السلام عليكم زميلنا الهاشمي
كل عام وأنتم بخير أولاً..
بعد مروري السريع على موضوعك وبعض نقاشك مع الزميل أفلاطون -أطال الله في عمره ولو أنه موقوف-, أوافق أن نواصل النقاش حول سؤالك وإن شاء الله اننا سنصل إلى نقطة تفاهم مشترك حول العقل الأول وعقيدتنا في الصفات.
لكن بعد أن أتأكد اننا لن نصل إلى مرحلة ننتقل فيها من مرحلة رد إتهام إلى مرحلة أخرى اضطر فيها الى تعليم عقيدتي لغيري بسبب جهل هذا الغير بها, وأن أضطر إلى شرح غوامضها.
مما استنبطته من موضوعك أنك لا تتهمنا بعبادة العقل الأول من دون الله ولكنك تريد التأكد حول النقطة التالية:
هل العقل الأول هو حامل صفات الكمال من علم وحياة وقدرة وغيرها وهل عندنا الله فوق الصفات ولا يوصف بصفة؟ فإن كان كذلك..
اقول نعم, هو كذلك, ولكن..
إن أردت استنكار ذلك, فيجب عليك أولاً القبول بنقاشنا حول عقيدة إثبات الصفات التي تعتقدون بها حيث وأننا -برجاء أن تنتبه إلى هذه النقطة جيدا- لا نقول بأن الله معدوم (عقيدة النفي كما تقول), بل إننا نقول أنه غير معدوم ولا يجوز أن نقول أنه موجود أيضاً, وهذه النقطة هي ما شرحها دعاتي في مناسبات كثيرة ما يسمى عندنا بعقيدة (بين الإثبات وبين نفي النفي) وهي موضحة بالتفصيل في كتاب راحة العقل أيضا.
فعندما تقول لي أن الله موجود وجودا حقيقيا فيجب عليك أن تأتي بالبراهين المثبتة لذلك الوجود, وأنا سآتي بالبراهين المثبتة بأننا لا يجوز أن نقول أن الله موجود (مما لا يعني بحال من الأحوال أنه لا موجود أيضاً).
فكثيرا ما تحتجون علينا بكلام العرب ولغة العرب ودلالات اللغة العربية.
فتقولون لنا أن الله موجود, وعندما نذهب إلى قواميس اللغة ودلالات اللغة العربية, نرى أن الموجود يوجَب أن يكون هنالك من أوجده.
فالموجود هو مفعول به, يجب أن يكون لفعل الإيجاد ذلك فاعلاً.
ففي مرحلة كهذه من النقاش, تقولون لنا هذا السؤال لا يسعنا ولا يجب علينا أن نتساءل عن الله بهذه الطريقة.
فنقول لكم حينها, إذا , أتفهمون لماذا قالت الإسماعيلية أنه لا يجوز أن نقول أن الله موجود , وإن قلنا ذلك مجازا حينما ندعوه أو نخاطبه أو نتحدث عنه فنحن نقصد أنه هو من أبدع حاملي الصفات والموجودين -كالعقل الأول وغيره-, سواء صفات كمال أو غير ذلك.
وأنه فوق الصفات وهو موجدها وفوق اللغة وفوق الأفهام والأوهام التي تحاول عبثاً أن تتخيل كنهه؟
ثم عودا على موضوع الصفات هذا, فعندما سئل ابن عثيمين عن خلو العرش من الله حين نزوله في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا, أجاب السائلَ: أن هذا ليس إليك, تقول نزل ولا تسأل هل خلا العرش منه أو لا. يجب عليك أن تقبل بما قبل به الصحابة فهم لم يسألوا مثل هذا السؤال وأصل السؤال غير مشكور عليه. انتهى قول ابن عثيمين.
ولنا في ذلك موضوع منفصل (أثبتنا فيه كم أن عقائد العلو والعرش والنزول هي عقائد مهلهلة تتعارض مع العقل), يحاول أبو ياسين عبثا أن يتجاوز هذه المشكلة العويصة في عقيدتكم, والتي مردها قبول فكرة أن الله موجود حقيقة ولو أنه وجود -يليق بجلاله- كما تحاول عقيدتكم أن تقنع الناس بها.
فبعد أن نعمل بالآية القائلة (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق), وعندما سرنا ورأينا فهمنا أن الله يستحيل أن ينزل إلى حيز لا يسعه مع عرشه ويستحيل أيضا أن يترك العرش معتليا عليه أيضاً.
وإن ضربنا مثالا آخر حول نقطة الوجود هذه,
فقد قال ابن تيمية مرارا وتكرارا أنه يرى أن الله فوق المخلوقات وفوق العرش وجودا حقيقيا بفوقية حقيقية لا بفوقية الرتبة - فقد كان يظن أن الأرض مسطحة- , وعندما يتضح أنه فوقنا فوقية حقيقية وفوق من يقف في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية فيصبح أنه محيط بالكرة الأرضية من جميع الجهات, وهذا هو عين عقيدة الحلول والتي تتهموننا بها متناسين أنه ما جاءت هذه الثغرات العديدة في عقيدتكم إلا بسبب حكاية ال-موجود- هذه.
أتمنى أن يكون في كلامي من المنطق ما فيه الكفاية بأن يوصل الفكرة إلى غيري.
وأن لا ينتهي الحوار بنقطة أننا نتبع فلاسفة اليونان الملاحدة المعطلين للشرائع المنكرين لوجود الله كما يتردد كثيرا هنا وهناك
وشكرا لك