الحمد لله وحده ...
لقد حوى كلام الباطني هذا عدة مغالطات نبينها تباعا بإذن الله ...
صدقت الكلام عليكم من أمد بعيد وليس من اليوم وهو كثير , وليس هذا الكلام خاصا بكون جزء من العلم أخفي عن العامة , بل بعقائدكم وتاريخكم الأسود , ....
كلام انشائي
أما قولك لخفاء جزء من العلم عن العامة , فمغالطة بينة : بل أهم العلم وأساسه وأسه هو المخفي عنهم وعن غيرهم من طلبة العلم عندكم بحسب المراتب , كيف تقول جزء من العلم وأنتم ليلا نهارا تقولون إن علم البواطن عند أئمتكم , وما أعطي غيركم إلا القشور , ثم تدلس وتغالط هنا , وتقول جزءا من العلم , بينما المخفي في الحقيقة ,هو عندكم أساس العلم , ومعينه , ....
كلمة جزء لا يقتضي أن يكون الأقل أهمية, بل قد يكون الأكثر أهمية كذلك. اذا ما تقوله خرابيط.
أما قولك إنه لسبب إلهي , فمغالطة أخرى واضحة لذوي الأبصار :هذا الكلام من حيث المبدأ صحيح من أن الله قد يفخي بعض العلم عمن شاء , لكن المغالطة هنا , في جعل ما تخفونه من العلم ((وهو في الحقيقة كفر في بعضه )) إنما كان لحكمة إلهية ,بينما الواقع أن الله قد بين أصول الدين وقواعده للناس في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وإنما أخفيتوه للزندقة التي فيه , ولظهور معارضته للكتاب والسنة , وأن الناس لن تقبل بذلك , وهذا المذهب معروف عند الفلاسفة ومن شابههم من أهل التخييل , الذين يقولون إن الأنبياء كذبوا على العامة ,لأن العامة لن تقبل الحقائق ((التي هي الكفر والضلال المخبأ عندهم , يسمونه حقائق)) ونحو ذلك ....
(الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله)
يعني أن الإخفاء حكمة إلهية.
أما قولك إن الموضوع لا يتعدى إنكار الاحتياج إلى الإمام المعصوم ....فهذه مغالطة أخرى , كما عودنا , حيث يريد إيهام القارئ إننا ننكر الإمامة المعصومة , بسبب هذا الموضوع وهذا من الكذب علينا , فإين قلنا إننا ننكر الإمامة المعصومة بسبب , إخفائهم كتبهم , التي فيها من الضلالات ما الله به عليم , وإنما أنكرناها لعدم وجود دليل صحيح صريح عليها لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم....
تنكرون الإمامة المعصومة بسبب عدم تسليمكم بضرورة وجود من يشرح هذا الدين ويبين خفاياه وأنكم تنكرون الإحتياج للشارح هذا حتى لا تسلموا له بقيادة أمة الإسلام وبوراثة النبوة.
هذا الباطني , بعد أن قدم بمقدمات , هي في نفسها تحمل كثيرا من المغالطات , قام وعرج على مذهب أهل السنة والجماعة , بما يوهم أن هناك اشتراكا فيما بين أهل السنة والإسماعيلية , في مفهوم خفاء العلم , وهذا تدليس ومغالطة , وذلك :
لأن اختلاف الفهوم وتفاوتها وتباينها , لا علاقة له بالباطن الذي يخفونه في كتبهم , لأن كليهما قضيتان منفصلتان , كونك تخفي شيئا وتزعم أن غيرك لا يعلمه, ولا يجوز أن يعلمه إلا بشروط, وأن الله سيمسخ من يتجرؤ على الاطلاع عليه بدون إذن إلى نوع من الحيوانات , غير قولنا بتفاوت علم وفهم زيد عن عمرو , فخالد أذكى من علي وعلي أذكى من قاسم وهكذا المسألة نسبيه , وهي غير عن قضية كتبكم السرية , وهذا تدليس بين , ثم إننا لم ننتقد تفاوت واختلاف الفهوم عندهم لكي تدعي أن ما رميناكم به موجود عندنا , وبالتالي تناقضنا.....
