العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الحــوار مع الــصـوفــيـــة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-07-12, 02:15 AM   رقم المشاركة : 1
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


Lightbulb مخالفات الصوفية لمقتضى التوحيد..نماذج ودلالات

مخالفات الصوفية لمقتضى التوحيد..نماذج ودلالات










السبت 30 يونيو 2012






مخالفات الصوفية لمقتضى التوحيد..نماذج ودلالات


الصوفية: محمد جمعة


هذه مجموعة من المقالات يقصد بها تحرير بعض المفاهيم والمبادئ الإسلامية مما يتصل بأصل الدين -من الكتاب والسنة- وتجلية أسباب التفرق وما ينشأ عنه من الابتعاد عن الصراط المستقيم، والبعد عن مقتضى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5] وعن منهج أهل السنة والجماعة.


كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أمتي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِى مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(1).


ثم نبين مدى ارتباط الصوفية بهذه الحقائق والمبادئ أو مفارقتهم لها.


حقيقة الصوفية واحدة وطريقتهم واحدة:


لا يوجد إلا صوفية واحدة، غايتها واحدة، وحقيقتها واحدة منذ أن وجدت الصوفية حتى الآن، وإن اختلفت الأسماء، وأقوالهم متواترة حول هذا المعنى، وهذه براهين من أقوال عارفيهم وأهل مكة أدرى بشعابها:


قال الجنيد (سيد الطائفة): "الصوفية أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم"(2).


ويقول ابن البنا السرقسطي: "مذاهب الناس على اختلاف ومذهب القوم على ائتلاف"(3).


ولعل هذا يحتاج إلى بحث مستقل مؤداه أنهم أهل بيت واحد وإن اختلفت طرائقهم.


ونعني بالصوفية المعنى الاصطلاحي؛ هؤلاء الذين جاءوا بعقائد مباينة لأهل الإسلام من القول بالحلول والاتحاد، وإجراء النبوة بعد محمد صلوات الله وسلامه عليه، ونزول الوحي، وإتيان الملائكة، وتكليم الله إياهم، وعدم خلو الأرض من شخص به ثبات الأرض ووجودها، وعدم قبول العبادة بدونه، ونسخ الشريعة، ورفع التكاليف، وإباحة المحظورات وإتيان المنكرات، والتحلل من التكاليف والمروق من الشريعة، وتفضيل الولي على النبي، بل عامتهم يجعل الولي مساويًا لله في كل صفاته فهو يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويتصرف في الكون، بل هذه الفئة تذود عن إبليس وفرعون وعباد العجل والوثن، حيث إنهم عبدوا الله في تلك الصور بزعمهم... إلخ.


وأما الذين يقولون: إنما نعني بالصوفية السلوك الإسلامي، وترقيق القلوب والزهد في الدنيا، فيقال لهم: هذه الأشياء مفاهيم إسلامية أصيلة عمل بها السلف الصالح قبل أن يكون تصوف؛ فلماذا إذًا تسمون هذه الأشياء صوفية، وقد أصبح هذا المصطلح علمًا على رموز وأشكال تخالف الإسلام؛ فهلَّا ابتعدتم عن الشبهات وتركتم هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، "والزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف"(4).


والصوفية إما أن تكون من الإسلام فتسمى حينئذٍ إسلامًا، وإما ألا تكون من الإسلام، فينبغي الابتعاد عنها، لأنها حينئذٍ تكون بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


والذي نحن بصدده بيان معنى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، ثم نبين مدى مطابقة معتقدات تلك الطائفة لهذا الطريق المستقيم.


تعريف التوحيد في اللغة:


كلمة التوحيد في اللغة ترجع إلى لفظة "وحد"، وفروع هذه الكلمة تدور على معنى الانفراد وانقطاع المثل والنظير، ففي معنى الانفراد يقول الخليل بن أحمد: "الوَحَد المنفرد، رجلٌ وَحَد، وثورٌ وَحَدٌ... والرجل الوحيد ذو الوحدة؛ وهو المنفرد لا أنيس معه، وقد وَحُدَ يَوْحدُ وحاَدَةً وَوَحْدةً ووَحَدًا"(5).


