بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة على العالمين وعلى أله وصحبه أجمعين , أما بعد :-
فقد سألني أحد الأخوان أن أرد على أحد الرسائل التي وصلت إليه وفيها شبهات من أحد المبتدعة , وقد كتبته مستعينًا بالله جل وعلا وحده , وأحببت نشرها للفائدة
التي قد يستفيدها الأخوة من بعض النقولات التي فيها , وأنا أقلكم علمًا وعملا , فمن وجد في مقالي هذا ما يخالف فيه الحق فليصوبني مشكورًا مأجورا , وإن وافق الحق فيكيفني منكم دعوة في ظهر الغيب .
يقول المخالف " ساعدني يا أخي العزيز أين كان الله قبل أن يخلق العرش وقبل أن يخلق يمينا ويسارا، داخلا وخارجا، فوقا وتحتا، لعل الإجابة الصحيحة
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : دخلتُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعَقَلْتُ ناقتي بالبابِ ، فأتاهُ ناسٌ من بني تميمٍ ، فقال : ( اقبلوا البشرى يا بني تميمٍ )
قالوا : قد بَشَّرْتَنا فأعْطِنَا ، مرتينِ ، ثم دخل عليهِ ناسٌ من أهلِ اليمنِ ، فقال :
( اقْبلوا البشرى يا أهلَ اليمنِ ، إذ لم يقبلها بنو تميمٍ ) .
قالوا : قد قَبِلْنَا يا رسولَ اللهِ ، قالوا : جئناكَ نسألكَ عن هذا الأمرِ ، قال : ( كان اللهُ ولم يكن شيٌء غيرُهُ ، وكانعرشُهُعلىالماءِ ، وكتب في الذِّكْرِ كلَّ شيٍء ، وخلقَ السماواتِ والأرضِ)
حديث صحيح رواه البخاري .
وأما قوله [ لعل الإجابة الصحيحة كان لا مكان ]
يعتمد هذا على مراده بقوله لا مكان , ما معنى المكان الذي يريده ؟ إن كان المكان الذي يكون الشيء فيه متحيزًا فنحن نقول هذا محال على الله جل وعلا فكرسيه وسع السماوات والأرض , وعرشه سقف المخلوقات , فكيف بالله جل وعلا الذي السماوات السبع والأرضين السبع تكون في قبضته يوم القيامة !
فالله لا تحويه الأمكنة المخلوقة بالمعنى الذي يريده هذا القائل , لكن إن أراد بقوله لا مكان , ويريد به نفي العلو الذاتي لله جل وعلا فهذا قول باطل فالله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه العلو فنحن نثبت العلو لله جل وعلا كما اثبته لنفسه ولا نحتاج للمصطلحات البدعية مثل ( المكان والجوهر والجهة والحيز ) وما شابه ذلك , ولا ننفيها ولا نثبتها إلا بعد الاستفصال عن المعنى المراد لهذه الكلمة , فيؤخذ المعنى الصحيح الموافق للكتاب والسنة وترد الكلمة المبتدعة .. ومن الأدلة على علو الله سبحانه من الكتاب والسنة
من كتاب الله تعالى
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) )
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ )
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ )
( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا )
(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )
( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) )
حديث تعاقب الملائكة في الليل والنهار :- " ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون "
حديث صحيح , صحيح مسلم والبخاري
الحديث في الخوارج :- " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ؟ "
حديث صحيح , صحيح مسلم والبخاري
حديث قبض الروح :- " حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله " حديث صحيح رواه أحمد وغيره
حديث الأستسقاء :- " ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن الله لا يستشفعُ به على أحد من خلقه , شأن الله أعظم من ذلك , إن الله على عرشه , وإن عرشه على سماواته وأرضه كهذا " وقال بأصبعه مثل القبة . حديث حسن
حديث خطبة عرفات الطويل :-" وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات " حديث صحيح , صحيح ابن ماجه للألباني
حديث الجارية :- سألها " أين الله " قالت في السماء قال " من أنا
قالت أنت رسول الله , قال " اعتقها فأنها مؤمنة "
ودونك أقوال السلف في هذه المسألة
أولا: الإمام الأوزاعي ت 157 هـ
قال: "كنا والتابعون متوافرون نقول:ان الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"
( مختصر العلو للذهبي 137 والأسماء والصفات للبيهقي ، وفتح الباري 13/417)
ثانيا:الإمام قتيبة بن سعيد (150-240) هـ
قال: "هذا قول الائمة في الإسلام والسنة والجماعة:
نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه ، كما قال جل جلاله:الرحمن على العرش استوى".
