الرد على شبهات الرافضة في مسألة :ـ الرؤية. (للحفظ).
[ALIGN=JUSTIFY] بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله القائل : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ )) .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آل بيته الطاهرين ، وصحابته الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وبعد :
* ملاحظة : لابد أن نعلم أن الشيعة في هذه المسألة وغيرها من المسائل تبعاً للمعتزلة ، لم يأتوا بجديد من عندهم ، ولا صحةَ لما يذكروه بأن المعتزلة تبعاً لهم ، وليأتوا بالدليل على ذلك إن قدروا .
نموذج لشيخ الشيعة المفيد في إنكار الرؤية حيث يقول : (( أقول : إنه لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار ، وبذلك شهد العقل ، ونطق القرآن ، وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد (ص) ، وعليه جمهور أهل الإمامة ، وعامة متكلميهم ، إلا من شذَّ منهم ، لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار ، والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك ، وجمهور المرجئة ، وكثير من الخوارج ، والزيدية ، وطوائف من أصحاب الحديث ، ويخالف فيه المشبهة ، وإخوانهم من أصحاب الصفات )) .
والآن لنستعرض سوياً شبهات الشيعة التي أوردوها على هذا الموضوع في إنكار مسألة الرؤية .
الشبهة الأولى : قوله تعالى : (( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) . (103) سورة الأنعام .
الجواب عنها :
لابد أن نفرق هنا بين أمرين . الأول : ( الإدراك ) . الثاني : ( الرؤية ) .
فنقول إن نفي الإدراك ، لا يستلزم نفي الرؤية ، لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته .
والإدراك أخص من الرؤية ، والرؤية أعم ، ونفي الأخص لا يدل على نفي الأعم ، إن الله نفى الإدراك ولم ينف الرؤية ، ففرق بين الرؤية وبين الإدراك ، فالرؤية أعم من الإدراك ، والإدراك أخص ، ونفي الأخص لا يدل على نفي الأعم ، والإنسان قد يرى الشيء لا يدركه ؛ لأن الإدراك هو الإحاطة ، فالله نفى الإدراك وهو الإحاطة ، ولم ينف الرؤية .
وهذه الآية لا تدل على أن الله لا يرى ، فنحن نؤمن بأن الأبصار تراه كما أنها لا تدركه ، فالأبصار وإن رأته لا يمكن لها أن تدركه ، فالله عز وجل يُرى بالعين رؤية حقيقية ، ولكنه لا يُدرك بهذه الرؤية ، لأنه عز وجل ، أعظم من أن يحاط به .
فالله لكمال عظمته وبهائه ، سبحانه وتعالى ، لا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به رؤيةً ، قال تعالى : (( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ )) . كما أنه يُعلم ولا يُحاط به علماً . قال : (( ولا يحيطون به علماً )) . أي : لا يحيطون به علماً ، ولا يحيطون به رؤية ، ولا غير ذلك من وجوه الإحاطة ، بل سبحانه محيطٌ بكل شيء ، فكيف تحيطه الأبصار الضعيفة ؟! كيف يحيط المخلوق بالخالق ؟! فخلقه عاجزون عن إحاطته سبحانه وتعالى .
فالإدراك كما قلنا هو الإحاطة بالشيء ، بل هو قدر زائد على الرؤية . فلذلك نفى الله الإدراك ، ولم ينفِ الرؤية .
وأنظر أنت إلى السماء هل تراها كلها أم بعضها ؟ فإذا كانت السماء ، وهي مخلوقة ، لا تدركها ببصرك ، فكيف لك بالخالق عظيم الشأن سبحانه وتعالى ؟!
بل حتى هذه الشمس المخلوقة ، لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه ؟!
ولله المثل الأعلى .
ولنأخذ مثالاً من القرآن الكريم على الفرق بين ( الإدراك ) . و ( الرؤية ) .
قال تعالى : (( فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثمَّ الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )) الشعراء 61 ـ 62 .
فانظر معي هنا جيداً وتأمل بارك الله فيك أنه سبحانه أثبت رؤية الفريقين لبعضهم البعض ، بقوله : (( فلما تراء الجمعان )) . فأخبرنا الله سبحانه هنا أنهم قد رأى بعضهم بعضاً فحصلت منهم الرؤية . إذاً الآن كل واحدٍ من الفريقين رأى الآخر .
فلمّا أن تراؤا قال قوم موسى له عليه السلام : (( قال أصحاب موسى إنا لمدركون )) . فهم بعد أن حصلت الرؤية لكل منهم ، كان منهم أن قالوا لموسى عليه السلام : (( إنا لمدركون )) . وذلك أنه انتهى بهم السير إلى سيف البحر ، وهو بحر القلزم ، فصار أمامهم البحر ، وفرعون قد أدركهم بجنوده ، فهذا قالوا : (( إنا لمدركون )) .
فأجابهم عليه السلام بقوله : (( قال كلا )) . أي : لا يصل إليكم شيءٌ مما تحذرون ، فإن الله هو الذي أمرني أن أسير ههنا بكم . فلن يدرككم القوم فيحيطون بكم ، مع أنهم قد رأى كل منهم الآخر ، ثم قال لهم موسى عليه السلام : (( إن معي ربي سيهدين )) . فإن الله هو الذي أمرني أن أسير ههنا بكم ، وهو لا يخلف الميعاد . وكان هارون ، عليه السلام في المقدمة ، ومعه يوشع بن نون ، ومؤمن آل فرعون وموسى ، عليه السلام ، في الساقة .
فأوحى الله إلى موسى : (( أن اضرب بعصاك البحر )) . فضربه بها ، ففيها سلطان الله الذي أعطاه (( فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم )) أي : كالجبل الكبير . وبعث الله الريح على قعر البحر فلفحته ، فسار يبساً كوجه الأرض ، قال تعالى : (( فاضرب لهم طريقاً في البحر لا تخاف دركاً ولا تخشى )) .
إذاً فرعون وجنوده ، لم يدركوا موسى عليه السلام وقومه ، لكنهم رأوهم بأعينهم . فلا بد أن نفرق بين ( الرؤية ) و ( الإدراك ) .
ولو كانوا قد أدركوهم فما فائدة قوله تعالى : (( وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )) .
لأنهم قد أدركوهم ، وأحاطوا بهم ؟! مما يؤكد على أن للرؤية قدر معين ، وللإدراك قدرٌ زائد على الرؤية .
وذلك أن الله ، لكمال عظمته وبهائه ، سبحانه وتعالى ، يُرى لكن لا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به رؤيةً ، قال تعالى : (( لا تدركه الأبصار )) . كما أنه يُعلم ، ولا يُحاط به علماً . قال : (( ولا يحيطون به علماً )) . أي : لا يحيطون به علماً ، ولا رؤية ، ولا غير ذلك من وجوه الإحاطة ، بل سبحانه مُحيط بكل شيء ، فكيف تُحيطه الأبصار الضعيفة ؟! كيف يُحيط المخلوق بالخالق ؟! كيف يُدرك الفاني الباقي ؟! فخلقه سبحانه عاجزون عن الإحاطة به (( لا تدركه الإبصار وهو يدرك الأبصار )) .
ثم إنَّ الآية سيقت مساق المدح ، الآية سيقت مساق المدح ، والمدح إنما يكون بالصفات الثبوتية ، أو بالنفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال لا بالنفي المحض ، الآية سيقت مساق المدح ، الله أثنى على نفسه بأنه : (( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ )) . الآية سيقت مساق المدح ، والمدح إنما يكون بشيئين :
الشيء الأول : الصفات الثبوتية ، كما يمدح نفسه بأنه بكل شيء قدير ، وأحاط بكل شيء علمًا.
