خامساً : الطريق لعلاج الإعجاب بالنفس
وما دمنا قد وقفنا على أسباب وباعث الإعجاب بالنفس ، فإن من السهل معرفة طريق علاج واقتلاع هذا الداء ، بل الوقاية منه ، وتتلخص في :
1- التذكير دائماً بحقيقة النفس الإنسانية
وذلك بأن يفهم المعجب بنفسه أن نفسه التي بين جنبيه لولا ما فيها من النفخة الإلهية ما كانت تساوى شيئاً ، فقد خلقت من تراب تدوسه القدام ، ثم من ماء مهين يأنف الناظر إليه من رؤيته ، وسترد إلى هذا التراب مرة أخرى ، فتصير جيفة منتنة ، يفر الخلق كلهم من رائحتها ، وهي بين البدء والإعادة تحمل في بطنها العذرة أي الفضلات ذات الروائح الكريهة ، ولا تستريح ولا تهدأ إلا إذا تخلصت من هذه الفضلات .
إذ أن مثل هذا التذكير يساعد كثيراً في ردع النفس ، وردها عن غيها ، واقتلاع داء الإعجاب منها ، بل وحمايتها من التورط فيه مرة أخرى .
وقد لفت أحد السلف النظر إلى هذه الوسيلة حين سمع معجباً بنفسه قائلاً أتعرف من أنا ؟ فرد عليه بقوله : نعم : أعرف من أنت ، لقد كنت نطفة قذرة وستصير جيفة قذرة ، وأنت بين هذا وذاك تحمل العذرة ) .
2- التذكير دائما بحقيقة الدنيا والآخرة
وذلك بأن يعرف المعجب بنفسه أن الدنيا مزرعة للآخرة ، وأنه مهما طال عمرها فإنها إلى زوال ، وأن الآخرة إنما هي الباقية ، وأنها هي دار القرار ، إذ أن مثل هذا التذكير يحمل الإنسان على أن يعدل من سلكوه ، أو يقوم عوج نفسه ، قبل أن تنتهي الحياة ، وقبل أن تضيع الفرصة ، ويفوت الأوان .
3- التذكير بنعم الله التي تغمر الإنسان
وتحيط به من أعلى إلى أدنى كما قال سبحانه { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ، { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } ، فإن هذا التذكير من شأنه أن يشعر الإنسان بضعفه وفقره ، وحاجته إلى الله دائماً ، وبالتالي يطهر نفسه من داء الإعجاب ، بل ويقيه أن يبتلى به مرة أخرى .
4- التفكر في الموت :
وما بعده من منازل ، من شدائد وأهوال ، فإن ذلك كفيل باقتلاع الإعجاب من النفس ، بل وتحصينها ضده ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
5-دوام الاستماع أو النظر في كتاب الله عز وجل وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -
فإن فيهما البيان الشافي ، و التحليل الدقيق لكل ما يتصل بالوسائل الأربع المذكورة آنفاً ، وبهما يتخلص الإنسان - إن كان موضوعياً وصادقاً مع نفسه - من كل داء .
6-دوام حضور مجالس العلم
لا سيما تلك التي تدور حول علل النفس وطريق الخلاص منها ، فإن أمثال هذه المجالس كثيراً ما تعين على تطهير النفس ،بل وصيانتها من داء الإعجاب .
7-الإطلاع على أحوال المرضى وأصحاب العاهات بل و الموتى
لا سيما في وقت غسلهم وتكفينهم ودفنهم ، ثم زيارة القبور بين الحين و الحين و التفكر في أحوال أهلها ومصيرهم ، فإن ذلك يحرك الإنسان من داخله ، ويحمله على اقتلاع العجب ونحوه من كل العلل والأمراض النفسية أو القلبية .
8- وصية الأبوين أن يتحررا من داء الإعجاب بالنفس ونحوه
وأن يكوناً قدوة صالحة أمام الولد ، وأن يفهماه بأن ما وقع منهما كان خطأ وأنهما قد أقلعا عن هذا الخطأ ، وعليه أن يقلع عنه مثلهما ويتوب إلى الله عز وجل .
9- الانقطاع عن صحبة المعجبين بأنفسهم
مع الارتماء في أحضان المتواضعين العارفين أقدارهم ، ومكانتهم ، فإن ذلك يساعد في التخلص بل وفي التوقي من الإعجاب بالنفس .
10- التوصية و التأكيد على ضرورة اتباع الآداب الشرعية
في الثناء و المدح في التوقير والاحترام ، في الانقياد و الطاعة ، مع الإعراض والزجر الشديد لكل من يخرجون على هذه الآداب ، فإن ذلك له دور كبير في مداواة النفس وتحريرها من الإعجاب .
11- التأخير عن المواقع الأمامية بعض الوقت
إلى أن تستقيم النفس ويصلب عودها ، وتستعصي على الشيطان فإن ذلك يسهل طريق العلاج .
12- دوام النظر في سير السلف
وكيف كانوا يتعاملون مع أنفسهم حين يرون منها مثل هذا الخلق ، فإن ذلك يحمل على الإقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة ، و المشابهة في استئصال هذا الداء ، وقطع الطريق عليه أن يعود إلى النفس مرة أخرى .
13- تعريض النفس بين الحين و الحين لبعض المواقف التي تقتل كبرياءها وتضعها في موضعها الصحيح
كأن يقوم صاحبها بخدمة إخوانه الذين هم أدنى منه في المرتبة ، أو أن يقوم بشراء طعامه من السوق ، وحمل أمتعته بنفسه ، على نحو ما أثر عن كثير من السلف .
فقد روى عن عمر - رضى الله تعالى عنه - أنه لما قدم الشام عرضت له مخاضة ، فنزل عن بعيره ونزع خفيه وخاض الماء ومعه بعيره ، فقال له أبو عبيدة عامر بن الجراح : لقد صنعت اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض ، فصك صدره وقال : أوَّه ، لو غيرك قال هذا يا أبا عبيدة ، إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس فأعزكم الله برسوله فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله ) .
وجاء في رواية أخرى أنه لما قدم الشام استقبله الناس ، وهو على بعيره ، فقيل له ، لو ركبت برذوناً تلقى بع عظماء الناس ووجوههم ؟ فقال عمر - رضى الله تعالى عنه - لا أراكم ههنا ، إنما الأمر من ههنا - و أشار بيده إلى السماء - خلوا سبيل جملي ) .
14- متابعة الآخرين له
ووقوفهم بجانبه حتى يتمكن من التخلص من هذه الآفة .
15- محاسبة النفس أولاً بأول
حتى يمكن الوقوف على العيوب وهي لا تزال في بداياتها فيسهل علاجها و الوقاية منها .
16- إدراك العواقب والآثار المترتبة على الإعجاب بالنفس
فإنها ذات أثر فعال في علاج هذه الآفة و التحصن ضدها .
17- الاستعانة بالله - عز وجل
وذلك بواسطة الدعاء والاستغاثة و اللجوء إليه ، أن يأخذ الله بيده ، وأن يطهره من هذه الآفة ، وأن يقيه شر الوقوع فيها مرة أخرى ، إذ أن من استعان بالله أعانه الله ، وهداه لصراطه المستقيم .
18- التأكيد على المسئولية الفردية بغض النظر عن الأحساب والأنساب ، فإن ذلك له دور كبير في علاج النفس ، بل وحفظها من أن تقع مرة أخرى في آفة الإعجاب .
http://www.daawa-info.net/books1.php...bn=108&page=27