[ALIGN=CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة[/ALIGN]
إن الحمد لله نحمده ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
1- فإن هذا البحث عن الصوفية لم يقصد به الاستقصاء لكل ما كتب عن الصوفية أو كل ما كتب الصوفية أو كل ما كتب الصوفية عن أنفسهم والتفتيش عن أقوالهم وآرائهم وطرقهم بالتفصيل, فإن هذا شيء يطول وليس عن غرضنا, بل الهدف الذي وضعناه نصب أعيننا هو إعطاء فكرة مركزة موجزة عن الصوفية لأناس ينشدون الحق وتحصيله بعيداً عن هذا الركام من الفرق والتفرق, ولذلك فإن معرفة أصولهم ومراحل تطورهم, والبدع التي وقعوا فيها ورؤوس طرقهم تكفي لمعرفة حالهم وأما الغارقون في التصوف فقد قال السلف عنهم: إن صاحب البدعة قل أن يرجع عنها.
2- نحن لا نكتب عن صوفية كانت وبادت أو هي جزء من التراث كما يقال اليوم بل هي موجودة موصلة بالماضي, بل نستطيع أن نقول أنهم عادوا بعد أن انحسر ظلهم قليلاً, عادوا بقوة لغاية في نفس من يستفيد من عودتهم ليزاحم بهم دعوة الإسلام الحق, فالبريلوية في المشرق والتجانية في المغرب و بينهما الشاذلية والبرهانية .. إلى آخر أسماء الطرق التي لا تنتهي, عادوا إلى المدينة ومكة بعد أن خلت منهم عشرات السنين. فلماذا لا ننبه المسلمين إلى أخطائهم وخطرهم؟
3- عندما نتكلم عن الصوفية فإنما نقصد المعنى الاصطلاحي, أي الصوفية التي جاءت بكتب ومصطلحات خاصة, فيها إشكالات وبعد عن المنهج الإسلامي الصحيح أدت فيما بعد إلى أمور خطيرة مثل الإتحاد والحلول, فهذا لا شك أنه تفرق وبعد عن خط أهل السنة والجماعة, وأما الذين يقولون: إنما نعني بالصوفية السلوك الإسلامي وترقيق القلوب والزهد في الدنيا فيقال لهم: لماذا تسمون هذه الأشياء صوفية وقد أصبحت علماً على رموز وأشكال تخالف الإسلام فهلاّ ابتعدتم عن الشبهات وتركتم هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان " والزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف" .
"والذين اكتفوا بحسن الخلق والزهد في الدنيا والتأدب بآداب الشرع لقبوا بالنساك والقراء والزهاد والعباد, والذين أقبلوا على دراسة النفوس وآفاتها وما يرد على القلب من خواطر وحرصوا على الصيغة المذهبية لقبوا بالصوفية" .
فالقضية ليست قضية سلوك وإنما هي أساليب مستحدثة مخترعة أعجمية في الرياضات الروحية أدت إلى الشطح والقول على الله بغير على فغاية الصوفية الاتصال بالله ـ بزعمهم ـ والبعد عن الناس, وهذا مضاد لمنهج الأنبياء الذين لم يبعثوا إلا ليهزوا أركان العالم ويوقظوا الناس من سباتهم, ولذلك فنحن لا نعتبر أعلام الزهاد والعباد كإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأمثالهم داخلين في الصوفية بهذا المعنى الذي نقرره , فضلاً عن أن نعتبر أمثال الحسن البصري ومن قبله كما يحاول الصوفية أن يقرروا وبدون حياء كما يصفهم ابن الجوزي, وكل فرقة تحاول التمويه على الناس وتنسب إليها أعلام أهل السنة, فكل الأحاديث الباطلة والمضحكة عند الشيعة الإمامية تنسب إلى جعفر الصادق وهو بريء منها وهو من أئمة أهل السنة.
والفرق بين الزهد الأول والتصوف هو كالفرق بين التشيع بمعناه اللغوي الذي هو المناصرة والمحبة لعلي رضي الله عنه بدون غلو وبين التشيع الذي استقر أخيراً كفرقة لها عقائدها المميزة بعد أن أدخلت الباطنية الغلو في علي توسلاً إلى الطعن في الصحابة, وهكذا بثت الباطنية تعاليمها الإلحادية في غلاة الصوفية .
4- إن اعتبار الصوفية (فرقة ) لا بد أن يثير الاستغراب والتساؤل, لأن الاعتقاد السائد أنهم من غمار أهل السنة.
وجواباً على هذا الاعتراض نقول: إذا كانت الصوفية تعتقد أن طريق الوصول إلى الله سبحانه وتعالى بالكشف والذوق والرياضيات الروحية التي ما أنزل الله بها من سلطان, فلا شك أن هذا تفرق مذموم فكيف بمن يتكلم بالحلول والإتحاد, فهذا كفر صريح. وإذا كان علماء السلف قد ذموا علم الكلام وما جرَّ وراءه من بدع وتفرق, وإن كان بعض العلماء الذين خاضوا فيه قصدوا الدفاع عن الإسلام بنوايا حسنة, فكيف لا يذم من ابتدع طريق التصوف الأعجمي في الفناء والرهبانية وذكر الله بالرقص والدف " ومن يعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان" .
ثم إن هناك من العلماء الذين كتبوا في موضوع (الفرق) من اعتبرها كذلك, كالرازي في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ) قال: " اعلم أن أكثر من قص فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ .. " , ثم ذكر طبقاتهم وفرقهم. وقد جعل ابن النديم في كتابه (الفهرست) المقالة الخامسة ( في السياح والزهاد والعباد والمتصوفة المتكلمين على الخطرات والوساوس ) .
وعقد ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والنحل ) فصلاً لذكر ( شنع قوم لا تعرف فرقهم ) ثم قال: " وادعت طائف من الصوفية أن في أولياء الله من هو أفضل من جميع الأنبياء, وأن من عرف الله فقد سقطت عنه الأعمال" .
وجاء في كتاب ( البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ) لعباس بن منصور الحنبلي: " ولم يشذ أحد منهم ـ أي عن أهل السنة والجماعة ـ سوى فرقة واحدة تسمت بالصوفية يتقربون لأهل السنة وليسوا منهم وقد خالفوهم في الاعتقاد والأفعال " والظاهر أن المؤلف يتكلم عن غلاة الصوفية.
والقصد أننا لا نعني بكلمة فرقة إلا التفرق المذموم في الشرع وهو الابتعاد عن أصالة الإسلام الذي يمثله جيل الصحابة ومن تبع أثرهم. ونحن نعلم أن هناك أفاضل ينتسبون إلى التصوف ولكن هذا لا يمنع من الكلام عن الصوفية بشكل عام, وهؤلاء العلماء أخذوا بجانب الصوفية لظنهم أنها الطريق الوحيد لتربية النفس, وهذا خطأ منهم, ومع ذلك فهم لا يتعمقون في التصوف المنحرف المؤدي إلى البطالة أو الكفر, والمرجئة كذلك تصنف مع الفرق ومع ذلك فقد ابتلي بها بعض العلماء فإذا اعتبرنا الصوفية فرقة ابتعدت قيلاً أو كثيراً عن منهج السلف فلا يعني هذا أن كل من انتسب إليها ضال منحرف, فقد يكون من أعظم العباد ولكن فيه نقصاً في جانب من جوانب الإسلام الشامل المتكامل والمسلم يكون فيه من النقص بمقدار ابتعاده عن السنة.
5- ونحن لا ننكر أن أوائل الصوفية أثروا الجانب الروحي ـ إذا صح التعبير ـ بكلامهم عن أعمال القلوب و خطراتها والتركيز على الإخلاص والتوكل والإنابة والخشية لله سبحانه وتعالى ولكنهم تشددوا في هذا ونقبوا عما لم ينقب عليه من هو أفضل منهم, كما أننا لا ننكر أن البعض في الطرف المقابل قد يكون عنده قسوة قلب وهذا مرفوض أيضاً, بل هذا فيه شبه باليهود الذي وصفهم الله سبحانه في القرآن بأن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة, كما أن عبادة الله دون علم فيه شبه بالنصارى والتوسط المعتدل هو المطلوب, " صراط الذين أنعمت عليهم " فلا نكون كالمغضوب عليهم وهم اليهود, ولا كالضالين وهم النصارى.
6- إن التصوف بالمعنى الاصطلاحي الذي قررناه مستمر إلى الآن وله أثر سلبي واضح في تربية الأجيال المسلمة, تربية الإذلال والعبودية للشيخ, وتصديق كل ما هو غير معقول؟! إنها مأساة حقيقة أن يظهر بين الفينة والأخرى دجال كذاب يمشي وراءه شباب من طلبة الكليات العلمية وغير العلمية, عدا العوام وأنصاف العوام. هذه التربية جعلت من هؤلاء الشباب أصفاراً بلهاء ينتظرون كلمة من الشيخ أو معجزة خارقة على يديه.
يقول ابن عقيل محذراً من الصوفية والمتكلمين:
[ ما على الشريعة أضرمن المتكلمين والمتصوفين, فهؤلاء ( المتكلمون ) يفسدون عقائد الناس بتوهمات شبهات العقول, وهؤلاء ( المتصوفة ) يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان. فالذي يقول: حدثني قلبي عن ربي فقد استغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد خبرت طريقة الفريقين فغاية هؤلاء ( المتكلمين ) الشك, وغاية هؤلاء ( المتصوفة ) الشطح ] .
لهذه الأسباب ولاستمرار المتصوفة في تخريب الأجيال الإسلامية في كل مكان كان لا بد من الكتابة عنهم, ونحن إن شاء الله لا نبخس الناس أقدارهم ولكن كل طائفة أو فرقة تظن أنها وحدها على الحق, وكل حزب بما لديهم فرحون, فهم يظنون أنهم أفضل الخلق, وأنهم صفوة أوليائه, فالغزالي يعتقد أن هذا هو الطريق ولا طريق غيره لتصفية النفس, وكأنه لم يسمع بشيء اسمه أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث, أهل العلم والعمل أمثال أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وأئمة أهل الفقه والحديث وهم كثيرون جداً .
والذي يقرأ في أول شدوه للعلم كتب الغزالي أو الحارث المحاسبي يظن أن هذا هو الطريق ولا طريق غيره, وتبقى الحقيقة وراء كل ذلك قائمة كالشمس في رابعة النهار, تلوح لمن صح قصده, وأصاب علمه, وانتهج الصراط المستقيم.
وأخيراً نرجو من الله سبحانه وتعالى أن نوفق لعرض نشأة الصوفية وتطورها بدون تعصب أو تحامل والله من وراء القصد, والحمد لله رب العالمين.
* * *