النشاط الماسوني في عهد إسماعيل :
كان إسماعيل باشا ماسونيا صرفاً كجدَّه محمد علي، و
كان متأثرا جدا بالحياة في أوروبا , و ذلك جرَّاءاقامته للدراسة في فرنسا ، فكان يحلم بـأن يجعل فرنسا قطعة من الغرب ، و لذلك فقدلجأ اسماعيل باشا إلى استمالة حكام اوروبا له , فكان يهدي كل واحد منهم يزور مصرمسلة فرعونية وهي التي تظهر في ميادين العواصم الأوروبية الآن .
وحين تولى حكم مصر ألقى مقاليد البلاد لليهود والماسونيين الذين كانوا يسيطرون على نظام الحكم في مصر ويتحكمون في شئون البلاد اقتصاديا وسياسيا .
ـ وزاد النشاط الماسوني في مصرفي عهد اسماعيل باشا جدَّا , واحتل الماسونيون في عهده أعلى المناصب في البلاد , فكان رئيس الوزراء والوزراء والمديرون وكبار الشخصيات في مصر من الماسونيين الذين كانوا قد عادوا من فرنسا , و منح اسماعيل الماسونيين ألقاب " باشا " و " بك " و " أفندي " دون غيرهم من المواطنين .
والتف اليهود حول " إسماعيل باشا " وأحسوابأنه فريسة سهلة يمكن توريطها والزج بها في المستنقع الذي ترسمه له الصهيونيةالعالمية .. واستغل اليهود حماس " إسماعيل باشا " في أنه يريد أن تكون القاهرة مثل باريس التي عاش فيها .
ـ ثم فتح " إسماعيل باشا " الوظائف الحكومية العامة علىمصراعيها لليهود , ولاسيما في أقسام وأقلام الحسابات والترجمة , وبدأ اليهود في تحقيق آمالهم في السيطرة على مصادر المال والذهب في مصر .
وكان من أوائل اليهودالذين عملوا في هذه الوظائف " فيكتور هراري " و " إفرايم عاداة " اللذان تدرجا حتىصار الأول مديرا عاما للخزانة المصرية , وصار الآخر مراقبا بوزارة المالية , و عين " يعقوب منشه " " صراف باشي " للخديوي إسماعيل وهو الذي أسس مع " يعقوب قطاوي " بيتا للصرافة والتجارة ولاقى نجاحا وشهرة حتى أنهما فتحا أفرعا في انجلترا فيما بعد .
ـ وتمكن اليهود و الماسون من إصدار أول صحيفة يهودية سنة 1877 , وامتلكهااليهودي المعروف " يعقوب صنوع " أحد كبار مريدي الافغاني والذي أطلق إسم " أبونظارة " على صحيفته " وتبعه زميله اليهودي " موسي كاستلي " عام 1879 فأصدر صحيفة " الكوكب المصري " .
واستغل اليهود الموقف فأصدروا الصحف والمجلات التي تخدم أهدافهم الرئيسية التي تساعدهم على إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين , ولما كان " محمد علي " قد عين من قبل يهوديا ضمن أفراد حاشيته , فإن ابنه " عباس الأول " قرب إليه " يعقوب قطاوي " وعينه في وظيفة صراف عام .
وكذلك فعل " إسماعيل " الذي فتح الباب على مصراعيه لأعداد كبيرة من اليهود واستعان بهم في مفاوضات الحصول علىالقروض الأجنبية من البيوت المالية اليهودية الكبرى في أوروبا مثل بيت " أوبنهايم " وبيت " روتشيلد ".
حليم باشا و الماسونية :ـ
عَهِدَ اسماعيل باشا برعاية الماسونية الى أخيه الأمير حليم ( عبدالحليم ) شقيق إسماعيل باشا الوريث الشرعي لعرش مصر حسب نظام الوراثة المعمول به منذ عهد محمد على باشا ، وذلك لإلهائه عن المطالبة بالعرش .
