عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-09, 06:52 PM   رقم المشاركة : 4
ديار
موقوف





ديار غير متصل

ديار is on a distinguished road


المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية

تأليف
عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية
نشر
موقع الفرقان
www.frqan.com

http://www.saaid.net/
اتهامات الحبشي لأبن تميمة
وقد نسب الحبشي إلى ابن تميمة جملة من الإفتراءات واتهمه باتهامات شتي لم يحل فيها إلى كتاب من كتب ابن تميمة وننتظر منه ذلك ، وربما أحال إلى بعض النصوص التي يحملها ما لا تحتمل ، أو يوردها مقطوعة مبتورة على طريقة لصوص النصوص .
وشهادة الحبشي وأتباعه مردودة لقوله e " لا تقبل شهادة خائن ، ولا خائنة ، ولا ذي غمر على أخيه المسلم " (1)
وذو الغمر : ذو الحقد ، والحقد المذهبي أعمي ترد به شهادتهم في حق ابن تميمة ، فاجتمعت فيهم الصفتان في الحديث : الخيانة المعروفة عنهم ، والحقد المذهبي الذي أمتازوا به.
وهذه الالسن التي تطعن هي نفس الألسن التي تمد الظالمين وتدخلهم على حسابها إلى بيت الإسلام
فمن أثني على هؤلاء فلا يؤخذ بشهادته في أولئك .
وهذه الألسن التي تطعن في سلف الامة كمعاوية وم نوافقه من الأصحاب . وليس ابن تميمة بأفضل عند أهل السنة من معاوية والعلم عند الله .
ولا يدري هؤلاء أنهم بطعنهم بابن تميمة إنما يطعنون بأنفسهم وجرحهم له تجريح لأنفسهم ولكنهم لا يفقهون .
فيوم أن طعن ابن معين في الشافعي قائلاً " ليس بثقة " قال الذهبي " فقد آذي ابن معين نفسه بذلك ، ولم يلتفت أحد إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات . كما لم يلتفتوا إلى توثيقه بعض الناس "
وإليكم مجموعة الإفتراءات التي اختلقها .
*زعم أن بن تميمة يشبه الله بخلقه . مع ان نقل عن السبكي أن كلامه يقتضي تشبيه الله بخلقه (2) ، ومعلوم أن طريقة غلاة التنزية : " التأويل " وإثبات الصفات من غير تأويل لها يقتضي التشبيه عندهم ، مع لازم المذهب ليس بمذهب . فهل صرح ابن تميمة بالتشبيه أم قال ما يقتضي ذلك عند الحبشي ؟!
هكذا تتقد الامانة العلمية عند أهل البدع .
وزعم أنه قال : أن النبي e ليس له جاه (3) . اكتفي بذلك من غير ان يحيل إلى شئ من كتب ان تميمة .ويأبي الله إلا أن يكشف كذب الحبشي ، فقد قال ابن تميمة " وقد اتفق المسلمون على انه e أعظم الخلق جاءها عند الله ولا شفاعة أعظم من شفاعته " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 7 "
وزعم أن ابن تيميه قال " لا مانع أن يكون نوع العالم غير مخلوق لله (4) وأنه كذاب أفاك لدعواه أن السلف قالوا " إن الله ينزل ولا يخلو منه العرش " (5) مع أن القاضي أبا يعلى ذكر للسلف ثلاثة أقوال : أولها أن نزوله بحركة وانتقال وهو قول عبدالله بن حامد وحرب الكرماني والدرامي وابن راهوية وسعيد بن منصور ، والثاني أنه بغير حركة وانتقال وهو قول أبي الحسن التيمي والثالث وهو لا يخلو منه العرش : قول ابن بطه وغيره .
وزعم أن ابن تميمة قال " إن الله مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء " (6)
وأنه " بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر منه .
وأنه وأتباعه يكفرون (7) المتوسلين بالرسولصلعم .
وأنه جعل زيارة الأنبياء والصالحين بدعة بل معصية بالإجماع (8)
وأنه نقض إجماع المسلمين فقال إن نار جهنم تفني (9)
ولكن لماذا لم يحل الحبشي إلى شئ من كتبه ؟ الجواب ببساطة لأنه لا يوجد شئ مما يزعم .
وزعم تلميذه " نزار حلبي " أن " ابن تميمة رأس التطرف في القرن الثامن الهجري حيث كفر كل المسلمين باختلاف مذاهبهم ومشاربهم " (10) ونسي أن يحيلنا إلى الكتاب الذي قال فيه ذلك .
