ثَبت في "صحيح مسلم" (2033) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مُنعت العراقُ درهمَها وقفيزَها، ومنعت الشام مُدْيها ودينارها، ومنعت مصر إرْدَبَّها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم" شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
و (القفيز): مكيال معروف لأهل العراق، وهو ثمانية مكاكيك، والمكوك: صاع ونصف، والصاع: ثلاثة أمداد، والمدُّ: ما يملأ الكفين المتوسِّطين.
و(المُدْي) مكيال معروف لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكاً.
و(الإردب): مكيال معروف لأهل مصر، يسع أربعة وعشرين صاعاً.
وفي هذا الحديث إشارة إلى منع البلاد المذكورة (العراق، الشام، مصر) خيراتها عند غربة الإسلام المشار إليها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وعدتم من حيث بدأتم".
و(المانع) لهذه (الخيرات) عن العراق هم (العجم)، والمانع عن الشام هم (الروم).
و(العجم) مَن في لسانه (عُجمة)، وهم خليط أمشاج تجمعهم (عجمة) اللسان) وأما الروم فهم جنس، سُمُّوا في الأحاديث النبوية الأخرى بـ (بني الأصفر).
والدليل على ذلك:
ما أخرجه مسلم (2036) بسنده إلى أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبدالله، فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذلك؟ قال: مِن قِبل العجم، يُمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: مِن قِبل الروم. ثم سكت هُنيّة، ثم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً، ولا يعدّه عدّاً".
قال الجريري -أحد رواة الحديث-: قلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريانه أنه عمر بن عبدالعزيز؟
فقالا: لا.
الخليفة المذكور -على ما بسط بعض شراح "صحيح مسلم"؛ كأبي العباس القرطبي في "المفهم"، وصدِّيق حسن خان في "السراج الوهاج"- هو المهدي -عليه السلام-.
فالمنع المذكور على الرغم مِن حصوله قديماً، إلا أن المراد به هنا ما يكون بين يدي الملاحم وأشراط الساعة آخر الزمان، ولعله من معاني الظلم والجور التي تملأ بها الدنيا قبل ظهور المهدي -عليه السلام-. وإخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الفتن في آخر الزمان إنما يكون من باب التحذير منها، والعمل على اجتنابها، لا لإسقاطها على الواقع قبل حدوثها -تعجُّلاً-؛ فهذا الصنيعُ ليس من منهج السلف ألبتة.
فيا ترى: كيف ينبغي لنا أن نواجه ما ينتظره العالم اليوم من حروب وفتن!
أشَعَرْنا بثقل الواجب علينا تجاه ديننا: فهماً وعملاً ودعوة؟! أَسْتَجَبْنا لأمر ربنا -عز وجل-: أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه [الشورى:13]، ولقولـه -صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
فاجتناب الفتن إنما يكون بالعمل الصالح، "بادروا بالأعمال الصالحة، كقطع الليل".
والله العاصم والواقي.
http://www.albani-center.com/Asa_Issues_Com.htm
منقول