1- الفرق الباطنية واختلاف وجود آلهتهم: من هم أولاً؟: مذهب الباطنية من أخبث وأردئ المذاهب المنتسبة للإسلام كذباً وزورا, وأهلة من عتاة الشر وأفسد المخلوقات, وهم أعدى أعداء المسلمين قديماً وحديثاً, بل وأكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب, لا ذاك هم ولا هم ذاك, وقد جمعوا بين الشرك والنفاق عكس اليهود والنصارى والمشركين في اعترافهم أنهم ليسو بمسلمين, وخبثهم ينطلق بدخولهم جسد الإسلام والتستر به, كالأمراض الخبيثة في الجسد الصالح. والأخبث من ذلك هو لبس قناع أهل السنة وكشفه إذا سمحت لهم الفرصة, فلم يسفكوا دماءً قت كما سفكوا دماء أهل السنة والجماعة, وسبب ذلك لما يمليه عليهم اليهود, والمجوس, والملاحده والفلاسفة, والصليبيين, وأهل الزندقة والمشركين .., في أن هذه الفرقة هي الفرقة التي ما زالت متمسكه بشريعة نبيهم - على حد زعمهم -.
وأختلفوا العلماء حول تحديد ظهور هذا المبدأ الهدام, وقد ذهب بعض العلماء إلى التحديد بالزمن, فذكر أن أول ظهور الباطنية في سنة 205هـ, وقال آخرون في سنة 250هـ, وبعض العلماء يقولون مائتين وكسر. والله أعلم.
وقد اطلق عليهم هذا الأسم - الباطنية - لزعمهم أن النصوص من الكتاب والسنة لها ظاهر وباطن, وأن الظاهر بمنزلة القشور والباطن بمنزلة اللب, وكل هذا للاستمرار ما يهواه كبرائهم لهدم الدين الحنيف.
ودائماً ما يتسترون بعدة أمور في تحريف شريعة الله: كجحد الأسماء والصفات أو سلخها ووضعها في المخلوقات المقدسة لديهم تحت مسمى التنزيه! - تشبيه صفات الله بخلقه كالقاديانية - نسخ الشرائع, كظهور نبي أو إمام أو أن اللاهوت حل بالناسوت المفضل للطائفة - حب أهل البيت أو شخص معيّن - التزعّم بالتجديد ..ألخ.
فقد اختلفت مذاهبهم في عقيدة الألوهية على درجات من الكفر والإلحاد كما سيتضح لنا أكثر بإذن لله.
فذهب قسم منهم إلى القول بوجود إلهين, لا أول لوجودهما من حيث الزمن, إلا أن أحدهما علّة لوجود الثاني, واسم العلة السابق, واسم المعلول التالي, وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه, وقد يسمون الأول عقلاً, والثاني نفساً تخرصاً وكذبا.
وقد ذكر مصطفى غالب - باطني من أهل سلمية - خلاصة معتقدهم في الخالق - عز وجل - فقال: ((ولما كان الله فوق العالم وهو غير محدود, فلا يمكن أن يخلق العالم مباشرة وإلا اضطر إلى الإتصال به مع أنه بعيد عنه, لا ينزل إلى مستواه, ولما كان واحداً فلا يمكن أن يصدر عنه العالم المتعدد, ولا يستطيع أن يخلق الله العالم, لأن الخلق عمل وإنشاء شيء لم يكن, وذلك يستدعي التغير في ذات الله والإله لا يتغير)). انظر في (الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة) [ص: 96].
قلت: ومعنى هذا الكفر أن الله علة العالم وسبب وجوده فقط, وأن الله فوق العالم, ولا يستطيع أن يتصل به ويخلقه بنفسه مباشرة لأنه واحد, ويستنكف أن يباشر خلق الأشياء بنفسه لترفعه وعلوه, وهذا من أعظم الجهل والغفلة.
إذ أن هذا الباطني الجاهل, تطاول على عدم قدرة الله أن يخلق الخلق, ونسي أنه أوجد العقل الأول أو المبدع الأول, أو الموجود الأول, أو السابق الأول, أو القلم هو إله, الذي يتزعم به أنه يساعد الله!, ومتصف بصفات الخالق, والرزاق, والمصور, والباري, وغيرهما من الصفات, لا الله تعالى, وكذلك العقل الثاني, أو الموجود الثاني, أو التالي, أو اللوح, والعقلالعاشر, وكذلك النبي, والوصي, والإمام.