عصبية ابن الهيتمي
وسبقه إلى هذه الاتهامات أحمد المكي الهيتمي عفا الله عنه حيث رمي ابن تيميه بالعظائم والمفتريات وزعم أنه عبد أضله الله 0000 إلخ "
وهذا مادعا الآلوسي رحمة الله إلى أن يكتب كتاباً بعنوان " جلاء العينين في محاكمة الاحمدين " قارن فيها بين إدعاءات الهيتمي ظلماً وطالبه بالدليل عليها من كتب ابنتيميه ، ثم ختم كتابه يقوله " قد ظهر لك جميع ما تقدم أن الشيخ ابن حجر الهيتمي نسب إلى شيخ الإسلام من الاقوال التي لا أصل لها ولا سند في نقلها " (11)
بل يظهر لك تعصبه رحمة الله حين صب جام سخطه على شيخ الإسلام زاعماً أنه ارتكب العظائم .
ولعلك تسأل ما هي هذه العظائم : يقول الهيتمي " فإنه وقع في حق الله تعالي ونسب إليه العظائم كقوله إن لله تعالي وجهه ويداً ورجلاً وعيناً وغير ذلك من القبائح الشنيعة .(12)
ولا يخفاك أيها المنصف أن هذه التي يصفها الهيتمي بالعظائم والقبائح ليست من اختلاق ابن تيميه بل هي مما وصف الله به نفسه ورسوله e كقوله تعالي لأبليس " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " وقول النبي e أن الله " كتب التوارة بيده " وقوله عن الدجال " إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور " وأن جهنم " لا تزال تقول هل من مزيد حتي يضع الجبار فيها رجله " قمه " فتقول قط قط .
الهيتمي والباقلاني يرجحان إيمان فرعون.
وموقفه الشديد من ابن تيميه يقابله لين ورقه تجاه أهل الكفر . فلقد عاتب الهيتمي أبن عربي عتاباً رقيقاً لأعتقاد هذا الأخير بإيمان فرعون قائلاً (13) " فنحن وإن كنا نعتقد بجلالة ابن عربي فقوله بإيمان فرعون مردود " وكان حرياً به أن يغلظ له القول .
ولكن وكما يوقل الشاعر :
فرصاص من أجببته ذهباً كما
ذهب الذي لم ترض عنه رصاص .
فإن هذا القول من مستنشعات الصوفية أخدوه عن أئمة الزنادقة كابن عربي وزينة الشيطان لهم فبرؤوا به ساحة فرعون .
بل قد نقل الزبيدي عن ابن حجر المكي الهيتمي أن ظاهر الآية يفيد وجود إيمان فرعون . ونقل الباقلاني قوة دليل من استدل بالآية على إيمان فرعون .
الزبيدي والقاري يثبتان قول ابن عربي بايمان فرعون (14).
قال المرتضي الزبيدي " وممن قال بإيمانه – أي فرعون – الشيخ محيي الدين بن عربي في مواضع من قتوحاته وفصوصة : لا يستريب مطالعها أنه كلامه وأنه غير مدسوس عليه " وقد رد على الشيخ عبد الوهاب الشعراني زعمه أن هذا الكلام مدسوس على ابن عربي المقري صاحب الأرشاد والحافظ بن حجر وتلميذه البقاعي ومن المتأخرين ملا على لقارئ من الحنفية والذي يصف ابن عربي بأنه زنديق منافق إمام الاتحادية (15) وكتب رسالة بعنوان " فر العون من القول بإيمان فرعون " وقال في شرح الفقيه الأكبر " وفيه رد على بن عربي ومن تبعه كالجلال الدواني ، وقد ألفت رسالة مستقلة في تحقيق هذه المسألة " (16) وحكي عن العلامة ابن نور الدين أنه صنف مجلداً كاملاً في الرد على ابن عربي " (17)
واعترف السرهندي النقشبندي أن ابن عربي أول من صرح بالتوحيد الوجودي وبوب مسألة الوجود وفصلها وقال إن خاتم النبوة يأخذ بعض العلوم والمعارف عن خاتم الولاية وأراد بخاتم الولاية نفسه (18) . أي أن محمداً e يأخذ العلم من ابن عربي .
وممن ذهب إلى تأييد كلامه في وحدة الوجود شراح الفصوص الجندي والكازروني والقيصري والجامي وعلى المهايمي والجلال الدواني وعبدالله الرومي وللكازورني كتاب بالفارسية سماه " الجانب الغربي " رد فيه على من اعترض على الشيخ ابن عربي منها هذه المسألة " (19)
وقد عرض بعض الصوفية على يهودي بعد أن أسلم " أن يوافقهم باعتقاد بإيمان فرعون فصرخ قائلاً : قد كنت أقول بكفره حين كنت يهودياً أفاقول بعد ان أسلمت .
وقد جعله النبي e أنموذج الكفر وقدوة الجبابرة والطغاة ، فلما مات أبو جهل جعل e يشير إلى جثته ويوقل " هذا فرعون هذه الأمة " فكيف يشبه النبي أبا جهل برجل مؤمن "؟!
