عرض مشاركة واحدة
قديم 16-02-12, 09:35 PM   رقم المشاركة : 8
أبو العلا
مشرف سابق








أبو العلا غير متصل

أبو العلا is on a distinguished road


الصوفية والعلمانية والماسونية



د. أحمد خيري العمري




لم يأت حين من الدهر، منذ أن عُرِف ابن عربي،

دون أن يكون للرجل مريدوه ومعجبوه وأتباعه..

وذلك أمر طبيعي جداً طالما ظل للتصوف مساحة في عالمنا،

وهي مساحة ظلت تمد وتجزر، لكنها بقيت موجودة

وبقي في جزء معين منها، مكانٌ لابن عربي..


وابن عربي مختلف عليه دونما شك،

والآراء حوله تتدرج من اعتباره (الشيخ الأكبر)

إلى (من شك بكفره فقد كفر)!.

وقد كفّرته طائفة من العلماء منهم العز بن عبدالسلام وابن حجر العسقلاني

وابن كثير وابن تيمية،

ونقل عن الإمام الذهبي قوله:

« ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص

وإن كان لا كفر فيه فليس في الدنيا كفر! »،

بل إن السيوطي الذي لم يكفره وانتقد من كفّره

عدّه مبتدعا وحرّم النظر في كتبه!..



وبغض النظر عن التكفير أو التبجيل،

فإن التيار الإسلامي العام رفض «شطحات» ابن عربي

حتى لو لم يكفره من أجلها،

وهي شطحات ظلت هجينة عن التراكم الفكري الإسلامي وناشزة عن مجمله،

وكان وضوح نشاز بعض هذه الشطحات محرجاً للمدافعين عنه،

وقائمة الدفاع تتضمن القول إن الشطحات مدسوسة عليه (كالعادة!)

وأنه قال في كتبه أشياء أخرى تناقض هذه الشطحات،

أو أنهم يعتذرون عن ذلك بتعقيد لغته وغموضها وبالتالي عدم فهمها كما يجب،


والفصل في كفر ابن عربي - كشخص - أو إيمانه أمر لا يخصنا حتماً،

بل يخص الذي يعلم ما في صدورنا جميعاً،

هذا مع العلم أن الكثير من الطرائق الصوفية السائدة حالياً

قد نأت بنفسها عن شطحاته، أو على الأقل عن البعض من مؤلفاته.


إلى هنا والأمر عادي جداً،

فلغة الرجل المميزة رغم تعقيدها وغزارة مؤلفاته

منحت له مكانة معينة ضمن رفّ معين، له بالتأكيد رواده ومحبوه.




لكن غير العادي إطلاقاً،

هو هذا الاهتمام الجديد بابن عربي من قبل تيار بعيد ليس عن التصوف فحسب،

بل عن الدين ككل، تيار ظل يدعي العقلانية بمفهومها الغربي الديكارتي

الذي لا يؤمن بغير التجربة ومعاييرها الواضحة،

لكنه فجأة صار حريصاً على ابن عربي وذوقياته

التي لا يمكن إخضاعها لأي معيار ومن أي نوع..


هذا الاستحضار الليبرالي-العلماني لابن عربي

تجلّى في كتابات لكُتَّاب ليبراليي التوجه

(هاشم صالح، وعبدالوهاب المؤدب، ونصر حامد أبو زيد، وسواهم

وهو استحضار لا يمكن أن يكون بريئاً البتة،

بمعنى أن ابن عربي يبدو هنا غريباً وشاطحاً حتى أكثر من ذي قبل،

فقبل كل شيء، فإن انتماء ابن عربي إلى منظومة التصوف،

ولو في طرف الغلو والشطط منها،

سيكون أمراً مفهوماً داخل هذه المنظومة ككل،

أما استحضاره داخل المنظومة الليبرالية،

فأمر يشبه إقسار «كارل ماركس» أو «سيغموند فرويد»

داخل منظومة الفكر الإسلامي..