أو أنه نزه الله ولم ينزه القائمين على صفات الله, الذين قد اتصفوا بصفة الألوهية بعد أن تنزه الله عنها!, وهذا دليل على شدة تناقضهم { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }[الأنفال: 30].
فهؤلاء آلهة الإسماعيلية ومن وافقهم, لا الله الواحد القهار.
والدليل على ذلك لما قاله الباطني المشهور - عند قومه - الكرماني في كتاب (كنز الولد) [ص: 13-14]: ((الحمد لله لا يدركه من لا تدركه الأبصار, ولا يحصره من لا تحصره الأفكار, الذي دون تناوله للأفكار أستار, أو لاقدام الأوهام زلل وعثار, فهو سبحانة لا يدخل تحت اسم ولا صفة, ولا يومأ إليه بالإشارة مكيفة, ولا يقال عليه حياً, ولا قادراً, ولا عالماً, ولا عاقلا, ولا كاملاً, ولا تاماً ولا فاعلاً ... ولا يقال له ذات ... ولا يقال أنه جوهر ... ولا يقال عرض ... ولا يقال أنه علة ... ولا يقال أنه قديم)).
ويستمر هذا الإلحاد والشرك, في قول الباطني الكرماني: ((لأن كل منهم في زمانه قائم مقام الله بقيامه مقام النبي الذي هو قائم مقام الله)). انظر في (راحة العقل) [ص: 577].
ويقول المفسر الإسماعيلي - الباطني - ضياء الدين في تفسيره (مزاج التسنيم) [5/337]: ((الحمد لله الذي أجرى جميع أموره الجزئية والكلية ... وصلى الله على رسوله سيدنا محمد من خرق رتب الحجابية ... [ وعلى إمام العصر الواقع عليه في عصره اسم الإلهية ])). تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ..
2- الفرقة الباطنية الأولى: النصيرية وغلوهم في الإمام علي رضي الله عنه: النصيرية هي إحدى الفرق الباطنية الغلاة, ظهرت في القرن الثالث للهجرة انشقت عن فرقة الإمامية الإثني عشرية. وتنتسب هذه الطائفة في نشأتها إلى الهالك زعيمهم الرافضي محمد بن نصير النميري, وأصله من فارس, وكان من الشيعة الإثني عشرية, ثم انفصل عنهم إثر نزاع بينه وبينهم على ثبوت صفة الباب له, وأخذوا يتناقرون كتناقر الغربان - على الباب المزعوم -, فئتان عند الله عاصيتان, حيث ادعى أنه الباب إلى المهدي المنتظر, فلم تقر له الإمامية بذلك فانفصل عنهم وكوّن له طائفة وقد ظل زعيماً لطائفته إلى أن هلك, بعضهم قالوا 260هـ, ومنهم قالوا 270هـ, نسأل الله العافية والسداد.
والنصيريون كباقي أعداء الباطنية على الإسلام, بل وأشرسهم - وإن وافقوا القرامطة بتاريخهم المظلم - كما خط كل بنان عن تاريخهم الأسود, مما أقترفت أيديهم النجسة من مجازر لا يخطر على قلب إبليس! - لعنه الله -, وهم حينما يوقعون الأذية بالمسلمين يعتقدون بثواب ذلك الفعل, بل تقام الإحتفالات والأعياد.
وتقام الأحزان والهموم والمصائب بفرقتهم إذا سمعوا بانتصار المسلمين, وأخذت كلمة التوحيد ترفرف فوق رؤوسهم رغماً عن أنوفهم.
وميزة هذه الطائفة ليس إباحة شرب الخمر, بل تقديسه لدرجة عقاب من يقتلع شجرة عنب قد يصل عقوبته إلى هلاكه, حيث زعموا أن الله - تعالى عن ذلك - يتجلى فيها, وأنها تُسمى عبد النور! تشريفاً لها, والعياذ بالله.
