منقول من موقع القادسية
قبل أربع سنوات حين بدأنا الدعوة والتنظير للفدرالية أو الإقليمية، تعالت أصوات كثيرة: منها الناصح ومنها المتأزم ومنها المتهم. كان شيئاً غريباً على أسماع الثقافة العربية خصوصاً العراقية المثقلة بالتاريخ والمسكونة بهاجس الوحدة والوطنية، وإن كان بعضهم مثقل بالنفعية ومسكون بالعمالة. وما زال البعض يرفع صوته بالنكير جهالة أو عمالة.
أريد أن أخرج من العراق - الذي أتوقع أن تولد فيه الفدرالية ولادة عسرة مصحوبة بالألم والصراخ والدم، وربما التقسيم نتيجة الثقافة السنية المتخلفة، ولا أعمم، والديانة الشيعية المتطرفة، وأعمم – إلى بريطانيا لنرى كيف يفكر العالم المتمدن، وكيف يتصرف!
الخميس القادم موعد إجراء استفتاء شعبي في إسكتلندا حول انفصالها عن بريطانيا. وإسكتلندا كانت مملكة مستقلة حتى سنة 1707 لتتحد مع إنكلترا ويكونا مع ويلز مملكة بريطانيا العظمى. تبلغ مساحتها (79000) كم2 أي ثلث مساحة بريطانيا البالغة (244000) كم2. وعدد سكانها (5000000) خمسة ملايين نسمة من المجموع الكلي لبريطانيا البالغ (63000000) ثلاثة وستين مليون نسمة.
ترى! ما هو موقف حكام المملكة المتحدة من الاستفتاء؟
- تخرج الملكة إليزابيث من الكنيسة فلا تزيد على أن تقول عن هذا الحدث الكبير: "آمل أن يفكر الناس بحرص شديد حول المستقبل"! لماذا؟ لأن الملكة البريطانية لا ترغب في التأثير على الاقتراع على انفصال اسكتلندا؛ قائلة في وقت سابق: "إن المسألة تتعلق بالاسكتلنديين أنفسهم".
ورغم أن 70% من البريطانيين يرفضون الانفصال إلا أنهم لن يشتركوا في التصويت! لماذا؟ "لأن المسألة تتعلق بالاسكتلنديين أنفسهم". هكذا ببساطة! وليس كل هؤلاء يؤيدون تدخل الملكة، فنتائج الاستطلاع تظهر أن نسبة 51% فقط من الانجليز يؤيدون التدخل، بينما يرفض 29% منهم تدخل ملكة بريطانيا في الجدل الدائر بشأن القضية.
- وزار رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إسكتلندا مرتين خلال أيام قليلة يستعطفهم قائلاً: "إن الانفصال سيكون مؤلماً"، ولم يكن عنده تجاههم سوى إغرائهم بقوله: "إن الاقتراع بمعارضة الاستقلال سيكون حافزاً بنقل سلطات إلى إسكتلندا على نحو لم يكن له مثيل"! هذا كل ما عنده: ترغيب وإغراء بلا تهديد ولا وعيد.
لا يفوتنكم أن هذا الموقف الراقي تجاه تقسيم دولة لا مجرد تأسيس إقليم.
مقارنات في أعماق المشهد
أعجبتني مقالة للدكتور فراس الزوبعي على صحيفة (الوطن)([1]) معلقاً على الحدث في مقارنات لافتة للنظر أختصرها في نقاط:
الأسباب التي دعت للمطالبة بالانفصال واضحة جداً ومعلنة:
أ. فاسكتلندا التي تتمتع بوضع فيدرالي ولها برلمانها وحكومتها، يعتقد سكانها أن إدارة المملكة المتحدة الاقتصادية سيئة، وأن الانفصال سيحقق النمو وتركيزاً أكبر على العدالة الاجتماعية.
