العودة   شبكة الدفاع عن السنة > منتدى الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم > الدفاع عن الآل والصحب

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-07-14, 09:10 PM   رقم المشاركة : 21
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

(التواضع يرفع صاحبه)

الدكتور عثمان قدري مكانسي



مرَّ أنس بن مالك رضي الله عنه على صبيان يلعبون في أحد أزقة المدينة المنورة فقال لهم – وهو الرجل الكبير –: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال له أحد مرافقيه: كيف تسلم عليهم وأنت الصحابي المعتبر وهم صغار لا يراعون ذلك؟
فقال له: كيف لا أفعل شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وأنا أرجو أن أكون رفيقه في الجنة، ومن تشبّه بقوم وسار على نهجهم كان منهم؟!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتواضع لهم ويعاملهم برأفة ورحمة ويَلين لهم ويبتسم بوجوههم وهو الذي كان يقول:
( إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد ).

لقد كانت الفتاة الصغيرة تستوقفه – عليه الصلاة والسلام – وتكلمه، فيجيبها، وتأخذ بيده فينقاد لها، وتذهب به لحاجتها أي مكان كان قريباً أو بعيداً.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: صدقتَ يا أنس، فقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي بعثه الله إلا رعى الغنم ).
قال أصحابه: وأنت يا رسول الله، هل رعيت الغنم مثلهم؟
قال دون حرج: ( نعم أرعاها بأجر زهيد لأهل مكة ).
قال أنس: ليس من المعيب أن يعمل الإنسان بأجر زهيد ومهنة بسيطة، إنما العار أن يمد يده يتكفف الناس وهو قادر على العمل.
قال أبو هريرة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية خطيرَها وحقيرَها فقد قال: ( لو أهدي إلي ذراعٌ أو كُراعٌ لقبلت )، والكراع ساق البقر أو الغنم لا لحم فيها.

قال أنس: ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة تدعى "العضباء" كانت لا تُسبق أو لا تكاد تُسبق، فجاء أعرابي بقَعودٍ "جمل" فسبقها فشق على المسلمين أن يسبق جملُ الأعرابي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظهر الغضب على وجوههم، فما كان منه عليه الصلاة والسلام – لحسن خلقه وشدة تواضعه - وليذهب غضبهم – إلا أن قال: ( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلّا وضعه ). وهذه سنة الله في خلقه.
قال أبو هريرة: وفي قوله هذا صلى الله عليه وسلم تنبيه إلى عدم المباهاة وترك المفاخرة وإلى هوان الدنيا على الله، وأنها ناقصة لا ينبغي الاهتمام بها والركون إليها.

قال الأسود بن يزيد: ومِن تواضعه عليه الصلاة والسلام ما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سألها أحدهم: ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟
قالت: كان في خدمة أهله يُفَلّي ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعلف ناقته، وينظف البيت، ويأكل مع الخادم لا يتكبر عليها، ويعجن معها، ويحمل بضاعته من السوق .. وإذا أراد أحدهم أن يحمل عنه قال: ( صاحب الحاجة أحق بحملها
وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير خلقه، أفلا نتخذه أسوة وقدوة فنفعل ما يفعل؟

وهنا قال رفاعة بنُ تميم بن أسيد: تعلمون أنني رجل من الأعراب الذين إذا رأوا رأياً، أو بدا لهم بداء قالوه دون أن يستأذنوا، ولو كان الموقف غير مناسب يتطلب الأناة والانتظار، فقد وصلتُ المدينة المنورة يوم الجمعة ظهراً، ودخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، ولم أكن أعرف خطأ الحديث والإمام يخطب، لقد كان المسلمون جميعاً سكوتاً كأن على رؤوسهم الطير ينصتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناديت من وراء: يا رسول الله، أنا رجل غريب جاء إليك يعلن إيمانه بهذا الدين الجديد، لا يعرف كيف يدخل الإسلام، ولا أركان الإيمان، ولا يدري شيئاً من أصول هذا الدين سوى أنه كره الكفر ورغب في ملّة التوحيد والدين الحنيف. قلت هذا بصوت عال بملء فمي، فالتفت الناس إليّ وتعجبوا مما فعلت وظهر على أغلبهم الضيق والتأفف..

أتدرون ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بأبي وأمي يا رسول الله ما أحلمك وما أعظمك، لقد ترك خطبته، وأقبل إليّ، فلما أصبح أمامي توقف وأشار إلى بعضهم فجاء بكرسي فقعد عليه، وجعل يعلمني مما علمه الله، فكان كلامه حِكماً، ونطقه عظاتٍ، ونظرته بلسماً لنفسي وروحي، ثم عطف إلى منبره صلى الله عليه وسلم فأتم خطبته، وكأن شيئاً لم يكن.

اللهم إني أشهدك وأشهد حملة عرشك، وملائكتك والناس جميعاً أنني أحبه وأرجو شفاعته يوم ألقاك، فاكتبني من عبادك الصالحين المحبين.. اللهم آمين.

رياض الصالحين: باب التواضع

يتبع






 
قديم 30-07-14, 09:56 PM   رقم المشاركة : 22
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ )

