فضائل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
لا جدال في أن الله قد ختم بعثة رسله وأنبيائه بمحمد ، ولا شك في أن من ختمت به رسالات السماء يجب أن يكون افضل الأنبياء والرسل عليهم السلام .
ومن هنا فلا بد أن يكون من بعث فيهم وإليهم افضل الأمم وأعظمها ، وقد قال رسول الله : وفيتم سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله[1] .
والروايات من طرق القوم في إثبات هذا كثيرة ، نورد بعضها :
فعن علي رضي الله عنه قال: لما خلق الله محمدا نورا قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والأرض واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة وآدم وحواء قال: أنت صفيي وأنت حبيبي وخير خلقي ، أمتك خير أمة أخرجت للناس [2] .
وعنه أيضا قال: إن الله تعالى بعث جبرئيل إلى النبي أن بشر أمتك بالزين والسناء والرفعة والكرامة والنصر والتمكين في الأرض [3] .
وروى القوم عن رسول الله أنه قال: أهل الجنة عشرون ومائة صف ، هذه الأمة ثمانون صفا ، وفي رواية: عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صف أمة محمد وأربعون ألف صف من سائر الأمم [4] .
وقال : يدخل من أمتي سبعون ألف الجنة بغير حساب ، وفي بعض الروايات: ومع كل واحد سبعون ألفا [5] .
وقال : أنا أكثر النبيين تبعا يوم القيامة [6] .
وقال رضوان خازن الجنة: إن الله قسم الجنة لامة محمد أثلاثا فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ، وثلث تشفع لهم فتشفع فيهم [7] .
وقد كان لإظهار الله لفضل ومنزلة هذه الأمة سببا في أن يتمني الأنبياء والرسل عليهم السلام أن يكونوا أمتهم أو أن يكونوا منهم ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن الله تعالى جل ثناؤه أرى إبراهيم صورة محمد وأمته فقال: يا رب ما رأيت من أمم الأنبياء أنور ولا أزهر من هذه الأمة فمن هذا ؟ فنودي هذا محمد [8] .
وهذا موسى عليه السلام يخبره ربه : إن فضل أمة محمد على جميع الأمم كفضله – وفي بعض المصادر: كفضلي – على جميع خلقي ؟ فقال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى الله إليه: يا موسى إنك لن تراهم ، فليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنات: جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون وفي خيراتها يتبحبحون[9] .
ولما سأله أن يكون منهم أبى الله عليه ذلك .
فعن الرضا قال: إن موسى عليه السلام سال ربه : يا رب اجعلني من أمة محمد ؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إنك لا تصل إلى ذلك [10] .
وفي رواية: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي ؟ قال: تلك أمة أحمد ، قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق السابقون في دخول الجنة فاجعلهم أمتي ، ؟ قال: تلك أمة أحمد ، قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ويقاتلون الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي ؟ قال: تلك أمة أحمد ، قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، وان عملها كتبت له عشر أمثالها وان هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب وان عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي ؟ قال: تلك أمة أحمد ، قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم السابقون وهم المشفوع لهم فاجعلهم أمتي ؟ قال: تلك أمة أحمد ، قال موسى عليه السلام: رب اجعلني من أمة أحمد [11] .
وهذا عيسى عليه السلام سأل ربه عن عين طوبى في الجنة ؟ فقال له: حرام يا عيسى على الأمم أن يشربوا منها حتى يشرب منها أمة ذلك النبي ، وفي رواية: وتلك الجنة محرمة على الأمم حتى يدخلها أمة ذلك النبي [12] .
وعندما يمر الأنبياء على فقراء أمة محمد يقولون: هؤلاء من الملائكة ، وتقول الملائكة: هؤلاء من الأنبياء ، فيقولون: نحن لا ملائكة ولا أنبياء ، بل نفر من فقراء أمة محمد ، فيقولون: بم نلتم هذه الكرامة ؟ فيقولون: لم يكن أعمالنا شديدا ولم نصم الدهر ، ولم نقم الليل ، ولكن أقمنا الصلوات الخمس ، وإذا سمعنا ذكر محمد فاضت دموعنا علي خدودنا[13] .
حتى الأبالسة ، وكما ذكرنا لم يخف عليهم منزلة هذه الأمة ، فهاهم يقولون لإبليس: إن هذه أمة مرحومة معصومة ومالنا ولا لك عليهم سبيل [14] .
وذلك لقول الله بأنهم أمة مرحومة ، وقول الرسول : إن أمتي أمة مرحومة [15] .
فلا غرابة إذن أن نرى الملائكة يوم القيامة يدعون ربهم أن يسلم هذه الأمة وييسر عليهم الحساب ، فقد روى القوم إن رسول الله لما نعي إليه نفسه قال وسألته الزهراء رضي الله عنها: أين ألقاك قال: عند الصراط جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري والملائكة من خلفي وقدامي ينادون: رب سلم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب [16] .
وقد ذكر صاحب روضة الواعظين إن الله سبحانه أعطى هذه الأمة مرتبة الخليل ، ومرتبة الكليم ، ومرتبة الحبيب :
فأما مرتبة الخليل فإن إبراهيم عليه السلام سأل ربه خمس حاجات فأعطاها إياه بسؤاله ، وأعطى ذلك هذه الأمة بلا سؤال :
سأل الخليل المغفرة بالتعريض فقال في سورة الشعراء: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين .
وأعطى هذه الأمة بلا سؤال ، فقال: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا - الزمر 53 .
والثاني سأل الخليل فقال في الشعراء: ولا تخزني يوم يبعثون .
وقال لهذه الأمة: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه - التحريم 8 .
والثالث: سأل الخليل الوراثة قال في الشعراء: واجعلني من ورثة جنة النعيم .
وقال لهذه الأمة: أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون - المؤمنون 10-11 .
والرابع سأل الخليل القبول فقال: ربنا تقبل منا - البقرة 127 .
وقال لهذه الأمة: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده - الشورى 25 .
والخامس سأل الخليل الأعقاب فقال: رب هب لي من الصالحين - الصافات 100 .
وقال لهذه الأمة: وهو الذي جعلكم خلائف الأرض - الأنعام 165 .
ثم أعطى الخليل ست مراتب بلا سؤال ، وأعطى هذه الأمة جميع ذلك بلا سؤال:
الأول قال للخليل: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما - آل عمران - 67 .
وقال لهذه الأمة: هو سماكم المسلمين - الحج 78 .
والثاني قال للخليل: يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم - الأنبياء 69 .
وقال لهذه الأمة: وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها - آل عمران 103 .
والثالث قال للخليل: فبشرناه بغلام حليم - الصافات 101 .