( انظر:مختصر العلو 187 ، درء تعارض العقل والنقل 6/260 ، بيان تلبيس الجهمية 2/37 )
قال الذهبي: فهذا قتيبة في إمامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة ،وقد لقي مالكا والليث وحماد بن زيد ، والكبار وعمر دهرا وازدحم الحفاظ على بابه.
ثالثا:الإمام المحدث : زكريا الساجي ت 307 هـ
قال: "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم أن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء ". انتهى
( مختصر العلو 223 ، اجتماع الجيوش الاسلامية لابن القيم 245 )
قال الذهبي: وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها وعنه اخذ أبو الحسن الاشعري علم الحديث ومقالات أهل السنة.
رابعا:الإمام ابن بطة العكبري شيخ الحنابلة ( 304-387) هـ
قال في كتابه الإبانة عن شريعة الفرقة والناجية:
"باب الإيمان بأن الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه
أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه , ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين وقالوا : إن الله ذاته لا يخلو منه مكان". انتهى
قال الذهبي: كان ابن بطة من كبار الأئمة ذا زهد وفقه وسنة واتباع .
خامسا:الإمام أبو عمر الطلمنكي الأندلسي (339-429) هـ
قال في كتابه: الوصول إلى معرفة الأصول:
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله : وهو معكم أينما كنتم . ونحو ذلك من القرآن : أنه علمه ، وأن الله تعالى فوق السموات بذاتـه مستو على عرشه كيف شاء
وقال: قال أهل السنة في قوله :الرحمن على العرش استوى:إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز"
( درء التعارض 6/250 ، الفتاوى 5/189 ، بيان تلبيس الجهمية 2/38 ، مختصر العلو 264 )
قال الذهبي: كان الطلمنكي من كبار الحفاظ وأئمة القراء بالأندلس
سادسا: شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني ( 372-449) هـ
قال: " ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله فوق سبع سمواته على عرشه كما نطق كتابه [ ثم ذكر الأيات ] وعلماء الأمة واعيان الأئمة من السلف ، لم يختلفوا أن الله على عرشه وعرشه فوق سمواته ".
( عقيدة السلف وأصحاب أهل الحديث 175-176 )
قال الذهبي: كان شيخ الإسلام الصابوني فقيها محدثا وصوفيا واعظا كان شيخ نيسابور في زمانه له تصانيف حسنة.
سابعا: الإمام أبو نصر السجزي ت 444 هـ
قال في كتابه الإبانة: " فأئمتنا كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقـون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وأن علمه بكل مكان وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم بريء وهم منه براء ".
( درء التعارض 6/250 ونقل الذهبي كلامه هذا في السير 17/ 656 )
وقال الذهبي عنه: الإمام العلم الحافظ المجود شيخ السنة أبو نصر .. شيخ الحرم ومصنف الإبانة الكبرى .
ثامنا:الحافظ أبو نعيم صاحب الحلية (336-430) هـ
" طريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ومما اعتقدوه:
أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة ، لا يزول ولا يحول …. وأن القرآن في جميع الجهات مقروءا ومتلوا ومحفوظا ومسموعا ومكتوبا وملفوظا: كلام الله حقيقة لا حكاية ولا ترجمة… وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم ، وهو مستو على عرشه في سمائه من دون أرضه".
(درء التعارض 6/261 ، الفتاوى 5/ 190 ، بيان تلبيس الجهمية 2/ 40 مختصر العلو 261 )
قال الذهبي: " فقد نقل هذا الإمام الإجماع على هذا القول ولله الحمد ، وكان حافظ العجم في زمانه بلا نزاع … ذكره ابن عساكر الحافظ في أصحاب أبى الحسن الاشعري".
تاسعا:الإمام أبو زرعة الرازي 264 هـ والإمام أبو حاتم ت 277 هـ
قال ابن أبى حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك ؟
فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان مذهبهم:
الإيمان قول وعمل يزيد وينقص …. وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف أحاط بكل شيء علما ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
قال: وسمعت أبى يقول : علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر
وعلامة الزنادقة : تسميتهم أهل السنة حشوية ، يريدون إبطال الأثر
وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة
وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة .
( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي ت 418 هـ ا/ 197-204 )
عاشرا:الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ
قال في التمهيد بعد ذكر حديث النزول:
" وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على عرشه من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش" .
ثم ذكر الأدلة على ذلك ومنها قوله:
" ومن الحجة أيضا في انه عز وجل فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى ، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى اكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم".
وقال: " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة ، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا انهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ، ويزعمون أن من أقر بها مشبه ، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود ، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله ".
( فتح البر بترتيب التمهيد 2/ 7 –48 )
الحادي عشر: الإمام ابن خزيمة صاحب الصحيح ت 311 هـ
قال: " من لم يقل بأن الله فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم القي على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة "
قال عنه الذهبي في السير: 14/ 365
"الحافظ الحجة الفقيه شيخ الإسلام إمام الأئمة ".
ونقل عنه قوله : "من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى، فوق سبع سمواته فهو كافر حلال الدم ، وكان ماله فيئا "
******
قول المخالف " فإذا أدرك ذلك ستعرف معنى قول علي كرم الله وجهه
حين فتل: إن الله خلق العرش إظهارا لقدرته ﻻ مكانا لذاته، وستعرف لماذا أنكر أبو حنيفة فيما أذكر قول
إن الله في شيء أو على شيء او من شيء ﻷنه إذا قلت إنه من شيء يكون حادثا وإذا قلت إنه في شيء يكون محصورا
وإذا قلت إنه على شيء يكون محمولا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا " اهـ
الجواب
أولًا :- يقال لهذا القائل , أثبت صحة هذا الكلام لعلي رضي الله عنه , وبعدها لكل حادثة حديث , لأن لا أصل له !
ثانيًا :- نسبة هذا الكلام لأبي حنيفة رحمه الله لا يصح بل هو خلاف للقول الثابت عنه
قال الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى :
لما سئل عن قول من يقول: لا أعرف الله في السماء أو في الأرض
فقال: " قد كفر، لأن الله تعالى يقول: (الرحمن على العرش استوى) وعرشه فوق سماواته "
ولكن قال لا يدري العرش في السماء أو في الأرض
قال: " إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر"
فأما الفلسفة التي ذكرها على لسان أبو حنيفة رحمه الله – كذبًا - فلا حاجة للمسلمين بها , وهل الانحراف والضلال أتانا إلا منها والعياذ بالله !
قول المخالف " ثم تدبر هذا القول: هو الأول فليس قبله شيء والآخر فليس بعده شيء والظاهر فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء. هل ستقول إنه معدوم
أو ستقول إنه على العرش استوى أي قعد وجلس عليه؟ إذن فما معنى وهو الباطن فليس دونه شيء؟ والسؤال
إذا كان الله بحاجة إلى الجلوس والقعود اين كان يجلس قبل خلق العرش؟ قل لي هذه المسألة توقيفية ،سأقول لك شيئا " اهـ
الجواب
قول النبي صل الله عليه وسلم " أنت الأول فليس قبلك شيء " معناه : أنه لا أول لوجوده ولا شيء قبله , فهذه أزلية في الابتداء .
وقوله " انت الآخر فليس بعدك شيء " معناه : فلا شيء بعده , وهذه أبدية في الانتهاء .
وقوله " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء " معناه : أن الله فوق مخلوقاته ولا شيء فوقه وهذا الحديث فيه إثبات للعلو لله جل وعلا .
وقوله " وأنت الباطن فليس دونك شيء " معناه : أنه ليس دون الله شيء
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى :" وأيضا فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ؛ وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء } وهذا نص في أن الله ليس فوقه شيء وكونه الظاهر صفة لازمة له مثل كونه الأول والآخر وكذلك الباطن فلا يزال ظاهرا ليس فوقه شيء ولا يزال باطنا ليس دونه شيء .