الدكتور عثمان قدري مكانسي



قال التلميذ لشيخه: ذكرت لنا – يا أستاذنا الجليل – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرّ عليه الأيام الكثيرة لا يوقد في بيته نار يَطبخ فيها طعامه، وأنه كثيراً ما كان يعصب بطنه بحجر كي يسكن جوعه، أفهذه عن قلة المال؟ أم عن اهتمامات أولية يصرف إليها المال قبل توجيهه قِبَل الطعام؟
قال الشيخ: بارك الله فيك، إن سؤالك ينم عن ذكاء وبصيرة، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً وصحابته الكرام، وتركوا أموالهم ودورهم في مكة فراراً بدينهم، وحين قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وبين الأنصار، فقسم هؤلاء بينهم أموالهم، ولم يكن الأنصار أغنياء، وكان جلُّ اهتمام المجتمع المسلم بناءَ المجتمع الإسلامي في المدينة، وحمايتَه من بحر الكفر الذي يحيط بهم، ويتربص بهم الدوائر، فانطلقت منها السرايا والغزوات لتحقيق ذلك، وهذا كلفهم وقتهم، وأموالهم، فعاشوا سنوات طويلة في عسر وفقر.
قال التلميذ: صدقت يا أستاذي، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهوديّ
قال الشيخ: وكان المسلمون إذ ذاك يرون ضمن توجيهات قائدهم ومربيهم، أن على المسلم التخفيفَ من الطعام ليبقى الجسم خفيف الحركة، فقال صلى الله عليه وسلم :
( بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه )، وأكد على هذا حين قال:
( طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية
أما الإكثارُ من الطعام وتعدُّدُ الأصناف فيدل على الركون إلى الدنيا والانغماس في ملذاتها.. والبعد عن الجهاد والإعداد له.
قال التلميذ: نعم، لا يجتمع في قلب رجل حب الدنيا وحب الآخرة. والجهادُ مشقة ينأى عنها راغب الدنيا المتثاقل إليها.
وتابع الشيخ: وعلى الرغم من قلة الزاد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يملك الكثير من السلاح الذي يرهب عدو الله وعدونا، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده تسعة أسياف، وسبعة أرماح، وثلاث دروع وخوذتان ومغفران (والمغفر غطاء الوجه) وقوسان ونبّالة، وهكذا يكون المسلم الذي يريد أن ينشر الإسلام في بقاع الدنيا، ويحافظ على مكانة أمته تحت الشمس، وفي مقدمة الركب، دون أن يُكره الناس على الإسلام، إنما ليمنع الأعداء أن يستخِفّوا بنا، لقد تركنا الجهاد فتداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وهانت علينا أنفسنا فهُنَّا على الآخرين.
قال التلميذ: لعلك يا سيدي تريد أن تصور لي بعد هذه الإضاءة حب المسلمين بعضِهم بعضاً؟
قال الشيخ: أجل يا بني، إن الأشعريين وهم قبيلة من اليمن أفرادُها متحابون متكاتفون إذا خرجوا للغزو ففني زادهم أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة تنادوا، فجمعوا ما كان عندهم من طعام في ثوب واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم بالسوية، أفرأيت إيثاراً كهذا الإيثار؟
قال التلميذ: لا والله، فهذه قمة التوادِّ والتراحم والتكافل.
قال الشيخ: ولهذا أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم ومدحهم فقال: ( فهم مني وأنا منهم ).
قال التلميذ: يا سبحان الله ما أعظم هؤلاء وأكرمَهم، إن مجتمعهم لفاضلٌ، وإن حياتهم لسعيدة، أهناك صورة أخرى للإيثار يا شيخي الجليل؟
قال الشيخ: أعِرْني سمعك وقلبك وأقبل علي بكليّتك.
قال التلميذ: سمعاً وطاعة ها أنا بين يديك، مقبل عليك.

قال الشيخ: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده بين أصحابه يفقههم في الدين ويبث فيهم الإيثار وبناء المجتمع الفاضل فيقول:
(من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ) ويوضح الآثار الإيجابية لهذا الخلق الفاضل، ويدخل رجل، فيدنو منه صلى الله عليه وسلم ويخاطبه في خجل تلمحه من نبرته فيقول: يا رسول الله إني مجهود أصابتني فاقة ولزمني الفقر وسوء العيش.
فينظر إليه الكريم الرحيم ويبتسم ويقول له بلسان الحال لا المقال: أبشر فستجد الطعام والمأوى إن شاء الله، ثم يلتفت إلى انس قائلاً:
( يا أنس؛ قم إلى بيت أم المؤمنين عائشة، فالتمس لهذا الرجل طعاماً أو تمراً )
فيقوم أنس مسرعاً إلى بيتها ويسألها ما عندها فتقول: لا والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق ما عندي إلا الماء.
فيعود أنس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله ما وجدت عندها إلا الماء، فهي إذاً بحاجة إلى الذي يحتاجه هذا الرجل!! زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب نسائه إليه، وابنة صاحبه وحبيبه الصدَّيق، لا تجد في بيتها إلا الماء؟! يا ويح المسلمين الآن! إن بيوتهم مليئة بأطايب الطعام، ولذائذ الشراب وأصناف المأكولات، لكن قلوبهم سوداء خالية من الإيمان، وعقولهم لا تعرف التفكير إلا في توافه الأمور، يسهرون فيما يغضب المولى وينامون على اللهو، ويَغُطون في مستنقعات الغفلة، وينحدرون في متاهات الضلال.
ويرسل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه كلهن على التتابع يسألهن قِرى هذا الضيف الجائع التعب، فيجبنه بما أجابته الأولى: لا والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء! إلا الماء!
وليس يجد بداً من الاستعانة بأصحابه هؤلاء الذين خلفوا الجاهلية وراء ظهورهم، ولازموه ليرتفع بهم إلى سماء الخير والبر، فيقول:
( من يَضيفُ الرجل هذه الليلة؟)
فيقوم رجل من الأنصار – رضي الله عن الأنصار، فقد كانوا قادة الإسلام وحماته – فيقول: أنا يا رسول الله، إنه ضيفي، وسترى ما تَقرُّ به عينُك، ويستأذن هذا الصحابي الجليل رسول الله، فيأذن له، وينطلق بضيفه إلى بيته، حتى إذا وصل قال لزوجته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإكرامه من إكرامه، وضيف العزيز عزيز.
قالت المرأة: أهلاً وسهلاً ومرحباً..
قال الرجل هامساً: هل عندك شيء نقدّمه له؟
قالت المرأة: لا إلّا قوت صبياني.
قال: أو لم يتعشوا الليلة؟
قالت: بلى ولكنهم اعتادوا أن ينالوا شيئاً قبل النوم.
قال: فعلليهم هذه الليلة بشيء، وإذا أرادوا شيئاً فنوميهم، لا يضيّقوا على الضيف.
قالت: أفعل إن شاء الله تعالى.
وشاغل الأنصاري ضيفَه بأنواع الحديث حتى نام الأولاد فقامت المرأة إلى الطعام وكان قليلاً لا يكفي سوى الرجل؛ ولكن كيف له أن يستسيغ الطعام – على جوعه – وهو قليل؟!، وأنّى له أن يقبل عليه وصاحب الدار لا يمد إليه يده؟!
وتفتقت للأنصاري فكرة رائعة إذا نفذها زال الحرج، وأكل الضيف وشبع.. ما الذي فكر فيه يا ترى؟!
لقد قال لزوجته: إذا وضعْتِ الطعام ودخل الضيف فأطفئي السراج، وكأن زيته قد نفد ونمد في الظلام أيدينا إلى الطعام نوهمه أننا نأكل، فيقبل عليه.
وهكذا فعلتْ، وجلس الضيف، وتصنَّع الرجل وزوجته صنيع الآكلين، مِنْ مدِّ يدٍ وتحريك فم ومضغٍ، فأكل الرجل حتى شبع، وبات الزوجان خاويين جائعين لم يأكلا.
فلما أصبح الصباح غدا الأنصاري بضيفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهما تبسم صلى الله عليه وسلم وقال له:
( لقد علم الله – وهو العليم الخبير – ما صنعتما بضيفكما الليلة، ورضي بما فعلتما وأثابكما عليه الثواب الجزيل ).