ولوكان أبو تيميه هو القائل بإيمان فرعون لتوقعنا حينئذ من الهيتمي أن يقول " وهذا من ابن تيميه كفر ، فإن القرآن والسنة يشهدان بكفر فرعون ، وكل من شك في كفره فهو كافر ، لأن من لم يكفر كافراً فقد كفر " . ولكنه لتحيزة لأبن عربي وتعصبه له لا يقول بمثل ذلك لأنه من الاولياء عنده ، ونعوذ بالله من التعصب المقيت .
ولاننسي أن الهيتمي من أهل الغلو الصوفية القائلين بازلية نور النبي e وزعموا أن الله أخذ قبضة من نوره قبل أن يخلق الخلق وقال لها كوني محمداً ، وقد حكي عنه الحبشي هذا الاعتقاد في النبي e (20) لكنه لم يلزمه بالقول بقدم شئ مع الله مع ان العقيدة الحبشية أن من الكفر " قول أن محمد خلق من نور " (21)
وكان يميل بعصبية إلى قل من زعم أن الله أحيا أبوي النبي e حتي أسلما . (22) ومعتمده في ذلك الاحاديث الضعيفة المخالفة للصحيحة مثل ثول النبي e " إستاذنت ربي ان أستغفر لأمي فلم يأذن لي " (23) وقوله لرجل " إن أبي وأباك في النار " (24)
فموقفه المؤيد لأبن عربي الاتحادي وغلوه في النبي حتي جعل نوره أزلياً . ووافق من زعموا أن القول بكفر أبويه قله أدب في حقة e كل هذا يلحقه بالغلاة الذين لا يؤخذ منهم جرح ولا تعديل ولا يجوز تقديم تجريحهم على تعديل العدول لابن تيميه كالعسقاني والذهبي والحافظ المزي وابن كثير والزملكاني والسيوطي رحمهم الله .
موقفه من ابن عربي دليل على الظلم
وقبل الدخول في تفاصيل الرد على هذه الافتراءات الجائرة أود لفت نظر القارئ إلى أن الحبشي وجماعته يكفرون من لا يستحق التكفير " كابن تيميه ويدافعون عمن ثبت تكفيره من قبل معاصرية .
*كابن عربي الذي حكم عليه معاصره .
العز بن عبد السلام " سلطان العلماء " بالزندقة والانحلال وذلك حين سأله عنه ابن دقيق العبد فأجابه قائلاً " إبن العربي " شيخ سوء كذاب ، يقول بقدم العلماء ولا يحرم فرجاً " (25)
*وقد اعترف ابن حجر الهيتمي بأنه كان يصرح بإيمان فرعون (26)


*واتهمه الحافظ بن حجر العسسقلاني وابن حيان النحوي بالقول بوحدة الوجود المطلقة والتعصب للحلاج (27) .
*واتهمه السخاوي بالقول بوحدة الوجود وأنه من جملة الاتحادية المحضة للقائلين بوحدة الوجود بين الله وخلقه كالحلاج وابن الفارض ، وعاتب ابن قطلوبغا من حسن العقدية .(28) !
*وذكر البنهاني أنه كان يقول بأن الأولياء ينتقلون إلى مقام كريم يقولون للشئ كن فيكون . (29)
*وذكر السرهندي أنه كان يقول بقدم أرواح الكمل من المشايخ وأن ترتيب الخلفاء كان بحسب أعمارهم . وأعترف أن أكثر كشوفاته تأتي مخالفة لعقدية أهل السنة ولا يتابعها إلا مريض القلب (30)
وقال ابن المقري في أبن عربي " ومن لم يكفره كان كمن لم يكفر اليهود والنصاري " (31) حكاه عنه ابن حجر المكي غير أنه علق على ذلك بقوله " وهذا اعتراض منه على بن عربي وابن الفارض " ثم تسأءل عن الدليل الذي يبرر تكفيره متجاهلاً بذلك ما في الفتوحات والقصوص من مقولات الكفر الصريح في حين يرمي بن تيميه بسلسلة من التهم ولا يكلف نفسه الإتيان بدليل عليها من كتبه ، فأجدر به أن يلحق بطائفة المتعصبين الذين لا يؤخذ منهم جرح ولا تعديل .

افحام المتعصبين
وهذه الأجابة تخرس ألسنة المتعصبين لأبن عربي ، فأن قالوا من لم يكفر ابن تيميه فهو كافر فقل لهم : هؤلاء كبار الأئمة كالحافظ ابن حجر وابن عبد السلام وابن المقري سراج الدين البلقيني " (32) وأبي حيان قالوا بكفر ابن عربي .
وأبي بكر محمد بن صالح المعروف بابن الخياط والقاضي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر على الناشري وهما مما يقتدي بهما من علماء اليمن " (33)
فإما أن توافقوهم في ذلك ، وإلا فمن لا يكفره يكون كافراً ، وإما أن تقولوا ليس كافراً فيصير من حكموا بكفره كابن عبد السلام وابن المقري وابن حجر وغيرهم كفاراً .
