هذه نونية جميلة فيها رد على المبتدعة الذين اتوا ببهتان و قالوا بخلق القرآن لعل متدبرا أو متفكرا ينظر بعين فطرته و عين توحيده فيرى الحق حقا و الباطل باطلا
يقول صاحب النونية :
يامن يقول بفطرة القرآن جهلا و يثبت خلقه بلسان
لا تنحل القرآن منك تكلفا ببدائع التكليف و البرهان
هل في الكتاب دلالة من خلقه أو في الرواية؟ فاتنا ببيان
الله سماه كلاما فادعه بدعائه في السر و الإعلان
إلا فهات و ما أظنك واجدا في خلقه، يا غر من برهان
إن كان من (إنا جعلناه) فما في الجعل إن أنصفت من تبيان
قد قال إبراهيم : رب اجعل لنا بلدا بفضلك افضل البلدان
و كذاك فاجعلني مقيما مخلصا حق الصلاة لوجهك المنان
فانظر أكان و قد دعاه لجعله أم لم يكن خلقا من الرحمن
فأربع هنا بتفكر يا ذا النهى و اكدح لشأنك قد كدحت لشاني
فباي هذا الجعل قلت بأنه خلق تبارك منزل القرآن
فإن احتججت و قلت (ذكر محدث) و جهلت حق تأول القرآن
أعظمت افكارا و ادعيت خطيئة و الله أحدثه على الإنسان
شاهت وجوه اولى الضلال لقد عموا و تعلقوا بمدارج العميان
ارعوا عقولهم رياض تشدق فرعى حماها طائف الشيطان
ألا تزغ عنهم عنانك مقصرا تصبح عميد البغي و الطغيان
و لئن سأل طريق رشدك تلقه يا غر إن لم تعد في العدوان
ما باله أضحى بزعمك محدثا ما محدث إلا وشيكا فاني
و لديه انباء لما هو كائن أو كان أو سيكون في الأزمان
إن كان مخلوقا بزعمك محدثا فمن المنادي (أيها الثقلان)
و من الذي فرض الفرائض آمرا بحدودها و نهى عن العصيان
و من المخاطب خلقه بثوابهم و عقابهم في الخلد و النيران
و لئن رجعت لإبن مريم سائلا عن خبر كلمته بلا أكنان
أمهدت لبك علم ذلك أنه من كن مشيئته قاهر سلطان
و لئن نكصت و قلت شيء محدث و الله أحدث كل شيء فاني
يكفيك إلا أن تكون بهيمة جثمانها خال بغير جنان
ما المرء إلا صورة مخبوة تحت اللسان و مرآة لجثمان
عز المهيمن عن دراك مكيف أو أن ينال دراكه بمكان
لو أن تحيط به صفات معبر أو تعتريه همائم الوسنان
أو أن تخالجه لغوب سآمة أو خطرة من خطرة النسيان
أو أن يقال الله خالق نفسه و كلامه كالخلق للابدان
مازال ربك عالما و مهيمنا رب الصراط الحق و الميزان
يدري بمعتلج الصدور و كل ما أعلنت أو أكننت من كتمان
فاقنع بهذا أو فبن متفردا و أنا فكن حيث التقى البحران
أصبحت كالظمآن يتبع عسقلا يبغي شفاء حرارة الظمآن
أنى تحاول بالنهاية دائبا تستنه دينا من الأديان
سميته ما لم يسم تقحما هانت عليك عقوبة الديان
جئناك برفق بأيسر حجة بالشيء مختصا من القرآن
في ملك بلقيس و ما قد أوتيت من كل شيء نازح أو داني
لم تؤت مما قبلها أو بعدها شيئا فكن ذا خبرة و بيان
و لئن نزعت إلى ضلالك طامحا كبرا و كنت كطامح سكران
لما طما بك بحر كبرك لم تجد يا غر معتقلا سوى البهتان
و زعمت جهلا أنه من خلقه فغدوت في شرك من الخذلان
لم يعد أن يك بين خلق سمائه و الأرض مخلوقا بلا نقصان
ما باله إذ قال لم أخلقهما إلا بحق ثابت الأركان
فالحق لم يخلقه قل لي أم له معنى ثبوت عند ربك ثان
ماذا تقول إذا وقفت محاسبا و سئلت عن لقلاقك الفتان
إذ كل نفس عند ذاك رهينة يوم الحساب و كل وجه عان
بجراءة بارزته متعرضا للقاء من يلقاك بالنيران
لما تشققت السماء فأقبلت بدخانها فأتتك بالدخان
إذ اشتدت الشفتان ثم استنطقت و تكلمت بذنوبك الرجلان
فهناك لا وزر سوى ما قدمت عند الحساب يداك من قربان
و هناك ليس سوى الذي قدمته عصرا من الرجحان و النقصان
في موقف عكفت به أهواله ضنك يشيب ذوائب الولدان
و تطايرت فيه الصحائف كلها بشمائل الايدي و بالأيمان
هذا كتابك يا شقي بكل ما آتيت من قبح و من إحسان
فيه الصغائر و الكبائر احصيت ما غاب عن إحصائها الملكان
أما تجر إلى الجحيم مكبلا و مسربلا بسرابل القطران
فخسرت نفسك خالدا في قعرها هذا وجدك أخسر الخسران
أو أن يزورك بالسلام ملائك تسليمهم بالروح و الريحان
في جنة الفردوس جار محمد و رفيق خازن بابها رضوان