وفي معنى الانفراد وعدم المثيل يقول ابن فارس: "الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد، من ذلك الوحدة، وهو واحد قبيلته إذا لم يكن فيهم مثله"(6).


وفي لسان العرب: "ورجلٌ متقدم في بأس أو علم أو غير ذلك كأنه لا مثل له فهو وحده لذلك"(7).


وباستعراض المعاني السابقة للفظ الواحد نجدها تدل في مجملها على معنى التفرد وانقطاع المثل والند والنظير والشبيه.


تعريف التوحيد في اصطلاح أهل السنة:


لقد تقدم أن كلمة التوحيد في اللغة تدل على الانفراد، وانقطاع النظير والمثيل، بل قد جاء في كتب أهل اللغة المتقدمين؛ أن التوحيد يعني الإيمان بالله وحده لا شريك له، وهذا هو التوحيد الشرعي الذي جاء في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه بنى أهل السنة تعريفهم للتوحيد، وتقسيمهم لأنواعه.


أولًا: التوحيد في القرآن:


لم تأت كلمة التوحيد بهذه اللفظة في كتاب الله، وإنما جاء فروع هذه الكلمة مثل: "واحد"، و"أحد"، و"وحده"، وهي تعني توحيد الله، الذي عليه مدار كتاب الله عز وجل.


وإذا تأملت الآيات عن الله عز وجل في توحيده سبحانه تجدها تشمل إفراده بالعبادة، وإثبات الأسماء الحسنى والصفات المثلى له سبحانه، وإفراده وحده بالربوبية والخلق والتصرف والتدبير والرزق.


ففي إفراده بالعبادة قال عز وجل: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران: 18]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[المائدة: 73]، وقال سبحانه: {وَقَالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[النحل: 51]، يقول الإمام الطبري: "إلهًا واحدًا أي نخلص له العبادة، ونوحد له الربوبية، فلا نشرك به شيئًا، ولا نتخذ دونه ربًّا"(8).


وفي إثبات الأسماء والصفات لله تعالى؛ يقول سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة: 163]، وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: 1-4].


وفي إفراده بالخلق والربوبية والنفع والضر آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}[الصافات: 4-5]، وعلى هذه المعاني الثلاثة كانت آيات التوحيد في كتاب الله تعالى.


ثانيًا: التوحيد في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم:


لقد كان مدلول كلمة التوحيد وفروعها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، هو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتعني أيضًا عبادة الله وحده، ومن الشواهد على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى»(9)، ثم جاء تفسير التوحيد في روايات أخرى تعددت ألفاظها، ومنها قوله: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ»(10).


فهذه الروايات يفسر بعضها بعضًا، وهي تدل على أن التوحيد يعني شهادة أن لا إله إلا الله، ويعني عبادة الله وحده.


وهذا المعنى فهمه جابر رضي الله عنه، وعبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ؛ لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ»(11).


وقال صلى الله عليه وسلم في حديث وفد عبد القيس: «آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ»(12)، وعن عطاء رحمه الله في قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ}[المائدة: 5]، قال: "الإيمان التوحيد"(13).


وقال ابن عباس رضي الله عنه في معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ}[البقرة: 21]، قال: "وحدوا"(14)، وقال رضي الله عنه: "كل عبادة في القرآن فهو التوحيد"(15)، وفسر رضي الله عنه قوله تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ}[الأنفال: 39]، بقوله: "يخلص له التوحيد"(16)، فالدين عنده هو التوحيد.


ونخلص من هذا إلى أن معنى التوحيد في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته هو شهادة أن لا إله إلا الله، وإفراد الله بالعبادة، والإيمان به وحده دون شريك في العبادة أو الربوبية أو الأسماء والصفات.