ب. كما يرغب الاسكتلنديون بالاستقلال في الهوية والتخلص من سيطرة المملكة المتحدة التي يرونها تتحكم بشؤونهم الخاصة ولا تعمل إلا لصالح الإنكليز.
يعني: الحرائر الإسكتلنديات لسن في سجون ديفيد كاميرون رئيس الوزراء.
ولا يوجد هناك اعتقالات ومداهمات تنفذها تيريزا ماي وزيرة الداخلية بحق الإسكتلنديين وتجرهم إلى السجون بالآلاف ليموتوا تحت التعذيب بسبب الهوية.
كما أن مايكل فالون وزير الدفاع لم يرسل مروحياته لتلقي براميلها المتفجرة على أحياء أدنبرة وغلاسكو وتذبح أهلها بالجملة.
أما المرجعية الرشيدة بقيادة الملكة إليزابيث دام ظلها الوارف، فلم تصدر فتوى لتشكيل ميليشيات تقاتل الاسكتلنديين وتفجر بيوتهم.
ولا يوجد في إسكتلندا البالغ تعداد سكانها 5 ملايين نسمة، 5 ملايين نازح ومهجر.
لكن الإسكتلنديين اعتبروا أن الحفاظ على الهوية وتحقيق فرص للنمو يستحق الانفصال.
في المقابل تواجه المملكة المتحدة دعوى الانفصال هذه بطرق عدة، منها:
أ. أن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ناشد شعوب المملكة أن توجه رسالة للاسكتلنديين ليثنوهم عن مشروعهم، كما ناشد الشعب الأسكتلندي بالبقاء مع الاتحاد. وقال لهم سنضعف من دونكم. واستخدم كلاماً عاطفياً مثل: دعونا نقول أننا أفضل معاً وسننهض معاً. ولم يقل لهم: إن لم تتركوا مطالبكم ستكون هناك فتنة ماحقة حالقة مثلما فعل المالكي ونسب العبارة إلى القرآن الكريم.
ب. كما أرسل لهم ألستر دارلنج وزير المالية السابق ليقف على أرضهم في جامعة أدنبرة ويخاطب عواطفهم ليبقوا مع الاتحاد.
ت. يعني الرجل ما راح كربلاء ووقف على أرضه وبين جمهوره وقال: الآن صرنا معسكرين: معسكر الحسين ومعسكر يزيد.
ربما تنفصل أسكتلندا أو تبقى، لكن هذا الحديث يثير تساؤلاً يخص العراق فبعد 11 سنة من الاحتلال وتمكن الإيرانيين من البلد وسحق العرب السنة وجعلهم مواطنين من الدرجة الثالثة وتهجيرهم في الداخل والخارج والاستمرار في إبادتهم وإذلالهم، وموافقة دول العالم على ذلك، ألا يحق للعرب السنة أن يلجأوا لخيار الحكم الذاتي بعد فشل كل الخيارات، ويفرضوه على العالم كمطلب واحد كما فعل المصريون مع مبارك عندما قالوا له: «ارحل» كلمة واحدة، لا أربعة عشر مطلباً يتسلق عليها السياسيون، ويحافظون بذلك على وجودهم وهويتهم التي أصبحت في طريقها إلى الزوال، بل ويحافظون على العراق من التقسيم.
إذا كانت إسكتلندا تعتبر موسيقاها المختلفة عن غيرها هوية وتدافع عنها، فالعرب السنة هويتهم ودينهم ووجودهم في خطر ولم يبق لديهم ما يخسروه أصلاً.إ.هـ.
أيها السنة العرب!
وينظر الله تعالى من عليائه فيرى أن الدين والعرض والكرامة والنفس.. كل هذا أمسى عندكم أهون من وتر وموسيقى عند أولئك الأجانب! فماذا تتوقعون أن يفعل الله بكم؟
الثلاثاء
16/9/2014
[1]- على الرابط التالي:
http://www.alwatannews.net/ArticleVi...5w933339933339