أن الله تبارك وتعالى يأمره بالهجرة فذهب النبي في الهاجرة (أي قبيل الظهر) إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة تقول عائشة بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متقنعاً وذلك في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر (أي إلا أمر مهم) فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر أخرج من عندك (يعني أريد أن أخبرك بأمر مهم سري لا يجوز أن يطلع عليه كل أحد) فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند ذلك إني قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نعم فبقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عتمة الليل وإذا كفار مكة عند باب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساهرون يريدون قتله وفيه أنزل الله تبارك وتعالى "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" هذا مكرهم وهو أن اجتمعوا على قتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن يقتله شباب أقوياء فيتفرق دم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القبائل فيقبل بنو عبد مناف الدية ولننظر إلى مكر الله تبارك وتعالى كيف صنع الله بهم كما قال جل وعلا "ويكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي بن أبي طالب نم على فراشي وتسجّى ببردي فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وهذا تطمين من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي رضي الله عنه وقد أبقى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علياً في مكة حتى يرد الأمانات التي عنده لأهل مكة. ونريد أن ننبه إلى أمرين اثنين نرى إنهما من أهم الأمور:
أولهما: هو أن كفار مكة كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاذب ساحر شاعر مجنون وغير ذلك من الصفات التي اتهموه بها وهم في هذا كاذبون فهم لا يصدقون ما يقولون ولذلك كانوا يضعون أماناتهم عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهل يجوز أن يعطي عاقل الأمانة إلى رجل يرى أنه كذاب أو مجنون وأنه ساحر أو شاعر هذا لا يمكن أبدا فدل هذا على أنهم لا يكذبونه كما قال الله تبارك وتعالى "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " وأما الأمر الثاني فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أميناً لما أرادوا قتله ما قال أنا آخذ أموالهم لأنهم يريدون قتلي فأنا استحقها أبداً ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك (أي وإن خان هو فأنت لا تخون المؤمن لا يخون أبداً) فتبقى أخلاق المؤمن شامخة عالية ظاهرة وإن غدر من غدر من الكافرين. إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما عزم على الخروج من مكة أو لنقل من بيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأولئك الشبان الأقوياء المسلحون ينتظرون عند باب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريدون خروجه ليقتلوه ألقى الله تبارك وتعالى عليهم
النوم جميعاً وخرج إليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخذ حفنة من البطحاء (يعني من الرمال) فجعل يذره على رؤوسهم وكان الله قد أخذ أبصارهم فلا يرونه والنبي صلوات الله وسلامه عليه يتلو" وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " فلم يبق منهم رجل إلا وضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رأسه تراباً ومضى إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً (والخوخة الباب الصغير) حتى لحقا بغار ثور اتجاه اليمن، هم مكروا وكيف الله جل وعلا مكر لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبقوا هكذا واقفين حتى جاءهم رجل ممن لم يكن معهم ورآهم واقفين عند الباب فقال لهم: ماذا تنتظرون؟ قالوا: محمداً قال: خبتم وخسرتم قد والله مرّ بكم وذرّ على رؤوسكم التراب وانطلق لحاجته فوضعوا أيديهم على رؤوسهم فوجدوا التراب فقاموا ينفضونه وقالوا: والله ما أبصرناه ثمّ نظروا داخل البيت فرأوا علياً قالوا: هذا والله محمد إنه نائم فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا وقام علي عن الفراش فسُقط في أيديهم وقالوا له: أين محمد؟ قال: لا علم لي ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أن قريشاً ستجد في الطلب وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار هو المدينة كان من ذكائه صلوات الله وسلامه عليه أن سلك طريقاً آخر يضاده تماماً وهو طريق اليمن مشى خمسة أميال في اتجاه اليمن والأنظار كلها والعقول كلها تقول إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيهاجر إلى المدينة وهكذا كان صلاة الله وسلمه عليه ولكنه أراد أن يعمّي عليهم الأمر فذهب إلى جهة اليمن ومكث في مكان يقال له جبل ثور ثلاثة أيام صلوات الله وسلامه عليه وكان يمشي متجهاً إلى غار ثور على أطراف قدميه وذلك أن الطريق كان وعراً فحفيت قدماه صلوات الله وسلامه عليه وطفق يشتد به الأمر حتى انتهى إلى الغار في قمة الجبل وهو يسمى الآن بغار ثور معروف في جهة مكة من جهة اليمن خلف منطقة العزيزية هناك ولما انتهيا إلى الغار قال: أبو بكر والله ما تدخله يا رسول الله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخل أبو بكر فكسحه (أي نظفه) ووجد في جانبه ثقباً فشق إزاره وسده به وبقي ثقبان آخران فألقمهما رجليه ثمّ قال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووضع رأسه في حجر أبي بكر ونام فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر فلم يتحرك مخافة أن ينتبه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسقطت دموعه من شدة الألم على وجه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله: له ما لك يا أبا بكر؟ قال: لدغت فداك أبي وأمي فتفل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مكان اللدغة فذهب ما يجده من ألم. وهذا أيضاً يبين لنا أمرين اثنين:
الأول: شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إنه يلدغ فلا يتحرك حتى لا يؤذي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو نائم.