و هنالك ركزالماسونيون اهتمامهم بالأمير حليم نظرا لحماسه الشديد للنشاط الماسوني في مصر .. وكان قد أتم تعليمه أيضا في فرنسا , في كلية " سان سيتر " العسكرية مع إسماعيل باشاوعاد إلى مصر عام 1845 وهو يعتصر ماسونية , واختاره الماسونيون " استاذا كبيرا " لهم في محفل " الشرق الأكبر الماسوني المصري " عام 1867 , وتحول قصره في شبرا إلي محفل ماسوني ، بل حضر ولي عهد بريطانيا حفل تنصيبه في ذلك القصر .
وكان معظم أعوان الأمير " حليم " من الماسونيين الإيطاليين والفرنسييين واليهود , ومن بين اليهود الخطيرين والذين لعبوا دورا هاما في نشر الماسونية في مصر تلميذ الأمير " حليم " المدعو " يعقوب صنوع " و " حسن موسى العقاد " أحد كبار تجار القاهرة ..
أوربا تصطاد اسماعيل:
كانت انجلتراوفرنسا قد وضعتا خطة عام 1852 لخنق مصر اقتصادياً ، ليكون هناك سبب لإرسال الحملةالبريطانية لتحتل مصر فيما بعد في مقابل احتلال فرنسا للجزائر.
وبدأت أوروباتتخذ من اليهود وسيلة لإيقاع " إسماعيل " في فخ الديون , و لكون اسماعيل باشا كان قد بلغ درجة عالية من الماسونية حتى قيل انه " راعي الماسونية " في مصر , فقد أصدرأمرا بتشكيل وزارة يرأسها الماسوني " نوبار باشا " وهو الذي شارك في إغراق اسماعيل باشا في ديون ضخمة جدا, و نوبار هذا أسهم ـ بشكل كبير ـ في إنشاء المحافل الماسونيةفي مصر , و كذلك كان هو من أشرف على حفر قناة السويس .
وفرض البيت المصرفي الإنجليزي أول قرض على مصر بمبلغ 3 مليون جنيها استرلينيا بفوائد كبيرة , وسلم " إسماعيل باشا " الأمر لليهود المختصين في وزارة ماليته طوال 12 سنة , ونجحوا مع المصارف البريطانية من فرض 7 قروض أخرى على مصر .
وفي عام 1875 بلغت ديون مصرحوالي 100 مليون جنيه استرليني , مما أدى إلى خلق حالة من إفلاس للحكومة المصرية , وكان ذلك بسبب إنشاء دار للأوبرا تشبه ما هو موجود في باريس وروما , وإنشاء 20 قصرامن أعظم قصور العالم منها قصر عابدين وقصر القبة , ورأس التين والمنتزه وغيرها .. ليتوارثها أولاده وأحفاده من بعده بالإضافة إلى المصاريف الضخمة التي صرفت علىالحفلة الشبه خرافية التي أقامها لافتتاح قناة السويس عام 1869 ...
الخطة المشتركة "البريطانية الفرنسية" لاحتلال مصر :
اتفق اليهودي العالمي ديزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت مع فرنسا أن تعمل على تسليم مصر للاحتلال البريطاني مقابل أن تترك انجلترا دول المغرب للاستعمار الفرنسي .
واستغل " دزرائيلي " سيطرة اليهود على شئون الخديوي إسماعيل وتغلغلهم في داخل الشئون المالية والاقتصادية في البلاد , وعن طريقهم أقنع الخديوي إسماعيل بضرورة بيع حصته في أسهم قناة السويس مقابل 4 ملايين جنيها استرلينيا ..
" دزرائيلي " هذا هو يهودي متعصب تظاهر باعتناق الدين المسيحي من أجل أن يتولىرئاسة الوزراء حسب الدستور البريطاني .
واتصل " دزرائيلي " سرا ً بـ " آلروتشيلد " في فرنسا وحصل منهم على قرض ليستغله في إغراق الخديوي إسماعيل في ديونه التي زادت عن حدها , وكانت الخطة قد وضعتها انجلترا بالاتفاق مع فرنسا على أساس إغراق مصر في ديون تعجز عن سدادها ويكون ذلك سببا لتقدم القوات البريطانية لاحتلالمصر , وقد ساهم يهودي فرنسي يدعي " ناتانيل " من أقارب " روتشيلد " في إرباك الاقتصاد والشئون المالية في مصر " مما جعله يستحق أن ينال لقب " بارون " على ذلك العمل المجيد " .
و اسرفت حكومة إسماعيل بسياساتها الحمقاء في القروض غيرالمبررة ، مما فتح الباب على مصراعيه لانجلترا للتدخل في شؤون البلاد ، وبدأت عواقبهذا الإسراف تظهر للعيان رغم ما بذلته الحكومة لإخفائها بمختلف الوسائل .
بداية التدخل الانجليزي :
يمكننا أن نحددأواخر سنة 1875 ، وأوائل سنة 1876 كبدايةٍ للتدخل الأوربي ، إذ حدث من مظاهره وقتئذ :
ـ شراء إنجلترا أسهم مصر في القناة بأربعة ملايين جنيه ، فقد استغل اليهوديالعالمي " دزرائيلي " ـ رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت ـ سيطرة اليهود على شئون الخديوي إسماعيل وتغلغلهم في داخل الشئون المالية والاقتصادية في البلاد , وعن طريقهم أقنع الخديوي إسماعيل بضرورة بيع حصته في أسهم قناة السويس مقابل 4 ملايين جنيها استرلينيا ..
ـ ثم كان قدوم بعثة المستر " كيف " الإنجليزية لفحص ماليةمصر .
ـ ثم توقف حكومة اسماعيل عن اداء أقساط ديونها، وما اعقب ذلك من إنشاءصندوق الدين في مايو سنة 1876 0
هذا التدخل كان من الأسباب الجوهرية التي حفزت النفوس إلي التبرم بنظام الحكم ، والتخلص من مساوئه ، لأن سياسة الحكومة هي التيأفضت إلي تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها .
الفرصة الافغانية :
و هنا كانت الفرصة الذهبية للافغاني لمهاجمة القصر الملكي ، والدعوة الى الثورة على القصر وحلفائه الانجليز، و من ثم التمهيد للثورة العرابية التي أدت بالبلاد للوقوع في يد المحتل الاجنبي
و ابتدأالافغاني هذا الاسلوب منذ عام 1876م ، بينما استخدم الافغاني من أجل ذلك تلاميذه من نواب مجلس الشورى ، وعلى رأسهم عبد السلام بك المويلحي ( باشا ) ، الذي يعد من كبارتلامذته .
كما استخدم الافغاني لذلك الصحف السياسية التي كان يشرف عليها تلامذته مثل سليم نقاش واديب اسحاق النصرانيين و عبدالله النديم صاحب جريدة "التبكيت والتنكيت"، بل حتى الصحف الهزلية مثل يعقوب صنوع اليهودي ،و الذي اشتهر باسمه الهزلي "ابو نظارة " .
يقول سليم بك العنجوري أحد أدباء سورية و تلميذا الافغاني حين زار مصر ووصف مكانة السيد بقوله : " في خلال سنة 1878 زاد مركزه خطراً وسما مقامه ،لأنه تدخل في السياسات وتولى رئاسة جمعية ( الماسون ) العربية وصار له أصدقاءوأولياء من أصحاب المناصب العالية ، مثل محمود سامي البارودي الذي نفي اخيراً مع عرابي إلي جزيرة سيلان ، وعبد السلام بك المويلحي النائب المصري في دار الندوة ،وأخيه إبراهيم ( المويلحي ) كاتب الضابطة ، وكثر سواد الذين يخدمون افكاره ، ويعلون بين الناس مناره ، من أرباب الأقلام ، مثل الشيخ محمد عبده ، وإبراهيم اللقاني ،وعلى بك مظهر ، والشاعر الزرقاني ، وأبي الوفاء القوني في مصر ، وسليم النقاش ،وأديب اسحق ، وعبد الله النديم في الإسكندرية".