وقال لهذه الأمة وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا - الأحزاب 47 .
والرابع قال للخليل: سلام على إبراهيم - الصافات 109 .
وقال لهذه الأمة: قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى - النحل 59 .
والخامس قال للخليل: وأذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق - ص 45 .
وقال لامة الحبيب: وعباد الرحمن - الفرقان 63 .
والسادس قال للخليل: شاكرا لأنعمه اجتباه - النحل 121 .
وقال لهذه الأمة: هو اجتباكم - الحج 78 .
وأما مرتبة الكليم فإن الله تعالى أعطى الكليم عشر مراتب ، وأعطى أمة محمد عشر أمثالها:
الأول قال للكليم: وأنجينا موسى - الشعراء 65 .
وقال لامة محمد: كذلك حقا علينا ننج المؤمنين - يونس 103 .
والثاني: أعطى الكليم النصرة فقال: إنني معكما أسمع وأرى - طه 46 .
وقال لامة محمد: إن الله مع الذين اتقوا - النحل 128 .
والثالث: القربة قال: وقربناه نجيا - مريم 52 ، .
وقال لهذه الأمة: ونحن أقرب إليه منكم - الواقعة 85 .
والرابع المنة قال تعالى: ولقد مننا على موسى وهارون - الصافات 114 .
وقال لهذه الأمة: بل الله يمن عليكم - الحجرات 17 .
والخامس الأمن والرفعة قال الله تعالى: لا تخف إنك أنت الأعلى - طه 68 .
وقال لهذه الأمة: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين - آل عمران 139 .
والسادس المعرفة والشرح في الصدر فقال الكليم: رب اشرح لي صدري-طه 25 .
فأعطاه ذلك بقوله: قد أوتيت سؤلك - طه 26 .
وقال لامة محمد: أفمن شرح الله صدره للإسلام - الزمر 22 .
والسابع التيسير قال: ويسر لي أمري - طه 36 .
وقال لهذه الأمة: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر - البقرة 185 .
والثامن الإجابة قال تعالى: قد أجيبت دعوتكما - يونس 79 .
وقال لهذه الأمة: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله - الشورى26 .
والتاسع المغفرة ، قال الكليم: رب إني ظلمت نفسي فغفر لي فغفر له - القصص 16 .
وقال لامة محمد : يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم - إبراهيم 10 .
والعاشر النجاح قال: قد أوتيت سؤلك يا موسى - طه 25 .
وقال لهذه الأمة: وآتاكم من كل ما سألتموه - إبراهيم 34 .
وفي ضمنها وما لم تسألوه كقوله: سواء للسائلين - فصلت 10 أي لمن سأل ولمن لم يسأل .
وأما مرتبة الحبيب فإن الله سبحانه أعطى حبيبه تسع مراتب وأعطى أمته مثلها تسعا:
الأول التوبة قال للحبيب: لقد تاب الله على النبي - التوبة 117 .
وقال لأمته: والله يريد أن يتوب عليكم - النساء 27 . وقال: ثم تاب عليهم ليتوبوا - التوبة 118 .
والثاني المغفرة قال تعالى: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك - الفتح 2 .
وقال لامته: إن الله يغفر الذنوب جميعا - الزمر 53 .
والثالث النعمة قال له: ويتم نعمته عليك - الفتح 3 .
وقال لامته: وأتممت عليكم نعمتي - المائدة 3 .
والرابع النصرة قوله تعالى: وينصرك الله نصرا عزيزا - الفتح 4 .
وقال لأمته: وكان حقا علينا نصر المؤمنين - الروم 47 .
والخامس الصلوات ، قال له: إن الله وملائكته يصلون على النبي - الأحزاب 46 .
وقال لأمته: هو الذي يصلي عليكم وملائكته - الأحزاب 43 .
والسادس الصفوة ، قال للحبيب: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس - الحج 75 يعني محمدا .
وقال لأمته: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا - فاطر 32 .
والسابع الهداية ، قال للحبيب: ويهديك صراطا مستقيما - الفتح 2 .
وقال لأمته: وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم – الحج 54 .
والثامن السلام ، قال للحبيب في ليلة المعراج: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
وقال لأمته: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة - الأنعام 54 ؟ .
والتاسع الرضا: قال للحبيب: ولسوف يعطيك ربك فترضى – الضحى 5 .
وقال لأمته: ليدخلنهم مدخلا يرضونه – الحج 59 ، يعني الجنة .
وعن الصادق عن أبيه قال: قال النبي : مما أعطى الله به أمتي وفضلهم به على سائر الأمم ثلاث خصال لم يعطها إلا نبي .
وذلك إن الله تبارك وتعالى كان إذا بعث نبيا قال له: اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، وان الله تبارك وتعالى أعطى ذلك لأمتي حيث يقول: وما جعل عليكم في الدين حرج – الحج 78 . يقول: من ضيق .
وكان إذا بعث نبيا قال له: إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني استجب لك ، وان الله أعطى أمتي ذلك حيث يقول: أدعوني أستجب لكم – غافر 60 .
وكان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه ، وان الله تبارك وتعالى جعل أمتي شهداء على الخلق ، حيث يقول: ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس [17] .
ومن رحمة الله سبحانه على هذه الأمة وتخصيصه إياهم دون الأمم ما خص به شريعتهم من التخفيف والتيسير فقال سبحانه: يريد الله أن يخفف عنكم – النساء 28
وقال: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج – المائدة 6 .
وقال: وما جعل عليكم في الدين من حرج – الحج 78 .
وقال: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر – البقرة 185 .
وقال: ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم - الأعراف 157 .
وكان مما انعم الله تعالى على هذه الأمة إن الأمم الماضية كانوا إذا أصابهم بول أو غائط أو شيء من النجاسات كان تكليفهم قطعة وإبانته من أجسادهم ، وخفف عن هذه الأمة بأن جعل الماء طهورا لما يصيب أبدانهم وأثوابهم قال الله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء طهورا - الأنفال 11 .
ومنها أنهم كانوا يعتزلون النساء في حال الحيض فلم يكونوا يؤكلونهن ولا يجالسوهن ، وما أصاب الحائض من الثياب والفرش والأواني وغير ذلك نجس حتى لا يجوز الانتفاع به وأباح لنا جميع ذلك إلا المجامعة .
ومنها أن صلاتهم كانت خمسين ، وصلاتنا خمس وفيها ثواب الخمسين وزكاتهم ربع المال ، وزكاتنا ربع العشر وثوابه ربع المال .