قال التلميذ لشيخه: ما أعظم هؤلاء الرجال وما أعظم نفوسَهم وما أشد كرمهم.
قال الشيخ: إنهم تعلموا ذلك من سيدهم وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ضرب لهم في الإيثار والكرم أروع الأمثلة فتشربوها وعملوا بها.
قال التلميذ: أفلا قصصت عليّ واحدة يا سيدي؟
قال الشيخ: حبّا وكرامةً يا بني..

فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثوب جميل مخطط نسجته بإتقان، وخاطته ببراعة، فقالت: يا رسول الله، هذا الثوب هديتي إليك، فقد والله سهرت الليالي وأمضيت الأيام في صنعه ليكون هدية تليق بك يا رسول الله.
فقال: ( جزاك الله عن نبيه خيراً، إنه وايم الله ثوب جميل، وهدية غالية أحتاجها
ودخل إلى بيته فلبس هذا الثوب وخرج به على أصحابه، فنال استحسانهم، وقال أحدهم: ما أحسن هذا الثوب يا رسول الله اكسُنيه.
فجلس النبي صلى الله عليه وسلم بينهم قليلاً ثم عاد إلى بيته فخلع الثوب وطواه، ثم أرسل به إلى الذي طلبه.
فقال له القوم مؤنبين: كيف تطلب ثوباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبسه محتاجاً إليه؟ وكيف تطيب نفسك به فتأخذه وأنت تعلم أنه صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً؟
شعر الرجل بأنه أخطأ حين سارع إلى استهداء الثوب، ولكنه اعتذر قائلاً: والله لم أطلبه لألبسه ولكنه حين لامس جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه ثوب مبارك رجوت أن يكون لي كفناً.. ...ومات الرجل وكفنوه به. .

رياض الصالحين: باب الإيثار والمساواة

يتبع






 
قديم 13-08-14, 12:10 PM   رقم المشاركة : 24
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

( الحلم وسعة الصدر )

الدكتور عثمان قدري مكانسي


روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:
بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، سباً وشتماً، ولعل بعضهم مال ليضربه، فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:
(( دعوه – فقد بال وانتهى، ولئن عاقبتموه إن المكان لن يطهُرَ– وأريقوا على بوله سَجلاً من ماء أو ذنوبا من ماء – الدلو الكبير المملوء ماء – فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معَسِّرين )).

فالأعرابي اعتاد أن يبول في أي مكان يصادفه، يشعر بالحاجة إلى ذلك ودون قصد، فهو (الأعرابي) – في رأيه – لم يفعل ما يلام عليه، والمسجد رمل كما الصحراء، فأي خطأ ارتكبه، ولماذا يثور المصلون عليه؟!! والحقيقة أن المرء لا يلام على مُجانبة ما تعلمه.
لكن الناس قاموا إليه: هذا يوبخه، وذاك ينهره، والثالث يصرخ فيه والآخر يكاد يضربه، وهو لا يدري سبباً لذلك، وإن درى فهو يعجب لتصرفاتهم لم يزعجونه؟! وعلام يوبخونه؟!!
ولا يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو يرى ذلك – أن يأمرهم بما يلي:

1- الكف عنه، لأن الزجر والسب وغيرهما لا تصلح الأخطاء، وهنا يأتي دور الحلم والأناة والتصرف بالحكمة.
2- تطهير المكان، وذلك بأن يريقوا عليه دلواً كبيرة مملوءة ماءً، فالماء الكثير والعمل الجيد الحسن يزيلان الأوضار وينظفان المسجد مما ضره ونجَّسه.
3- التزام الهدوء واللطف، فالمسلمون بعثوا ميسرين، لا معسرين ودعاة إلى الدين لا منفرين منه.
فما كان من البدوي بأفقه الضيق – حين رأى ما فعلوه به، وما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم – إلا أن دعا الله عز وجل معلناً عن ضيقه منهم وإكباره النبيَّ صلى الله عليه وسلم : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً. إذ كيف يدعو للباقين، وقد أحرجوه؟! أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كف أذاهم عنه، وأنقذه منهم، فحَق أن يدعو له.
ودعاء البدوي بالخير للنبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن نفسه ارتاحت إليه وسيقبل منه ما يدعوه إلى اعتناق الدين الجديد.
وهنا اغتنم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الانفتاح النفسي عنده، وبيّن له أن المسجد مكان طاهر، لا ينبغي له إلا الطهارة.. وطلب إليه أن يدعو للناس جميعاً لأن رحمة الله أوسع.
ثم التفت إلى أصحابه يعلمهم كيف يكونون دعاة، فأمرهم بالرفق قائلاً:
(( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه )).

وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن وفد عبد القيس جاءوا إلى المدينة المنورة لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وإعلان إسلامهم، فلما وصلوا المدينة أسرعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شوقاً إلى لقائه، أما الأشج وهو من وجهائهم فقد أقام عند رحالهم، فجَمعَ من بقي منهم، وعقل ناقته، ولبس أحسن ثيابه، فهو لن يقابل إنساناً مغموراً، إنما يلاقي سيد ولد آدم محمداً صلى الله عليه وسلم ، فلْيلقَه نظيفاً جميل الهيئة والمنظر، وهكذا انطلق إلى المسجد فسلم، فقرّبه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجلسه إلى جانبه ثم حين انعقد مجلسه صلى الله عليه وسلم بعبد القيس جميعاً، قال:
(( تبايعوني على أنفسكم وقومكم؟)).
قال القوم: نعم يا رسول الله، نبايعك على أنفسنا وقومنا.
قال الأشج: يا رسول الله، إنك تطلب منا أن نتخلى عن دين أقمنا عليه أعمارنا وليس أصعب على الإنسان أن يترك دينه بسهولة، فنحن نبايعك على أنفسنا فقد جئناك طوعاً ورغبة، أما بقية آل عبد قيس، فأرسل إليهم بعض أصحابك – معنا – يدعونهم إلى الإسلام ويرغبونهم فيه، فمن اتبعنا كان منا، ومن أبى قاتلناه.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (( صدقت .. إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله )):
1- (( الحِلم )): وهو العقل المفكر والصدر الواسع وجودة النظر للعواقب.
2- (( والأناة )): وهي التثبت من الأمر، وترك العجلة، والتربص في الأمر.
قال الأشج: يا رسول الله، أهاتان الصفتان جديدتان فيّ أم قديمتان، جبلني الله عليهما مذ خلقني؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بل خصلتان قديمتان )).
قال الأشج: فالحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى ورسوله.

