رد الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله تعالى
في خطابه إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية
على زعم ابن عربي
بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي القرآن مجملا قبل جبريل عليه السلام:
( ثم إليك ما يرويه الشعراني عن شيخكم الأكبر ابن عربي:
«وقال في قوله تعالى:
{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}.
[طـه: 114].
اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُعطي القرآن مـجملاً
قبل جبريل من غير تفصيل الآيات والسور.
فقيل له:
ولا تعجل بالقرآن الذي عندك قبل جبريل،
فتلقيه على الأمة مجملاً،
فلا يفهمه أحد عنك لعدم تفصيله» ([1]).
أين هذا من قوله تعالى:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ *
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}.
[التكوير: 19ــ 24].
وقوله تعالى:
{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ *
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *
فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.
[الحاقة: 43 ــ47].
وقوله:
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}.
[النساء: 113].
وقوله:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً
كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً *
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}.
[الفرقان: 32 ــ33].
وقوله تعالى:
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى *
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى}.
[النجم: 1ــ7].
الآيات قاطعة الدلالة
على أن الذي علَّم الرسول صلى الله عليه وسلم هو جبريل.
وإذا علمنا قوله تعالى:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.
[القدر: 1].
فهمنا أن جبريل كان هو الذي يلقيه للرسول إذن من أول ليلة
كما قال الله تعالى:
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}.
[الشعراء: 192 ــ193].
فمتى علم الرسول القرآن مجملاً؟
الله تعالى يقول له:
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا
مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإيمَانُ}
[الشورى: 52].
هل علمه قبل الرسالة أو بعدها؟
والله يقول:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ
قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ
قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *
قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ
فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ }.
[يونس: 15ــ 16].
يعلَّم الله الرسول أن يبرهن على صدق رسالته،
وأن القرآن من عند الله بأنه صلى الله عليه وسلم لبث أعوامًا من قبل بعثته
لم يجئهم فيها بشيء يدل على أن عنده من القدرة ما يؤلف مثله،
فيزيد فيه أو ينقص منه، أو يبدل بعض نصوصه أو شرائعه وأحكامه،
فلو كان القرآن من عنده لجاءهم به قبل ذلك،
هذا يثبت قطعًا عدم معرفة الرسول بشيء من القرآن
إلا وقت أن أُوحي إليه،
حتى لكان يسأله أعداؤه محرجين متعنتين.
فما كان يحير جوابًا حتى يجيئه جبريل به من عند ربه،
ولقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الروح وفتية الكهف وذي القرنين.
فقال: غدًا أجيبكم،
ولم يقل إن شاء الله،
فحبس الله الوحي عنه حتى اشتد عليه الأمر جدًا،
فلما أتاه سأله عن علة التأخّر؟
فأنزل الله:
{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ
مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ
وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً }.
[مريم: 64].
وقد تظاهرت الدلالات القطعية من القرآن والسنة والعقل السليم
على أن الذي جاءه به جبريل.
فكيف بابن عربي يزعم هذا الزعم الباطل؟! )
==============
([1]) (ص6) من كتاب «الكبريت الأحمر» على هامش «اليواقيت والجواهر»
والكتابان للشعراني طبع سنة 1307هـ.