الربط بين القضيتين هي أنكم تقبلون بوجود التفاوت حتى لا تسلموا أنه يوجد من يعلم الأشياء بإحاطة كاملة وتنكرون وجود هذا العالِم المشرع.
الجواب عن هذه المغالطة من وجوه :
الأول :أنك كذبت على سيدنا عمر رضي الله عنه , حين قلت عدم متابعة من عمر لأقوال ولعلم رسول الله) لأن الحديث واضح أن عمر رأى الرسول يقبل الحجر , ولذلك قبله عمر رضي الله عنه وأرضاه , وهذا يدل على المتابعة , لا على نقيضها كما غالطت ودلست , أنك أثبت المتابعه لهم , بعد أسطر من هذا في قولك : فأصبحوا يتبعون سنته بدون تفكير...
بل تثبت عدم المتابعة في عدم معرفة الحكمة, لا عدم متابعة في سنة التقبيل في حد ذاتها.
الثاني : زعمك أن تفويت عمر لمعرفة الحكمة فيه نيل منه , باطل , لأن عدم معرفة شيء من السنن التي لا تؤثر في أصل الدين , ليس فيه نيل من أحد , فكيف بحكمة مسألة ما , ثم نحن لسنا متعبدين بمعرفة كل حكمة لكل مسألة , فإن زعمت أنت ذلك , فأت بالدليل .
بل متعبدين بكون خلافته هي نتيجة أفضليته, وهذه الأفضلية ساقطة.
الثالث : إن بعض الصحابة قد غاب عنهم بعض العلم , فسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه , قد غاب عنه بعض العلم كما قد غاب ويغيب عن غيره من الصحابة , وليس هذا بمطعن فيه ولا في غيره , كما حدث عندما أحرق من ادعى فيه الألوهية , فلامه ابن عباس على إحراقهم , لأن الرسول نهى عن ذلك , وهذا يبين أن العلم لايحاط به , وكما حدث لموسى مع الخضر في سورة الكهف من عدم معرفة الحكمة من فعل الخضر.
بقية الصحابة لا يعلمون أو يتفاوتون هذه حقيقة, أما أمير المؤمنين فشيء آخر.
الرابع :أني لا أسلم لك ,عدم علم سيدنا عمر رضي الله عنه , بالحكمة , وبيان ذلك :
- أنه ليس في الحديث تصريح بذلك , فلم يقل لا أعلم الحكمة , ونحو ذلك ...
- إن مجموع الحديث المذكور في الأعلى لا يدل على ذلك لأن فيه(( تقبيل عمر للحجر , وأنه فعله لأنه رأى الرسول يفعل ذلك , وأن الرسول لو لم يفعل ذلك لما فعله , وأن الحجر الأسود في حقيقته حجر لا يضر ولا ينفع )) .
قال أقبله مع معرفتي أنه لا يضر ولا ينفع, ولا أقبله إلا لكوني رأيت رسول الله يقبله, لا لأني مقتنع بذلك.
الخامس : أن الإنسان إذا طلب العلم مجتهدا فيه , ثم غابت عنه أشياء , لا يعيبه , وذلك :
- لأن العلم لا يحاط به أصلا فالقصور (( في العلم بكل شيء)) ملازم للإنسان , فما أوتيتنا من العلم إلا قليلا...
يعيبه إن عرف مصدر العلم الحقيقي وحاد عنه, ثم يتحجج بأنه إنسان مسكين مقصر لا تضره قلة المعرفة ورغم هذا يحق له إعتلاء منصب الخلافة.
-أن المجتهد إذا سار على الدرب في العلم , ولم يعلم بعضه مع اجتهاده , فهو ممدوح معذور لا مذموم.