رياض الصالحين: باب الحلم والأناة

يتبع






 
قديم 15-08-14, 12:13 PM   رقم المشاركة : 25
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

(الانتقام للنفس منقصة، ولله كمال وإيمان)

الدكتور عثمان قدري مكانسي



هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسواق المدينة وأزقتها، يراقب المسلمين في حياتهم اليومية من بيع وشراء ومعاملات، ويتابع ما يفعلونه، فيقرُّ هذا على ما يفعل، وينهى ذاك عن خطأ وقع فيه، وينبه الآخر ليمين بدر منه، فلا حاجة للقسم، فكثير الحلف كذابٌ، ويمدّ أصبعه في سلة تمْرٍ فيراها مبتلّة من أسفل فيقول لصاحبها:
( من غشنا فليس منا ).

إنه معلم، وقائد.. يصنع مجتمعاً صالحاً، ويبني دولة قوامها العدل والإنصاف، لم يكن معه – كعادة الحكام – جند وحرس يحمونه، فحبُّ الناس سياج، والسعي في خدمتهم وإسعادهم أفضل طريق للأمن والأمان، ولكنْ لا بد من هَنة من هذا أو ذاك يتلافاها بالحكمة واللطف.

قال أنس: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفقده أمور المسلمين كعادته، وعليه برد غليظ الحاشية من نسج نجران من اليمن، فتقدم منه أعرابي مسرعاً – والأعراب جفاة فيهم رعونة وإن لم يقصدوها – فشدّ بُردة النبي صلى الله عليه وسلم شداً عنيفاً حتى رأيت طرفها العلوي يضغط – بحدّه الغليظ – على عنق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ضغطاً أثّر فيه، فهممت بدفع هذا الأعرابي السيء الأدب، فمنعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظر للأعرابي فسمعه يقول له: يا محمد دون أن يلقبه بـ: يا رسول الله، فهمَمْت بضربه لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد منعني، وأردف الأعرابيُّ وهو ما يزال يجذب النبي صلى الله عليه وسلم من بردته: مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل من مالك ولا مال أبيك.
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال – بأبي هو وأمي ما أحلمه وما أعظمه - :
( المال مال الله، وأنا عبده )، ثم ضحك في وجهه وقال: أرسلني يا أعرابي،
وأمر له ببعيرين، يحمل الأول شعيراً، والثاني تمراً – وقال للأعرابي:
( أيكفيك ما أعطيتك من مال الله الذي عندي؟)،
قال الأعرابي: نعم، ولم يزد – لجفائه – على هذه الكلمة.
قلت: يا رسول الله، رجلٌ قليل الأدب، يخاطبك بجفوة، ويشدُّ بردتك فيؤثر في عنقك – ويخاطبك برعونة – فتأمر له بصلة؟
! قال الرسول الكريم البرُّ الرحيم: ( يا أنس، أمِرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم ).
( يا أنس: يقول الله تعالى: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }).
( يا أنس: المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ).

قال أنسٌ: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد اشترى من يهودي سلعة على أن ينقده ثمنها وقت الحصاد .. هكذا كان الاتفاق.
لكن اليهودي جاءه قبل الميعاد، وأمسك ببردة النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية عنقه وجذبها جذبة شديدة حتى تغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدتها، وقال: يا محمد أعطني حقي، فوالله إنكم يا آل عبد المطلب لقوم مُطلٌ (تسوفون في دفع الحقوق وتماطلون).
رأى عمر رضي الله عنه ما فعل اليهودي فغضب ورفع السيف في وجهه، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب عنقه لسوء أدبه وتصرفه، وخاف اليهودي، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر الهلع على وجهه، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم الحليم ذي الخلق العظيم إلا أن التفت إلى عمر قائلاً:
( كان أولى بك يا عمر أن تأمرني بحُسْن القضاء، وأن تأمره بحسن الاقتضاء ).
( يا عمر، ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).
( يا عمر، أعطه حقه وزد له ).
قال عمر: أعطيه حقّه يا رسول الله، فما بال الزيادة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الزيادة يا عمر لإخافتك إياه ).
قال عمر: إننا لا نغضب لأنفسنا إلا أن تُنتَهكَ محارم الله.
يا عمر: إن موسى أخذ برأس أخيه يجرّه إليه حين صنع السامري عجلاً جسداً له خوار، فلم يفعل هارون شيئاً، وكان عليه أن يبطش بهذا السامري الذي افترى على الله، واتخذ له ولضعفاء اليهود إلهاً غير الله.
يا عمر: الحلم والصبر واللين في مواقعهما أشد نفعاً.. والصلابة، والغضب والقيام بالحق في مواقعها أجدى وأنفع وهذا حسن الخلق يا عمر.

قالت عائشة رضي الله عنها: إن امرأة من بني مخزوم من قريش سرقت يوم فتَحَ المسلمون بقيادة نبيهم الكريم مكة المكرمة، ووصل خبر السرقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمَر بقطع يدها، فعزّ على بني مخزوم، وهم سادة قريش، أن تقطع يدٌ منهم، إنها لفضيحة الدهر وخزي الزمان، لو أن امرأة من عامة الناس سرقت لهان الأمر!! ولكنّها امرأة من مخزوم وهم سدّة قريش عدداً ومالاً، يا للعار، ويا للشنار.. إنَّ هذا لا يكون، لا يكون أبداً، وبدأوا يقلبون الأمور، ويبحثون عمَّن يجرؤ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والشفاعة لها، فما وجدوا إلا الفتى ابنَ السادسة عشرة أسامة بن زيد (الحِبَّ بن الحِبّ).
والعجيب أنهم ما كانوا يلقون إلى هذا بالاً، ولا يهتمون به. أتدرون لماذا؟ لأن أباه – وإن كان يوماً ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ، ويطلق عليه زيد بن محمد قبل تحريم التبني – كان عبداً للسيدة خديجة رضي الله عنها، اشترته بحرّ مالها، وأهدته رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عندما تزوجها، فأعتقه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتبناه، وزوجّه من أم أيمن بركة الحبشية حاضنته رضي الله عنهما، فولدت له أسامة، وورث أسامةُ عنها لونها الأسود.
ما كان الناس يرضون زيداً قائداً لهم، فتأففوا حين جعله النبي الكريم أول قادة جيش المسلمين في مؤتة، فاستشهد رضي الله عنه، وجعل الرسول الكريم ابنه أسامة قبل لحوقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى قائد جيش المسلمين إلى بلاد الشام. فتأفف الناس لذلك وتشفعوا بالصحابة الكرام أن يعزله الرسول الكريم عن قيادة الجيش فغضب، وأبى ذلك وقال:
( إنكم أبيتم أباه وإنه لجديرٌ بالقيادة، وأبيتموه، وإنه لحقيق بها )... – وعلى الرغم من ذلك – ولمكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قصدوه ليشفع في هذه السارقة المخزومية.
لم يكن الأمر يسيراً، فالحدّ حين يرفع إلى الحاكم ويصل إليه، لا تجوز فيه الشفاعة، ولكنْ ما على أسامة إن كلم النبي صلى الله عليه وسلم في أمرها؟!..
استجمع قوته وجاء إلى الرسول الكريم فكلمه على استحياء في العفو عنها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينصت إليه حتى فرغ من حديثه، قال: ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟)
وهل يجوز تعطيل الحدود؟!
إذاً لا تستقيم الأمور، ولا يحيا المجتمع الحياة الطبيعية الآمنة، ويعتاد الناس الخطأ والشفاعةَ فيه، فتختل الموازين وتضطرب المعايير .. ينبغي على المسلم أن يقف عند حدود الله، ويلتزم بها، فالقوي والضعيف، والغني والفقير، والكبير والصغير .. متساوون في ميزان الله وشرعه القويم.
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً في الناس يقول لهم:
( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه – لشرفه ووجاهته -، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد – لخموله بينهم وضعف مكانته -).