ومنها أنهم كانوا إذا فرغوا من الطعام ليلة صيامهم حرم عليهم الطعام والشراب والجماع إلى مثلها من الغد ، واحل الله لنا التسحر والوطء في ليالي الصوم ، فقال: وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر - البقرة 187 يعني بياض النهار من سواد الليل ، وقال: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساؤكم - البقرة 187 ، يعني الجماع .
ومنها كانت الأمم السالفة تجعل قربانها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نار فأكلته ، ومن لم يقبل منه رجع مثبورا ، وقد جعل الله قربان أمة محمد في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبل ذلك منه ضعف له أضعافا مضاعفة ، ومن لم يقبل منه رفعت عنه عقوبات الدنيا .
ومنها إن الله تعالى كتب عليهم القصاص في التوراة والدية في القتل والجراح ولم يرخص لهم في العفو واخذ الدية ، ولم يفرق بين الخطأ والعمد في وجوب القصاص ، فقال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس - المائدة 45 .
ثم خفف عنا في ذلك فخير بين القصاص والدية والعفو ، وفرق بين الخطأ والعمد ، فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى - إلى قوله - فمن عفى له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة - البقرة 178 .
ومن ذلك تخفيف الله عنهم في أمر التوبة فقال لبني إسرائيل: وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم بإتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فأقتلوا أنفسكم - البقرة 54 ، فكانت توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا ، الأب ابنه ، والابن أباه ، والأخ أخاه ، والام ولدها ، ومن فر من القتل او دفع عن نفسه او اتقى السيف بيده او ترحم على ذي رحمة لم تقبل توبته ، ثم أمرهم الله بالكف عن القتل بعد ان قتلوا سبعين الفا في مكان واحد ، فهذا توبتهم .
وجعل توبتنا الاستغفار باللسان ، والندم بالجنان ، وترك العود بالابدان ، فقال : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فأستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون - آل عمران 135 .
وقال: أفلا يتوبون إلى الله - المائدة 74 .
وقال: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله - الحديد 16 .
ومن الامم السالفة من ينظر إلى إمرأة بريبة يؤمر بقلع العين لتقبل عنه التوبة ، وكفارتنا فيه غض البصر ، والتوبة بالقلب ، والعزم على ترك العود إليه .
وكان منهم من يلاقي بدنه إمرأة حرام فيكون التوبة منه ابانة ذلك العضو من نفسه ، وتوبتنا فيه الندم وترك العود إليه .
ومن يرتكب منهم الخطيئة في خفية وخلوة يخرج وخطيئته مصورة على باب داره: الا ان فلان بن فلان ارتكب البارحة خطيئة كذا وكذا ، وكان ينادى عليه من السماء بذلك فيفتضح ويبنتهك سترة ، ومن يرتكب منا الخطيئة ويخفيها عن الابصار فيطلع عليه ربه يقول للملائكة: عبدي قد ستر منا الخطيئة ويخفيها عن الابصار فيطلع عليه ربه فيقول للملائكة: عبدي قد ستر ذنبه عن إبناء جنسه لقلة ثقته بهم ، والتجأ إلي لعله يتبعه رحمتي ، اشهدوا إني قد غفرتها له لثقته برحمتي . فإذا كان يوم القيامة واوقف للعرض والحساب يقول: عبدي أنا الذي سترتها عليك في الدنيا ، وانا الذي استرها عليك اليوم .
ومما فضل الله به هذه الأمة ان قيض لهم الاكرمين من الملائكة يستغفرون لهم ويسترحمون لهم من الرحمة ، فقال سبحانه: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا - غافر 7 ، قال : المؤمنون شهداء في الأرض وما رأوه حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح .
وقال : يا ليتني قد لقيت اخواني ، فقيل: يا رسول الله او لسنا اخوانك آمنا بك وهاجرنا معك واتبعناك ونصرناك ؟ قال: بلي: ولكن اخواني الذين ياتون من بعدكم ، يؤمنون بي كإيمانكم ، ويحبوني كحبكم ، وينصروني كنصركم ويصدقوني كتصديقكم ، ياليتني قد لقيت اخواني [18] .
ولا يسعنا هنا حصر كل مأورد في بيان فضائل أمة الرسول ، ففيما أوردناه كفاية .
فإذا علمت هذا فيقينا ان الرعيل الأول من هذه الأمه الذين بعث فيهم الرسول افضل هذه الأمه وأعظمها ، وقد بين الرسول هذا حيث قال: ان الله اخرجني في خير قرن من امتي [19] .
وعن الكاظم ، عن آبائه قال: قال رسول الله : القرون أربعة ، أنا في افضلها قرنا [20] .
وهذا أبو الانبياء إبراهيم عليه السلام يقول لنبينا : ليلة الإسراء: مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح والمبعوث الصالح في الزمان الصالح[21] .
وغيرها من روايات تظهر فضل اناس ذلك الزمان الصالح ، والقرن المفضل ، وهم جيل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .
وقد ذكر القوم عن العسكري رحمه الله ان آدم عليه السلام سأل الله ان يعرفه بفضل صحابة نبيه فقال : ان رجلا من خيار اصحاب محمد لو وزن به جميع اصحاب المرسلين لرجح عليهم ، يا ادم: لو أحب رجل من الكفار او جميعهم رجلا من آل محمد واصحابه الخيرين لكافأه الله عن ذلك بأن يختم له بالتوبة والإيمان ثم يدخله الله الجنة ، ان الله ليفيض على كل واحد من محبي محمد وال محمد واصحابه من الرحمة ما لو قسمت على عدد كعدد كل ماخلق الله من أول الدهر إلى آخره وكانوا كفارا لكفاهم ولاداهم إلى عاقبة محمودة الإيمان بالله حتى يستحقوا به الجنة ، ولو ان رجلا ممن يبغض آل محمد واصحابه الخيرين او واحدا منهم لعذبه الله عذابا لو قسم على مثل عدد ما خلق الله لاهلكهم الله أجمعين[22] .
وروى القوم عن الرضا ان موسى عليه السلام سال ربه: هل في اصحاب الانبياء اكرم عندك من صحابتي ؟ فقال : يا موسى اما علمت ان فضل صحابة محمد على جميع صحابة الانبياء المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين ، وفضل محمد على جميع المرسلين ؟ [23] .
الفضل والخيرية هذه والتي من مستلزماتها الوسطية ، اكدها الله في ايات عدة ، كقوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس – البقرة 143 .
ولا يخفى أن أول من خوطب بهذه الآية هم الصحابة رضوان الله عليهم ، تماما كما كانوا أول من خاطب الله في قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله – آل عمران ، 110 .
ويقول الطبرسي في تفسير الآية: معناه انتم خير أمة وانما قال كنتم لتقدم البشارة لهم في الكتب الماضية [24] . وقد ذكرنا بعضا من ذلك .
