بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإيمان بالقضاء والقدر،
القضاء والقدر هو أحد الأركان الستة للإيمان،ولا يتم إيمان العبد حتى يؤمن بالقضاء والقدر،بمعنى التصديق الجازم بأن كل ما يقع من الخير والشر فهو بقضاء الله وقدره، وأن جميع ما يجري في الآفاق والأنفس من خير أو شر فهو مقدر من الله، ومكتوب قبل خلق الخليقة، وكل شيء بإرادة الله تعالى ولا يخرج عن مشيئته في الأرض ولا في السماء، ولو أراد الله أن يعبده كل خلقه ما عصاه أحد، بيده كل شيء يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ،لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ الحديد،فهو سبحانه لا يخرج عن إرادته وسلطانه شيء، ولا يصدر شيء إلا بتقديره وتدبيره سبحانه، ولا يسأل عما يفعل، وذلك لكمال حكمته وقدرته وعظيم سلطانه،
هل الإنسان مسير أو مخير،الأنسان مسير وميسر ومخير،بحسب ما مضى من قدر الله، فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، قدر كل شيء سبحانه وتعالى، وسبق علمه بكل شيء، كما قال عز وجل(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر،
وقال عز وجل(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ)التغابن،
فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى، وكل مسير وميسر لما خُلق له،وقال النبي صلى الله عليه وسلم(إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)أخرجه مسلم،
ومن أصول الإيمان الستة،
الإيمان بالقدر خيره وشره،فالإنسان ميسر ومسير من هذه الحيثية لما خُلق له على ما مضى من قدر الله، لا يخرج عن قدر الله كما قال سبحانه(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)يونس،
وهو مخيرمن جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة،
فكل إنسان له عقل إلا أن يسلب كالمجانين،فمن كان عنده العقل فهو مخير يستطيع أن يعمل الخير والشر،قال تعالى(تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)الأنفال،
فللعباد إرادة، ولهم مشيئة، وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، كما قال تعالى(إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)النور،
وقال سبحانه(إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)النور،
وقال تعالى(إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)النمل،
فالعبد له فعل وله صنع وله عمل، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله،
فكل إنسان له مشيئة، وله إرادة، وله عمل، وله صنع، وله اختيار ولهذا كلف، فهو مأمور بطاعة الله ورسوله، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله، مأمور بفعل الواجبات، وترك المحرمات، مأمور بأن يعدل مع إخوانه ولا يظلم، فهو مأمور بهذه الأشياء، وله قدرة، وله اختيار، وله إرادة فهو المصلي، وهو الصائم،وهو السارق، وهكذا في جميع الأفعال،
فهو مسؤول عن جميع هذه الأشياء،لأن له اختياراً وله مشيئة، فهو مخير من هذه الحيثية،لأن الله أعطاه عقلاً وإرادة ومشيئة وفعلاً،
فهو ميسر ومخير،
مسير من جهة،ما مضى من قدر الله، فعليه أن يراعي القدر فيقول(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)البقرة،
إذا أصابه شيء مما يكره، ويقول،قدر الله وما شاء فعل،وعليه أن يجاهد نفسه ويحاسبها بأداء ما أوجب الله، وبترك ما حرم الله، بأداء الأمانة، وبأداء الحقوق، وبالنصح لكل مسلم،
فهو ميسر من جهة قدر الله،
ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار،
وقد ثبت في الحديث الصحيح،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،أنه قال(ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار)
فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم،ففيم العمل يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام(اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة،ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى،وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى،وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى،وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)الليل،
الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فإن كل ما يجري في هذا الكون مهما صغر أو عظم هو بقضاء الله تعالى وقدره،وسبق علمه به في سابق أزله، كما قال الله تعالى(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)القمر،
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)
وفي سنن أبي داود،والترمذي،أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال(إن أول ما خلق القلم، فقال له اكتب،قال،وما أكتب يا رب،قال،اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)
وفي حديث مسلم(كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)
ويدخل في عموم شيء أفعال العباد،وهي تشمل حركاتهم وأفكارهم واختيارهم فكل ما يعمله الإنسان أو يحصل من خير أو شر فهو مقدر قبل ميلاده،
ومع ذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر،وبها يفعل ما يريد، وعلى أساسها يحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة،ولذلك فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف إذاً فُقِد ارتفع التكليف،
ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب.