والحقيقة أن (شطحات) ابن عربي التي كفّره من كفره من أجلها،

هي بالذات ما يريده هؤلاء الليبراليون من ابن عربي المستحضر ليبراليا،

أي إن موقفهم هنا لا يشبه موقف المدافعين التقليديين

الذين يعتذرون عن شطحاته بهذا العذر أو ذاك،

بل في الواقع هم حريصون على (تكريس) هذه الشطحات وتأكيدها،

بل والتركيز عليها والدفاع عنها.



ولا شك أن ما يفعله الليبراليون ذكي جداً،

فهم يدركون أن القارئ المعاصر لا يملك النفس اللازم لقراءة مجلدات الفصوص والفتوحات،

بالذات مع لغة ابن عربي التي تميل إلى الغموض والتعقيد أحيانا،

لذلك فهم يقدمون وجبة سريعة معاصرة من ابن عربي

تحتوي على انتقاءات معينة مما قال،

وهي انتقاءات مدروسة لخدمة منظومتهم الليبرالية،

وتجعل من ابن عربي (حلقة وصل)

بين تراكم (محسوب في نهاية الأمر على التراث الإسلامي)

وبين منظومة غربية يحاول الليبراليون منذ عقود إدخالها إلى العقل المسلم

وبوسائل شتى وبنجاحات متفاوتة،

ويبدو ابن عربي اليوم وسيلة أخرى من تلك الوسائل،

خاصة أن اسمه مدعوم (غربياً)

من قبل دوائر عديدة ومؤسسات بحثية ومراكز دراسات.



يبدأ الليبراليون نهجهم هذا بما يعدونه «مسلمة» لا جدال فيها

بينما هي ليست كذلك إطلاقاً،

ألا وهي اعتبار ابن عربي (قمة نضج الفكر الإسلامي!

في مجالاته العديدة من فقه ولاهوت وفلسفة وتصوف

وعلم تفسير القرآن وعلوم الحديث واللغة والبلاغة)

(أبو زيد، هكذا تكلم ابن عربي، ص 24).


هكذا مرّة واحدة وبحسم نهائي يعتبر ابن عربي

قمة نضج الفكر الإسلامي في كل هذه المجالات!

ما الدليل على كل هذا؟

سيلقمنا أبو زيد بمستشرقين اثنين يوافقانه على رأيه،

أحدهما ياباني والآخر إسباني،

وما داما ينتميان إلى المنظومة الغربية،

فإنه يستغل عقدة نقصنا تجاههما،

ويمرر الأمر كما لو كان (متفقاً عليه)

بينما هو على الأغلب في النقيض من ذلك.



سيقول أبو زيد أيضا بلا مواربة:

«إن استدعاء ابن عربي يمثل طلباً ملحاً بسبب سيطرة بعض الاتجاهات والرؤى السلفية

على مجمل الخطاب الإسلامي في السنوات الثلاثين الأخيرة»

(أبو زيد، ص26)،

وبعبارة أخرى فإن صورة ابن عربي (المتطرفة تسامحا وبلا حدود)

هي البديل عن» صورة الإرهابي حامل البندقية والسكين»

(المتطرفة عنفا وبلا حدود أيضا)

«أبو زيد، ص 27»..

كما لو أن علينا دوما الاختيار بين واحد من الطرفين

بلا خيار ثالث مستمد من ثوابت وسط للأمة الوسط..



وهكذا سيتم إعادة إنتاج ابن عربي أو تحضير روحه من قبره

في السوق الدمشقية القديمة، في حفلة زار عولمية الملامح

من أجل أن ينضم صوته لجوقة المصفقين لها ولقيمها..

(حتى لو قيل ضمن ما قيل أشياء ضد العولمة ذرا للرماد في العيون).






من مواضيعي في المنتدى
»» أسواق كربلاء تشهد رواجا واسعا للأقراص المدمجة الإباحية
»» أسطورة كسر الضلع
»» الإخوان وحزب ولاية الفقيه
»» حنجرة نصر الله وحنجرة القاشوش / أمير سعيد
»» هل الأخذ بظواهر الآيات كفر ؟