وهكذا نلحظ الفرق بين موقف أهل البدع من ابن تيميه وبين موقفهم من ابن عربي ، نري التحامل على ابن تيميه بينما نجد التغاضي المطلق عن ابن عربي الذي شهد علماء عصره وشهدت كتبه بزندقته .
حتي إننا لنجد السبكي يطعن في ابن تيميه في كتابه " طبقات الشافعية " في حين يسكت عن التحذير من ابن عربي أو على الأقل من كتبه الفصوص والفتوحات المكية التي اتفق الجميع على أن فيها كفراً يفوق كفر اليهود والنصاري ، وقد حكي محقق كتاب سير أعلام النبلاء " أن السبكي مؤاخذات على الذهبي صاغها بأسلوب مقيت ينبئ عن تحامل وحقد وبعد عن الانصاف وجهل أو تجاهل بمعرفة القول الفصل في مواطن الخلاف (34) .
وهؤلاء المتعصبون إذا قالوا : " إن هذا الكلام مدسوس عليه " فأنهم يقولونه تقليداً لأئمتهم لا عن تحقيق علمي ورجوع إلى اصل مخطوطة كتاب من يدافعون عنه .

ثناء بدر الدين العيني على ابن تيميه
وقد أثني بدر الدين العيني على ابن تيميه ومواقفه الشجاعة من التتار وأنه كان يحرض الناس على قتالهم حتي دحرهم ، (35) ولهذ كان العيني يجله ويدعو له بالرحمة (36) .
ويذكر انه كان ينزل إلى الأسواق مع تلاميذه فيمر بالمعروف وينهي عن المنكر بيده ، وأن أهل مشق شكوه إلى السلطان لأنه ذهب لقلع صخرة يعتقدون أن النبي e قعد عليها فكانوا يعظمونها ويسألون الله عندها ، فأخذ بن تيميه فأساً ونزعها فلما بلغ الامر السلطان أثني عليه لذلك وكان يوقم بنفسه بإزالة المنكرات فيقلب الرقع التي توضع عليها الشطرنج ويمر ومن معه على الخمارات وأماكن الفواحش فيربقوا ويكسروا أونيها (37) .
وذكر العيني مناظرة ابن تيميه المشهورة مع دجاجلة الرفاعية وأنه عرض عليهم حين زعموا أنهم اصحاب كرامات يدخلون النار فلا يصيبهم شئ منها : عرض أن يدخلها معهم واشترط عليهم أن يغتسل الجميع بالماء الحار والخل وأثبت أنهم يستخدمون بعض الدهون يحتالون بذلك على العامة حتي يظنوا فيهم الولاية ، وأن زعيمهم اعترف لأبن تيميه أن كراماتهم تظهر أمام التتار وأما قدام الشراع فلا (38) .
وأوضح العيني أن الشكوي ازدادت من ابن تيمية لكثرة ما ينال من ابن عربي حتي سجن بإشارة من المنبجي (39) الذي كان معظماً لأبن عربي . هذا موقف العيني رحمة الله من ابن تيميه فماذا تقولون في ذلك ؟!
إذن ، فقد بات واضحاً سبب سجن السلطان لأبن تيميه فقد كان وراء المرسوم السلطاني شيخ متعصب ينتصر لأبن عربي وتواطؤ شلة من المتعصبين للحلاج وابن عربي .
الذين اثنوا على ابن تيمية
وقد شهد العديد من الأئمة المعتبرين بصلاح حالة وقوته في الحق وذبه عن السنة وتفرده عن أقرانه في سعة علمه واجتهاده واقتفائه أثر السلف الصالح حتي قالوا " كان السنة نصب عينيه " ونذكر منهم :
الشيخ محمد ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي " ت 842 " الذي كتب كتاباً بعنوان " الرد الوافر على من زعم بأن من سمي ابن تيمية " شيخ الإسلام " كافر " أورد فيه شهادات المئات من كبار الائمة في الثناء على ابن تيمية وقرظه : الحافظ ابن حجر والعيني والتفهني والبلقيني " (40)
نص تفريط الحافظ بن حجر للرد الوافر
كما أورده السخاوي
قال السخاوي في الجواهر والدور في ترجمة الحافظ ابن حجر في معرض سرد تقريظات ابن حجر للكتب ما نصه :
" ومن ذلك ما كتب في الرد الوافر على من زعم أن ابن تيميه شيخ الإسلام كافر لحافظ الشام ابن ناصر الدين في سنة خمس وثلاثين وحدث به في أواخر السنة التي تليها بالشام بقراءة صاحبنا النجم الهاشم .
الحمدلله وسلام على عبده الذين أصطفي وقفت على هذا التأليف النافع والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لأجلها جامع ، فتخفقت سعة إطلاع الإمام الذي صنفه وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرفه .
وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس ، وتلقيبه بشيخ الإسلام باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غداً كما كان بالأمس ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الإنصاف مما أكثر غلط من تعاطي ذلك وأكثر عثارة .
فالله تعالي هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله ، ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا مانبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لمامات في جنازة الشيخ تقي الدين وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جداً شهدها ما بين مئي ألوف ، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد بل أضعاف ذلك لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته .
وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد زكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم بخلاف ابن تيميه فكان أمير البلد حين مات غائباً وكان أكثر من في البلد من الفقهاء فتعصبوا عليه حين مات محبوساً بالقلعة ، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس تأخروا خشية على أنفسهم من العامة .
ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته : لا بجمع سلطان ولا غيره .
وقد صح عن النبي e أنه قال : أنتم شهود الله في الأرض .
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً بسبب أشياء أنكروها عليه من الأاصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ودمشق ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته حكمه بسفك دمه مع الشدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة حتي حبس بالقاهرة ثم بالاسكندرية ،ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده ووصفة بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام والدعاء الى الله تعالى في السر والعلانية فكيف لا ينكر على من أطلق أنه كان كافراَ بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام الكفر . وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك فإنه شيخ شيخ الإسلام بلا ريب والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداَ .
وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب فالذي أصاب فيه – وهو الأكثر – يستفاد منه ويترجم عليه بسببه والذي أخطأ فيه – بل هو معذور – لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الأجتهاد أجتمعت فيه حتى كان أشد المتشغبين عليه القائمين في إيصال الشر اليه وهو كمال الدين الزملكاني يشهد له بذلك وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره .ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم قياماَ على أهل البدع من الروافض والحلولية والأتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة مشتهرة وفتاويه فيهم لا يدخل تحت الحصر فيا قرة أعينهم أذا سمعوا تكفيره ويا سرورهم أذا رأوا من يكفره من أهل العلم فالواجب على من تلبس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أومن ألسنة من يوثق به من أهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فيحذر منه على قصد النصح ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء
ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب الا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلا عن الحنابلة .
فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر أو على من سماه شيخ الإسلام لا يلتفت اليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك الى أن يراجع الحق ويذعن للصواب "
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل " (41) انتهي كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله .
وقد أثني الحافظ ابن حجر العسقلاني عليه في الدرر الكامنة 1/154 ودعا له بالرحمة فقال " قال شيخ شيوخنا الحافظ المزي (42) في ترجمة ابن تيمية " كان يستوعب السنن والآثار حفظاَ إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته أو أفتى في الفقه فهو مدرك أبناء جنسه " (43)
وخذه حيث حافظ عليه نص

فهاهو حافظ عليه نص فمابال الأحباش خالفوا موقف الحافظ هنا مع أنهم حاملو راية " خذه حيث حافظ عليه نص "؟
وما زال الحافظ ابن حجر يحتج بأقواله بل يسلم له في نقده في الحديث كما في رواية ( كان الله ولا مكان ) (44) بل أعطاه لقب (حافظ) فقد ذكر في ( التلخيص الحبير 3/109 ) حديث ( الفقر فخري وبه أفتخر ) ثم قال " وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال إنه كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المروية "
ووصفه الشيخ ابن عابدين الحنفي صاحب الحاشية المشهورة بصفة ( الحافظ ) (45)
الشيخ ملا على القاري (46) الذي يذب عنه وعن تلميذه ابن القيم ويقول " ومن طالع كتاب مدارج السالكين تبين له أنهما من أكابر أهل السنة والجماهة ومن أولياء هذه الأمة " (47)
وشيخكم محمد رمضان البوطي لا يكاد يذكره مره الا قال " رحمه الله تعالى " (48)
الحافظ عمر بن على البزار له كتاب الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ذكر فيه فضائلة ومناقبه ومنذلته عند العلماء.
محمد ابن عبد البر السبكي القائل " والله ما يبغض ابن تيمية الا جاهل أو صاحب هوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به " (49).
ابن الزملكاني الذي اوذي بسبب انتمائه لابن تيمية وكان ذلك بإشارة من المنبجي (50) المنتصر لعقيدة ابن عربي في وحدة الوجود وأدى إنكاره الى النقمة عليه والوشاية به ذكره الحافظ (51)
وكان على أعدئه أن ينصفوه لهذا الموقف الشجاع وهم الذين يزعمون أنهم أعداء للقائلين بوحدة الوجود لكن أعداءه لا يعرفون الانصاف ولا العدل .
وأثني عليه ابن سيد الناس .
