بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الجزء الثالث من تعقب شبهات مفتي الإباضية الخليلي التي ألقاها في محاضرة منشورة على اليوتيوب..
قال الخليلي:واستدلوا بقوله تعالى(تحيتهم يوم يلقونه سلام)..
والرد على هذا الاستدلال أن اللقاء أعم من الرؤية والمنافقون كذلك سيلقونه كما قال تعالى(فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه)
الجواب عن اعتراض الخليلي:
نحن هنا أيضا نحتج بظاهر الآية الذي لايجوز صرفه وتأويله إلا بحجة..
فاللقاء إذا كان للحي السليم المبصر فهو الرؤية بلاريب
قال الخليلي:قال الله(ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون)
مع أن الموت لايرى..
الجواب:الموت يرى برؤية ملك الموت ثم عن معنى الآية يوضحه السياق أي رأيتم أسباب الموت في المعركة
أما إلزامهم برؤية المنافقين فقد قال ابن القيم:
دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل والكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة وسيمر بك عن قريب إن شاء الله تعالى وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة احدها أن لا يراه إلا المؤمنون والثاني يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك والثالث يراه المنافقون دون الكفار والأقوال الثلاثة في مذهب احمد وهي لأصحابه.انتهى
وهي رؤية هيبة وتوبيخ لهم لاإكرام ويمكن ان يعقب على كلام ابن تيمية أن المنافقين يكونون مع الذين يرون الله في الموقف لكن ليس فيه تصريح في الحديث انهم يرونه
قال ابن القيم : قال أبو عبد الله بن بطة سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت أبا العباس احمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} اجمع أهل اللغة على أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ونظرا بالأبصار وحسبك بهذا الإسناد صحة واللقاء ثابت بنص القران كما تقدم وبالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أحاديث اللقاء صحيحة كحديث أنس في قصة حديث بئر معونة أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وحديث عبادة وعائشة وأبي هريرة وابن مسعود من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وحديث أنس أنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله وحديث أبي ذر لو لقيني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك
ثم أن أخذنا بقول من يقول إن المنافقين لايرونه فلاإشكال فإننا عندها يجب علينا تأويل قوله تعالى(فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه)
بأن اللقاء هنا لقاء العذاب لأن له صارف وهو(كلاإنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فتبقى دلالة(تحيتهم يوم يلقونه سلام) على ظاهرها دون صارف
الخلاصة:أن الآية لايجوز صرفها عن الظاهر لعدم الدليل الذي يمنع من ظاهرها وأما كون المنافقين يرونه فعلى كل حال ليس فيها حجة لأن في المسألة أقوالا أنهم قد يرونه رؤية ليست رؤية نعيم وإن لم يصح أنهم يرونه فإن آية المنافقين يجب تأويلها
قال الخليلي:ادلتهم من السنة
1-حديث (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدرلاتضامون في رؤيته)
فالحديث روي بألفاظ مختلفة فيها مايدعو إلى الحيرة إذا لم تفسر الرؤية بالعلم
فاللفظ الأول (هل نرى ربنا...قال هل تضارون في رؤية القمر...قال كذلك ترونه يحشر الناس في صعيد واحد فيقال لتتبع كل أمة من تعبد ....فياتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفونها...فيأتيهم بالصورة التي يعرفونها...) النقط هي فواصل بين الجمل لأني أحذف للاختصار..
1-فظاهر الحديث أن الله يتحول من صورة إلى أخرى وكل متغير حادث.ويقصد الخليلي أن كل حادث مخلوق
الجواب:
أ-السلف وأهل الحديث وكثير من طوائف أهل الكلام كالكرامية والهشامية لايقولون كل حادث مخلوق بل يقسمون الحوادث إلى قسمين:
-مايقوم بذاته وقدرته كخلقه للمخلوقات.
-مايكون بائنا عنه فهذا هو المخلوق.
ب-التغير والتحول لفظ مجمل فالناس لايقولون للشمس إذا تحركت إنها تغيرت ولكن إذا اصفرت يقولون تغيرت ولايقولون للإنسان إذا تكلم ومشى تغير لإن هذا من عادته
والله تعالى لايتغير شي من صفاته بنقص ولاغيره بل هو لايزال في أكمل صفات الكمال فالتغير استحالة من صفة إلى صفة وهذا ممتنع على الله
ثم إن قول الخليلي يجب تأويل الرؤية في الحديث بالعلم يقال له:
-هذا خروج عن الظاهر بلادليل ولاحجة ولاحاجة كالعادة
-سيكون معنى الحديث(ستستزيدون علما بربكم كما تستزيدون علما بالشمس ليس دونها سحاب..)وهو تعبير وتاويل ركيك لامعنى له
فإن قالوا زيادة العلم بالشمس رؤيتها بكامل استدراتها وصفتها قلنا ليس هذا علم فهم يعلمونها منذ رأوها أول ماخلقوا ثم إن هذا ينقلب حجة لنا فإن زيادة علم المؤمنين بالله حين يروا صفاته على كمالهاوحقيقتها
-
2-قال الخليلي:ظاهر الحديث أنهم رأوه على صورة قبل أن يأتيهم في الصورة الأخرى ولذلك التبس عليهم الامر فأي موقف يكونون قد رأوه فيه المرة الأولى؟
ومتى رأوه فارتسمت صورته في أذهانهم حتى إذا رأوه أنكروه؟
أجابوا عن هذا أن معرفتهم له لاتلزم أن تكون برؤية فالله وصف نفسه ووصفه نبيه فعرفوه من خلال السنة
ويجاب هل يصف الله نفسه بخلاف ماهو عليه
ثم يقال إن كنت عرفتموه من الكتاب والسنة فحدثونا عن هذه الصورة ..