ويقول الطباطبائى في ميزانه: الآية تمدح حال المؤمنين في أول ظهور الإسلام من السابقين الاولين من المهاجرين والأنصار [25] .
وفيهم قال : طوبى لمن رآني وطوبى لمن رآى من رآني ، وطوبى لمن رآى من رآى من رآني ، وفي رواية: إلى السابع ثم سكت [26] .
فضائل الصحابة من القرآن و السنة و أقوال أئمة الشيعة:
والقرآن مليء بعشرات النصوص الدالة على إيمان وفضل هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم ، كقوله تعالى وإن يريدوا إن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم * يا أيها النبي حسبك الله ومن إتبعك من المؤمنين - الانفال 62-64 0
وقوله والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم * والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله إن الله بكل شىء عليم - الانفال 74-75 .
وقوله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم - التوبة 100 .
قال الطبرسي: وفي هذه الآية دلالة على فضل السابقين ومزيتهم على غيرهم لما لحقهم من انواع المشقة في نصرة الدين فمنها مفارقة العشائر والاقربين ومنها مباينة المألوف من الدين ومنها نصرة الإسلام وقلة العدد وكثرة العدو ومنها السبق إلى الإيمان والدعاء إليه [27] .
ويقول الطباطبائي: المراد بالسابقين هم الذين اسسوا اساس الدين ورفعوا قواعده قبل ان يشيد بنيانه ويهتز راياته صنف منهم بالإيمان واللحوق بالنبي والصبر على الفتنة والتعذيب ، والخروج من ديارهم واموالهم بالهجرة إلى الحبشة والمدينة ، وصنف بالإيمان ونصرة الرسول وايوائه وايواء من اجر إليهم من المؤمنين والدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع [28] .
وكذلك لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم الا وتحدثت عن جهادهم في سبيل الله ، اقرأ مثلا:
قوله تعالى وقوله الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفانزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم – التوبة 20-22 .
وقوله لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون* أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم - التوبة 88-89 .
وقوله ومالكم لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعلمون خبير - الحديد 10 .
وقوله تعالى الذين إستجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم وأتقوا أجر عظيم * الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فإنقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وأتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم - آل عمران 172-174 .
وقوله تعالى إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت الأقدام - الانفال 11 .
وهذه الايه نزلت في غزوة بدر ، وقد ثبت عن رسول الله أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما سأله ان يدعه يضرب عنقه ، قال: وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على اهل بدر فغفر لهم ، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم [29] .
وقال تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب - البقرة 214 .
قال الطبرسي: قيل نزلت في المهاجرين من اصحاب النبي إلى المدينة اذ تركوا ديارهم واموالهم ومسهم الضر [30] .
وفيهم يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
فجاء بقرقان من الله منزل مبينة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام كرام وأيقنوا وأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم فزادهم الرحمن خيلا على خيل
وأمكن منهم يوم بدر رسوله وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل
بأيديهم بيض خفاف قواطع وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل[31]
وقد وصف الله تعالى اصحاب نبيه بالصدق والتقوى ووعدهم بالفلاح في مواطن كثيرة منها:
قوله تعالى ياأيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين – التوبة 119 ، ذكر بعض المفسرين انها نزلت في محمد واصحابه رضوان الله عليهم[32] .
ولا تخفى منزلة من أمرنا بالإقتداء بهم وهذا الأمر باق إلى يوم القيامة ولا يحتج هنا بأن هذا إنما كان في حال الصلاح قبل الردة كما يدعي القوم ، فإن ذلك مقياس البشر ، لا علام الغيوب الذي لا تخفي عنه خافية في السماء او الأرض فضلا عن سرائر النفوس .
ويقول تعالى وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين * فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين - المائدة 83-85 .
وفيهم يقول محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فإستغلظ فإستوى على سوقه يعجب الزراع ليغظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما - الفتح 29 .
ففي هذه الآية مع غيرها من الدلائل ، دليل على أن الله يغيظ بالصحابة رضوان الله عليهم من ينتقص من حقهم ومنزلتهم التي أنزلهم الله .
وعلى صلة بالآية السابقة ، روى القوم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سال قوم النبي فيمن نزلت هذه الآية وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما قال: إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور ابيض ونادى مناد: ليقم سيد المؤمنين ومعه الذين امنوا فقد بعث محمد ، فيقوم علي بن أبي طالب فيعطي الله اللواء من النور الابيض بيده ، تحته جميع السابقين الاولين من المهاجرين والأنصار ، لا يخالطهم غيرهم حتى يجلس على منبر من نور رب العزة ، ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا فيعطي اجره ونوره ، فإذا اتي على اخرهم قيل لهم: قد عرفتم موضعكم ومنازلكم من الجنة ان ربكم يقول لكم: عندي لكم مغفرة واجر عظيم – يعني الجنة – فيقوم علي بن طالب والقوم تحت لوائه معهم حتى يدخل الجنة [33]
نعود إلى ما كنا فيه من ذكر فضائل الصحابة من القرآن ، يقول الله لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما * وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما - الفتح 18-20 .
يقول الطبرسي: يعني بيعة الحديبية وتسمى بيعة الرضوان لهذه الآية ورضا الله سبحانه عنهم وارادته تعظيمهم واثابتهم وهذا اخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين اذ بايعوا النبي في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة [34] ، وكان عدد الصحابة رضوان الله عليهم يوم بيعة الرضوان الفا ومائتين ، وقيل وأربعمائة ، وقيل وخمسائة ، وقيل وثمانمائة [35] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرنا الله أنه رضي عنهم: عن اصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم ، هل حدثنا أحد أنه سخط عليهم بعد ؟ [36] .
وعلى اي حال ، لا يسعنا هنا حصر جميع الآيات الدالة على فضائل الصحابة خشية خروجنا عما التزمنا به من الايجاز في كل موضوع ، لذا فاننا نختم هذا بايراد التالي ففيما أوردناه آنفا غنى لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد .
يقول الله للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا إغفر لنا ولإخواننا الذين سبقوها بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم - الحشر 8-10 0 روى القوم ان نفرا من اهل العراق وفد على الإمام زين العابدين رحمه الله فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، فلما فرغوا من كلامهم ، قال لهم: الا تخبروني انتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ؟ قالوا: لا ، قال: فانتم الذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ؟ قالوا: لا ، قال: اما انتم قد تبرأتم ان تكونوا من أحد هذين الفريقين وانا اشهد انكم لستم من الذين قال الله فيهم: والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا اخرجوا عني فعل الله بكم [37] .
