.......
قبل أن نشرع في بيان عقيدة السلف في التوحيد يجدر بنا أن نعرف بمفردات مهمة:
أولاً - السلف:
السلف لغة: جمع سالف. وهو كل من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك في السن أو الفضل(1).
والسلف اصطلاحاً: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التابعين لهم بإحسان ومن تبعهم من أئمة الدين وأعلام الهدى، بخلاف من رمي ببدعة من الخوارج أو الشيعة أو الجهمية أو المعتزلة ونحوهم(2).
ثانياً - التوحيد:
التوحيد لغة: مصدر وحد يوحد توحيداً، فهو موحد والواحد والأحد يدور معناه على الانفراد(3).
والتوحيد اصطلاحاً: هو اعتقاد أن الله واحد في ذاته وواحد في ربوبيته، وواحد في أسمائه وصفاته واحد في ألوهيته وعبادته وحده لا شريك له.
فهذا التعريف يتضمن الإقرار والإيمان بأن الله واحد فرد من جميع الوجوه فهو واحد في ذاته لا ولد له ولا والد، وليس ثلاثة كما يدعيه النصارى - تعالى الله عن ذلك.
وهو واحد في ربوبيته، لا خالق معه ولا متصرف ولا مدبر لشيء في هذا الكون غيره، إنما الكون كله خلقاً وتدبيراً وتصرفاً بيده سبحانه.
وواحد في أسمائه وصفاته لا مثيل له سبحانه.
وواحد سبحانه في عبادته لا شريك له في العبادة لا أولياء ولا وسطاء، وإنما العبادة له وحده لا شريك له.
__________
(1) القاموس المحيط (ص 60).
(2) لوامع الأنوار البهية (1/20).
(3) المعجم الوسيط (2/1016).
ونشير هنا إلى أن السلف رحمهم الله لهم منهج واضح في الاستدلال على التوحيد وسائر مسائل العقيدة وتقريرها، ويمكن استخلاص هذا المنهج من كلام الآجري(1) رحمه الله؛ حيث قال في كتابه الشريعة: "باب الحث على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه رضي الله عنهم وترك البدع وترك النظر والجدال فيما يخالف فيه الكتاب والسنة وقول الصحابة رضي الله عنهم "(2).
ومثله قال شيخ الإسلام ابن تيمية(3) رحمه الله: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"(4).
ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد"(5).
__________
(1) الآجري محمد بن عبد الله، فقيه شافعي محدث، نسبته إلى آجر من قرى بغداد ،صاحب سنة واتباع . توفي سنة 360ه. انظر: سير إعلام النبلاء 16/133-136.
(2) الشريعة (1/170).
(3) أحمد بن عبد الحليم، شيخ الإسلام الشهير بابن تيمية، ألف في أكثر العلوم التآليف العديدة، وصنف التصانيف المفيدة في التفسير والفقه والأصول والحديث والكلام، وتصدى للرد على الفرق الضالة والمبتدعة، لم يسبق إلى مثل تأليفه وشهرته، توفي سنة 728ه. انظر: مختصر طبقات الحنابلة ص 61.
(4) أخرجه أبو داود في السنة 4/201 .باب في لزوم السنة .
(5) العقيدة الواسطية (ص 28).
ومن خلال ذلك نستطيع أن نستخلص أن منهج السلف في الاستدلال على التوحيد يقوم على أربع قواعد هي:
1- الاعتماد على الكتاب والسنة في أصول المسائل وتفريعاتها.
2- اتباع سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
3- عدم عرض شيء من ذلك على الآراء والأهواء.
4- الحذر من البدع وأهلها.
فهذه القواعد هي عمدتهم في تقرير كل ما يتعلق بتوحيد الله تعالى، بل وجميع مسائل العقيدة والأمور الشرعية, وكل من نظر في كتبهم المصنفة في هذا الباب فإنه يجد الالتزام الواضح بهذه القواعد وتطبيقها في جليل المسائل ودقيقها.
يتبع ....