تأليه الإمام علي رضي الله عنه - حاشاه من هذا الإفك - زاعمين أنه إمام في الظاهر وإله في الباطن لم يلد ولم يولد, ولم يمت ولم يقتل, ولا يأكل ولا يشرب, ويترضون عن الخارجي ابن ملجم - عليه من الله ما يستحق - قاتل الشهيد الحيدرة رضي الله عنه, لأنه بزعمهم خلّص اللاهوت من الناسوت, فأي لاهوتٍ هذا لا يستطيع أن يخلّص ذاته من ذات ناسوت وهم يعبدونه؟! وأي لاهوتٍ هذا يستغيثون به وقد أغاثة ناسوت أصلاً؟! أليس الأولى عبادة الناسوت المارق ابن ملجم الذي خلّص اللاهوت العاجز؟!.
ونختصر توضيح مكان إله هذه الطائفة, التي هي مبتغى مبحثنا في هذه الرسالة المتواضعة, وقد اختلفوا هؤلاء الكفرة الفجرة في مكان حلول إلههم بعد أن ترك ثوبه الآدمي:
أ- فمنهم من يتجه إلى القمر في عبادته لاعتقاد أنه حل فيه, بل القمر نفسه هو علي, وهؤلاء يسمون بالشمالية.
والمضحك في هؤلاء أن وكالة ناسا أستطاعة أن تحط بمركبتها الفضائية فوق إلههم وغرس علم أمريكا على ذات إلههم, والرئيس النصيري لسوريا بشار الأسد يتوعد ليلاً ونهاراً أمريكا وإسرائيل, ولم يستطع أن يحرر إلهه الذي قد أهانه القوم, فكيف سيحرر الجولان المحتلة التي قد باعها أباه الهالك - الحافظ - أصلاً للدولة المزعومة إسرائيل فهذا دليل على شدة ركاكة دينهم.
فأقول لبشار الضبع - الأسد على شعبه -: من الأفضل له أن يكتفي بملئ بطنه بالخمر المقدس لديه, حتى يسموا به في سكره إلى إلهه المهان من قبل أمريكا.
وقد قال مدير مدرسة نصيري حينما سمع بوصول رواد الفضاء من الأمريكان وغيرهم إلى سطح القمر: ((إن كان ما ذكروه حقاً أن القمر مكون من جمادات فعلى الدين السلام)) إلى أن قال: ((الآن ينتهي مفعول الدين إذا أثبتت هذه الكشوف كونه مجموعة من التلفيقات)). اقرأ مقال الأستاذ أبو الهيثم "معركة في القمر" في كتاب (الإسلام في مواجهة الباطنية) [ص: 39-43].
ب- ومنهم من يتجه إلى الشمس في عبادته لاعتقادهم أنه حل فيها, بل الشمس نفسها هي علي, وهؤلاء يسمون الكلازية, ونسوا أن الشمس لا تساوي شيئاً عند بعض النجوم في الحجم وغيره.
ت- ومن أدعيتهم في السجود: ((يا علي سجد لك وجهي الفاني البالي إلى نور وجهك العزيز الحي الدائم ... يا علي لك الإلهية يا علي لك الملكوتية ... إياك مولاي علي نعبد ...ألخ ألخ)). ذلك الهراء الطويل, (الجيل التالي) [ص: 87-88].
فهؤلاء قوماً تركوا النجوم والأقمار التي هي أعلى من ما يعبدونه, وأخذوا يستغيثون من هو دونه, فأي إله هذا لا يعرف أين يستقر؟!. قال تعالى, وهو يخبر نبيه, عن قصة جده إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام -: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) }[الأنعام].
بل يصل بهذا الإله إلى أن الجنة فوقه حسياً - أي فوق ذاته -: ((ما من مؤمن - أي نصيري - يموت إلا وتحمل روحه إلى الإمام علي فينظر فيها, فإذا كان مؤمناً ممتحناً صافياً صعدت الملائكة بروحه إلى السماء فتغمسها في عين على باب الجنة اسمها عين الحياة)). انظر بكتابهم المقدس (الهفت الشريف) [ص: 82].