التوحيد عند أهل السنة:


وقد بنى أهل السنة تعريفهم للتوحيد على المعاني السابقة، يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله في بيان معنى أن الله واحد بأنه "لا شريك له"(17).


ويقول الإمام الدارمي رحمه الله: "وتفسير التوحيد عند الأمة وصوابه، قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له"(18).


وإمام الشافعية أبو العباس بن سريج يقول: "توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"(19).


ويقول الإمام الطحاوي رحمه الله في بيان التوحيد: "نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه"(20).


وحول هذا المعنى دار كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن التوحيد، فقال عن التوحيد إنه: "شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له"(21)، ويقول عن توحيد الرسل إنه: "تضمن إثبات الإلهية لله وحده، بأن يشهد أن لا إله إلا هو، ولا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالي إلا له، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله، وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات"(22).


ويعرف الإمام ابن القيم رحمه الله التوحيد بقوله: "توحيد الرسل إثبات صفات الكمال لله على وجه التفصيل، وعبادته وحده لا شريك له، فلا يجعل له ندًّا في قصد ولا حب ولا خوف ولا رجاء ولا لفظ ولا حلف ولا نذر، بل يرفع العبد الأنداد له من قلبه وقصده ولسانه وعبادته"(23).


يتضح من التعريفات السابقة أنها تدور حول معنى واحد، هو تعريف التوحيد بأنه شهادة أن لا إله إلا الله، وإفراده سبحانه بالعبادة، وبعض التعريفات فيها تفصيل إثبات أسماء الله وصفاته وربوبيته.


وقد كان التركيز في كلام السلف على توحيد الله بالعبادة والألوهية؛ لأنه يتضمن إثبات أسماء الله وصفاته وإثبات ربوبيته، ولأن العبادة هي الغاية من خلق الإنس والجن، فمن وحد الله بأسمائه وصفاته وربوبيته ولم يعبده لم يكن موحدًا، ومن عبده ولكن ألحد في أسمائه وصفاته لم يكن موحدًا.


وعليه فيمكن تعريف التوحيد بأنه: إفراد الله بالربوبية وإفراده بأفعاله، وما يثبت له من الأسماء الحسنى والصفات المثلى، والإخلاص له في الألوهية والعبادة، وهذا التعريف يشمل التعريفات السابقة، ويتضمن أنواع التوحيد.


وباستقراء تعريفات أهل السنة نجدهم يقسمون التوحيد إلى نوعين: عبروا عنهما بأكثر من صيغة، فمن ذلك تقسيمهم التوحيد باعتبار آخر وهو توحيد الله بأفعاله وهو ما يعبرون عنه بالتوحيد القولي العلمي، وتوحيد الله بأفعال العباد، وهو ما يعبرون عنه بالتوحيد العملي الإرادي.


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية، وهو أن يعبد الله وحده لا شريك له، وهو متضمن لشيئين:


أحدهما: القول العلمي، وهو إثبات صفات الكمال له، وتنزيهه عن النقائص، وتنزيهه عن أن يماثله أحد في شيء من صفاته، فلا يوصف بنقص بحال، ولا يماثله أحد في شيء من الكمال، والتوحيد العملي الإرادي أن لا يعبد إلا إياه، فلا يدعو إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف إلا إياه، ولا يرجو إلا إياه، ويكون الدين كله لله، وهذا التوحيد يتضمن أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، لا شريك له في الملك"(24).


تعريف التوحيد عند الصوفية:


أولًا: الصوفية المصرحين بالاتحاد بين الخالق والمخلوق وحاصل مراتب التوحيد عندهم:


"أن يعلم يقينًا بالدليل القاطع، أن الموجود الحقيقي هو الله سبحانه، وكل ما سواه معدوم الأصل، وجوده ظل وجود الحق، فيعتقد أن ليس في الوجود فعل، وصفة، وذات، إلا لله حقيقة، وأن يجد ذلك ويشهده"(25).


فقول أهل الوحدة في التوحيد ظاهر الفساد، بل توحيدهم هو محض الشرك.


