شؤون إسلامية - دور المال في اختيار المرجعيات: نذور وهدايا ووصايا وأوقاف.. والخمس
يعتبر المال عصب المرجعية الشيعية الحديثة، وكما في أي تجربة ديموقراطية يلعب المال دوراً كبيراً في انتخاب المرجع الأعلى، ومع أن
أساس المرجعية يفترض أن يقوم على العلم والتقوى، إلا أن المال هو الذي يحسم عادة انتخاب شخص معين من بين الفقهاء العدول الأتقياء. ولايكفي أن يكون الشخص فقيهاً وعادلاً لكي يصبح مرجعاً، إذا لم يكن يمتلك قوة مالية ترشحه لسدة المرجعية وتجلب الوكلاء إليه. ولايعني هذا أن شخصاً جاهلاً أو فاسقاً يستطيع أن يرتقي سدة المرجعية الدينية، لكن لايمكن إغفال دور المال في ارتقاء شخص أو سقوط شخص آخر، وهذا ما يفسر سيطرة العنصر الفارسي لعشرات السنين على سدة المرجعية، نظراً إلى علاقات المراجع الإيرانيين مع بني قومهم في إيران الذين يقدمون إليهم التبرعات السخية عادة ولايقدمونها للعرب أو العراقيين حتى لو كانوا أكثر علماً وتقوى منهم، بسبب عدم معرفتهم بهم أو عدم القدرة على التواصل اللغوي معهم.
هناك مصادر عدة لتمويل المرجعية، كالهدايا والنذور والأوقاف ووصايا الموتى، لكن المصدر الرئيسي للتمويل يقوم على الخمس، وهي ضريبة طوعية يقدمها المؤمنون الشيعية بنسبة 20% من أرباحهم السنوية، بناء على تفسير خاص لآية الغنائم: ((واعلمو إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول)) التي توجب إخراج الخمس من الغنيمة وإعطاءه لله وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين، وقد اعتاد بعض أئمة الشيعة من أهل البيت في القرن الثاني الهجري على مطالبة أتباعهم بتقديم الخمس إليهم باعتبارهم من ذوي القربى، لكن المراجع الشيعة السابقين لم يكونوا يأخذون الخمس. وينقل التاريخ أن الإمام الصادق أشار إلى كبير الفقهاء الشيعة محمد بن مسلم بالاتجار فأخذ يبيع التمر على باب مسجد الكوفة.
وإلى وقت قريب لم يكن فقهاء الشيعة يقولون بوجوب الخمس ولا بوجوب تسليمه إليهم، وكانوا يعتمدون على الأوقاف بصورة رئيسية، وكانت الحوزة في القرنين الماضيين تعتمد في جزء كبير من موازنتها لأكثر من 100عام على تركة أحد ملوك ((مملكة أودة)) في حيدر آباد في الهند، وهو ما كان يعرف بـ((خيرية أودة)). وعندما نشأت نظرية ((النيابة العامة وولاية الفقيه)) بدأ بعض العلماء يقول بوجوب إخراج الخمس وتسليمه إلى الفقهاء باعتبارهم ((نوابا عامين)) عن الإمام الغائب. وربما كان الشيخ جعفر كاشف الغطاء أول من أوجب إخراج الخمس وتسليمه إلى العلماء، وقد قام بحملة عامة لجباية الخمس دعما للدولة القاجارية (الإيرانية) في حربها ضد الاحتلال الروسي في بداية القرن التاسع عشر.