إن مجتمعاً تسود فيه هذه القيم المنحرفة لجدير أن يزول ويمحى، وأن يتلاشى ويندثر، ثم أطلق الحاكم العادل تلك الصيحة المدوية التي ملأت الدنيا حقاً وعدلاً، وتصميماً على إقامة حدود الله:
( وايمُ الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ).

رياض الصالحين: باب الغضب إذا انتهكت حرمات المسلمين

يتبع






 
قديم 18-08-14, 10:11 AM   رقم المشاركة : 26
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

(أعرابي في صلاة)

الدكتور عثمان قدري مكانسي


روى معاوية بن الحكم السلميُّ قال :
كنت قريب عهد بالإسلام أعرف أركانه، ولكنني أجهل كيف أؤدي الصلاة والزكاة، وما إلى ذلك.أمّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة أحد الفروض، فقرأ الفاتحة وسورة ثم ركع وسجد، ونحن نتابعه في صلاته، فنفعل ما يفعل، فعطس رجل إلى جانبي، ولكنه لم يحمد الله، فقلت في نفسي: عجباً لهذا الرجل أما علم أن عليه أن يحمد الله بصوت مسموع كي نشمِّته؟! هكذا أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولعله يجهل هذه السنة فلأبادرْ بتشميته فأنالَ ثواب الله تعالى، فبادرته قائلاً:
يرحمك الله، فكأن القوم رمَوني بأبصارهم شزراً وإنكاراً لما فعلت، وأحسست أن كل واحد منهم يؤنبني وكأنني أتيت كبيرة، ففاض ما في نفسي وصِحت: واثكل أمياه، هلكت إذاً والله، لماذا تنظرون إليَّ هكذا؟ فأخذ المصلون يضربون على أفخاذهم ضربة أو ضربتين وكأنهم بهذا يريدونني أن أصمت،وغضبت لما يفعلون لجهلي بأن هذا يبطل الصلاة، فامتثلت لأمرهم وسكتُّ إلى أن انتهت الصلاة،وأنا أفكر هيّاباً مما قد يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بي.

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لَمْ تنظر إليّ مؤنباً ولم تعبَس بوجهي ولا أسمعتني ما أكره، لقد كنت معلماً غاية في اللطف والحكمة. قلت مخاطباً الجميع دون أن تخصني بالنصح فأخجلَ من نفسي(إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن))، ولم تأمرني أن أعيد الصلاة لقلة كلامي فيها ولأنني أجهل ما يُبطلها.

وهنا تجرأت وسألت النبي صلى الله عليه وسلم ،فقلت: يا رسول الله إني حديثُ عهد بجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام فلا تغضب مني إن سألتك أموراً أجهل حكمها،
قال الرسول الكريم: ( لا تثريب عليك، سل يا معاوية أجِبْك
قلت: يا رسول الله إن منا رجالاً يقصدون الكهان ممن يدعون معرفة الضمائر وما تخفى النفوس ويخبرون عن المستقبل وما غمض من الماضي.

قال: ( هم كذابون يستعينون بالجن ويتقوّلون فلا تأتهم، فالغيب يعلمه الله سبحانه وحده ).

قلت: وهناك رجال يؤمنون بالطيَرَة، فإذا أرادوا فعل شيء رمَوا طيراً، فإن ذهب يميناً مضَوا في أمرهم، وإن ذهب شمالاً امتنعوا عن هذا الأمر.

قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الطيرة وهمٌ في النفوس لا مبرر له، فلا تأبه له يا معاوية، وامض فيما عزمت عليه، فالخير كله عاجلُه وآجله من الله تعالى، واستخِرِ الله وتوكلْ عليه، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ).

رياض الصالحين: باب الوعظ

يتبع






 
قديم 21-08-14, 06:05 PM   رقم المشاركة : 27
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

(السابقون السابقون)

الدكتور عثمان قدري مكانسي



والله لأتوضَّأنّ وضوءاً كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأصليَّن ركعتين أدعو الله إثرهما أن يجعلني من أهل الفردوس الأعلى مع النبي الحبيب ، ثم أذهب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فألزمه يومي هذا فإني أحسُّ أن الدنيا والعمل لها يكاد يجذبني إليها، هكذا حدَّث أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – نفسه، فقام فتوضأ، ثم صلى، ثم انطلق إلى المسجد النبوي يحث الخُطا إليه، ورأى في طريقه بعض أصحابه فسلّم عليهم، فدعَوه إلى الجلوس بينهم، فلم يكترث، إنما جدَّ السير إلى غايته، فلما وصل رأى بعض أهل الصفّة فسألهم عن رسول الله ، فقالوا: انطلقَ الساعة في اتجاه الغرب، بقضي حاجته في غائط بئر اريس.