الثاني: بركة دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكيف أنه مجرد تفل في جرحه أذهب الله جل وعلا عنه ما يجده.
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر في غار ثور: وظلا في الغار ثلاث ليال ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وكان عبدالله بن أبي بكر يبيت عندهما قالت عائشة وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحَر (أي في آخر الليل) فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام يعني عبدالله بن أبي بكر الصديق كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر إلى السحَر أي قريب الفجر ثمّ يرجع إلى مكة فإذا أصبح فأصبح مع الناس فيسمع كلام الناس ماذا يقولون لأن ما عندهم حديث إلا خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إذا صار الليل ذهب إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وأخبرهما الخبر وكان يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل (يعني أن عامر بن فهيرة يأتيهما باللبن قبل أن يناما) وكان يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي وكان يأتي إلى أثر عبدالله بن أبي بكر وهو راجع وهو ذاهب فيمشي بالغنم حتى يذهب أثره وأما قريش فقد جنّ جنونها حينما تأكد لديها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أفلت في صبيحة الليلة التي قد عزموا فيها على قتله وحاولوا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه و آذوه حتى يعلمهم مكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يعلمهم بشيء حتى إذا يأسوا منه ذهب أبو جهل إلى بيت أبي بكر الصديق فخرجت إليه أسماء بنت أبي بكر فقال لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدري والله أين أبي فرفع أبو جهل يده فلطم خدّها لطمة طرح منها قرطها أي ما يكون في الأذن مما تتزين به النساء وجعلت قريش مكافأة قدرها مائة ناقة لكل من يدلها على مكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواء كان حياً أو ميتاً وَجدّت الفرسان والمشاة وقصّاص الأثر في الطلب لأن مائة ناقة شيء عظيم وانتشروا في الجبال والوديان يبحثون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن دون فائدة. روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما وفي لفظ ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ولما هدأت قريش في الطلب تهيأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للخروج من الغار واتجه إلى المدينة وذلك أن عبدالله بن أبي بكر كما قلنا كان يأتيهما بالأخبار وكان مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل أجير وهو عبدالله بن أريقط وهذا كان دليلاً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر يدلهما الطريق إلى المدينة وكان كافراً ومع هذا استعان به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولذلك قال أهل العلم تجوز الاستعانة بالكافر عند الحاجة إليه وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أعطى عبدالله بن أريقط الراحلتين وواعده في غار ثور بعد ثلاث ليال والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استأمنه وهو كافر وكان من الممكن أن يخبر قريشاً بمكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر ويأخذ المائة ناقة ولكنه ما استأمنه إلا إنه كان أميناً فلما كانت ليلة الاثنين جاءهما عبدالله بن أريقط بالراحلتين وكانتا لأبي بكر فقال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله خذ إحدى راحلتي هاتين يعني لك وقرّب إليه أفضلهما فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالثمن وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسُفرتهما (يعني الطعام) ونسيت أن تجعل لها عصاماً (يعني شيئاً تربط به) فلما ارتحلا ذهبت تعلق السُفرة فإذا ليس لها عصام فشقت نطاقها قسمين فعلقت السُفرة بأحد هذين القسمين وانتطقت بالآخر ولذلك سميت بذات النطاقين (والنطاق هو ما يُربط على البطن). روى البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلى الطريق لا يمر فيه أحد فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأتِ عليها الشمس فنـزلنا عندها وسويت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكاناً بيدي ينام عليه وبسطت عليه فروة وقلت: نم يا رسول الله وأنا انفض لك ما حولك فنام وخرجت أنفض ما حوله (أي ينظر إلى الطريق) فإذا أنا براعٍ مقبل إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا (يعني يريد أن ينام تحتها) فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة أو مكة قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم قلت أفتحلب؟ قال: نعم، فأخذ شاة فقلت: انفض الضرع من التراب والشعر والقذى فحلب في كعب كثبة من لبن (يعني إناءً صغيراً) ومعي إداوة حملتها للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرتوي منها يشرب ويتوضأ فأتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكرهت أن أوقظه فوافقت حين استيقظ (يعني انتظرت حتى استيقظ) فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثمّ قال: ألم يئن الرحيل؟ قلت: بلى قال: فارتحلنا.
