الإمام الغزالي..إمام في الفقه ولا ريب..حتى سماه بعضهم :الشافعي الثاني
غير أنه -غفر الله له-ضل في الفقه الأكبر..وأبعد النجعة وتحير..وأضع نتفا من ذلك..ليسترشد بها من أراد اختصار الطريق فلا يجرب ما جرب..ويتعظ بما آل إليه حاله بعد حياة حافلة بكثير من الحبر المهراق من وحي سماء "عقله"..في الصحائف المسودة بمداد" الكلام"..
وكان بمقدوره أن يجعل ما يخطه بياضا في بياض..لو أنه اقتفى الأثر..وترك نظرية النظر
نظرية النظر:
تلقى الغزالي العلم عن الجويني..صاحب الورقات..العالم الأصولي المشهور..الملقب بإمام الحرمين..وقد غرس فيه "نظرية الشك"..أو "النظر"..بتعبيرهم..وملخصها:انظر ولا تكن مقلدا..انظر في الإسلام كما تنظر في النصرانية واليهودية ..فالرافضي مثلا ولد عن أبوين رافضيين..فقلدهما..فما هو المعول في الإيمان الحقيقي..قالوا:النظر..واجعل عقلك حكما وقاضيا..
وهذا الكلام:ظاهره فيه الحق والرحمة وباطنه من قبله الباطل..والعذاب..
الغزالي يتحدث عن تطبيقه العملي للنظرية:-
يقول في( المنقذ من الضلال).."فكرت وفكرت فقلت: إن الحق لا يخرج عن أربعة أصناف المتكلمون : أهل علم الكلام لعل الحق عندهم، واليقين يُستفاد عن طريقهم، ثُمَّ الباطنية ، وهَؤُلاءِ قد سبق أن تحدثنا عنهم حيث يقولون: إنهم تلقوا العلم والهدى عن طريق الإمام المعصوم، وأهل الكلام يقولون: اليقين يتلقى عن طريق العقل والبحث، ثُمَّ الفلاسفة"
وإن تعجب فاعجب كيف لم يجعل أهل السنة والأثر..ضمن الأصناف التي جعلها محتملة للحق..والسبب تلك النظرية الحداثية التي عض عليها بالنواجذ..ومازال يغرق فيها كثير من الأشاعرة حتى الأذقان
المهم..أن الغزالي درس علوم الرافضة..فلم يكلفه الأمر عناء حتى يدرك كفرهم وهو الذكي الألمعي..
ودخل في الفلسفة وتعمق..فغرق تارة وتارة أغرق..حتى انتهى إلى ضلالهم وكفرهم..وكتب في الرد عليهم :تهافت الفلاسفة
وكما قال تلميذه الفقيه أبو بكر بن العربي:دخل شيخنا في الفلسفة ولم يستطع أن يخرج منها
التصوف بصبغة أشعرية:-
وانتهى به الشك إلى أن أعلن خطأ الكلاميين في زعمهم أن العلم يتلقى عن العقل..وخطأ الفلاسفة كان أظهر ..وضلال الباطنية كان أكبر وأكفر..
فقال:الآن وجدت اليقين..وقرر أنه يستمد من القلب!..أو من الكشف والوجد..إلخ
غير أنه ما انتهى إليه كان مدفوعا إليه بسبب نظريته الكبرى التي مستحكمة على على شعوره ومخزنة في "لاشعوره"..وهي :النظر التي يتعلمها الأشاعرة عبر العالم الإسلامي للأسف
التناقض من مميزات كل مبتعد عن المنهج:-
يقول -رحمه الله-وهو ينتقد علم الكلام الأشعري إبان مرحلة التصوف:-
" فيه منفعة، وفيه مضرة.....فأما مضرته فإثارة الشبهات، وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم، وذلك مما يحصل بالابتداء، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه، ويختلف فيه الأشخاص. فهذا ضرره في اعتقاد الحق"
ثم يقول"وأما منفعته، فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها عَلَى ما هي عليه وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف"..
فتأمل أيها الحصيف كيف ينفي ما كان أثبته قبل قليل..ثم حين يتحدث عن جنس منفعة الكلام المتوهم..يعبر بصيغة الشك "فقد يظن..إلخ"
يتبع بإذن الله تعالى