انطلق أبو موسى إلى ذلك المكان، فرأى عن بعدٍ طيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس عند الباب ينتظر رسول الله، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم ، وتوضأ من البئر جلس على حافته ومدّ رجليه إلى الماء يبترد، فدخل عليه أبو موسى وسلّم عليه بتحية الإسلام قائلاً: السلام عليك يا رسول الله ورحمة منك وبركاته، صلى عليك وعلى آلك وأصحابه الطيبين الطاهرين، فردَّ عليه النبي التحية بأحسن منها وسأله عن حاله ودعا له، فَسُرَّ أبو موسى لهذا الدعاء الطيّب من فم طاهر طيّب، وأحسَّ أنه نال اليوم خيراً كثيراً، فانصرف إلى باب الحائط وقال: لأكوننَّ بوّابَ رسول الله اليوم، أمنع مَن يقطع خلوته إلا بإذنه، فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يا أبا موسى املِك عليّ الباب، فلا يدخلَّن عليّ أحد إلا إذا أذنتُ له ).
قال أبو موسى: سمعاً وطاعةً يا رسول الله.
فلزمَ البابَ ينظر منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويملأ عينيه من طلعته البهية، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فدفع الباب، فقال أبو موسى مستفسراً: من أنت؟
قال الصدِّيق: أنا أبو بكر، (ولعله سأل عن رسول الله كما سأل أبو موسى فتبعه كما تبعه هذا؟ أو اتفق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتقيه في ذلك المكان بعد صلاة العصر فجاء على ميعاد).
قال أبو موسى: تمهل أيها الصدِّيق حتى أستأذن لك على رسول الله .
قال الصدّيق: نعم يا أبا موسى فاستأذن لي عليه.
قال أبو موسى: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله، هذا أبو بكر جاء يستأذن أن تسمح له بالدخول عليك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ايذن له بالدخول، وبشره بالجنّة )،..
يا الله، مقام الصدّيق رضي الله عنه عظيم، يبشّره الرسول الكريم بالجنّة، ذلك المكان الذي يسعى إليه المسلمون يرجون رضاء الله تعالى وفضله! .. ومن أولى بالجنّة ممن شارك الرسول الكريم، ودفع عنه أذى المشركين وبذل له ماله وحياته، وقدّمه على نفسه وآله، صدّقه حين كذّبه الناس، وأجابه إلى الإسلام مسرعأً دون تلكؤ وانتظار، فهنيئاً لك يا أبا بكر أيها الصديق هذه البشرى العظيمة.
قال أبو موسى: فعدت إلى الباب فقلت للصدِّيق ادخل، ورسول الله يبشرك بالجنّة، فنِعمَتْ هذه البشرى ولنعم دار المتقين.
قال الصدّيق: الحمد لله رب العالمين، وله المنّة والنعماء لا نحصي ثناءً عليه، اللهم لك الشكر، يا واهب الخير، يا ذا الفضل الكريم.
السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وعليك السلام يا أبا بكر ورحمة الله ومغفرته ورضوانه ).
وجلس الصدّيق عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ومدّ رجليه إلى الماء يفعل ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، وابتسم كلّ إلى صاحبه، يتجاذبان أطراف الحديث، والرَّوح والريحان يعبق المكان، والمَلَك تملؤه أنساً ونشوةً بسيّد الرسل الكرام وصاحبه الصدّيق رضوان الله عليه.
قال أبو موسى في نفسه: ليهنك أيها الصديق مقامك من النبي الكريم، ورجع إلى الباب يحرس المكان، فتذكرَّ أخاه عامراً وتمنّى لو جاء إلى البئر يستأذن على رسول الله فيأذن له ويبشره بالجنّة كما بشّر الصدّيق، ويغنم الخلوَةَ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد تأخر عن المجيء فلقد تركته يتوضأ، وقال: إنه سيلحقني فما الذي به؟! إن يرِدِ الله به خيراً يأت به .. هذا البابُ يتحرك، فلعله أخي عامرٌ قد وصَل، فناديت من أنت.
قال عمر من وراء الباب: أنا عمر بن الخطاب.
قال أبو موسى: فالزم مكانك ريثما أستأذن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال عمر: فافعل ما بدا لك، أنا واقف هنا.
فجاء أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، هذا عمر بالباب واقفاً يستأذن في الدخول إليك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ائذن له وبشِّره بالجنة
يارب، ما أعظم حظ السابقين؟! لهم الجنّةُ، الفردوس الأعلى، وهذا الفاروق أوّل من يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة، فطوبى له هذا المقام العالي والمكانة الرفيعة، ألم يكن أوّل من جهر بالإسلام وتحدى المشركين ونادى بكلمة التوحيد حين آمن بها وصدّق، فأعز الله به الإسلام؟ طوبى له، ولنعم دار المتقين.
قال أبو موسى: فعدت إلى الباب، فقلت له: ادخل يا أبا حفص، لقد أذن لك رسول الله بالدخول، وأمرني أن أبشّرك بالجنة، فهنيئاً لك هذه البشرى وهنيئاً لك الفردوس الأعلى.
قال عمر: الحمد لله، فهو وليُّ الحمد، وله المنّة والفضل، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وجزى الله نبيه خيراً، فهو سبب كلّ هذه النعماء، صلى الله عليه وعلى آله وسلم ..
السلام عليك يا رسول الله ورحمة منه وبركات، السلام عليك أيها الصدّيق
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وعليك السلام يا عمر ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ).
ورد الصدّيق بمثل سلام الفاروق أو خيرٍ منه.
فجلس الفاروق إلى يسار المصطفى عليه الصلاةُ والسلامُ ودلّى ساقيه في الماء يفعل كما يفعل صاحباه، وابتسم إلى النبي وإلى صاحبه الصدِّيق فابتسما له، وحفتهم الملائكة طيبين ترفرف أجنحتها رضى بهم، فهم نبيّ كريم ووزيراه الكريمان.
قال أبو موسى متلّهفاً: أين أنت يا عامر لترى الخير العميم، ولتحظى بما حظي به العمَران من مقام عالٍ ودعوة مستجابة، إن يُرِد الله بك خيراً يأتِ بك، فتحرك الباب، فقلت في نفسي كن عامراً، ثم ناديت من بالباب؟
قال عثمان من ورائه: أنا عثمان بن عفان، أرسول الله صلى الله عليه وسلم هنا؟
قال أبو موسى: نعم إنه هنا وصاحباه الصديق وعمر، فانتظر قليلاً كي أستأذن لك عليه.
فذهب أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن لعثمان بالدخول إليه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ائذن له، وبشره بالجنّة )، وسكت هنيهة، ثم قال: ( على بلوى تصيبه ).
قلت في نفسي بشرى بالجنة، وبلوى تصيبه، يرفع الله بها مقامه ويمتحنه في صبره، فليصبرْ، إن الله مع الصابرين.
قال أبو موسى: فعدت إليه فقلت له: يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم ادخل، ويبشّرك بالجنة على بلوى تصيبك.
قال عثمان: الحمد لله، هو الذي يقدّر الأمور، وهو الذي يعيننا على بلوانا، اللهم ألهمني الصبر واكتب ليَ الخيرَ حيث كان، أنت وليي في الدنيا والآخرة.
السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته، السلام عليكما أيها الصدّيقان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وعليك السلام يا عثمان ورحمته وبركاته ومغفرته ورضوانه ).
وردّ الصدّيق والفاروق السلام بمثله أو بخير منه.
كان المكان حول البئر لا يتسع لأكثر من ثلاثة، رسول الله وأبو بكر، وعمر، فجلس عثمان قبالتهم، وابتسم لهم، وابتسموا له، كانت الأنسام تداعب المكان، والأنس حولهم ينشر المحبة والوئام، وكانت جلسة كريمة تجمع نبياً كريماً، وصديقاً رفيقاً، وشهيدين عظيمين.

