فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا: نحر الإمامة بسكين شيخهم المفيد !!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فقد قسمت موضوعي هذا إلى قسمين وكما يلي:
القسم الأول: استعراض عقيدة فرقة شيعية تقول بموت المهدي ثم إحيائه
لا يخفى على المتتبع التفرق الذي حلَّ بالشيعة بعد وفاة الإمام الحسن العسكري ، وكان من بين تلك الفرق واحدة اعتقدت بأن الحجة بعد وفاته هو ولده الحجة المنتظر إلا أنها خالفت الإمامية - الذين يقولون بغيبته حياً - من خلال اعتقادها بموته ثم سيحييه الله تعالى ليقوم بالسيف ..
ولكن المفاجأة هي أن هذه الفرقة لم تأتِ بهذا القول من فراغ بل استندت في ذلك إلى روايات وردت في مصادر الإمامية أنفسهم تنص على أن المهدي سيقوم بعد موته وإليكم إخواني طرفاً منها كما نقلها شيخ طائفتهم محمد بن الحسن الطوسي في كتابه ( الغيبة ) ص 422-423 في معرض قوله:[ وأما ما روي من الأخبار التي تتضمن أن صاحب الزمان يموت ثم يعيش أو يقتل ثم يعيش ، نحو ما رواه ]:
1 - الفضل بن شاذان ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن قاسم الحضرمي ، عن أبي سعيد الخراساني قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لأي شئ سمي القائم ؟ قال : لأنه يقوم بعدما يموت ، إنه يقوم بأمر عظيم يقوم بأمر الله سبحانه. [ عنه البحار : 51 / 224 ح 13 وإثبات الهداة : 3 / 512 ح 343 ] .
2 - وروى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن علي بن الحكم ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : مثل أمرنا في كتاب الله مثل صاحب الحمار أماته الله مائة عام ثم بعثه. [ عنه البحار : 51 / 224 وإثبات الهداة : 3 / 512 ح 334 والايقاظ من الهجعة : 184 ح 40 و 355 ح 98 ].
3 - وعنه ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن إسحاق بن محمد ، عن القاسم بن الربيع ، عن علي بن خطاب ، عن مؤذن مسجد الأحمر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام هل في كتاب الله مثل للقائم عليه السلام ؟ فقال : نعم ، آية صاحب الحمار أماته الله ( مائة عام ) ثم بعثه. [عنه البحار : 51 / 224 وإثبات الهداة : 3 / 513 ح 345 والإيقاظ من الهجعة : 185 ح 41 وص 356 ح 99 ].
4 - وروى الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن الفضيل ، عن حماد بن عبد الكريم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن القائم عليه السلام إذا قام قال الناس : أنى يكون هذا وقد بليت عظامه منذ دهر طويل. [ عنه البحار : 51 / 225 وإثبات الهداة : 3 / 513 ح 346 . وأخرجه في البحار : 52 / 291 ح 38 عن غيبة النعماني : 155 ح 14 باسناده عن محمد بن الفضيل باختلاف . وتقدم في ح 56 ].
القسم الثاني: استعراض رد شيخهم المفيد لتفنيد عقيدة هذه الفرقة
لقد حاول شيخهم المفيد نقض عقيدة هذه الفرقة بموت المهدي ابن الحسن العسكري ثم إحيائه من قبل الله تعالى فيما بعد ليقوم بالسيف ، وذلك في كتابه ( الفصول المختارة ) ص 326 ، حيث قال:[ وأما الفرقة التي أقرت بالمنتظر وأنه ابن الحسن - عليه السلام - وزعمت أنه قد مات وسيحيى ويقوم بالسيف ، فإن الحجة عليها ما يجب من وجود الإمام وحياته وكماله وكونه بحيث يسمع الاختلاف ويحفظ الشرع ، وبدلالة أنه لا فرق بين موته وعدمه ].
والمتأمل في جواب شيخهم المفيد سيجد أن النقطة الأساسية التي انطلق منها لتفنيد قولهم هي التركيز على مقاصد الإمامة والغايات الأساسية من وجوده ، ومن ثم صرح بأن القول بموته - ثم إحيائه - لا حكمة فيه ولا منفعة ما دامت مقاصد الإمامة غير متحققة فيه ، وعليه صار القول بولادته ثم موته - في نظر المفيد - كالقول بعدمه وعدم إيجاده أصلاً ، لعدم تحقق الغاية من وجود الإمام في الحالين وكما يلي:
على القول بموته بعد وجوده لا تحصل به مقاصد الإمامة التي بينها برفع الاختلاف وحفظ الشرع ...
وعلى القول بعدمه وعدم إيجاده لا يحصل به مقاصد الإمامة التي بينها برفع الاختلاف وحفظ الشرع ...