والثاني : النفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال ، كنفي السنة والنوم بكمال قيوميته (( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ )) . هذا نفي ، لكن يتضمن إثبات ضده من الكمال حياته وقيوميته . لا يعجزه شيء لكمال قوته ، واقتدار نفي الموت لكمال حياته (( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) . لكمال عدله ، نفي الولد والشريك والصاحبة لكمال ربوبيته (( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ )) . لكمال علمه ، فكذلك هذه الآية (( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ )) . لكمال عظمته ، وكونه أكبر من كل شيء ، فالكمال إنما يكون بالنفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال ، كما في هذه الآيات ، أو يكون بالصفات الثبوتية .
أما النفي المحض الصرف فهذا لا يكون كمالًا ؛ لأن المعدوم يوصف بالنفي الصرف المحض والمعدوم لا يمدح ، فلو كان المراد من الآية نفي الرؤية فقط لما كان كمالًا ، ولما كان مدحًا فلو قيل معنى : (( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ )) . لا تراه العيون ، لم يكن في هذا مدح ، لأن المعدوم لا يُرى . فلو قيل كان معنى : (( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ )) . لو كان معنى الآية كما تقولون أيها النفاة (( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ )) . لا تراه العيون ، لم يكن في هذا مدح ؛ لأن المعدوم لا يُرى ، فما فائدة هذا النفي ؟! ولكن إنما يكون كمالًا ، إذا تضمن إثبات ضده من الكمال ، وهو إثبات الرؤية ونفي الإدراك ، والمعنى : تراه الأبصار ولكن لا تحيط به ، ولا تدركه ، لكمال عظمته ، ولكونه أكبر من كل شيء _ سبحانه وتعالى _ فتبين أن الآية تدل على إثبات الرؤية ، ولكن المنفي هو الإدراك وهو الإحاطة لكونه _ سبحانه _ أكبر من كل شيء ، وأعظم من كل شيء .
ثم إنَّ الله تعالى قال في الآية قبلها : (( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل )) .
ثم قال سبحانه في الآية بعدها مباشرة : (( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) . فالله سبحانه وتعالى ، أخبر أنه على كل شيء وكيل ، ومتولٍ لأمور الأبصار ، يجعلها تدرك ، أو لا تدرك ، بمشيئته ، إذا شاء ، كيف شاء ، على الحد الذي يشاء ، فالله سبحانه على كل شيء وكيل ، وبيده كل شيء ، وبإذنه كل شيء ، مع كونه هو سبحانه يُدرك كل شيء ، ويعلمهُ بغاية عزَّته ، وقهره ، وكماله ، وغلبته .
سأل أبو ذر ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل رأيت ربك _ يعني في الدنيا _ ؟ فقال : (( نورٌ أنى أراه )) . رواه مسلم 1/161 ، وشرح الترمذي 9/170 ، ومسند أحمد 5/171 ، 175 .
فهذا هو معنى قوله تعالى : (( لا تدركه الأبصار )) أي : في الحياة الدنيا . ولما سُئل عن رؤيته في المعاد قال : (( نعم ، جهرةً كما ترى الشمس والقمر ليلة البدر )) . من حديث أبي هريرة ، فتح الباري 13/419 ، و شرح مسلم للنووي 1/163 _ 166 .
فهذا هو تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوضح تفسير ، وأفضل تعبير ، تفسيراً شافياً كافياً ، لا تجنياً منَّا ، ولا ضرباً من التأويل بلا دليل . والأحاديث في أنَّ الرؤية تحصل يوم القيامة ، كثيرة .. ومتوافرة .. وسنأتي عليها إن شاء الله .
وسيأتي الرد على بقية شبههم _ إن شاء الله _ بأسلوب سهل واضح لا غموض فيه ، أسأل الله تعالى أن يكتب فيه الأجر والنفع ، وهداية هؤلاء المنكرين وغيرهم . [/ALIGN]