شكلت معركة القصير منعطفا مؤلما في سير الثورة السورية بعد أن سقطت في يد ميليشيا حزب اللات، ورغم أن القصير بلدة صغيرة لا تؤثر من الناحية الكمية على الثورة فقد سقطت بابا عمر والخالدية والبياضة وهذه أكبر بكثير من القصير إلا أن أهمية القصير تأتي من الناحية الكيفية، فهي متاخمة لحدود لبنان مما يشكل ممرا خطيرا لميلشيا حزب اللات إلى الداخل كما أنها بوابة حمص إلى الساحل السوري ذي الأغلبية النصيرية وهو ما يجعل حمص امتداد للساحل وهذا ما تحلم به النصيرية في حال أرادت أن تقيم دولة علوية في الساحل فهي تريد ضم حمص، ولنتذكر يوم قامت الدولة العلوية أيام الفرنسيين كيف كانت حمص محل أطماعهم ويرغبون بضمها إليهم وهذا ما يفسر الهجرة الكثيفة من العلويين إلى حمص في فترة حكم الأسد حتى وصلت الأحياء العلوية إلى خمس أحياء مقابل تسع للسنة في محاولة لتغيير ديمغرافية المدينة، والأهم أن القصير تقع على الطريق العام والسيطرة عليها تعني فصل حمص عن مناطق الشمال والشرق شبه المحررة (إدلب وحلب والرقة ودير الزور والحسكة) مما يزيد في معاناة حمص والجنوب الملتهب (دمشق وريف دمشق ودرعا)
هذه أهم الأسباب لمنح القصير هذه الأهمية.
ولماذا سقطت القصير؟
إن الجواب على هذا السؤال مقدمة للجواب على السؤال في عنوان المقال، والحقيقة هناك عوامل عديدة ساعدت على سقوط القصير، لعل أهمها:
1-الإمكانيات الزهيدة المتواضعة التي بيد المجاهدين في القصير، وسبب ضعف الإمكانيات يعود لقلة الدعم المالي والمسلح.
2-دخول عناصر حزب اللات المدججة بالسلاح والمدربة جيدا والمدعومة بسلاح الجو من قبل النظام السوري وهو السلاح الذي يعيق تحرك قوات المجاهدين
3- التخاذل الدولي والعالمي ولا سيما من قبل من يدعي صداقة الشعب السوري والسكوت غير المقنع على تدخل حزب اللات في الحرب وكأن عين المجتمع الدولي لا ترى، علما أن حزب اللات مصنف امريكيا جماعة إرهابية
ولا يجدي البكاء بعد سقوط القصير التي اضطر المجاهدون لتركها لقلة الذخيرة ولحقن دماء المدنيين في المدينة من قصف النظام وحزب اللات فدخلها حزب اللات بعد الانسحاب ولم يدخلها إلا بتكلفة باهظة جدا في جنوده لكن المجدي أن ننظر للمستقبل ونخطط له، فماذا يمكن أن يقع بعد القصير؟
إن حزب اللات موجود في سوريا من شهور عديدة ويقاتل في الغوطة بدمشق واستولى على عدة قرى وقعت بيده، وهو اليوم يخطط للاستيلاء على ما بقي من قرى حمص السنية، وقواته تقاتل حول الزبداني وفي الغوطتين، وتوجهت لحلب والشمال لكي تعيد السيطرة على المواقع التي خسرها النظام.