وقد رد عليهم شيخ الإسلام رحمه الله وبين حقيقة الاشتباه الذي وقعوا فيه، وأنه من أعظم الضلال الذي وقع فيه بنو آدم، قال رحمه الله: "فمن اشتبه عليهم وجود الخالق بوجود المخلوقات؛ حتى ظنوا وجودها وجوده فهم أعظم الناس ضلالًا من جهة الاشتباه، وذلك أن الموجودات تشترك في مسمى (الوجود) فرأوا الوجود واحدًا، ولم يفرقوا بين الواحد بالعين، والواحد بالنوع"(26).


وقال رحمه الله عنهم: "فإن هؤلاء حقيقة قولهم تعطيل الصانع، وأنه ليس وراء الأفلاك شيء، فلو عدمت السماوات والأرض، لم يكن ثم شيء موجود"(27).


والتوحيد عند الصوفية هو مشاهدة الوحدانية بطريق الكشف بواسطة نور الحق، وأعلى من ذلك أن لا يرى في الوجود إلا واحدًا فلا يرى نفسه(28)، وقالوا أيضًا في تعريف التوحيد: "المراد بالتوحيد ظهور صفة الوحدانية للعبد حتى ينمحق كله فيها؛ ولا يبقى له أثر إلا مجرد التصديق القلبي بأن ذلك حق"(29).


وقالوا أيضًا في تعريف التوحيد أنه: "الفناء عن رسوم الصفات في الحضرة الواحدية، وشهود الحق بأسمائه وصفاته لا غير، وفي الحقائق: الفناء في الذات مع بقاء رسم الخفي المستور بنور الحق المشعر بالإثنينية المثبت للخلة"(30).


ومن خلال التعريفات السابقة يتبين لنا أن غاية توحيد الصوفية هو شهود توحيد الربوبية والفناء فيه، ومن المعلوم أن الإقرار بتوحيد الربوبية لم يخرج مشركي العرب عن شركهم، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ}[لقمان: 25]، وذلك لأنهم لم يقوموا بلازمه وهو توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة.


يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "فكذلك طوائف من أهل التصوف المنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد، غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد، وهو أن يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، لاسيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمعروفه عن معرفته، ودخل في فناء توحيد الربوبية، فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها، ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد، ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلمًا، فضلًا عن أن يكون وليًّا لله أو من سادات الأولياء"(31).


فالصوفية إذًا غايتهم في التوحيد هو إثبات الربوبية، والاستغراق في ذلك، وليس هذا ما بعث لأجله الرسل، وخلق لأجله الخلق.


وبمقارنة معنى التوحيد عند أهل السنة المعتمد على كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، بتعريف الصوفية، يتبين لنا بعد هذه الطائفة عن ما جاء في القرآن والسنة في معنى التوحيد، بل مخالفتهم له(32).


نماذج من مخالفات الصوفية لمقتضى التوحيد:


1- فمن ذلك قول ابن مشيش (شيخ الشاذلي): "... وزُجَّ في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد"(33).


فانظر كيف صارت عقيدة التوحيد التي بعث الله الرسل من أولهم إلى آخرهم لدعوة الناس إليها، ولإقامة حياتهم على أساسها أوحالًا!


2- ومن أخطر عقائد الصوفية ما يعرف بنظرية "وحدة الوجود" عند ابن عربي، حيث زعم أن الوجود الحقيقي هو الله سبحانه، ولكننا نرى هذه الكثرة والتعدد قائمة أمام أعيننا فلا يمكن إنكارها، ومن ثم فهذه الموجودات كلها ليست سوى الله ذاته -تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًّا- وكلها مظهر من مظاهره وتجل من تجلياته، وليست آية من آياته كما هو مفهوم أهل السنة، فحقيقة الرب إذًا أنه وجود مطلق لا اسم له ولا صفة ولا يرى في الآخرة، وليس له كلام ولا علم ولا غير ذلك، ولكن يُرى في الكائنات(34).


فكل كائن هو الله، والله هو كل كائن، فاتحد بذلك الوجود مع الخالق المعبود، وتم له ما أراد من هدم صرح التوحيد، وكان هذا القول أشد شركًا من قول النصارى، إذ أن الكل في هذا التصور المريض إله يعبد.


وأهل السنة من السلف والخلف يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى حق حي قيوم على مخلوقاته، وأنه خلق الكائنات وجعل لها ذوتًا منفصلة لا علاقة لها بذاته، وهي موجودة حقيقة وليست صورًا أو أوهامًا وأنها تفنى في هذه الحياة الدنيا، وأن وجودها مستقل عن الخالق المعبود.


وكيف يقال بوحدة الوجود؟ وهناك خالق ومخلوق ومؤمنون وكفار، والكفار يعذبون في النار فمن الذي يعذبهم؟... وحتى لا يرد هذا السؤال نجد ابن عربي يحرف كل آيات القرآن الكريم ويطبق باطنيته وكفره في كتاب (فصوص الحكم)، فموسى عليه السلام لم يعاقب هارون عليه السلام إلا لأن هارون أنكر على بني إسرائيل عبادة العجل، وهم ما عبدوا إلا الله لأن الله قضى ألا نعبد إلا إياه، ولذلك كان موسى أعلم من هارون(35).


وقال ابن تيمية(36): ورأيت بخطه في كتابه (الفتوحات المكية) هذين البيتين:


الرب حق، والعبد حق *** يا ليت شعري من المكلف



إن قلت عبد، فذاك رب *** أو قلت رب أنى يكلف


وانظر إلى قول تلميذه ابن الفارض:


لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلت



كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة


وما كان صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة(37)


لقد كان الحلاج من أعظم المصرحين بوحدة الوجود والفناء في ذات الله حتى أثر عنه ادعاء الربوبية، وضبطوا عليه كلمات قمة في الكفر كقوله: "أنا الحق" و"سبحاني ما أعظم شأني" و"ما في الجبة إلا الله".


وقوله (أي - الحلاج):


كفرت بدين الله والكفر واجب *** لدي وعند المسلمين قبيح(38)


فأي إسلام يرجى وأي توحيد يقبل من طائفة قالوا بهذا الكلام ونقلوه واستحسنوه وأثنوا على قائله؟!


وكذلك استحسن شيوخ الصوفية والنقشبنديون خاصة قول أبي يزيد: "سبحاني ما أعظم شأني".


وذكرت كتبهم أنه "صلى بالناس الفجر ثم التفت إليهم فقال: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، فتركه الناس، وقالوا: مجنون، مسكين"(39).


فهل يعد الكفر في أي ملة إلا هذا؟ والإسلام لا يعرف عبادة تنتهي بصاحبها إلى التلفظ بالكفر وادعاء الألوهية، سبحانك هذا بهتان عظيم.


ومن ذلك أيضًا الاستعانة بالأموات والغلو في المشايخ:


ولا يقولن قائل هذا كان في فرق اضمحلت ولم يبق منها إلا ما حوته الكتب، فهذا مؤسس الطريقة البريلوية أحمد رضا يقول موضحًا منهج الصوفية في الابتعاد عن التوحيد: "إذا تحيرتم فاستعينوا بأصحاب القبور"، ويقول في غلوه في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصرف في كل مكان وهو ملك الأرضين، ومالك الناس"(40).


قال القشيري: "واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات والعصمة من المعاصي والمخالفات، ويجوز أن يكون من جملة كرامات ولي الله أن يعلم أنه ولي"(41).


وقد خالف الصوفية مقتضى التوحيد في أبواب كثيرة؛ كالاستغاثة والنذر ومفهوم الأقطاب والغوث والأبدال...


___________________


(1) رواه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، (2853)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2641).


(2) الرسالة القشيرية، ص(127).


(3) الفتوحات الإلهية، ص(101).


(4) تلبيس إبليس، ابن الجوزي، ص(165).


(5) العين، الخليل بن أحمد، (3/ 280-281)، وانظر: تهذيب اللغة للأزهري، (5/ 192 - 193)، وجمهرة اللغة لابن دريد (2/ 126-127)، والصحاح للجوهري (2/ 548)، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس (6/ 90-91)، ولسان العرب لابن منظور، (3/ 448-449).


(6) معجم مقاييس اللغة، (6/ 90).


(7) لسان العرب، (3/ 447)، والقاموس المحيط، ص(414).


(8) تفسير الطبري، (1/ 562)، وانظر: تفسير ابن كثير، (1/ 192).


(9) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}، (7372).


(10) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، (1395).


(11) رواه مسلم، كتاب الحج، باب حج النبي صلى الله عليه وسلم، (3009).


(12) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، (7556).


(13) تفسير الطبري، (6/ 109).


(14) الدر المنثور للسيوطي، (1/ 85).


(15) تفسير القرطبي، (18/ 193)، وانظر: زاد المسير لابن الجوزي، (1/ 14) و(4/ 75).


(16) زاد المسير، (1/ 200)، وانظر: جامع البيان، (9/ 249).


(17) شرح الفقه الأكبر لملا علي قاري، ص(22).


(18) رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي للإمام الدارمي، ص(6).


(19) بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية، (1/ 487)، وانظر: التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى لابن تيمية، (5/ 206)، وإعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم، (4/ 191).


(20) متن العقيدة الطحاوية، الإمام الطحاوي، ص(6).


(21) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، (3/ 364)، مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (1/ 44).


(22) درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، (1/ 224).


(23) الروح، ابن قيم الجوزية، ص(386).


(24) بيان تلبيس الجهمية، (1/ 479).


(25) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، (2/ 1469)، وقد نقل هذا الكلام عن شارح القصيدة الفارضية.


(26) التدمرية، ص(108).


(27) الصفدية، (1/ 244).


(28) إحياء علوم الدين للغزالي، (4/ 240).


(29) رسالة التوحيد للنابلسي النقشبندي، ص(43).


(30) اصطلاحات الصوفية للقاشاني، ص(220)، وانظر: معجم ألفاظ الصوفية للدكتور الشرقاوي، ص(92).


(31) التدمرية، ص(186-187).


(32) لزيادة التفصيل ينظر: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية، رسالة لآمال بنت عبد العزيز العمرو.


(33) النفحة العلية في أوراد الشاذلية، ص(16).


(34) انظر: تنبيه الغبي، البقاعي، ص(19،40)، والإيمان الأوسط، ابن تيمية، ص(132)، قطر الولي، الشوكاني، ص(190).


(35) تنبيه الغبي، البقاعي، ص(120)، نقلًا عن فصوص الحكم، فص(192).


(36) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، (2/ 242).


(37) الرسالة القشيرية، ص(6)، طبقات الشعراني، (1/ 108)، لطائف المنن والأخلاق، ص(479)، إحياء علوم الدين، (4/ 247).


(38) الأنوار القدسية، ص(134)، الحدائق الوردية، ص(134)، واحتج ببيته مرة ثانية ص(213)، واحتج به السرهندي ص(282).


(39) المواهب السرمدية، ص(48 و90 و162 و226-227)، الأنوار القدسية، ص(97 و99)، تلبيس إبليس، (344)، الحدائق الوردية في حقائق أجلاء النقشبندية، ص(204).


(40) البريلوية عقائد وتاريخ، (1/ 60).


(41) الصلة بين التصوف والتشيع، د.مصطفى الشيبي، ص(386).












التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» توقف لحظة .. هل أنت منافق ؟؟
»» صفعة جديد للرافضة المعصوم يفتي بجواز قراءة القران في الحمام
»» 30 وسيلة لتأديب الأبناء عند السلف
»» احصل على جريدة مجانا نكبة بني علمان بالصور
»» النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع ولا يضر فأين أنتم من الآية ؟ سؤال للشيخ صالح السحيم
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:49 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "