صفحه [ 16 ]+ [ 15 ]+ [ 17 ]
أخذ بيعة الحسين عليه السلام ليزيد. قال وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين عليه السلام وسيتعظمونه ويرتقبون قدومه فلما توفى معاوية بن أبى سفيان وذلك في رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد الى الوليد بن عتبة وكان أمير المدينة يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة وخاصة على الحسين عليه السلام ويقول له إن أبى عليك فاضرب عنقه وأبعث إلى برأسه فاحضر الوليد
المروان واستشاره في امر الحسين عليه السلام فقال آنه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد ليتنى لم أك شيئا مذكورا ثم بعث الى الحسين عليه السلام فجائه في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه فنعى الوليد إليه موت معاوية وعرض عليه البيعة ليزيد، فقال:أيها الأمير إن البيعة لا تكون سرا ولكن إذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم، فقال مروان: لا تقبل أيها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه فغضب الحسين عليه السلام ثم قال: ويل لك يابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت والله ولؤمت ثم أقبل على الوليد فقال: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم الله ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلى لا يبايع مثله. ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة.
ثم خرج عليه السلام فقال مروان للوليد عصيتني ! فقال: ويحك إنك أشرت إلى بذهاب دينى ودنياى والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وإنني قتلت حسينا والله ما أظن أحدا يلقى الله بدم الحسين عليه السلام إلا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.
[ 18 ]+[ 19 ]+ [ 20 ]
قال: وأصبح الحسين عليه السلام فخرج من منزله يستمع الاخبار
( اقول : لا اعلم لماذا خرج ليستمع الى الاخبار وهو يعلم الغيب )
فلقيه مروان فقال له:
يا أبا عبد الله إنى لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام وما ذاك قل حتى أسمع !
فقال مروان: إنى آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك.
فقال الحسين عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الخلافة محرمة على أبى سفيان
( اقول : كيف تكون محرمه على ابن سفيان وقت تنازل عنها سيدنا الحسن رضي الله عنهما فهل فعل المعصوم معصيه بتنازله )
وطال الحديث بينه وبين مروان حتى إنصرف مروان وهو غضبان يقول على بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس مؤلف هذا الكتاب: والذى تحققناه أن الحسين عليه السلام كان عالما بما إنتهت حاله إليه وكان تكليفه ما إعتمد عليه. أخبرني جماعة وقد ذكرت أسمائهم في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى بإسنادهم إلى أبى جعفر محمد بن بابويه القمى فيما ذكر في أماليه بإسناده الى المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام أن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام دخل يوما على الحسن عليه السلام فلما نظر إليه بكى.
فقال: ما يبكيك ؟ قال: أبكى لما يصنع بك. فقال الحسن عليه السلام إن الذى يؤتى إلى سم يدس إلى فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله عليه السلام يزدلف إليك ثلاثون الف رجل يدعون إنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم وينتحلون الاسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وإنتهاك حرمتك وسبى ذراريك ونسائك
وإنتهاب ثقلك فعندها يحل الله ببنى امية اللعنة وتمطر السماء دما ورمادا ويبكى عليك كل شئ حتى الوحوش والحيتان في البحار.
وحدثني جماعة منهم من أشرت إليه بإسنادهم الى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جده محمد بن عمر قال: سمعت أبى عمر بن على بن أبى طالب عليه السلام يحدث أخوالى آل عقيل قال: لما إمتنع أخى الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلت عليه فوجدته خاليا فقلت له: جعلت فداك يا ابا عبد الله، حدثنى أخوك أبو محمد الحسن عن أبيه عليهما السلام ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي فضمني إليه وقال:
حدثك انى مقتول فقلت: حوشيت يابن رسول الله، فقال:
سألتك بحق أبيك بقتلى خبرك فقلت: نعم فلولا ناولت وبايعت، فقال:
حدثنى أبى أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اخبره بقتله وقتلى وأن تربتي تكون بقرب تربته فتظن إنك علمت ما لم أعلمه وإنه لا أعطى الدنيا عن نفسي أبدا ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته ولا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها. أقول ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوما بقتل أنفسهم فقال تعالى: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم).
ولعله يعتقد أن معنى قوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) انه هو القتل وليس الأمر كذلك وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة ولقد ذكر صاحب المقتل المروى عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية من ما يليق بالعقل، فروى عن أسلم قال: غزونا نهاوند وقال غيرها واصطفينا والعدو صفين أر أطول منهما ولا أعرض والروم قد الصقوا ظهور هم بحائط مدينتهم فحمل رجل منا على العدو فقال الناس: لا إله إلا الله القى نفسه الى التهلكة. فقال أبو أيوب الانصاري إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة، وليس كذلك إنما نزلت هذه الآية فينا لأنا كنا قد إشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها فقد ضاعت بتشا غلنا عنها فأنزل الله أنكال لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا صلاح أموالنا
(ولا تلقوا بأيد بكم الى التهلكة) معناه إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأقمتم في بيوتكم القيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الاقامة وتحريض لنا على الغزو وما أنزلت هذه الآية في رجل حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب الآخرة. أقول: وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب وسيأتى ما يكشف عن هذه الأسباب.