ولم يزل وهو يرى نفسه من الفريق الثالث يدعوا الله لهم بالمغفرة يقول في أحد ادعيته:
اللهم واصحاب محمد خاصة الذين احسنوا الصحابة والذين ابلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه واسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث اسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الازواج والاولاد في اظهار كلمته وقاتلوا الاباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته والذين هجرتهم العشائر اذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات اذ سكنوا في ظل قرابته فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقة ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم اللهم واوصل الي التابعين لهم باحسان الذين يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير جزائك الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم في بصيرتهم ولم يختلجهم شك في قفو اثارهم والائتمام لهم يدينون بدينهم ويهتدون بهديهم يتفقون عليهم ولا يتهمونهم فيما ادوا إليهم اللهم [38] .
ولا عجب في ان ينتهج الإمام السجاد نهج جده أمير المؤمنين رضي الله عنه في بيان فضائلهم لاهل العراق .
فعن الباقر قال: صلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى وابكاهم من خوف الله تعالى ، ثم قال: اما والله لقد عهدت اقواما على عهد خليلي رسول الله وانهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا بين اعينهم كركب المعزى ، يبيتون لربهم سجدا وقياما ، يراوحون بين اقدامهم وجباههم يناجون ربهم ، ويسألونه فكاك رقابهم من النار ، والله لقد رايتهم مع ذلك وهم جميع مشفقون منه خائفون [39] .
وعن زين العابدين قال: صلى أمير المؤمنين الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح واقبل على الناس بوجهه فقال: والله لقد أدركت اقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما يخالفون بين جباههم وركبهم كان زفير النار في اذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر [40] .
وكان رضي الله عنه يقول لمعاوية: اما بعد : فإن لله عبادا امنوا بالتزيل وعرفوا التاويل وفقهوا في الدين وبين الله فضلهم في القرآن الكريم وانتم في ذلك الزمان اعداء للرسول ، فكنتم فيمن دخل هذا الدين اما رغبة واما رهبة على حين فاز اهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون والأنصار بفضلهم ولا ينبغي لمن ليست لهم مثل سوابقهم في الدين ولا فضائلهم في الإسلام ان ينازعهم الأمر الذي هم اهله وأولى به فيجور ويظلم [41] .
وقال فيهم الإمام الصادق: كان اصحاب رسول الله اثني عشر الفا ثمانية الاف من المدينة ، والفان من مكة ، والفان من الطلقاء ، ولم ير فيهم قدري ولا مرجيء ولا حروري ولا معتزلي ولا صاحب راي ، كانوا يبكون الليل والنهار ويقولون: اقبض ارواحنا من قبل ان ناكل خبر الخمير [42] .
وقال أيضا: وكان بعض اصحاب رسول الله يضع حصاة في فمه فإذا أراد ان يتكلم بما علم أنه لله وفي الله ولوجه له اخرجها ، وان كثيرا من الصحابة كانوا يتنفسون تنفس الغرقى ، ويتكلمون شبه المرضى [43] .
لذا صلح أمرهم ، كما قال علي رضي الله عنه عن الرسول : ان صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين وهلاك اخرها بالشح والامل [44] .
وكان من عظمة هذا الجيل المثالي ، ان نهى رسول الله من يأتي من بعده ان يذكرهم بسوء او ينتقصهم ، وكأن الله اطلعه على الغيب ليرى ما سيؤول إليه الأمر ، فقال: إذا ذكر أصحابي فامسكوا [45] .
وعن الصادق ، عن ابائه ، عن علي رضي الله عنه قال: اوصيكم باصحاب نبيكم لا تسبوهم وهم الذين لم يحدثوا بعده ولم يؤوا محدثا ، فإن رسول الله اوصي بهم [46] .
ولا يسعف القوم حمل قوله هذا على من لم يحدث بعده ، فإن عليا رضي الله عنه وهو راوي الحديث لم ير ذلك في اهل الشام الذين رأوا الخروج عليه واستحلوا حربه حيث قال فيهم:
أن ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة لا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق لرسوله ولا يستزيدونا: الأمر واحد الا ما إختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء[47] . فتدبر في هذا .
ولا زال يوصي من سيأتي بعدهم بالتمسك بكتاب الله وسنته وهديهم رضي الله عنهم ، ويؤكد ان ظهور هذا الدين إنما بمن بقي منهم رضي الله عنهم .
فعن الصادق قال: قال رسول الله : ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لا عذر لكم في تركه ، وما لم يكن في كتاب الله وكانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي ، وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به ، فانما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيما اخذ اهتدى ، وبأي اقاويل أصحابي اخذتم اهتديتم ، واختلاف أصحابي لكم رحمة[48] .
وعن الكاظم عن ابائه: قال رسول الله : أنا امنة لأصحابي ، فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي امنة لامتي فإذا قبض أصحابي دنا من امتي ما يوعدون ، ولا يزال هذا الدين ظاهرا على الاديان كلها ما دام فيكم من قد رآني [49] .
ولقد كان صحابة رسول الله على درجة عالية من الاخلاق في تعاملهم مع رسول الله وطاعتهم وحبهم واخلاصهم له ، فهذا انس رضي الله عنه يقول: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله وكانوا إذا راوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته [50] .
وعن البراء بن عازب قال: لقد كنت اريد ان اسال رسول الله عن الأمر فأؤخره سنتين من هيبته [51] .
وعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله في قبة من آدم وقد رايت بلالا الحبشي وقد خرج من عنده ومعه فضل وضوء رسول الله فإبتدره الناس فمن اصاب منه شيئا تمسح به وجهه ومن لم يصب منه شيئا اخذ من يدي صاحبه فمسح وجهه وكذلك فعل بفضل وضوء أمير المؤمنين[52] .
وعن ابن شريك قال: أتيت النبي واصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير ، وعن عروة بن مسعود حين وجهته قريش عام القضية إلى رسول الله ورأي من تعظيم اصحابه له وانه لا يتوضأ الا ابتدروا وضوءه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة الا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم واجسادهم ولا تسقط منه شعرة الا ابتدروها ، واذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره ، واذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده ، وما يحدون النظر إليه تعظيما له ، فلما رجع إلى قريش قال: يا معشر قريش إني أتيت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه واني والله ما رايت ملكا في قوم مثل محمد في اصحابه ، وعن انس قال: لقد رأيت رسول الله والحلاق يحلقه وأطاف به اصحابه ، فما يريدون ان يقع شعرة الا في يد رجل ، [53] .