معذور إن ذهب إلى المصدر وحالت بينه وبين معرفة العلم من مصدره إرادة الله, أما وإنه يعلم المصدر ولا يسلم بضرورة الذهاب إليه فخطأه بيّن.
أما قولك حسب الاعتقاد السائد , من كونه ثاني أفضل الصحابة , فهذا مما يغيظكم , وهو حق بين , وليس اعتقاد سائد فقط ...
لو كان حقا بينا, لما قال له أمير المؤمنين أنه يضر وينفع, وهذا موضوع شائك لكنه يميل في كفة المعتقدين بأن أمير المؤمنين أفضل وأعلم.
كالعادة كلام متهافت , متناقض , وذلك : لأنه قال : في الأعلى ((إما أن يكون الموضوع فيه عدم متابعة من عمر لأقوال ولعلم الرسول )) وهنا قال : إنهم يتبعون سنته بدون تفكير , فأثبت اتباعهم له , وفي الأعلى كذب وقال إن فيه عدم متابعه منهم ...فلا حظ هذا التناقض رعاك الله لتعلم تدليس القوم.
ولا شك أن الرسول لم يقصر في شيء , وإنما انتم المقصرون في انحرافكم عن هديه .
هذه خرابيط, فقد قلنا أن عدم المتابعة تتعلق بجهل الحكمة لا بعدم التقبيل.
والرد على هرائك من وجوه :
الأول : أنك غالطت ودلست , لأنك عممت فعل سيدنا عمر , الذي تراه خاطئا من وجهة نظرك القاصرة , على الصحابه الباقين , وهذه مغالطة ...
اعطنا خبرا مثبتا من صحابي آخر قد علم تلك الحكمة.
الثاني : نتيجة تعميمك الخاطئ , استنتجت أنت , أنهم يفعلون أشياء وهم يظنون عدم نفعها , وهذا لا وجود له أصلا فهو من خيالك وتعميمك الخاطئ....
ولكن يا هذا قد بررت أن عدم المعرفة ليس فيه أي شيء, وأثبت القصور لجميع البشر بمن فيهم الصحابة بالطبع.
الثالث :أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الأحكام للناس , فإن لم يصل لأحدهم حكم معين في مسألة يكون الرسول مقصر , هذا لا يقول به صاحب عقل , فكيف بحكمة , ونحن لا يجب علينا معرفة حكمة كل شيء , فإن كنت تراه واجبا فأت بالدليل ....
لا لم يقصر رسول الله, بل إن تساؤل عمر هو ما يحاول تثبيت التشكيك في إيصال رسول الله للحكمة.
الرابع : أنك ,غالطت ودلست , فقلت عنهم أنهم يفعلون السنن وفي قرارة أنفسهم عدم نفع هذا الفعل , واستدللت لكذبك هذا من حديث سيدنا عمر , وسيدنا عمر قال : إن الحجر لا ينفع ولا يضر , ولم يقل إن هذا الفعل نفسه الذي هو تقبيل الحجر الأسود لا ينفع , كما تريد إيهام القارئ , وكلنا كذلك نعلم أن الحجر في ذاته حجر لا يضر ولا ينفع , وإنما الاتباع لقول الله والرسول وفعل ما فعله هو الذي ينفع , لذلك قبل عمر الحجر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم , إلا إن كنت تعتقد أن الحجر يضر وينفع فأنت تحتاج إلى أن تصحح عقيدتك...
الرجل لم ير فائدة في التقبيل, فهو يراه حجرا عاديا وقبله من باب كون رسول الله قبله لا من اقتناع أنه حجر يستحق التقبيل.
الخامس :أن كثيرا من عوامكم بل حتى أنت , تغيب عنك كثير من الحكم , فيلزم من هذا , أن الداعي عندكم مقصر , وكذلك النبي , وكذلك إمام الزمان .
تغيب عني الحكمة, فاللوم عليّ ولا أقول أنه لا احتاج مطلقا لمعرفة الحكمة, ولا ادعي ان الجاهل بهذه الحكمة يستحق -برغم جهله - أن يكون ثاني أفضل الموجودين بل وينصب خليفة للمسلمين بعد ذلك.
أما كون الحكمة , قد تخفى فهذا صحيح من حيث الأصل , فإن الحكمة قد تخفى على سيدنا عمر , كما قد خفيت بعض الأحكام على بعض الصحابة , كما وقع لسيدنا علي في حرقه لمن ادعى فيه الألوهية , وكما خفي أيضا على بعض الأنبياء من حكم , كما وقع للموسى صلى الله عليه وسلم مع الخضر في سورة الكهف , ونحو ذلك ....
لكن ثم مغالطات في هذه النقطه :
الأول : أنك زعمت أن عمر رضي الله عنه , لم يعلم الحكمة في الحديث وهذا غير مسلم وذلك :
- لأنه ليس في الحديث تصريح بذلك , فلم يقل لا أعلم الحكمة , ونحو ذلك ...
تكرار
- ولأن مجموع الحديث المذكور في الأعلى لا يدل على ذلك لأن فيه(( تقبيل عمر للحجر , وأنه فعله لأنه رأى الرسول يفعل ذلك , وأن الرسول لو لم يفعل ذلك لما فعله , وأن الحجر الأسود في حقيقته حجر لا يضر ولا ينفع )) .
تكرار أيضا
الثاني : أنك قدمت في بداية الموضوع بمقدمات كاذبه كما سبق , منها أننا نعيب عليكم إخفاء بعض العلم عن العامة , الذي هو جوهر الدين عندكم وهذا صحيح كما بينته سابقا , لكن الكذب والمغالطة , أن تساوي بين معرفة العلم أو عدمه , وبين معرفة العلم مع عدم معرفة الحكمة , فهما موضوعان منفصلان , كونك تعرف أنه يجب عليك الصلاة ولم تعلم الحكمة من فرضها , لا يساوي أبدا , كونك لا تعلم الصلاة أصلا أو ماهو حقيقة اعتقادك أصلا , كما تفعلون .
الخلاصة : إن هذا الباطني كذب وغالط كثيرا كما بيناه , وأصل مغالطته مبني على مقدمتين :
الأولى : أننا نعيب على الإسماعيلية إخفاءهم جوهر العلم عندهم (وهذه مقدمة صحيحة ).
لا حق لكم في ذلك, فالإخفاء حكمة إلهية قد أقررت أنت بامكانية حدوثها بل وبررت لها.
الثانية : أنكم يا أهل السنة خفي عليكم بعض العلم كما حدث لعمر رضي الله تعالى عنه .
هذا صحيح
النتيجة : العيب الذي فينا هو فيكم.
العيب الذي فيكم هو في الحقيقة عيبان:
أولا: أنكم لا تعلمون وهذه قد تحدث عندنا.
ثانيا: أنكم تنكرون انه يوجد في جنس البشر من يعلم هذه الحكمة أو على الأقل تنكرون أفضليته والحاجة للرجوع إليه وهذه لا توجد عندنا.
المغالطة في هذا الكلام : أن الذي في حديث عمر فيه معرفة العلم دون الحكمة ((كما زعم )) لو سلمنا بذلك , بينما هم في إخفائهم للعلم أصلا , وليس للحكمة , لذلك نحن ما قلنا ولن نقول أنكم مخطئون لعدم معرفة الحكمة عند بعضكم , لكن أن يكون ماتخفوه اللب والأصول ((وهي زندقه في الحقيقة )) فهذا ما نعيبه.....
طبعا فمعرفة الحكمة من سنة نبوية أصعب من معرفة السنة النبوية ذاتها (تقبيل الحجر الأسود مثال).
هذا وأرجوا , عدم فرارك مما أجبنا كالعادة......
أي عادة هذه التي تتحدث عنها؟
العادة هنا, أنه ينقص ألفاظك بعض التهذيب, فتُكفّر وتُكذّب بسبب عصبية مذهبية.
هداك الله