رجال من الصين
كتب محمد بن إبراهيم الشيباني :
يبقى جزء كبير من تاريخ المسلمين في الصين مفقوداً لاسباب عدة، منها عدم اهتمام شرقنا الاوسط بذلك البلد لعدم العلم به، وذلك لان حكوماته كانت في يوم من ايامه الماضية مغلقة على نفسها مثلما كان الاتحاد السوفيتي في سابق سنواته حتى جاءت البريسترويكا فانفتح كله على مصراعيه، بل تفكك الى جمهوريات. والصين كذلك بدأت اليوم تفك شيئا من ذلك الحصار او القيد وفي المجالات المتنوعة: اقتصاد، ثقافة، علوم، رياضة، سياحة.. وتنطلق الى العالم الرحب عالم العلاقات الانسانية الذي لا بد منه ولا فكاك.
كان لرجالات الصين القدماء صولات وجولات في المعمورة، لا سيما في شرقنا، فكانت لهم اتصالاتهم العلمية والدينية والثقافية، الواسعة رغم صعوبة وسائل النقل والترحال آنذاك، مما شكل نوعا من التواصل الحضاري بين تلك الدول والشرق العربي، ولم يأخذ كثير مما كتب في الحقب الماضية حظه من النشر والابراز المتنوع، فكان حبيس الخزائن والمساكن والدور، وقد تكون يد التلف والاهمال والاغارة عليه طالته فاحرقته.
سأحاول في هذه المقالة ومقالات قادمة – بإذن الله – ان ابرز ما وقعت عليه يدي من تلك الاخبار والآثار التي كانت تحكي نهضة علمية وثقافية متواصلة مع شرقنا العربي بجهود من سبق من المسلمين الاوائل الذين كانت مداركهم اوسع من حدود الزمان والمكان.
نور الحق ماجي بون، ابو عبدالرحمن، ويقال قاد حاج (1262-1321هـ، 1846-1903م): فاضل صيني، له مؤلفات باللغات الثلاث: الصينية والعربية والفارسية، حج، واقام سنتين في الحرمين يتعلم، وعاد الى بلاده فأخذ عنه كثير من الطلبة، وحج ثانية، فلما وصل الى «كانبور» في الهند، مكث فيها لتصحيح بعض المؤلفات المعدة للطبع، فأدركته الوفاة. ترجم كتاب «الخطب والفقراء» من الفارسية الى العربية، وترجم الى العربية عن الصينية كتاب «خمسة فصول» - طبع – في علم الطبيعة للعلامة الصيني المسلم صالح ليوجي.
وسمى له صاحب كتاب «الصين والاسلام» عشرين مؤلفاً، منها «التيسير في علم الفلك» و«متسق النحو» و«متسق البيان» و«متسق المنطق» و«توضيح شرح الوقاية» و«تبطيل التثليث» بالصينية والعربية (الاعلام 8-51). هذا هو واقع الاسلام والمسلمين الحقيقي منذ سطوع شمسه وبزوغ نجمه عالمياً، فهو رحب لمن عرفه حق المعرفة، ودين معرفة وعلم وحفظ وتدوين وترحال وتواصل مع الحضارات والاجناس والبلدان. والله المستعان.