ولما أراد المشركون قتل زيد بن الدثنة قالوا له: اتحب إنك الآن في اهلك وان محمدا مكانك ؟ قال: والله ما أحب ان محمدا يشاك بشوكة واني جالس في أهلي ، فقال أبوسفيان: والله ما رايت من قوم قط اشد حبا لصاحبهم من اصحاب محمد[54] .
وكشأن اصحابه رضوان الله عليهم معه كان هو في محبته وتعامله معهم ، من ذلك ما رواه عنه ابن مسعود رضي الله قال: لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا فاني أحب ان اخرج إليكم وانا سليم الصدر [55] .
وعن انس رضي الله عنه قال: كان رسول الله إذا فقد الرجل من اخوانه ثلاثة ايام سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وان كان شاهداً زاره ، وان كان مريضاً عاده [56] .
وكان يقول : لا عيش الا عيش الآخرة ، اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة [57] .
ولم يقتصر بيانه لفضائلهم في حياته ، كما يزعم القوم من ان ذلك إنما في حال صلاحهم ، بل كأنه أراد إثبات فساد قولهم هذا ، بأن بين فضلهم في حال وفاته وذلك باستغفاره لما قد يبدر منهم من ذنوب ، فعن الباقر قال: قال رسول الله ان مقامي بين اظهركم خير لكم وان مفارقتي اياكم خير لكم ، اما مقامي فلقول الله : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهو يستغفرون ، اما مفارقتي لأن اعمالكم تعرض علي كل اثنين وخميس فما كان حسنا حمدت الله تعالى عليه وما كان سيئا استغفرت لكم[58] .
وجعل ثبات المؤمنين على الصراط بسبب شدة حبهم لاصحابه رضي الله عنهم ، فعن الباقر عن ابائه قال: قال رسول الله : اثبتكم على الصراط اشدكم حبا لاهل بيتي ولأصحابي [59] .
وقد كان الاصحاب من مهاجرين وانصار وكذا أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين يختصمون لا في حب رسول الله لهم فحسب ، فإن ذلك من المسلمات ، ولكن في ايهم أولى بذلك الحب ، وايهم أحب إليه ، فعن كعب بن عجرة ان المهاجرين والأنصار وبني هاشم اختصموا في رسول الله أينا أولى به واحب إليه ؟ فقال رسول الله : اما انتم يا معشر الأنصار فانما أنا اخوكم ، فقالوا: الله اكبر ذهبنا به ورب الكعبة ، واما انتم يا معشر المهاجرين فانما أنا منكم ، فقالوا: الله اكبر ذهبنا به ورب الكعبة ، واما انتم يا بني هاشم فانتم مني والي ، فقمنا وكلنا راض مغتبط برسول الله [60] .
وعلى ذكر الأنصار ، روى القوم عن الصادق أنه قال: ما سلت السيوف ولا اقيمت الصفوف في صلاة ولا زحوف ولا جهر باذان ولا أنزل الله يا أيها الذين آمنوا حتى اسلم إبناء القيلة: الاوس والخزرج [61] .
وما دمنا في ذكرهم ، فلا بأس في ايراد شيئ من فضائلهم ، قال رسول الله : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء إبناء الأنصار ، يا معشر الأنصار اما ترضون ان يرجع غيركم بالشاء والنعم وترجعون انتم وفي سهمكم رسول الله ؟ قالوا: بلى رضينا ، قال النبي حينئذ: الأنصار كرشي وعيبتي ، لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ، اللهم اغفر للأنصار [62] .
وزاد الطبرسي رحمه الله بعد قوله: لسلكت شعب الأنصار: ولولا الهجرة لكنت إمرا من الأنصار [63] .
الصادق قال: جاءت فخذ من الأنصار إلى رسول الله فسلموا عليه فرد عليهم السلام ، فقالوا: يا رسول الله لنا إليك حاجة ؟ فقال: هاتوا حاجتكم ، قالوا: إنها عظيمة ، فقال: هاتوها ما هي ؟ قالوا: ان تضمن لنا على ربك الجنة ؟ قال: فنكس رسول الله رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال: افعل ذلك بكم على أن لا تسألوا احدا شيئا ، قال: فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره ان يقول لإنسان: ناولنيه ، فرارا من المسألة ، فينزل فيأخذه ويكون على المائدة فيكون بعض الجلساء اقرب إلى الماء منه فلا يقول: ناولنيه حتى يقوم فيشرب [64] .
وقال لإمرأة أنصارية وهبت نفسها له : رحمك الله ورحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم ، ورغبت في نساؤكم [65] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ان علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس رضي الله عنهم دخلوا على رسول الله في مرضه الذي قبض فيه ، فقالوا: يا رسول الله هذه الأنصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها عليك ، فقال: وما يبكيهم ؟ قالوا: يخافون ان تموت ، فقال: اعطوني ايديكم فخرج في ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال فيما قاله: اوصيكم بهذا الحي من الأنصار ، فقد عرفتم بلاءهم عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين ، الم يوسعوا في الديار ، ويشاطروا الثمار ، ويؤثروا وبهم الخصاصة ؟ فمن ولي منكم أمرا يضر فيه احدا او ينفعه فليقبل من محسن الأنصار ، وليتجاوز عن مسيئهم ، وكان آخر مجلس جلسه حتى لقى الله [66] .
وقال : الا وان الأنصار ترسي فأعفوا عن مسيئهم واعينوا محسنهم [67] .
وعن الكاظم قال: لما حضرت رسول الله الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر الأنصار قد حان الفراق ، وقد دعيت وانا مجيب الداعي ، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ونصرتم فأحسنتم النصرة وواسيتم في الأموال ووسعتم في المسلمين وبذلتم لله مهج النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الاوفى [68] .
وقال علي رضي الله عنه في مدحهم: هم والله ربوا الإسلام كما يربي مع عنائهم بأيديهم السياط والسنتهم السلاط [69] .
وليس بعزيز على الله بعد كل هذا ان يجعلهم ائمة ويجعلهم وارثين وان يستخلفهم في الأرض ، كما قال في محكم كتابه: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا – النور 55 ، فالله وعد في هذه الآيات من المؤمنين بالاستخلاف وتمكين الدين والأمن العظيم من الأعداء ولا بد من وقوع ما وعد به ضرورة امتناع الخلف في وعده تعالى ووقع ذلك في عهد الخلفاء الراشدين الذين كانوا حاضرين وقت نزول هذه الآيات ، كما ذكر ذلك بعض المفسرين .
بشارات الرسول التي تحققت في عهد الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم:
وعلى ذكر هذه الآيات ، ووقوع ما وعد الله به المؤمنين من الاستخلاف في الأرض والحاصل في حق الثلاثة رضي الله عنهم الأمر الذي لا يراه القوم ، نورد هنا بعضا من البشارات النبوية على صاحبها وآله افضل الصلاة وازكى التسليم ، والتي وعد بها اصحابه ووقعت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم :
منها ما كان يوم حفر الخندق عندما اعترضت المسلمين صخرة فاستعصت عليهم فأتى النبي واخذ المعول وضرب به ضربة فلمعت منها برقة كأنها مصباح في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله تكبيرة فتح فكبر المسلمون ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى ، فقال عن الأولى: أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأخبرني جبرئيل ان امتي ظاهرة عليها ، ثم ضريت الضربة الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من ارض الروم ، فأخبرني جبرئيل ان امتي ظاهرة عليها فأبشروا ، فأستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون: الا تعجبون ي****************م ويعدكم الباطل ويعلمكم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وإنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق - أي الخوف - ولا تستطيعون ان تبرزوا ، فنزل القرآن إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا [70] .
فمتى تحققت هذه البشارات ، وهل تجد هنا مكانا لما نسب إليه من قوله: وانصر من نصره واخذل من خذله0 ومنها قوله : انكم ستفتحون مصر ، فإذا فتحتموها فإستوصوا بالقبط خيرا ، كان لهم رحم وذمة - يعني ان ام إبراهيم منهم اي مارية القبطية [71] .
وفي رواية: الله الله في القبط فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة واعوانا في سبيل الله [72] .
ومن البشارات التي تدل على عدالة الصحابة وإيمانهم قوله : ان ابني هذا - يعني الحسن بن علي رضي الله عنهما - سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين ، وكان كما قال [73] .
ومنها قوله : يقتل بهذه الحرة خيار امتي بعد أصحابي ، قال انس بن مالك رضي الله عنه: قتل يوم الحرة سبع مائة رجل من حملة القرآن ، فيهم ثلاثة من اصحاب النبي [74] .
وبهذا يظهر فساد القول بخلاف الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله ورسوله ، واغتصاب الخلفاء الثلاثة لحق علي رضي الله عنهم أجمعين وتصرفهم في الأرض بغير وجه حق ، وقد رأيت ان ظاهر احوالهم معه واحواله معهم رضي الله عنهم أجمعين تنبئ بخلاف ذلك ، فلم يكن يجمعهم سوى المحبة والاحترام واقرار كل واحد منهم لفضيلة الاخر .
إقرار الصحابة بفضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين:
ولعل في انتقالنا للحديث عن علاقتهم رضي الله عنهم مع علي رضي الله عنه وذكر نصوص في هذا المقام ما يزيل شبهة إختلافهم المزعوم ، فإن ذلك أبلغ في المراد في بيان ما كانوا عليه من الفة حميمة ومحبة خالصة لا تشوبها تلك الترهات التي أراد من أراد ان يصور بها ذلك المجتمع العظيم من مجتمع مليىء بالاحقاد والضغائن والمؤامرات والاغتيالات والعدواة إلى اخر ما ذكروه ، وحيث اننا لا يسعنا ذكر موقف كل صحابي على حده مع الامير رضي الله عنه وموقفه معه ، فاننا نذكر موقفا عاما لهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم ، وحبهم له وذلك على كل حال من طرق القوم: فعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه قال: كان اصحاب محمد إذا اقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية [75] .
وكانوا يعملون على إرضائه والإقتداء بهديه رضي الله عنه فلما ورد بسبي الفرس إلى المدينة في عهد الفاروق رضي الله عنه اعتق الامير رضي الله عنه لوجه الله حقه وحق بني هاشم ، فقالت المهاجرون والأتصار: قد وهبنا حقنا لك يا اخا رسول الله ، فقال: اللهم فأشهد أنهم قد وهبوا وقبلت واعتقت ، ولم يخالفه عمر رضي الله عنه في ذلك وقال: سبق إليها علي بن أبي طالب ونقض عزمتي في الاعاجم [76] .
وفي رواية: قد وهبت لله ولك يا أباالحسن ما يخصني وسائر ما لم يوهب لك [77] .
وكانوا يحفظون له قدره في ادق المسائل ، فانظر مثلا ما ذكره القوم عن أبي رافع رضي الله عنه قال: ان رسول الله إذا جلس ثم أراد ان يقوم لا يأخذ بيده غير علي ، وان اصحاب النبي كانوا يعرفون ذلك له ، فلا ياخذ بيد رسول الله غيره[78] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - مجمع البيان ، 1/810
[2] - البحار ، 15/29
[3] - إرشاد القلوب ، 2/217- 226 إعلام الورى ، 20 البحار ، 16/342 ،347 ،349 ، 18/122 إثبات الهداة ، 1/363
[4] - الخصال ، 150 الإحتجاج ، 192 الكافي ، 2/596 البحار ، 7/130 ،131 نور الثقلين ، 3/469 ، 5/219 الصافي ، 5/125
[5] - مجمع البيان ، 9/331 نور الثقلين ، 3/469 ، 5/220
[6] - أمالي الصدوق ، 179 البحار ، 8/22
[7] - البحار ، 17/298 الخرائج ، 183
[8] - إرشاد القلوب ، 2/217 البحار ، 16/347
[9] - علل الشرايع ، 416 عيون الأخبار ، 1/220 تفسير العسكري ، 31 البحار ، 13/341 ، 26/275 ، 92/224 ، 99/185 تأويل الآيات ، 1/418 البرهان ، 3/228 نور الثقلين ، 4/130
[10] - عيون الأخبار ، 200 صحيفة الرضا ، 29 كتاب ابي الجعد ، 10 البحار ، 13/344 ، 16/354 ، 17/32 ، 26/268 تفسير الكاشف ، 7/88 مجمع البيان ، 5/178