قلت: لو كان لهم ذرّة عقل لما جمعوا بين الألوهية والإمارة. نكتفي بهذا القدر من هذيان طائفتهم الكوكبشمسية, وإلى الله المشتكى.
3- الفرقة الباطنية الثانية: الشيعة الإسماعيلية: من هؤلاء؟, ينتسبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق لزعمهم الإنتساب إليه لأن والده جعفر الصادق نص إلى إمامته من بعده, وأوصى له بها رغم أن علماء النسب مجمعون على أن إسماعيل مات في حياة والده سنة 145هـ, لكن الإسماعيليون يزعمون أن إسماعيل لم يمت في حياة والده بالعام المذكور.
حتى أن الشيعة الإثني عشرية قامت تسخر من هذه الفرقة - الإسماعيلية -, إذ قالوا: ((إسماعيل مات قبل أبي عبد الله عليه السلام، والميت لا يكون خليفة الحيّ)). انظر في (كمال الدين وتمام النعمة) [ص: 105].
أقول على لسان الإسماعيلي: رمتني بدائها وانسلت, فبما أن الإثني عشرية تشنّع على الإسماعيلية بما ذكر, إلّا أنهم قد وقعوا بنفس المعضلة وهم لا يشعرون, فالإثني عشرية يحتجون على أهل السنة برواية: ((أنت مني بمنـزلة هارون من موسى)) على ولاية علي رضي الله عنه, وأهل السنة لا ينكرون أن الرواية صحيحه, ولكن معلوم أن هارون توفي قبل موسى - عليهما السلام -، والميت لا يكون خليفة للحي باعترافكم, كما ألزمتومنا!.أ.هـ. مسرحية أئمة الموتى.
وزعموا الإسماعيلية أن الخليفة العباسي علم بمكان إمامهم - إسماعيل - في السلمية, فاضطر للخروج متخفياً إلى دمشق, وعلم - أيضاً - به كذلك الخليفة, وكان العامل على دمشق يومئذ إسماعيلي, فأخبر إسماعيل بما كتب به الخليفة من إلقاء القبض على إسماعيل وإرساله إلى الخليفة, فقرر إسماعيل التوجه إلى العراق ووصل البصرة سنة 151هـ, ثم ظل بها يتنقل بين أتباعه سراً وتحت أزياء مختلفة وأسماء عديدة إلى أن توفي سنة 158هـ, بعد أن رزق - حسب زعمهم - من أولاد محمد وعلي وفاطمة, وبعد أن أوصي بالإمامة من بعده محمد.
وهكذا يكون الإسماعيلية قد حافظوا على دينهم في الظلمة, ولكن ارتكبوا خطأً فاحشاً, إذ حافظوا على عقولهم في الظلمة أيضاً.
وتفرقت بعد ذلك إلى ثلاث فرق معاصرة, كل منها أردئ من الأخرى, وهي:
- الدروز.
- النزارية - البهرة -.
- الآغاخانية.
أ- وقبل أن نذكر وجود ألهه من إحدى الفرق الثلاث, فمن تاريخ الإسماعيلية قوماً يُعرفون بالقرامطة, نسبةًَ إلى رجل يقال له حمدان قرمط, وهو رجل من أهل الكوفة, وقد كان راعياً يميل إلى الزهد وقد ابتلي بعد ذلك بهذه الفكره - الإسماعيلية -, بعد أن صادف حسين الأهوازي ودار بينهما حوار, من خلالها اقتنع حمدان بفكرة الإسماعيلية, وقيل: أنه كان يتظاهر بذلك وأنه على المجوسية. والله أعلم.
قال ابن كثير - رحمه الله - عنهم في (البداية والنهاية) [1/61]: ((وفيها تحركت القرامطة, وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون بنبوة زرادشت ومزدك, وكانا يبيحان المحرمات, ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى باطل, وأكثر ما يفسدون من جهة الرافضة, ويدخلون إلى الباطل من جهتهم, لأنهم أقل الناس عقولاً, ويقال لهم الإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل الأعرج ابن جعفر الصادق)). إلى أن قال - رحمه الله - عن عقيدتهم في وجود الله - عز وجل -, وهو ما يدل على أنهم ملاحدة وأهل زندقه: ((وجلس أميرهم أبو الطاهر - بل أبو النجس - على باب الكعبة والرجال تصرع حوله, والسيوف تعمل في المسجد الحرام, في الشهر الحرام, في يوم التروية, وكان يقول هذا الملعون: [ أنا الله وبالله أنا, أخلق الخلق وأفنيهم أنا ] - تعالى الله عما يقول علواً كبيراً -, ولم يدع أحداً طائفاً أو متعلقاً بأستار الكعبة إلا قتله.