وأيضا فحديث أبي ذر وأبي هريرة وقتادة المذكور في تفسير هذه " الأسماء الأربعة " الذي فيه ذكر الإدلاء قد ذكرناه في " مسألة الإحاطة " وهو مما يبين أن الله لا يزال عاليا على المخلوقات مع ظهوره وبطونه وفي حال نزوله إلى السماء الدنيا . وأيضا فقد قال تعالى : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } فمن هذه عظمته يمتنع أن يحصره شيء من مخلوقاته . وعن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية أحاديث صحيحة اتفق أهل العلم بالحديث على صحتها وتلقيها ." اهـ
وقال رحمه الله " فلا يكون شيء قبله ولا بعده ولا فوقه ولا دونه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى به على ربه . وإلا فلو قدر أنه تحت بعض المخلوقات كان ذلك نقصا وكان ذلك أعلى منه . وإن قيل : إنه لا داخل العالم ولا خارجه كان ذلك تعطيلا له فهو منزه عن هذا " اهـ
وقال رحمه الله :" وقوله " وأنت الباطن فليس دونك شيء " لا يقتضي السفول إلا عند جاهل لا يعلم حقيقة العلو والسفول فيظن أن السموات وما فيها قد تكون تحت الأرض إما بالليل وإما بالنهار . وهذا غلط كمن يظن أن ما في السماء من المشرق يكون تحت ما فيها مما في المغرب . فهذا أيضا غلط . بل السماء لا تكون قط إلا عالية على الأرض وإن كان الفلك مستديرا محيطا بالأرض فهو العالي على الأرض علوا حقيقيا من كل جهة ." اهـ
أما قول المخالف " أو ستقول إنه على العرش استوى أي قعد وجلس عليه "
وقوله " إذا كان الله بحاجة إلى الجلوس والقعود اين كان يجلس قبل خلق العرش؟ "
الجواب
فهذا يبين لك كيفية جراءة هؤلاء المبتدعة على الله جل وعلا وأنهم يقولون عليه ما لا يعلمون ويفسرون ما يريدون على ما يفهمون , فيظن أن الاستواء لازمه الجلوس والقعود !
وهذا ما لم يقله أحد من أهل السنة من الذين يثبتون لله جل وعلا الاستواء موافقًا للنصوص الشرعية , وإنما يقولون أن الاستواء معناه العلو والارتفاع , فالله جل وعلا عال على خلقه فوق عرشه , ولا يلزم من ذلك الجلوس والقعود , لأن إثبات ذلك لابد له من دليل توقيفي , فنحن ولله الحمد نقف على النصوص ولا نتجاوزها كما فعل هذا المسكين هداه الله .
قَالَ مجاهد : ( اسْتَوَى ) " علا على العرش "
* البخاري / كتاب التوحيد
قال بشر بن عمر الزهراني : سمعت غير واحد من المفسرين يقول ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ارتفع.
* شرح أصول أهل السنة والجماعة للالكائي
قال ابن جرير الطبري في تفسير الأية الأولى: (الرحمن على عرشه ارتفع وعلا)، وفي تفسير الآية الثانية: ( يعني: علا عليه) .
تفسير الطبري
******
قول المخالف " يا أخي العزيز أهل السنة يردون على من وصف الله بصفات المخلوق فلا يجسمون الله فيقولون إن له أيد أو أرجل أو أعين أو فخذ أو أصابع
ونسب العلامة الباجوري شارح جوهرة التوحيد للقاني عقيدة هؤلاء إلى اليهود والنصارى وأهل النحل الضالة كما أنه نفى أي يكون لله جهة
وقال العلامة الزبيدي الشافعي في إتحاف السادة المتقين....بأنهم أضر على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان
وقال العلامة تقي الدين الحصني الشافعي في دفع شبه من شبه وتمرد بأنهم نزعة سامرية في التجسيم ونزعة يهودية في التشبيه ونزعة نصرانية " اهـ
الجواب
أقول أولاً : دعواه أن هؤلاء الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة غير صحيح
فكلٌ يدعي وصلًا بليلى * وليلى لا تقر لهم بذاكا
أهل السنة والجماعة هم من كان على ما كان عليه النبي صل الله عليه واله وأصحابه , وهم الذين على مذهب الأئمة الفقهاء الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من الأئمة الفقهاء وأهل الحديث .. فمن كانت عقيدته وفق الكتاب والسنة فهو من أهل السنة , ومن خالف السنة النبوية فليس من أهل السنة .
والأشاعرة لديهم مخالفات كثيرة في السنة فكيف يكونون من أهل السنة !!
ومن أراد التوسع في هذا الباب فليرجع لكتاب [ الأشاعرة في ميزان أهل السنة ] للشيخ فيصل بن قزار الجاسم .
ثانيًا : لا يستدل بقول المخالف على المخالف , فهذا أمر معروف في المناظرات والمناقشات العلمية , وإنما يكون الاستدلال بالأدلة الشرعية على بطلان ما ذهب إليه المخالف ويعتقده ..
ثالثًا : عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله جل وعلا , هو إثبات ما أثبته الله جل وعلا لنفسه في كتابه , وما أثبته له نبيه صلوات ربي وسلامه عليه في سنته الصحيحة , وكل ما عدا ذلك فهو رد لا يقبل .
قال العلامة الواسطي رحمه الله:
" وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته ، ولا تمثل بشيء من جوارح مبتدعاته ، بل هي صفات لائقة بجلاله وعظمته، لا تتخيل كيفيتها الظنون ، ولا تراها في الدنيا العيون ، بل نؤمن بحقائقها وثبوتها ، ونصف الرب سبحانه وتعالى بها ، وننفي عنها تأويل المتأولين ، وتعطيل الجاحدين ، وتمثيل المشبهين تبارك الله أحسن الخالقين"
( صفات الرب جل وعلا للواسطي )
فصفة اليد والعين والوجه والمجيء والإتيان والعلو والنزول والغضب والحب والكراهة وغيرها من هذه الأوصاف هي ثابتة في القرءان الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة ومن أراد معرفة أدلة هذه الصفات فليرجع لكتاب "العقيدة الواسطية " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , ومن أراد معرفة قواعد أهل السنة والجماعة في إثبات صفات الله جل وعلا فلينظر في " شرح كتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " للشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى .. فهناك ما يشفي الغليل ويدمغ الباطل بإذن الله الواحد الأحد .
رابعًا : من عادة أهل البدع اتهام أهل السنة والجماعة بأمور لا يقولون بها , مثل قول هذا القائل أننا نثبت الفخذ والعياذ بالله , وبعضهم يقول أننا نثبت الاضراس واللهوات والشفاه واللسان !!
ويستدلون بقول قبيح كذبًا وزورًا نسب إلى ابن ابي يعلى الفراء وهو , ألزموني بكل شيء إلا اللحية والفرج !! قبح الله واضع هذا الكلام , فكل هذا كفر وزندقة .
خامسًا : عقيدة أهل السنة والجماعة اتجاه المجسمة والممثلة , أنهم يكفرونهم ويخرجونهم من الملة , فكيف ينسب التجسيم إليهم !
قال نعيم بن حماد الخزاعي : " من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله نفسه ورسوله تشبيهاً. " اهـ
******
يقول المخالف " اما مسألة التجسيم فانظر ما يأتي: نقل الشهرستاني في الملل ج 1ص177 عن الجواربي قوله في إثبات الجسم لله تعالى أنه قال
إن معبوده جسم ودم ولحم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان وعينبن وأذنين ومع ذلك جسم لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء...
وانظر في بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية كيف يفتري على السلف قائلا إنهم كانوا يلومون الجهمية لما أنكروا الجسم لله تعالى
وادعى فيه أن الإمام أحمد وأئمة السنة يثبتون لله الجسم ، وادعى أن اﻹنكار أبعد من إثبات الجسم قال ذلك بعد أن وصفوا الله بالجوارح
وقال من يتصف بهذه الأوصاف أي اليد والرجل ....وغيرها لا يكون إلا جسما فالله جسم لا كالأجسام " اهـ
الجواب
قلت : أما الجواربي فلا أعلم من هو ومن أين أتى بهذا الأسم ؟ فلم أجده في كتاب الملل للشهرستاني , لكن هناك من قال بتلك الأقوال القبيحة وليسوا هم من أهل السنة والجماعة ونحن منهم براءة يقول الشهرستاني " وكان داود الجوازي من كبار متكلميهم يزعم أن ربه لحم ودم على صورة الإنسان ولا يختلفون في أن الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين أفيكون في صفاقة الوجه وصلابة الخد وعدم الحياء والجرأة على الكذب أكثر من هذا على قرب العهد وكثرة الخلق " اهـ
وداود هذا من الشيعة وليس من أهل السنة !
ويقول " وكان مقاتل يقول إن الله جسم ولحم ودم على صورة الإنسان " اهـ
ومقاتل بن سليمان من المرجئة الذين بالغوا بالتشبيه .
ولا يخفى على عاقل أن هذه الأقوال كفرية وأهل السنة والجماعة أبعد الناس عنها ويكفرون معتقديها , فكيف ينسب لنا هذا المفتري هذه الاتهامات ويقول أنها عقيدتنا كذبًا وزورا !! سبحانك هذا بهتان عظيم .
أما الاتهامات لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهي ليست وليدة اليوم , فقوله أن الشيخ يقول
[ جسم لا كالأجسام ] كذب على الشيخ .. حيث يقول شيخ الإسلام رحمه الله " فمن قال هو جسم لا كالأجسام كان مشبهاً ، بخلاف من قال: حي لا كالأحياء "
فحكم على من يقول هذه المقولة بأنه من " المشبهة "
فكيف ينسب هذا الكلام للشيخ !
ويقول الشيخ رحمه الله في مناظرته في العقيدة الواسطية حينما قال له أحدهم بأنه يجوز أن يقال جسم لا كالأجسام رد عليه الشيخ قائلًا " إنما قيل: إنه يوصف الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، وليس في الكتاب والسنة أن الله جسم حتى يلزم هذا السؤال "
وأما الألفاظ المبتدعة فهي تحتمل معنى صحيح وباطل , ومنهج أهل السنة والجماعة هو أن يستفسروا عن الألفاظ المبتدعة , ما مراد السائل منها ؟
إن أراد معنى باطلًا رد هذا المعنى , وإن أراد معنى حق , أحتج بالمعنى ويرد اللفظ المبتدع .
يقول الشيخ رحمه الله "ولهذا كان الذي عليه أئمة الإسلام أنهم لا يطلقون الألفاظ المبتدعة المتنازع فيها لا نفياً ، ولا إثباتاً ، إلا بعد الاستفسار والتفصيل : فيثبت ما أثبته الكتاب والسنة من المعاني ، وينفي ما نفاه الكتاب والسنة من المعاني "
وأما دعواه أن الشيخ ابن تيمية رحمه الله يدعي أن الإمام أحمد رحمه الله وغيره من علماءنا السنة يثبتون الجسم لله جل وعلا !! فهذا كذب بين فهذه كتب الشيخ منتشرة فليرشدنا هذا المفتري أين أدعى هذه الدعوة !
وهذا خلاصة قول الشيخ في مسألة الجسم
يقول في منهاج السنة النبوية :" وكذلك قوله ليس بجسم لفظ الجسم فيه إجمال قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والإنفصال أو المركب من مادة وصورة أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر الفردة والله تعالى منزه عن ذلك كله عن أن يكون كان متفرقا فاجتمع أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم فإن أراد بقوله ليس بجسم هذا المعنى
قيل له هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول وأنت لم تقم دليلا على نفيه وأما اللفظ فبدعة نفيا وإثباتا فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفيا ولا إثباتا .." اهـ
*****
يقول المخالف " أما خلق القرآن: لماذا ينفون عن خلق القرآن مع قرارهم انه
أوجده الله بعد عدمه ؟ لماذا ينفون عن خلقه مع قرارهم أنه لم يتصف الله به في قدمه وأزليته ؟ فكيف تنفون أن يكون ألله متصفا به في قدمه
مع قولكم إنه صفة من صفاته؟ ألم يكن يتصف بالكمال في أزليته ؟ وكيف ينفون خلق هذه الحروف التي نقرأها في المصحف مع تصريحهم بخلق المداد
اليس هذه الحروف التي نفوا عن خلقها هي عين المداد الذي اثبتوا على خلقه؟ ظلمات بعضها فوق بعض وتناقضات متراكمة بعضها فوق بعض " اهـ
الجواب
يكفي أن يقال لهذا المسكين المتخبط ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله : " وإن القرآن كلام الله ، منه بدا بلا كيفية قولا ، وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية , فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر ، وقد ذمه الله وعابه و أوعده بسقر حيث قال تعالى : ( سأصليه سقر ) فلما أوعد الله بسقر لمن قال : ( إن هذا إلا قول البشر ) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ، ولا يشبه قول البشر " اهـ
( العقيدة الواسطية )
فلا نحتاج للولوج في الحالة النفسية والهذيان الذي يتخبط فيه سائر أهل البدع حينما عجزوا عن فهم كلام الله جل وعلا ورسوله صل الله عليه وسلم .
والله الموفق , هذا ما لزم بيانه
وصل الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم .
وكتبه
أبو عائشة أحمد العنزي .
http://www.bahrainsalafi.com/upload....h1vaMjI0u2TPXL