حيث أطلقها قنبلة مدوية بقوله:[ وبدلالة أنه لا فرق بين موته وعدمه ].
وبعد أرى من حقنا أن نتوجه لشيخهم المفيد بهذا السؤال:
هل تحققت مقاصد الإمامة التي أوردتها - رفعه للاختلاف وحفظه للشرع - بحال كونه غائبا ؟!!!
لا شك أن الجواب لا يحتاج عناء البحث والتأمل إذ الواقع يشهد بعدم تحقق تلك المقاصد ، ولكننا زيادة على ظهوره في الواقع نورد بعض اعترافات علماء الإمامية بذلك وكما يلي:
1- يورد شيخهم محمد آصف المحسني عدة أقوال تبين عدم حصول الانتفاع بالإمام في حال الغيبة وذلك في كتابه ( مشرعة بحار الأنوار ) ومنها:
أ- قال في ( 1 / 408 ) ):[ الغيبة التي امتدت أكثر من ألف سنة وربما تمتد إلى آلاف أو ملايين السنين. فإن المؤمنين لم ينتفعوا ولا ينتفعون من إمامهم الغائب - عجل الله تعالى فرجه - في الأصول والفروع ، وما يقال بخلاف ذلك فهو تخيل وتوهم ولعب بالعقول ].
ب- قال في ( 2 / 223 ):[ ولا يمكن القول بانتفاعنا منه عليه السلام في زمن الغيبة في الأمور الدينية إلا ممن سلب الله عقله ].
ج- قال في ( 1 / 82 ) هامش رقم ( 1 ):[ وعمدة الإشكال على هذا الوجه أن الأحكام الشرعية الفقهية لم تصل إلينا معشر الموجودين في عصر غيبة الإمام عليه السلام ولا نقدر على تحصيلها بوجه. وتقصير الموجودين في حياة الأئمة لا يتعلق بنا ، وأي فائدة لهذه الأحكام المخزونة عند الأئمة: والمكلفون يحرمون منها في أكثر من ألف سنة ولعله في ألف مليون سنة ].
2- أكد هذه الحقيقة شيخهم محمد رضا الجعفري في كتابه ( الغيبة ) ص 17 :[ فلا بد لنا وأن نلتزم بأن الانتفاع بالإمام المهدي كإمام الذي يكون مشابها للانتفاع بآبائه الطاهرين كأئمة لا بد وأن يأتي في فترة أخرى بعد الغيبة ].
3- أكد علامتهم محققهم جعفر سبحاني بأن الغاية الأساسية من وجوده وهي حفظه للشرع لم تتحقق على يده في عصر الغيبة ، بل الذي قام بحفظها هم علماء الإمامية دون الإمام الغائب فقال في كتابه ( الألهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ) ( 4 / 144 - 145 ) :[ الرابع : لا يجب على الإمام أن يتولى التصرف في الأمور الظاهرية بنفسه ، بل له تولية غيره على التصرف في الأمور كما فعل الإمام المهدي ، أرواحنا له الفداء في غيبته. ففي غيبته الصغرى كان له وكلاء أربعة ، يقومون بحوائج الناس ، وكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بهم . وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام ، للقضاء وإجراء السياسات ، وإقامة الحدود ، وجعلهم حجة على الناس ، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف ، وبيان الأحكام ، ودفع الشبهات ، وبكل ما يتوقف عليه نظم أمور الناس ].
4- أكد عدم تحقق تلك الغاية من الإمام في حال الغيبة وهي حفظ الشرع علامتهم محسن الأمين حيث قام بتلك الغاية علماء الإمامية ، حيث قال في كتابه ( أعيان الشيعة ) ( 10 / 114 ) :[ ولما أن جرت حكمته في غيبة إمام العصر عن عباده مع افتقارهم في جميع أمورهم إلى هدايته وإرشاده جعل من بعده نوابا عنه حافظين لشريعته علماء الفرقة المحقة المجاهدين في حفظ الشريعة حق الجهاد المتوجين بتاج الرياسة والنيابة عن خليفة رب العالمين والمتحلين بحلية وجوب الطاعة على الخلق أجمعين ].
وبعد أن تبين لكل عاقل ومنصف تلك الحقيقة - التي نطق بها علماء الإمامية وشهد بها واقعهم - بعدم تحقق تلك الغايات التي أوردها شيخهم المفيد.
آن لنا أن نستخدم نفس القانون الذي نسف به قول تلك الفرقة - بعدم وجود فرق بين موته وعدمه نتيجة لعدم تحقق مقاصد الإمامة في الحالتين - لنقول له:
وأيُّ فرقٍ بين غيبته وعدمه ما دامت مقاصد الإمامة - رفعه للاختلاف وحفظه للشرع - غير متحققة في الحالتين ؟!!!