[11] - إثبات الهداة ، 1/191 البحار ، 57/317
[12] - أمالي الصدوق ، 164 البحار ، 14/286 إثبات الهداة ، 1/171 ،197 أنظر روايات أخرى في تحريم دخول الامم السابقة الجنة قبل أمة r: البحار ، 8/5 ، 16/326 ، 26/318 ، 27/129 ، 36/64 ، 39/214 ،218 ، 45/403 تأويل الآيات ، 2/629 البرهان ، 4/262 كشف الغمة ، 1/321 المحتضر ، 97
[13] - جامع الأخبار ، 129 البحار ، 72/48
[14] - إثبات الهداة ، 2/21 البحار ، 28/261
[15] - نور الثقلين ، 3/523 البحار ، 14/286 ، 16/145 ، 52/181 أمالي الصدوق ، 164 كمال الدين ، 96
[16] - أمالي الصدوق ، 507 ،508 البحار ، 22/509
[17] - قرب الإسناد ، 56 البحار ، 22/443 ، 23/340 ، 93/290
[18] - روضة الواعظين ، 255 البحار ، 22/444 أنظر ايضا: إرشاد القلوب ، 2/217 البحار ، 16/341
[19] - علل الشرايع ، 45 الخصال ، 2/47 معاني الأخبار ، 19 البحار ، 16/92
[20] - نوادر الراوندي ، 16 البحار ، 22/309
[21] - سعد السعود ، 101 البحار ، 18/318 المستدرك ، 1/250 تأويل الآيات ، 1/266 تفسير القمي ، 1/397 ،400 ،401
[22] - تفسير العسكري ، 157 البحار ، 26/331
[23] - علل الشرايع ، 416 عيون الأخبار ، 1/220 تفسير العسكري ، 31 البحار ، 13/341 ، 26/275 ، 92/224 ، 99/185 تأويل الآيات ، 1/418 البرهان ، 3/228 نور الثقلين ، 4/130
[24] - مجمع البيان ، 1/810
[25] - تفسير الميزان ، 3/376
[26] - أمالي الصدوق ، 327 أمالي الطوسي ، 454 البحار ، 22/305 ،313 ، 70/12
[27] - مجمع البيان ، 5/98 البحار ، 22/302 ، 69/59
[28] - تفسير الميزان ، 9/373
[29] - مجمع البيان ، 9/270 الإرشاد ، 34 إعلام الورى ، 66 البحار ، 21/94 ،121 ،125 نور الثقلين ، 5/301 فرات ، 2/421
[30] - مجمع البيان ، 1/546 البحار ، 20/188
[31] ديوان أمير المؤمنين رضي الله عنه ، 107 البحار ، 19/316
[32] - أنظر مثلا: مجمع البيان ، 3/122
[33] - أمالي الطوسي ، 387 البحار ، 8/4 ، 23/388 ، 39/213 كنز جامع الفوائد ، 345 البرهان ، 4/202 المناقب ، 3/27 نور الثقلين ، 5/79 ،245
[34] - مجمع البيان ، 5/176
[35] - مجمع البيان ، 5/167 البحار ، 20/346 ،365 ، 24/93 ، 36/55 ،121 روضة الكافي ، 322 تأويل الايات ، 2/595 البرهان ، 4/196 المناقب ، 2/22
[36] - الإرشاد ، 13 روضة الواعظين ، 75 البحار ، 38/243 ، 40/51 فرات ، 2/421
[37] - كشف الغمة ، 2/291
[38] - الصحيفة السجادية ، من دعائه في الصلاة على اتباع الرسل ومصدقيهم0
[39] - أمالي الطوسي ، 62 البحار ، 22/306 وقال في بيانه: جميع اي مجتمعون على الحق لم يتفرقوا كتفرقكم
[40] - الكافي ، 2/236 البحار ، 41/24 ، 42/247 ، 67/360
[41] - البحار ، 32/429
[42] - الخصال ، 640 البحار ، 22/305 حدائق الانس ، 200
[43] - مصباح الشريعة ، 20 البحار ، 71/284
[44] - أمالي الصدوق ، 189 البحار ، 70/173 ،311 ، 73/164 ،300
[45] - نور الثقلين ، 4/407 البحار ، 58/276
[46] - أمالي الطوسي ، 332 البحار ، 22/306 حياة القلوب ، 2/621
[47] - البحار ، 33/306 ، نهج البلاغة ، 141
[48] - معاني الأخبار ، 50 البحار ، 22/307
[49] - نوادر الراوندي ، 23 البحار ، 22/309
[50] - مكارم الاخلاق ، 16 البحار ، 16/229
[51] - المصادر السابقة
[52] - البحار ، 17/33
[53] - البحار ، 17/32 ، 20/332 ،343 شرح الشفاء ، 1/67 مجمع البيان ، 9/117 المناقب ، 1/203
[54] - المنتقى في مولود المصطفى ، فيما كان سنة اربع من الهجرة البحار ، 20/152
[55] - مكارم الاخلاق ، 21 البحار ، 16/236
[56] - مكارم الاخلاق ، 17 البحار ، 16/233
[57] - المناقب ، 1/185 البحار ، 19/124 ، 22/354 نور الثقلين ، 4/244 القمي ، 2/153
[58] - البصاير ، 131 العياشي ، 2/59 البحار ، 17/149 ، 23/338 ،349 أمالي الطوسي ، 421 نور الثقلين ، 2/151 ،153 ،264 البرهان ، 2/79 الصافي ، 2/300 القمي ، 1/276 معاني الأخبار ، 113
[59] - البحار ، 27/133
[60] - البحار ، 22/312
[61] - البحار ، 22/312
[62] - الإرشاد ، 75 إعلام الورى ، 126 البحار ، 21/159 ،172
[63] - مجمع البيان ، 5/19 البحار ، 21/162 ، 22/137 التفسير الكاشف ، 7/290
[64] - الكافي ، 3/127 البحار ، 22/129 ،142 أمالي الطوسي ، 675
[65] - تفسير القمي ، 2/169 البحار ، 22/196 ،211 الكافي ، 4/79 نور الثقلين ، 4/292 ،293 الصافي ، 4/196
[66] - أمالي المفيد ، 28 البحار ، 22/475 ، 28/177
[67] - أمالي الطوسي ، 261 البحار ، 22/312 ، 23/146 البرهان ، 1/11
[68] - البحار ، 22/476
[69] - نهج البلاغة ، 184 البحار ، 22/312
[70] - مجمع البيان ، 2/428 ، 4/534 الخصال ، 1/77 أمالي الصدوق ، 188 إعلام الورى ، 100 البحار ، 17/169 ،171 ، 20/190 ،219 ،241 أنظر ايضا: نور الثقلين ، 4/245 إثبات الهداة ، 1/239 ،284 ،345 أمالي الصدوق ، 258 القمي ، 2/154
[71] - المناقب ، 1/109 البحار ، 18/131
[72] - أمالي الطوسي ، 258 البحار ، 18/144
[73] - إعلام الورى ، 45 المناقب ، 1/140 البحار ، 18/142 ، 43/298 ،299 ،305 ،317
[74] - إعلام الورى ، 210 البحار ، 18/125 إثبات الهداة ، 1/365
[75] - أمالي الطوسي ، 213 البحار ، 38/5 نور الثقلين ، 5/644 الصافي ، 5/355 البرهان ، 4/491
[76] - المناقب ، 4/48 البحار ، 45/330
[77] - دلائل الإمامة ، 81 البحار ، 46/15 ، 100/56 ، 104/199
[78] - البحار ، 38/297