رياض الصالحين: باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

يتبع






 
قديم 24-08-14, 11:53 AM   رقم المشاركة : 28
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

(أخلاق عالية)

الدكتور عثمان قدري مكانسي


1- توفي خنيس بن حذافة السهمي في المدينة المنورة، من جراحة أصابته في غزوة أحد، فترك وراءه زوجته الشابة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يشأ الفاروق أن تبقى ابنته دون رجل يبني بها، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه قد ماتت زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعثمان، وما أدراك ما عثمان الرجل العفّ المؤمن، من السابقين إلى الإسلام. وهل يرى عمر خيراً منه حرزاً حصيناً لحفصة؟.. هذا ما دار بخلد عمر الفاروق،

ولكن كيف يعرض الرجل ابنته على الناس؟
إن من العادة أن يخطِب الرجال النساء، لا أن يخطب الرجل لابنته رجلاً!! ولكن أليست الفتاة فلذة الكبد كما الفتى سواء بسواء،
فلماذا يخطب لابنه ولا يخطب لابنته؟
من السهل أن يتزوج الرجل المرأة فيكره منها أموراً فيطلقها ليتزوج غيرها، ومن الصعب أن تتزوج المرأة الرجل فترى فيه ما يرغبه عنه فتستطيع منه فكاكاً، فلا عيب إذاً أن يختار الرجل لابنته الزوج الكفء الصالح، بل عليه أن يسعى إلى ذلك قبل أن يبحث عن زوجةٍ لولده.

وهكذا فعل عمر رضي الله عنه، فلقي عثمان، فعرض عليه ابنته حفصة قائلاً: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، وأنت تعرفها وتعرف أباها.

قال عثمان: بارك الله فيك يا أبا عبد الله، سأفكر فيما عرضت عليّ، فنعم الرجل أنت، ونعم من هو بعض منك يا أخي.

قال عمر: فلبث عثمان ليالي ثم لقيني فقال: أنا شاكرٌ لك ثقتك فيّ، لكنني لا أرغب هذه الأيام في الزواج.

قال عمر: فلقيت أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه فقلت له مثل ما قلت لعثمان: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر يا أبا بكر، فصمت أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، ولم يجبه بشيء من قبول أو إعراض، تصريحاً ولا تعريضاً، فغضبت منه أكثر من غضبي من عثمان، لأن الثاني أجابني مبدياً عما في نفسه، أما الصدِّيق فأعرض عن إجابتي وكأنه لم يسمع قالتي.

فلبثت ليالي، فلقيني الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (( يا عمر )).
قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك.
قال: (( أخطب إليك ابنتك حفصة أفتزوجُنيها؟)).
قلت: يا رسول الله هذا فضل منك ومنّةٌ، وما أسعدني وأسعدها بك، وصلتني بالله تعالى وجعلتني لك صاحباً، وأكرمتني إذ طلبت حفصة زوجة لك، جزاك الله عني كل خير يا رسول الله.

وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنة الفاروق، وانضمت إلى عقد أمهات المؤمنين.

قال الصدِّيق لعمر: يا أخي لعلك غضبت مني حين عرضتَ عليَّ ابنتك فلم أعطك جواباً؟
قال عمر: لعمري إن ما قلته صحيح يا أبا بكر.
قال الصدِّيق: إنّي لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أنني كنت أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لي أنه يرغب في الزواج منها ولم يكن معنا أحد، فقلت: هذا سرّ لا ينبغي لي أن أفشيه، فلزمت الصمت إلى أن طلبها إليك بنفسه ، ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها يا عمر.
قال عمر: الآن ارتاحت نفسي، حفظك الله يا صدّيق ورضي عنك
. وتزوج عثمان رضي الله عنه أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فلقِّب ذا النورين.
وقال النبي : (( لقد تزوج عثمان خيراً من حفصة، وتزوجت حفصة خيراً من عثمان )).

2- قالت عائشة رضي الله عنها: كنّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده، فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي، ما تخطئ مشيتها من مشية الرسول ، (فهي تشبهه حتى في مشيته) فلما رآها رحبّ بها وقال: (( مرحباً يا ابنتي )) ثم أجلسها عن يمينه، فحدّثها وبشّ لها، ثم مال إليها، فأسرَّ لها حديثاً، فبكت بكاء شديداً، فلما رأى جزعها أسرّ لها حديثاً آخر فضحكت، فتعجبتُ لبكائها وضحكها))،فقلت لها: خصّكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار ثم أنت تبكين!

فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: ما قال لك رسول الله ؟
قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّه.

فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لها: أقسمت عليك بالحب بيننا والمودة الصادقة التي تجمعنا أن تحدثيني بما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: أما الآن فنعم، سوف أحدثك.

أما في المرة الأولى فأخبرني: أن جبريل عليه السلام كان يعرض عليه القرآن كل سنة مرة، يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم ويعيده جبريل ليثبت في قلب المصطفى عليه الصلاة والسلام. أما في هذه السنة فقد قرأه الرسول الكريم مرتين وكرره عليه جبريل مرتين، فأحسَّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن هذه دلالة على دنو الأجل، وأمرني بالتقوى والصبر على الفراق، فإن شرف السلف يعدل ما قد يبدو من ألم الفراق، وأنا نعم السلفُ لك، فبكيت بكائي الذي رأيته وسمعته.

وأما في المرة الثانية فإنه عليه الصلاة والسلام قال: (( يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين وأفضلهن في الجنة ))، فأحسست بفضل الله الكبير عليّ ومكانتي في عليين فضحكت ضحكي الذي رأيته وسمعته.