وتاج الدين الفزارى شيخ الشافعية (52)
وابن دقيق العيد الذي قال لابن تيمية لما اجتمع به " ما أظن بقي يخلق مثلك " ذكره الحافظان ابن كثير وأبن رجب (53)
وأنصفه ابن كثير: وبين عقيدته وعلمه وكيد الحاسدين له وقد زعم الحوت في رسائله السبكية أن الأرموي ناظر ابن تيمية وأفحمه مع أن أبن كثير كذب ذلك وأكد أن ساقية الأرموي لاطمت بحراَ " (54)
وأنهم لما عقدوا له مجلساَ لمناقشة رسالته الحمودية أجابهم بما أسكتهم (55) وكتب لهم عقيدته الواسطية وأمهلهم ثلاث سنوات أن يراجعوها ويجدوا فيها ما يخالف عقيدة السلف .
وشرف الدين المقدسي الذي كان يفتخر بابن تيمية ويفرح به (56)
وابن منجا التنوخي .
والشيخ أحمد ولي الله الدهلوي كما في كتابه التفهيمات الالهية.
والشيخ محمد أنور الكمشيري صاحب فيض الباري الذي غالبا ما يصفه بالحافظ (57) وشيخ الإسلام (58)
وشيخ الحزاميين الوسطي الذي قال " فوالله ثم والله لم ير تحت السماء مثل شيخكم ابن تيمية علماَ وعملا وحالا وخلقاَ واتباعاَ وكرماَ وقياماَ في حق الله تعالى عند أنتهاك حرماته " (59)
وأثني عليه الشيخ شهاب الدين الأذرعي وذكر شيئاَ من كراماته قاله الحافظ ابن حجر (60)
وابن طولون الحنفي (61)
وابن عبد الهادي وله كتاب العقود الدرية في مناقب ابن تيمية رد فيه على السبكي وكشف ضعفه في الحديث وأعتماده في رده على ابن تيمية حول شرعية شد الرحال الى القبور على الروايات الضعيفة الموضوعة
وبالغ الحافظ العلائي في الثناء عليه الى أن قال " اللهم متعنا بعلومه الفاخرة وأنفعنا به في الدنيا والآخرة " (62)
والحافظ عبد الرحمن ابن رجب الذي أثني عليه كثيراَ وقال " هو الامام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ المفسر الزاهد تقي الدين أبو العباس شيخ الإسلام وعلم الأعلام وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره ... كان رحمه الله فريد دهره في فهم القرآن ومعرفة حقائق الإيمان " (63)
والحافظ العراقي .
وعمر بن سعد الله ابن نجيح .
وحافظ زمامه الشيخ أبو الحجاج المزي .
وأبو بكر الرحبي .
وفضل الله العمري .
والشيخ قاسم بن طوبغا الحنفي .
وشيخ الإسلام عمر بن سلان البلقيني مجتهد عصره.
وامام الحنفية الشيخ بدر الدين " محمود بن أحمد " العيني الذي قال " فمن قال ابن تيميه كافر : فهو الكافر حقاً ، ومن نسبه إلي الزندقة فهو نديق ، وكيف ذلك ، وقد سارت تصانيفه في الآفاق ، وليس فيها شئ مما يدل علي الزيغ والشقاق " 64
الحافظ السخاوي الذي لم يزل يحتج ويعتممده في ترجيح درجة الاحاديث " وناهيك بابن تيميه إطلاعاً وحفظاً أقر له بذلك المخالف.
شمس الدين الذهبي : وما رأيت أشد استحضاراً للمتون وعزوها منه كأن السنة بين عينيه وعلي طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحه .
ووصفة العلامه فتح الدين ابن سيد الناس مصنف السيرة النبوية المشهورة فقال " وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً ثم قال السخاوي بعد هذا النقل " نعم . قد نسبت إليه مسائل أنكرت عليه مقرره عند أهل العلم ، والسعيد من عدت غلطاته رحمة الله وإياناً " 65
وقد أمتلاء كتابه " المقاصد الحسنة " بالاحتجاج بابن تيميه في نقده للاحاديث الروايات تصحيحاً وتضعيفاً ونحيلك إلي جملة من ذه الأحاديث : حديث رقم " 45 " و " 17 " و " 233 " و " 384 " و " 609 " و " 838 " و 865 " و 856 " و 883 " و " 714 " و " 1356 " و "1126 " ولم يزل يحتج بتصحيحه وتضعيفه لروايات الحديث فيقول مثلاً " قال ابن تيميه : هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم . 66



تعظيم الزبيدي لأبن تيميه

وما زال الزبيدي يعظم ابن تيميه وتلميذه ابن القيم كقوله " والله يغفر لابن القيم " " 1 / 39 " ويكثر من الاحتجاج باقوال بن القيم " 1 / 67 " و 132 و 406 و 413 و 420 و 2 / 270 " وبأقوال شيخه ابن تيميه 1 / 170 و 176 " ويصف بن تيميه ب " الحافظ " " 1 / 400 " " 2 / 106 " و الإمام " 1 / 170 " بل وبشيخ الإسلام " 4 / 537 و 3 / 482 " فمإذا يقول الاحباش الذين يحتجون بقول العلاء البخاري " من قال ابن تيميه شيخ الإسلام فهو كافر 67 هل يحكمون بكفر الزبيدي ؟
ولئن كان تكفير العلاء البخاري حجة فليوافقوه في تكفيره لأبن عربي كما ذكر صاحب براءة الأشعريين " 2 / 65 – 66 " !! وابن طولون في " القلائد الجوهرية 2 / 538 " وكتب في الرد عليه كتاب " فاضحة الملحدين "
وهذا العلاء كان طعاناً بالنووي ويحرم النظر في كتبه فإن كانت شهادته عندكم معتبره فخذوا بحكمة في النووي وابن عربي .