ثم أمر بإلقاء القتلى في بئر زمزم, وأمر بقلع باب الكعبة, ونزع كسوتها عنها, ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود, فجاء قرمطي فضرب الحجر بمثل في يده وهو يقول: [ أين الطير الأبابيل, أين الحجارة من سجيل ], ثم قلعه وأخذوه معهم, فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة, وهو ابتلاء من الله للمسلمين في ذلك الوقت)). [160-161]. نكتفي بهذا القدر من أحوال القرامطة.
ب- ومن هذه الطوائف, هي طائفة الدروز, إحدى فرق الباطنية الإسماعيلية العبيدية, وهم الغلاة الذين ألهوا الحاكم بأمر الله, وجحدوا كل ما أخبر الله به؛ من يوم القيامة والثواب والعقاب, وقالوا بالتناسخ الذي يسمونه التقمص مخالفة للنصيرية, مع أن المعنى واحد - تناسخ الأرواح -, ظهرت في بداية القرن الخامس الهجري في مصر, ولقد حذر علماء المسلمين من هذه الطائفة أشد تحذير.
يقول عنهم العلامة السفاريني وعن كتبهم ووجوب إتلافها هي وجميع كتب أهل الكفر: ((وكتب أهل الكفر لاسيما كتب الدروز عليمهم لعنة الله, فقد نظرت في بعضها فرأيت العجب العجاب, فلا يهود ولا نصارى ولا مجوس مثلهم, بل هم أشد من علمنا كفراً لإسقاطهم الأحكام وإنكارهم القيامة وزعمهم أن الحاكم العبيدي الخبيث رب الأنام)). انظر في (غذاء الألباب) [1/252].
والدروز قوماً أهل تكتم بعقائدهم بشكلٍ لا يتصور, ولهم دوراً كبيراً في تجنيد أبنائهم بالجيش الإسرائيلي بيومنا الحاضر, بل تطوعاً من قبل شيوخهم, ويا حبذا أن يأتي الأمر من شيوخ العقل, وهي أعلى مرتبة بطائفة الدروز, ومن هنا قال أحمد الفوزان في رده على محمد علي الزغبي, الذي زعم بإسلامهم: ((وكأني به لم يسمع أبداً عن الدروز العاملين في الجيش الصهيوني وعن بلائهم الذي كان على العرب شر بلاء وكانوا للعرب شر أعداء)). انظر كتابه (أضواء على العقيدة الدرزية) [ص: 79].
والدروز انشقوا عن الإسماعيلية في الظاهر وإن كانوا متفقين معهم في جوهر عقائدهم, ونسبوا إلى أحد دعاة الضلال المجوس: نشتكين الدرزي, وقد ألف كتاب هدام للشريعة يزعم فيه بألوهية الحاكم, وإن كانوا لا يحبون هذه التسمية, فدائماً ما يطلقون على أنفسهم بالموحدون - الموحدون الدروز -, وقد يتفاجئ المرء أن كلمة الموحدين ليس المقصود بها توحيد الله!, بل توحيد الحاكم بأمر الله الذين يعبدونه, وكان حاكماً مفتوناً, مضطرب نفسياً, وهو حاكم الدولة العبيدية - الفاطمية -, الذين عرفوا بإسقاط الدولة الرستمية - الإباضية - سنة 296هـ.
