-5-
ضلالهم في معاقبتهم لأّنفسهم
قال ابن عطيّة:
استدلَّ العُبَّادُ في تأديب أَنفسهم بالبأساء في تفريق الأَموال،والضراء في الحمل على الأَبدان بالجوع والعُري بقوله تعالى:
{ وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) } .
قُلتُ-أي الإمام القُرطبي- :
هذه جهالة ممن فعلها،وجعل هذه الآية أصلاً لها،هذه عقوبة من الله لمن شاء من عباده أن يمتحنهم بها،ولا يجوز لنا أن نمتحن أَنفسنا ونكافئها قياساً عليها،فإنها المطية التي نبلغ عليها دار الكرامة،ونفوز بها من أَهوالِ يومِ القيامة،وفي التنزيل: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً }
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) } .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
فأمرَ المؤمنين بما خاطب بهِ سيد المرسلين،وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأَصحابه يأكلون الطيبات،ويلبسون أحسنَ الثياب،ويتجمّلونَ بها،وكذلك التابعون بعدهم إلى هلمّ جراً.
ولو كان كما زعموا واستدلوا،لما كان في امتنان الله تعالى بالزّروع والجنّات وجميع الثمار والنبات والأنعام التي سخرها،وأَباح لنا أكلها وشرب ألبانها والدفء بأصوافها،إلى غير ذلك مما امتنّ به،كبير فائدة،فلو كان ما ذهبوا إليه فيه الفضل لكان أولى به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ومن بعدهم من التابعين والعلماء.
من كلام الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (6/424-425) .
ومازال للحديث بقية >>>