رياض الصالحين: باب حفظ السر

يتبع






 
قديم 28-08-14, 10:53 PM   رقم المشاركة : 29
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

(ليس للشيطان في بيتنا نصيب)

الدكتور عثمان قدري مكانسي


قال عثمان: يا أبت إنّ ذكر الله في كلِّ الأمور أمر رائع، وسمةٌ من سمات المسلمين يجب أن تلازمهم، ولكنني أراك تحرص على ذكر اسم الله تعالى في أمرين اثنين أكثر من غيرهما.
قال الأب: ذكر الله يا بني تجعلك في ذمته ورعايته، وهذا دأب المسلمين، وعنوان المؤمنين، ولكن ما الأمران اللذان تقصدهما يا عثمان؟
قال عثمان: أقصد ذكر الله تعالى حين تدخل البيتَ وحين تتناول الطعام.
قال الأب: أحسنت يا ولدي في ملاحظتك هذه، فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يحضّنا على ذلك، فقد روى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
( إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عَشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء )
فهل عرفت يا عثمان لماذا أذكر اسم الله في الدخول إلى البيت وتناولِ الطعام؟
قال عثمان: نعم يا والدي، حفظك الله مربياً ومرشداً.
قال الأب: سأقص عليك يا ولدي موقفين اثنين للنبي صلى الله عليه وسلم يوضحان ما يجب أن تفعله إذا أكلت.
قال عثمان: أشكرك على ذلك يا أبتِ سلفاً فما هما؟
قال الأب: روى حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان قد حضر مع رسول الله طعاماً، ولا يجوز – كما تعلم – أن يبدأ أحد الطعام إلا إذا بدأه الكبير فيهم، والوجيهُ بينهم، وهذا نوع من أنواع الأدب، فلم يمدَّ أحدٌ يده، فهم ينتظرون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يضع يده، فيفعلوا ذلك بعده، وقبل أن يمد الرسول صلى اللهُ عليه وسلم يده امتدت إلى الطعام يد فتاة صغيرة فلم تذكر اسم الله، فأخذ رسول الله يدها فأبعدها عنه.
ودفع أعرابي يده إلى الطعام مسرعاً دون أن يسمّي الله، فلتقّفها الرسول الكريم مانعاً يده أن تصل إليه، فلما نظرا إليه مستنكرين ما فعله قال النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك: ( إن الشيطان يستحل الطعام أنْ لا يُذكرَ اسم الله تعالى عليه، وإن هذه الجارية حين مدَّت يدها مدَّ يده معها، وإن هذا الأعرابي حين مدَّ يده مدّ الشيطان يده مع يده، وقد منعت شيطانيهما أن يأكلا حين رددت يديهما، فالآن اذكروا اسم الله تعالى وكلوا ). ففعلنا.
قال عثمان: ألا يكفي أن يسمي واحد ممن يجلسون إلى الطعام، فتهرب الشياطين؟
قال الأب: ينبغي أن يسمّي كل واحدٍ، فإن لكلٍّ شيطاناً.

أما الموقف الثاني يا ولدي فإذا نسيت أن تذكر الله تعالى أوّل الطعام، فاذكره متى تذكرتَه، فقد روى أمية بن مخشِيٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك ذات مرة، فقال له أصحابه: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ قال:
( ألا ترون إلى هذا الرجل الذي يأكل الآن؟ لم يذكر اسم الله تعالى فشاركه الشيطان طعامه، حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فتذكر فقال: بسم الله أوله وآخره ورفع اللقمة إلى فمه، فلما سمع الشيطان ذكر الله استقاء ما في بطنه ).
يا بُنيَّ ؛احمدِ الله على رزقه وفضله تكن على خطا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يقول حين ترفع إليه مائدته: ( الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه )، وكان يقول: ( من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ غفر له ما تقدم من ذنبه ).

رياض الصالحين
كتاب آداب الطعام: باب التسمية في أوله والحمد في آخره

يتبع






 
قديم 08-09-14, 11:19 PM   رقم المشاركة : 30
Nabil48
عضو ماسي







Nabil48 غير متصل

Nabil48 is on a distinguished road


سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم

(ثمرٌ يانع ودعوة مستجابة)

الدكتور عثمان قدري مكانسي


روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غاب عنه فتى من اليهود كان يخدمه، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه أنه مريض، فما كان من البرِّ الرحيم صلى الله عليه وسلم إلا أن ذهب إلى بيت الفتى يعوده، ويدعو له بالشفاء، فلما وصل إلى بيته ورآه يحتضر قعد عند رأسه، وقال:
( يا غلام، أنت ذاهب إلى دار أخرى، ومنزل يختلف عن منزلك هذا، وأنا أرجو لك الخير، فلا تقابل الله إلا وأنت مسلم ).
كان الفتى محباً للنبي صلى الله عليه وسلم ، عارفاً صدقه، موقناً بنبوّته، ولكنْ كيف ينطق بالشهادة دون استئذانٍ من أبيه؟

صحيح أن برّ الأبناء آباءَهم فرضٌ فرضه الله تعالى علينا، لكن الحقَّ أحقُّ أن يتبع، والتزام الدين الصحيح أولى من البقاء على الكفر، ولعله كان يريد الإسلام في هذه اللحظة لكنه وجِلَ أن يراه أبوه يسلمُ دون إذنه، خواطر مرّت في ذهنه فما استطاع أن يحزم أمره، وهو على حافة قبره، فنظر إلى أبيه كأنّه يستشيره أو يرجوه أن يسمح له بالدخول في هذا الدين الجديد.

ورأى الأب في وجه ابنه علامة الرغبة في ذلك، ورأى فيه الاستعطاف في أن يوافق النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولعلّه أيضاً لم يشأ أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته يعود ابنه، ولعله أيضاً كان يعرف في قرارة نفسه أن الكبر سيضرُّ ابنه إلى أبد الآبدين، فليسمح له باعتناق هذا الدين الجديد، وليكنْ ما يكون.
هذا ما قد يكون دار بخلَد اليهودي الأب فقال لابنه: أطع أبا القاسم.

وكانت النجاة من النار من نصيب الفتى، وأدركته رحمة الله سبحانه وتعالى قبل أن يلفظ أنفاسه، ونطق كلمةَ الفوز قبل أن يسلم الروح، وما أعظمه من فوز، وكلمةَ الصدق، وأعظم بها من كلمة صادقة أنقذته من الجحيم وحملته إلى ربض الجنة، شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأسلم النفس إلى بارئها، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مرتاحاً لإسلام الفتى، منبسط الأسارير لخاتمة حياته، ما أسعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أنقذ به الله تعالى هذا الفتى من النار، فله الحمد وله الشكر.
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}(التوبة)

رياض الصالحين: كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

يتبع






 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:01 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "