الشهر المنصرم باستهداف 20 هدف في ضواحي حمص ، واستهدفت المعارضة وليس فقط داعش ، أما الإعلام فقد نشر استهداف مدنيين من ضمنهم أطفال ، نقلاً من العربية ( وكانت صفحات المعارضة السورية نشرت عدداً من الصور تظهر المجزرة التي خلفتها الغارات الروسية في ريف حمص، مؤكدة أن الطائرات الروسية شنت عدة غارات بالصواريخ الفراغية على بلدة الزعفرانة والرستن وتلبيسة، واستهدفت تجمعات للمدنيين، ناشرة عدداً من الصور لأطفال قضوا في تلك الغارات.) . هنا يبرز الكسب الدائم لإيران عن طريق إسعاف قواتها المتهالكة في جبهات القتال ، وبالأخص حزب الله المحتضر، وإن كان من القذارة أن يفرح عوام شيعة العراق بالتدخل الروسي في مظاهراتهم ، حيث رفعوا العلم الروسي متجاهلين تبعات الغزو الصليبي على الإسلام والمنطقة ككل ، فكيف يمكن أن نقيس قذارة مركز الحكم وملالي إيران ؟ .
من المعلن ترحيب الحكومة العراقية لضربات مشابهة في العراق ضد داعش ، ومن المعلوم أن أغلب الضربات تودي بحياة المدنيين مع تهديم كامل للبنى التحتية في المحافظات السنية ، وإن كانت خسائر داعش الكبيرة لا تُنكر، فلا يوجد معيار مناسب لقياس القذارة الشيعية وعونهم لكل محتل كما أُلهم الإمام أبن تيمية رحمه الله قبل قرون عدة .
أما عن تجربة الحرب الروسية في أفغانستان ، فقد كانت مهلكة لروسيا وقد ولدت ردات فعل إسلامية حيث اندلعت حرب البوسنة والهرسك ، وتبعته استقلال كرواتيا ، ولا شك كان لإيران الحضور الكبير والفاعل . من هنا نقول أن كسب إيران لجانب روسيا كان بمثابة البطاقة الرابحة ، ولكن الحقد الأعمى الشيطاني عمل عمله مرة أخرى، وغفل المكر المجوسي الكاسب الأوحد من ضعف العرب . إن العامل الكبير الذي جعل موسكو تعلن التدخل المباشر مرحبة بكل التداعيات هو صورة التوسع الكبير للعقيدة الإسلامية في قلب العاصمة الحاقدة على كل ما هو مسلم، حتى استخدمت السلاح الكيمياوي قبل أعوام لقتل مسلحين في سينما صغيرة غير آبهة بالقوانين الدولية التي تحرم استعماله في ظرف لا يستدعي .
لقد أرعبت الكرملن صورة المصلين في شوارع موسكو بما يقارب المليوني مصلي في عيد الأضحى ، حيث تم تصوير المشهد الأخاذ بطائرة مسيرة صغيرة يمكن الرجوع لليوتيوب ــ مع خوف بوتين من العمليات الإرهابية كفوبيا عالمية تحيلهم في نظرها إلى مليوني إرهابي يرتدي الحزام الناسف ، ولهذا أعلن لاتحاد الروسي الموافقة على تفويض بوتين بدخول روسيا المباشر في أصعب مرحلة تمر بها العرب من ضعف وتخاذل حكامها في كل المجالات ، والدليل ما يجري في الأقصى . لقد ظنت روسيا الفطنة، وأنها درست الأمر هذه المرة وتحضرت لأزمات وتبعات مقبلة ، ولا شك أن الأزمات ستتوالى كتبعات التجاهل السافر للتدخل الروسي ضد المسلمين ، مضافاً إلى التشبث بالسفاح بشار وحكمه الجائر حتى وصلت إلى أزمة المهاجرين بالآلاف خارج الشرق الأوسط كأزمة دولية، فكلها عوامل مترابطة إنفجارية في مصنع الإرهاب الدولي يؤدي إلى إنفجار حتمي في مطابخهم لا محالة .
إذن مهمة التخلص من داعش ليس الهدف الوحيد ، بل هو إطار لحلقات متداخلة تعبر عن عامل العقيدة الدينية في الحروب على الإسلام ، وكما تعبرعن مكاسب غبية لطموح روسي في الهيمنة على المنطقة مقابل الضربات الموجعة التي تلقتها أمريكا جراء انغماسها في مستنقع مطامعها الأهوج ، وإيران الكاسب الكبير حتى تتحد الأمة السنية لطردها شر طردة .
أما الحكام العرب، فقد ورطوا أنفسهم أول ما ورطوها بالقروض التي سحبتهم لمساومات حتى وصلت لتحديات تهدد الحدود الجغرافية، والعروش قبلها بكابوس الربيع العربي ثم القاعدة وثمرتها داعش التي ما خرجت إلا من تخاذل طويل لتحرير فلسطين دام ل 60 عاماً يحمل المرارة والحنق الشعبي حد الغليان ، فلا بد أن يكون الانفجار ، والذي فشل الحكام العرب مرة أخرى في قيادته بالحوار والتوافق على أولويات العزة بقياس الشرع والدين الحنيف . مهلاً ، لقد انتفض علماء المملكة العربية السعودية ببيان للجهاد في سوريا ضد العدوان الروسي ، وهذه المرة كان مدروساً لتفادي الغضب الملكي والخليجي ، فقد أهملوا العدو الأمريكي والإيراني ، وتناولوا ضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية ضد إيران ، ومع الخطاب الموجه للمملكة باتخاذ الخطوات اللازمة لدعم المجاهدين !
أما تبعات البيان فقد استنكر الكثير من (تهمة) النفير العام للجهاد ، ويا لها من تهمة واستهجان للأسف . والحقيقة لا ندري ما الداعي للبيان الآن مع فرحنا الغامر به ؟ هل كانت سوريا تعيش أزمة داخلية أم تحرر العراق فعلاً من المحتل الأمريكي والإيراني وبقيت ساحة سوريا هي الخنجر في خصر العرب الوحيد ؟ وهل وجد المجاهدون العون المناسب للنصرة وما بعد النصرة بعيداً عن العصا الأمريكية ومنظماتها اليهودية ؟ والله لا نجد الكلمات هينة ولكنها المرارة تلو المرارة تكاد تخنقنا
لا نقول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله وله الأمر من قبل ومن بعد
وهو ناصر المؤمنين والعاقبة للمتقين رغم أنوف المعتدين ، والله المستعان .