سُراقة بن مالك يبحث عن مكافأة:
وتابع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر رجل يقال له سُراقة بن مالك بن جعشم قال سراقة: بينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إنّي رأيت آنفاً أسودة بالساحل أراهما محمداً وأصحابه قال سراقة: وعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا يعني غبى عليه الأمر ثمّ لبثت في المجلس ساعة ثمّ قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي وهي من وراءِ أكمة فتحبسها عليّ (يعني حتى لا يراها الناس) فأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي (يعني اختبأ حتى لا يراه أحد) فخررت عليها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا (وهذا من جهلهم) فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام حتى إذا اقتربت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر سمعت قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات أي خوفاً على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أن يأتيه أحد فساخت يدا فرسي في الأرض (أي غرقت في الأرض) حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثمّ زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام مرة ثانية فخرج الذي أكره أي تقول لا تتبعهما فناديتهم بالأمان يعني ناديت أبا بكر والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأمان الأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم كيف أن فرسي امتنعت أن سيظهر أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وعرضت عليه الزاد والمتاع فلم يرزآني (أي فلم يقبلا مني) ولم يسألاني إلى أن قال: اخفِ عنّا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجع سراقة بن مالك ووجد الناس في الطلب فجعل يقول لهم قد استبرأت لكم الخبر قد كفيتكم ما هاهنا، سبحان الله في أول الأمر يريد قتلهما ويريد مسكهما يريد الدية أو الثمن الذي جعله أهل مكة لهما وفي آخر النهار جعل يدافع عنهما ويخفي أمرهما فهذا من الله تبارك وتعالى كيف أنه يحفظ نبيه صلوات الله وسلامه عليه.
خيمة أم معبد:
ومرّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسيره ذلك حتى أتى خيمة امرأة يقال لها أم معبد فسألها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر هل عندك شيء؟ قالت: والله ما عندنا شيء ما أعوزكم وكانت سنة شهباء فنظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى شاة في كسر الخيمة (يعني في مؤخرة الخيمة) فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم يعني (ضعيفة ما تصلح حتى أن تسير مع الغنم) فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك فقال: أتأذنين أن أحلبها قالت: نعم بأبي وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها فمسح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيده ضرعها وسمى الله ودعا فتفاجت عليه ودرّت فدعى بإناء لها فحلب فيه حتى علته الرغوة (أي كثر اللبن) فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه أبا بكر وعامر وعبدالله بن أريقط حتى رووا ثمّ شرب وحلب ثانية حتى ملأ الإناء ثمّ أعطاه إياها وغادر صلوات الله وسلامه عليه بعد ذلك جاء زوج أم معبد يسوق أعنزاً عجافاً ما فيها لبن فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا والشاة عازب ولا حلوبة في البيت؟ فقالت: والله إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ومن حاله كذا وكذا فذكرت له ما وقع فقال زوجها: إني والله أرى أنه صاحب قريش الذي تطلبه، صفيه لي يا أم معبد فوصفته بصفات فقال لها: هذا والله من يبحث عنه أهل مكة وسمعت أشعار يقال إنها للجن:
جزى الله رب العرش خير جزائه ،،،،،،،،،، رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نـزلا بالبر وارتحلا به ،،،،،،،،،،،،،،،،،،، وأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي مازوا الله عنكم ،،،،،،،،،،،،،،،،، به من فعال لا يجازى وسؤدد
ليهنا بنو كعب مكان فتاتهم ،،،،،،،،،،،،،،، ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ،،،،،،،،،،،،، فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد