بالنسبة للعنوان فإسلامية التصوف هنا ليس بمعنى واحد لا يتعدد.
عندما نتكلم عن كلام، فلسفة، جمال، أدب، ثقافة، حضارة و عقلانية إسلام(ية) فنقصد كلام و أدب إسلامي .. إلى آخره .. بمعنى الادب الذي يتلزم الإسلام -في قليل أو كثير أو حسب الإستطاعة و الفهم- لأن هناك أدبيات كثيرة من حيث الإنتساب إلى التاريخ، الدين و الجغرافيا. كذلك التصوف.
التصوف الإسلامي إما تصوف ملتزم بتعاليم الإسلام (القابل للتأويل أيضا في المعرفة و السلوك) و إما متأثر بتعاليم الإسلام إلى جانب أجنبيته (عن الاسلام) حيث أن تعاليم الإسلام هي القاعدة و التأثير خارجي و إما العكس أي القاعدة في الإنطلاق (حكمة ألاهية "ثيوصوفيا"، هندوسية، ثقافات فارسية، وحدة الوجود الفلسفية .. الخ) و التعاليم الإسلامية خارجية أي أثرت في ذلك تأثر السياسة و الإدارة الإسلامية في الحركة الإصلاحية المسيحية الغربية، تأثر القانون الإسلامي في قوانين نابليون و عصر التنوير، تأثر المشاريع الفلسفية الاسلامية السياسية الانسانية في النهضة و التنوير الغربيين الخ، و إما مجال التداول يكون إجتماعيا و تاريخيا و سياسيا و ثقافيا و تعليميا مجال إسلامي كما نعتبر الفلاسفة و المحدثين و اللغويين الفارسيين و الأفغانيين و الهنديين و غيرهم فلاسفة و علماء عرب من حيث أن مجال تداولهم كان عربيا أي أن البيئة التي ظهرت فيه بيئة إسلامية أي دولة إسلامية مثلا أو مجتمع إسلامي إلى غير ذلك.
إذن كما تلاحظ هذه تعريفات أربعة للتصوف الإسلامي و سأتكلم في هذا الموضوع عن التصوف بشكل عام و ليس بشكل خاص. هذا المنهج في التعريف قابل للتطبيق أيضا على الفلسفة و الأدب و الفن و غير ذلك.
إنما فكرت في هذا الموضوع منذ أيام معدودات و أنا أقرأ في كتاب لمستشرق عن الفلسفة الإسلامية فذكر إبن عربي و السهروردي لكنه آدعى أن فلسفة الثاني فلسفة عقلانية المنهج و غنوصية التأسيس بينما تصوف إبن عربي فلسفة باطنية غنوصية مثلها مثل تصوف أصحاب الصفاء. في كتاب آخر له أضعه إلى جانب هذا الإدعاء أراه يناقض نفسه لأنه تكلم ضمن الفلسفة العقلانية عن دافيد هيوم، كانت و فريدريك نيتشه على أنهم فلاسفة بالمعنى الغربي الخالص للفلسفة و هي فلسفة نقدية عقلانية غير غموضية و لا دوغمائية و لا و لا و لا. إن الحقيقة التي نستخلصها من فلسفة هؤلاء الفلاسفة الثلاثة في مشروعهم هو في جملة بكلمتين "ضعف العقل" حيث يتم وضع الحس مكان العقل فلا معرفة عقلية خالصة، و هو إدعاء دوغمائي كما عبر عنه الللغوي و الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي، و الآخر عدمي بحت.
على أساس ذلك يظهر إبن عربي أكثر عقلانية منهم فإدعاءه على الأقل لا يناقض نفسه و قد يدافع عنه بمصدر آخر للمعرفة (وجداني عرفاني) فهو من قال : "و ممّا يدلك على ضعف النظر العقلي، من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له". و بهذا يستحق إبن عربي الإنتساب إلى الفلسفة بالمعنى الذي يفرضه الكاتب أكثر من إنتساب التجريبي هيوم و العدمي نيتشه إليها. إذا واجهنا هيوم في إدعائه "إن الحس هو المصدر الوحيد للمعرفة" سألناه و ما مصدر هذا الإدعاء، توقف الحمار عندها في العقبة، و ليس هذا هو الحال مع إبن عربي في "تضعيفه للعقل". بل هيوم (الشكوكية الحسية تجاه الحقائق) و نيتشه (مركزية الإنسان كمقياس الحقائق) لم يفعلوا إلا ما يتطلب بروز سقراط جديد و نشوء بذرة الفلسفة من جديد، خصوصا و أن الممارسة الفلسفية عند اليونانيين في تلك المرحلة بالذات كانت رد فعل على أهل السفسطة.
يتبع بتقديم لعلاقة العقل بالنقل عند المتصوفة ثم معالجة الإشكاليات فيه.
..