ومما يدل على خلق الله لأفعال العباد قوله تعالى(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وفي الحديث(إن الله خالق كل صانع وصنعته)رواه الحاكم،وصححه،الألباني،
فقد أثبت في الآيتين أن لهم عملا ومشيئة وأسندهما إليهم وأثبت أنهما من خلق الله،
وعلى هذه المشيئة والعمل الذي يفعله العبد باختياره يحاسب العبد ويجازى ويسامح فيما فعله من دون قصد أو كان مضطرا إليه،وذلك أن الله خلق الإنسان وأعطاه إرادة ومشيئة وقدرة واستطاعة واختيارا،وجعل فيه قابلية الخير والشر،
وفي الحديث(إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده)رواه البخاري،
وقد كلف الله الإنسان وألزمه الأحكام باعتبار ما أعطاه من العقل والطاقات والإرادة، فإذا فقد هذه الأشياء فعجز أو أكره أو حبس لم يعد مكلفاً،
ولا يقال إن الإنسان مسير أو مخير بالإطلاق بل الحق أن الإنسان مخير ومسير، فهو ميسر لما خلق له، أما كونه مخيراً فلأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً و إدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشر، والضار من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق العبد الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية،
قال تعالى(إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا،إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)الإنسان،
وأما كونه مسيراً فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ)التَّكوير،
ولذلك فالإنسان ميسر لما خلق له،
ففي صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال،يا رسول الله،بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن،فيما العمل اليوم،أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل،قال،لا،بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير،قال،ففيم العمل،قال،اعملوا،فكل ميسر)
وفي رواية،كل عامل ميسر لعمله،
قال النووي في شرح مسلم،وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره.
فما يفعله العبد من الأفعال يفعله بمحض اختياره وإرادته، وكل إنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختيار وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار، فالإنسان الذي ينزل من السطح على السلم نزولاً اختيارياً يعرف أنه مختار،على العكس من سقوطه هاوياً من السطح إلى الأرض، فإنه يعلم أنه ليس مختاراً لذلك، ويعرف الفرق بين الفعلين،فهو في الأول مختار، وفي الثاني غير مختار،
وبناء على هذا،فإن الإنسان يعمل باختياره يأكل ما شاء، ويتزوج من شاء، ويعمل ما شاء، والله يراقب أعماله ويجازيه على اختياره ما دام عاقلاً،
قال تعالى(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)النحل،
قال الشيخ الألباني،أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملا وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار،
والمراد بالقدر،تقدير الله تعالى للأشياء، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده ، وعلى صفات مخصوصة ، وكتابته سبحانه لذلك ، ومشيئته له ، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها،
فالإيمان بالقدر يقوم على الإيمان بأربعة أمور،
الأول،العلم،أي أن الله علم ما الخلق عاملون ، بعلمه القديم،
الثاني،الكتابة،أي أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ،
الثالث،المشيئة،أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن،فليس في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه،
الرابع،الخلق والتكوين،أي أن الله خالق كل شيء،ومن ذلك أفعال العباد،فهم يعملونها حقيقة،وهو خالقهم وخالق أفعالهم،
فمن آمن بهذه الأمور الأربعة فقد آمن بالقدر،
وقد قرر القرآن هذه الأمور في آيات عدة ، منها قوله تعالى( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )الحديد،
وقوله( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )القمر،
وروى مسلم،عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم،يقول(كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة،قال،وعرشه على الماء)
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن العبد له مشيئة واختيار ، ولهذا يثاب ويعاقب،ولكن مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى ،
فما قاله البعض من أن لدينا الخيار في الطريق الذي نسلكه،ولكن الذي سوف تجده في نهاية هذا الطريق قد قدره الله لك،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا مذهب أهل السنة في أفعال العباد( والعباد فاعلون حقيقة ، والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم،وللعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة ، والله خالق قدرتهم وإرادتهم ، كما قال تعالى،لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)
والزواج من جملة ما قدره الله تعالى ، والشخص الذي سيتزوجك ، قد علم الله من هو ، ومتى ولد وأين ومتى سيموت ، وكيف سيكون حاله معك،كل ذلك قد علمه الله وكتبه في اللوح المحفوظ ، وهو واقع لا محالة كما قدر الله،
ولما كان الإنسان لا يدري ما قدر له،كان سبيله أن يلتزم الشرع،وأن يستعين بالله تعالى ويستخيره في كل أمر مع ما يبذله من الأسباب،والتي من أهمها استشارية أهل النصح ممن لهم خبرة،