والحاكم المعبود لديهم هو أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي, لقّب بالحاكم بأمر الله, ولد سنة 375هـ, تولى الملك بعد موت أبيه في رمضان سنة 386هـ وعمره إحدى عشر سنة, وهلك الحاكم سنة 411هـ, وقيل أنه قتل بعد أن افتقدوه بحادثة مظلمة حيث أنه قد شغف بالخروج بالليل خصوصاً في جنبات جبل المقطم بالقاهرة ينظر في النجوم ويخلو بنفسه ولكنه في يوم من الأيام لم يرجع إلى بيته, وليس ببعيد أن الذين قتلوه هم الدروز أنفسهم - قتلوا إلههم! - لكي تستمر هذه المسرحية الشيطانية, والدليل أنهم يقولون أن لاهوت الحاكم سيتقمص في إحدى الناسوتات من عباده! في يوم من الأيام, ودائماً ما يوعدون جهلتهم بذلك.
وقيل إن أخته - ست الملك - قد دبرت اغتياله, من باب الخوف من بطشه لسوء سلوكها مع الرجال, وقيل أنها خافت من أن تزول الخلافة الفاطمية بسبب تزعم أخاها بالألوهيه.
وكان إلههم المزعوم - الحاكم - يعرف بأفكاره وأفعاله الشاذه, فقد قال الإمام السيوطي في (حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة) [1/601]: ((إن الحاكم أمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إعظاماً لذكره واحتراماً لاسمه, فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين.
وكان أهل مصر على الخصوص إذا قاموا خروا سجداً حتى إنه يسجد بسجودهم في الأسواق وغيرها, وكان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً كثير التلون في أقواله وأفعاله)).
ولكن في الوقت الحاضر, نجد الدروز يلعنون درزي مع أن نسبتهم إليه, وكما قلنا أصبحوا يبغضون هذا الإسم, ويحبون أن يتسمون بالموحدين, ويقدمون حمزة ويقدسونه, ويتزعمون بنبوته لحق مولاهم الهالك, وسبب خلافهم على درزي وسبّهم له هو موقف حمزة منه, فقد أراد درزي أن يستقل بالإمامة, وثم - أيضاً - تسرعه في إظهار العقيدة الدرزية التي تنادي بألوهية الحاكم, قبل أن يرضى حمزة عن ذلك التوقيت لإعلانها, فقد أظهر درزي ألوهية الحاكم سنة 407هـ, بينما أحب حمزة إظهارها سنة 408هـ, وهي السنة التي يعتبرها الدروز أولى سنة تقويمهم.
ثم أنهم يكفرون جميع أنبياء المسلمين ويعتبروهم شياطين والعياذ بالله, فالأنبياء لدى الدروز هم الخمسة: حمزة, وإسماعيل, ومحمد الكلمة, وأبو الخير, وبهاء الدين. ولا يسمحون لأحد بالدخول في دينهم أو الخروج منه. هذا كما جاء في (رسالة في معرفة سرديانة الدروز), وقد عثر عليها الدكتور محمد أحمد الخطيب على المخطوطة, ويرى من وجهة نظره أنها كتبت في فترة ليست بالطويلة مستنداً إلى ما يبدوا عليها من اللهجة اللبنانية.
وأما في بحثنا عن وجود إله الدروز المزعوم, نستكفي بقول داعيتهم بل نبيهم - المزعوم - المعروف بـ"حمزة", بقوله في مخطوطه (الرسالة المسومة بالرضى والتسليم), ولا أستطيع أن أتقول بالصفحة لأنه مخطوط وليس مرّقم, وقد عثرت عليه في إحدى المواقع الإلكترونية بصيغة مصوّره, إذ جاء في الكتاب وهو يرد على النصيرية!: ((ثم أنه إذا ذكر علياً يقول علينا سلامه ورحمته, وإذا ذكر [ مولانا جل ذكره ] يقول علينا سلامه فيطلب الرحمن من المفقود المعدوم, ويجحد الموجود المنفرد عن مبدعاته ولا يكون في الكفر أعظم من هذا, [ فصح عند الموحد العرف بأن الشرك الذي لا يغفر أبداً بأن يشرك بين علي بن أبي طالب وبين مولانا جل ذكره ])) إلى أن قال هذا الزنديق: ((فنعوذ بمولانا جل ذكره من الشك فيه والشرك معه والكفر به ومولانا وحده لا شريك له ...)). ويقصد هذا الهالك بـ (مولانا جل ذكره): أي الحاكم العبيدي, وليس الله عز وجل.