الجواب:
أما تساؤل الخليلي متى رأوا الله فهو قد اختلط عليه الامر فنرتبه له:
الرؤية الأولى في الموقف حين يأتي الله للقضاء بين الخلائق كما جاء في حديث الصور الطويل وإن كان في سنده ضعف؛ وهي تفسير لقوله {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الامُورُ} وهذه الرؤية خاصة بالمؤمنين لقوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} فالظاهر والله أعلم أن هذا في الموقف؛ المؤمنون في سرور ينظرون إلى ربهم وهو راضٍ عنهم فتنضر وجوههم؛ أما الكفار {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} وهذه رؤية تثبيت وطمأنينة للمؤمنين.
2 الرؤية الثانية (عندما ينكره المؤمنين):
من حديث البخاري: (فيأتيهم الجبار في صورة غير الصورة...)
ومن رواية لمسلم: (..فيقول أنا ريكم. فيقولون نعوذ بالله منك, هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا..)
فهذه هي الرؤية الثانية وهي التي ينكرون فيها أنه هو الله لأنه في صورة غير التي كانت في الرؤية الأولى.
وهذا يكون في الموقف, ويكون المنافقين مع المؤمنين لحديث مسلم: (فيها منافقوها) فيراه هنا المؤمن والمنافق.
والظاهر أن ليس في هذه الرؤية تلذذ ولا نعيم لأنهم ينكرون أنه هو الله.
3 الرؤية الثالثة (الصورة التي يعرفون - يوم يكشف عن ساق):
كما في البخاري: (..فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون, فيقول لهم: أنا ريكم, فيقولون: أنت ربنا, فيتبعونه...)
وفي رواية: (..هل بينكم وبينه علامة تعرفونها فيقولون نعم يوم يكشف عن ساق قال فيكشف الله عن ساقه..)
والظاهر أن هذه الرؤية أيضا تكون للمؤمنين والمنافقين, وهل هي رؤية تلذذ ونعيم؟
أما هذه فحين "ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون" وهي رواية أبي سعيد كما عند البخاري في التوحيد؛ إلى أن قال "فيبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب" إلى أن قال "فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم؛ فيقولون أنت ربنا؟! فلا يكلمه إلا الأنبياء؛ فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون الساق؛ فيكشف عن ساقه؛ فيسجد له كل مؤمن؛ ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة......" وفي رواية مسلم "ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال أنا ربكم؛ فيقولون أنت ربنا" فهذه الرواية أفادت أن المنافقين لم يروا الله من قبل؛ وأن الخطاب كان بين رب العزة والمؤمنين.
وأخرجه البخاري في الرقاق عن أبي هريرة ولفظه "وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها؛ فيأتيهم الله في صورة غير التي يعرفون؛ فيقول أنا ربكم، فيقولون نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون؛ فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا فيتبعونه"
واعتراض الخليلي على من قال إن المؤمنين يعرفون الله بماوصف به نفسه في الدنيا لانتطرق إليه لأنه ليس ردا علينا فنحن لانقول به بل نقول بأن الرؤية في الموقف تكون اكثر من مرة فيوم القيامة 50ألف سنة وفيه أحوال وأهوال ..
وبهذا تزول التعارضات التي زعمها الخليلي ولانحتاج تأويلاته التي هي بلادليل وليس لهاضابط فكل أحد يستطيع تأويلها من عنده حسبما يشتهي
قال الخليلي:ثم استدلوا بأن النبي رأى ربه ليلة أسري به.. وفي صحيح مسلم أن النبي رآه بفؤاده وهذه رؤية علم بزيادة تجليات
الجواب:لاأدري عمن يتحدث الخليلي أما أهل السنة فينكرون رؤية الله في الدنيا لكل أحد ويثبتون أن النبي رأى ربه بفؤاده وليس بعيني رأسه كما ثبت عن ابن عباس
فعائشة رضي الله عنها انكرت ان النبي رأى ربه بعيني رأسه وابن عباس يثبت انها بفؤاده كما ثبت عنه بإسناد صحيح
والحديث الذي استدل به الخليلي(رآه بفؤاده) هو دليل على أنه إذا أريد بالرؤية العلم فإنها تقيد وتبين ولاتطلق وهنا قيدت بالفؤاد
بقي الجزء الرابع الأخير من ادلة المثبتين
ثم نبدأ بالرد على ادلة النافين وكلها حسب شبهات الخليلي في محاضرته..
وفق الله الجميع للحق
24-07-13, 05:57 PM
العرض العادي