وطبعا ما نتوقعه أن غير القصير ليس كالقصير لبعد لبنان عن المواقع الجديدة ووجود جيوب إمداد للمجاهدين في مناطق الشمال ولكن هذا لا يعني أنها لا تسقط ولكن ربما تكون الكلفة أكبر
والمطلوب هنا وجود حراك قوي وجاد على ثلاثة محاور:
المحور العالمي: وذلك بتدخل الدول صاحبة القرار والتأثير لوضع حد لتدخل حزب اللات في سوريا وهو تدخل سافر وصارخ ومخالف للقوانين الدولية ويسقط هيبة لبنان وسيادتها التي طبل لها وزمر جماعة من الناس يوما ما ولم يفتحوا أفواههم بكلمة اليوم، لكن هذا محور لا نعول عليه ونعلم تماما تواطؤ العالم مع النظام السوري وتآمره على الثورة السورية
المحور العربي والإسلامي: وذلك بأن يقف العالم العربي والإسلامي وقفة جادة وصحيحة مع إخوتهم في سوريا، فما عاد ينفع التنديد والشجب والبكاء والدعاء، بل لا بد من وقفة جادة وحازمة على مستوى الحدث وتوازي وقوف الشيعة مع بشار الأسد، ولا شك أن المستوى الرسمي للعالم العربي والإسلامي باهت وخافت فمجلس التعاون الخليجي اجتمع وقرر عقوبات اقتصادية على حزب اللات ورجالاته ووضعه على لائحة الإرهاب، وهو تحرك أقبح من السكوت، فهل هذه العقوبات ستردع حزب اللات وتخرجه من سوريا، ووزراء الدول العربية اجتمع وتحدث ليخرج ببيان يدل على حالة العجز والترهل في هذه المنظمة التي ظهر فشلها وكذبها، بيان يندد ويشجب ويعرب عن القلق ويدعو، وما شابه من هذه العبارات التي صارت تحدث عن المواطن العربي نوعا من المغص والشعور بالتقيؤ.
بل العجيب هو حال حكومات دول الربيع العربي التي جاءت بعد زوال الظلم والاستبداد ومن المفترض أن تكون معبرة عن الشعوب التي أوصلتها وتحمل روح الثورة التي جاءت بها، لكن الواقع أن شيئا لم يتبدل، فالمرزوقي يطالب تركيا بإغلاق حدودها في وجه المجاهدين التونسيين الراغبين بالجهاد في سوريا ويبث إعلامه كذبة جهاد المناكحة ويفتي مفتيه بعدم جواز الجهاد في سوريا، ومصر الإخوان المسلمين تغير مواقفها من الثورة السورية وتفتح بابها بمصراعية لإيران لمن يقتل ويذبح السوريين وتقوي علاقاتها مع روسيا راعية الإجرام الأسدي.
فتأمل الفارق بين الحكومات الشيعية وموقفها من نظام الأسد والحكومات السنية وموقفها من الثورة.
بل إني أرى دخول حزب اللات أعطى مبررا قويا لكل دولة تريد أن تتدخل لحماية السوريين، فإذا تكلم المجتمع الدولي وجرم دخولها فعندها تطالبه الدول باتخاذ نفس الموقف مع حزب اللات وإيران وروسيا
إن ما نرجوه من الحكومات هو تدخل عسكري يحل النزاع فأين درع الجزيرة أم هو للبحرين فقط؟ وأين الجيوش العربية الأخرى؟ أم أن عباس ما يزال يصقل سيفه ولم يأت وقت الشدة؟
وإذا كان الحكومات لم تكن على قدر المسؤولية فنطالب الشعوب بالقيام بدورها، فالمنابر التي يملكها العلماء من أخطر جهات التأثير ويمكنهم أن يحركوا العالم من خلالها فإلى متى تقتصر على الدعاء للسوريين فقط فلتعلن الجهاد ولتطلب من الحكومات توفير أسبابه ولتطلب من الشعب الضغط على الحكام للدخول في المعركة التي هي معركة الأمة وليست معركة السوريين
وأين هي المظاهرات والمليونيات التي أسقطت حكوماتها لا تحرك الحكومات التي خانت ثوراتها ومبادئها
والمحور الثالث هو الداخل فبعد عامين ونصف من الأحداث وصل السوريون إلى قناعة بأن الخارج دولا ومعارضة لا علاقة لهم بالثورة بل ساعون خلق مصالحهم وبرامجهم، ولذلك لا بد للداخل من أن يرصّ صفوفه ويوحد جبهاته ويفرز قيادات تمثله حقيقة، فهو وحده من يصنع النصر بإذن الله تعالى
أخيرا إن سقوط القصير لا يعني نهاية الثورة السورية، وإن حاول الإعلام أن يصور المعركة كذلك، بل هي جولة من جولات المعركة والحرب كر وفر، والسعيد من يضحك في النهاية، لكن القصير امتحان يختبر فيه العالم والحكومات الإسلامية والعربية والعلماء والشعوب المسلمة، وكلي ثقة بأن الله ناصر ثورة الشام وماحق عصابة الأسد ومن دار في فلكهم.