عن اسيد بن صفوان ، قال :
" لما قبض ابو بكر الصديق رضي الله عنه ، و سجي عليه ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : فجاء علي بن ابي طالب رضي الله عنه مستعجلا مسرعا مسترجعا ، و هو يقول :
" اليوم انقطعت النبوة ، حتى وقف على البيت الذي فيه ابو بكر ، فقال :
رحمك الله يا أبا بكر ، كنت إلف رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنيسه و مستراحه ، و ثقته و موضع سره و مشاورته ، و كنت أول القوم أسلاما ، و أخلصهم إيمانا ، و أشدهم لله يقينا ، و أخوفهم لله ، و أعظم غناء في دين الله عز و جل ، و أحوطهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أحدبهم على الإسلام ، و أحسنهم صحبة ، و أكثرهم مناقب ، و أفضلهم سوابق ، و أرفعهم درجة و أقربهم وسيلة ، و أشبههم برسول الله صلى الله عليه و سلم هديا و سمتا ، و أشرفهم منزلة ، و أرفعهم عنده و أكرمهم عليه ، فجزاك الله عن رسوله و عن الاسلام أفضل الجزاء ، صدقت رسول الله حين كذبه الناس ، و كنت عنده بمنزلة السمع و البصر ، سماك الله في تنزيله صديقا ، فقال : " و الذي جاء بالصدق و صدق به " الزمر 33 ،
و آسيته حين بخلوا ، و قمت معه في المكاره حين قعدوا ، و صحبته في الشدة أكرم الصحبة ، ثاني اثنين ، صاحبه في الغار ، و المنزل عليه السكينة ، و رفيقه في الهجرة ، و خلفته في دين الله و أمته , أحسن الخلافة حينه ارتدوا ، فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي ، نهضت حين وهن أصحابه ، و برزت حين استكانوا ، و قويت حين ضعفوا ، و لزمت منهاج رسوله إذ وهنوا ، كنت خليفة حقا لن تنازع و لن تضارع رغمت المنافقين ، و كبت الحاسدين ، قمت بالأمر حين فشلوا ، فاتبعوك فهدوا ، و كنت أخفضهم صوتا و أعلاهم فوقا و أقلهم كلاما ، و أصدقهم منطقا ، و أطولهم صمتا ، و أبلغهم قولا ، و أكرمهم رأيا ، و أشجعهم نفسا ، و أشرفهم عملا ، كنت و الله للدين يعسوبا ، أولا حين نفر عنه الناس ، و آخرا حين أقبلوا ، كنت للمؤمنين أبا رحيما ، صاروا عليك عيالا ، حملت أثقال ما عنه ضعفوا ، و رعيت ما أهملوا ، و علمت ما جهلوا ، و شمرت إذ ظلعوا ، و صبرت إذ جزعوا ، و أدركت أوتار ما طلبوا ، و راجعوا برأيك رشدهم فظفروا ، و نالوا برأيك ما لم يحتسبوا ، كنت على الكافرين عذابا صبا و لهبا ، و للمؤمنين رحمة و أنسا و حصنا ، طرت و الله بغنائها ، و فزت بحبائها ، و ذهبت بفضائلها ، و أدركت سوابقها ، لم تفلل حجتك ، و لم تضعف بصيرتك ، و لم تجبن نفسك ، و لم يزغ قلبك ، فلذلك كنت كالجبال ، لا تحركها العواصف و لا تزيلها القواصف ، كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمن الناس عليه في صحبتك و ذات يدك "
و كنت كما قال : " ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله تعالى ، متواضعا في نفسك ، عظيما عند الله ، جليلا في أعين الناس ، كبيرا في أنفسهم ، لم يكن لأحدهم فيك مغمز ، و لا لقائل فيك مهمز ، و لا لمخلوق عندك هوادة ، الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ بحقه ، و القريب و البعيد عندك سواء ، و أقرب الناس عندك أطوعهم لله عز و جل و أتقاهم ، شأنك الحق و الصدق و الرفق ، قولك حكم و حتم ، و أمرك حلم و حزم ، و رأيك علم و عزم ، اعتدل بك الدين ، و قوي بك الإيمان و ظهر أمر الله ، فسبقت و الله سبقا بعيدا ، و أتعبت من بعدك إتعابا شديدا ، و فزت بالخير فوزا مبينا ، فجللت عن البكاء و عظمت رزيتك في السماء ، و هدت مصيبتك الأنام ، فإنا لله و إنا إليه راجعون ، رضينا عن الله عز و جل قضاءه و سلمنا له أمره ، و الله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثلك أبدا ، كنت للدين عزا و حرزا ، و كهفا ، فألحقك الله عز و جل بنبيك محمد صلى الله عليه و سلم و لا حرمنا أجرك ، و لا أضلنا بعدك "
فسكت الناس حتى قضى كلامه ، ثم بكوا حتى علت اصواتهم و قالوا : صدقت
أنا مولاي إمام ضحـــــكــت *** من ثنايا فضله آي الزمر
صدق المرسل ايمانــا بـــــــه *** و لحا في الله من كان كفر
ثم بالغار له منقــبـــــــــــــــة *** خصه الله بها دون البشر
ثاني اثنين و قول المصطـــفى *** معنا الله فلا تبدي الحـــذر
فرضي الله عن الصديق و أرضاه