الافغاني و توفيق باشا (1879-1892م):
ـ عمل جمال الدين الأفغاني من خلال علاقاته الماسونية باستمالة ولي العهد توفيق ، إذ كان توفيق ماسونياً من النخبة ، إذ ترأس ـفيما بعد ـ المحفل الماسوني ، و قام الإنجليزـ بدورهم ـ بالاتصال بالسلطان العثماني الذي أصدر فرمانا بعزل اسماعيل باشا في يونيو 1879 وتولية ابنه " توفيق " حكم مصر .
ـ فلما وُلِّي توفيق باشا ـ بعد ذلك ـ ظهرت المحافل الماسونية الفرنسيةوالانجليزية والمصرية في جميع أنحاء مصر وانتقل النشاط الماسوني إلى القاهرة ، بعدأن كانت المحافل الماسونية منحصرةً في الاسكندرية ، و التي كانت مركز الماسونية في مصر حتى عام 1879.
ـ و حين تولى الخديوي توفيق ـ تلميذ الافغاني ـ الحكم أحس بخطورة الأفغاني وما يبثه من أفكارـ أو هكذا قيل ـ ، فأصدر أمره بنفيه من البلاد ، " أو هكذا كانت الحبكة الحوارية " لطريقة إخراج الافغاني من مصر ، ليستمر في نشاطاته الماسونية ، من نسج للمؤامرات واسقاطٍ للأنظمة ، خارج الديار المصرية .
لقد تولى "توفيق باشا" بناءً على وساطة بريطانية ، في عهد التدخل البريطاني ،فهو بذلك تحت طائلة الانجليز.
و لنا أن نتساءل لماذا يقوم الانجليز باخراج رجلهم الاول و لاعبهم المفضل في المنطقة ؟؟؟
إلا إذا كان ذلك خوفاً عليه من غوائل ونتائج الحركة العرابية ، في حين قد لاحت لهم في الأفق مهمات أُخَر .
و من زاويةأخرى : كانت المهمة الأصعب من الناحية التخطيطية و التجهيزية للمؤامرة قد انتهت ، ولم تبقَ إلاَّ النواحي التنفيذية و العسكرية و كان الجيش الانجليزي في الميدان ،وسفنه تمخر قناةالسويس جيئةً و ذهاباً .
لِيُقبََِض ـ حينذاك ـ على الأفغاني فيليلة الأحد سادس رمضان سنة 1296 - 24 أغسطس سنة 1879 ، وهو ذاهب إلي بيته هو وخادمه الأمين ( أبو تراب ) ، ليُحمَلَ في الصباح في عربة مقفلة إلي محطة السكة الحديدية ،ومنها نقل تحت المراقبة الشديدة إلي السويس ، وانزل منها إلي باخرة اقلته إلى الهند، وسارت به إلي بومباي ، و إثر ذلك قامت الحكومة بنشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ 8 رمضان سنة 1296 ( 26 أغسطس سنة 1879 م ) ذكرت فيه نفي السيد بعد أن نسبت إليه السعي في الأرض بالفساد ، و أنه " رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعةعلى فساد الدين والدنيا " ، وحذرت الناس من الاتصال بهذه الجمعية .
و بذلك تم نفيه خارج مصر ؛ و لكن بعد أن تمكن تلامذته من البلاد من جميع الأصعدة ، وعلى كافةالمستويات ، بل كان بعض تلامذته أعضاء في مجلس الوزراء ، مثل تلميذه محمود سامي البارودي ناظرالأوقاف حينذاك و رئيس الحكومة فيما بعد .