ويحتج الزبيدي هو والحافظ العراقي بتصحيحات وتضعيفات ابن تيميه في الحديث كما في شرح الأحياء " 1 / 449 " فقد قال عن حديث " الشيخ في قومه كالنبي في أمته " قال العراقي : وسئل عنه الشيخ تقي الدين ابن تيميه في جملة أحاديث فأجاب بأنه لا أصل له .
ولقد قرأت كتابه " الإتحاف كله " وعرفت الزبيدي رجلاً دث الخلق موقراً لأهل العلم ولو كان مخالفاً لهم في بعض المسائل .
السيوطي يقل ثناء الزملكاني علي ابن تيميه
والسيوطي يصف ابن تيميه " شيخ الأسلام أحد المجتهدين ( تقي الدين ) وتلميذه ب " العلامه شمس الدين ابن القيم " 68
ونقل عن الزملكاني ثناءه علي ابن تيميه أنه " سيدنا وشيخنا الإمام العالم الأوحد الحافظ المجتهد الزاهد العابد القدوة إمام ألأئمة قدوة الأمة علامة العلماء وارث الأنبياء أخر المجتهدين وأحد علماء الدين بركة الأسلام حجة العلام برهان المتكلمين قامع المبتدعين ذي العلوم الرفيعة والفنون البديعة ، محي السنة ، ومن عظمت به الله علينا المنه ، وقامت به علي أعدائه الحجة ، وايتبانت ببركته وهديه المحجة تقي الدين بن تيميه : أعلي الله منارة وشيد الدين أركانه "
ثم أنشد يقول :
مإذا يقول الواصفون له وصفاته جلت عن الحصر .
هو حجة لله قاهرة وهو بيننا أعجوبة الدهر .
هو آية في الخلق ظاهرة وأنوره أربت علي الفجر .
قال السيوطي : نقلت هذه الترجمة من خط العلامه فريد دهره ووحيد عصره الشيخ كمال الدين الزملكاني .
وكان يقول " لم ير منذ خمسمائه سنة أحفظ منه " 69
وكان يدعو لأبن تيميه 70 ويحتج كثيراً بأقوال تلميذه ابن القيم ويصفه بالعلامه شمس الدين . 71
وينقل ثناء البرزالي عليه .
قال السيوطي " ونقلت من علم الدين البرزالي : قال : قال سيدنا شيخنا الإمام العالم العلامة القدوة ، الحافظ ، الزاهد ، العابد ، الورع ، إمام الأئمة ، حبر الأمة ، مفتي الفرق ، علامة الهدي ، ترجمان القرآن ، حسب الزمان ، عمدة الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، زكي الشريعة والفنون البديعة ، ناصر السنة ، قامع البدعة ، تقي الدين ابن تيميه الحراني ، أدام الله بركته ورفع درجته " الأشياء والنظائر النحوية 3 / 681 – 683 "
الذين لقبوا ابن تيميه " شيخ الإسلام "
أما عن استحقاق ابن تيميه للقب شيخ الإسلام :
فأسال الحفاظ : السيوطي وابن رجب وأسأل الشعراني لمإذا لقبوه بهذا اللقب ، فقد جاء في كلام السيوطي عن بن تيميه " شيخ الإسلام . الحافظ الفقية المجتهد المفسر البارع . شيخ الأسلام نادرة العصر ، علم الزهاد " 72
وأسأل الزبيدي صاحب تاج العروس واتحاف السادة : لمإذا وصفه في كتابه " إتحاف السادة " بشيخ الإسلام وأثني عليه وأحتج بأقواله مرات عديده في اتحافه ثم بعد أن وصفه بشيخ الإسلا مونقل له كلاماً عظيماً في أصول القرآن قال " انتهي ملخصاً من كلام ابن تيميه وهو كلام نفيس جداً " 73
بل أسأل التاج السبكي الذي كان يفخر بأن الحافظ أبا الحجاج المزي لم يكتب لفظ شيخ السلام إلا أثنين : لأبيه تقي الدين السبكي ولتقي الدين بن تيميه . 74
واعترف الحافظ العلائي بأن المزي لم يكن يثبت لفظ " شيخ الإسلام " إلا للتقي السبكي ولأبن تيميه " 75
والشيخ ملا علي القارئ الحنفي الذي كان كثير الذب عن ابي تيميه وتلميذه ابن القيم كما في شرح الشمائل ووصفهما بأنهما شيخا الإسلام ومن أولياء هذه الأمة وأكابرها .
والشعراني " عبد الوهاب " الذي كان يصفه " شيخ الإسلام " 76
والشيخ شمس الدين محمد بن صفي الدين الحنفي الذي قال " إن لم يكن ابن تيميه شيخ الإسلام فمن ؟ وقالها قاضي القضاة ابن الحريري الحنفي الذي لقي الأذي بسبب وقفته المنصفة تجاهه 77 .
وابن طولون الذي يصفه ب " التقي شيخ الإسلام " ويشهد له بأنه " علامة زمانه " 78 فهؤلاء أثنو عليه بعد موته حتماً وفيه رد علي أدعاء الحبشي أن ذاك الثناء كان أول الأمر .
ومحمد أنور الكشميري الحنفي صاحب فيض الباري شرح صحيح البخاري الذي يثني عليه الكوثري وأبو غدة الثناء البالغ " 79
الذهبي يصفه بشيخ الإسلام :
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الذهبي من الثناء علي بن تيميه ووصفه بشيخ الإسلام 80
وقال في كتاب دول الإسلام " وفي ذي القعدة توفي بالقلعة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيميه الحراني ، عن سبع وستين وأشهر ، وشيعه خلق أقل ما حزروا بستين ألفاً ، ولم يخلف أقاربه بعده من يقاربه في العلم والفضل " 81
وأنتم تبطلون كلام الحافظ بن حجر الذي يثبت اختلاط السبيعي وترجحون عليه قول الذهبي في نفي الاختلاط عنه : فما لكم تتجاهلون ثناءه علي بن تيميه ووصفه بشيخ الإسلام ؟
موقف الرفاعية من ابن تيميه
وبالرغم من نقد ابن تيميه للرفاعية إلا ان العديد من كبارهم كانوا يثنون عليه ومع هذا لم يخطر ببال واحد منهم أن يتهمه بالكفر .
*فمع تحامل الصيادي " محمد أبو الهدي " عليه إلا أنه كان يدعو له قائلاً " نسأل الله أن يرحمه ويعفو عنه " 82 وكذلك الوتري 83
*وكان الشيخ صالح المنيعي الرفاعي يصفه ب " العالم المبارك " مع معاداته له 84 وهذا يدل علي أنه لم يكن عندهم كافراً ومع كون الحبشي رفاعي الطريقة فإنه لا يبالي برأي أعيان طريقته في ابن تيميه . فأن كنا عند الحبشي ضالين لأمتناعنا عن تكفيره فلمإذا لا يحكم بكفر الأئمة الآفاضل الذين أثنوا علي بن تيميه أولاً ، وبكفر الشعراني الذي وصفه ب " شيخ الإسلام " ثم بكفر رفقائه في الطريقة الرفاعية التي ينتمي إليها لثنائهم عليه ، ثم يحكم علينا بعد 1ذلك بالكفر ! .
فلست أعتقد أن يخفي حال ابن تيميه علي هؤلاء جميعاً ، ثم لا يتفطن لذلك إلا الحبشي وأتباعه المشتهرون بتكفير أغلب الناس حتي ضرب بهم المثل ولقبهم الآخرون ب " فرقة المكفرة"85
الجواب الفصل
وإذا كان الحبشي يحتج بتزكية عبد الوهاب الشعراني لأبن عربي وتبرئته من الكفر 86 فلمإذا لا يقبل في ابن تيميه وهو الذي كان إذا ذكره يلقبه بشيخ الإسلام 87 والفرق أن أكثر الذين أثنوا علي بن تيميه اتفقوا علي كفر ابن عربي وعلي التحذير من كتبه الفاسدة
غير أن الحبشي لا يقيم لشهاداتهم وزناً ويتمسك بشهادة الشعراني : فهلا تمسك بشهادة الشعراني في ابن تيميه ؟‍ هذا جواب ملزم له ولأتباعه لا يسهل لهم الأجابة عليه .
وإذا لم يقل أفاضل العلماء بكفره بل أثنوا عليه وعظموه وأنصفوه فما الذي يجعلنا نبطل شهادتهم كلهم ونستبدلها بشهادة حبشي شهد أن ألفاظ القرآن من إنشاء جبريل لا من كلام الله ، وان القرآن ليس باللغة العربية وأباح خروج المرأة متعطرة متزينة متبرجة وأباح الربا ومنع الزكاة وأباح صلاة المتلبس بالنجس والتحايل علي الله وأجاز الأستغاثه بالموتي دون الله ، واستباح الكذب واستعان بالباطنيه والقرامطه كيف تؤخذ شهادة رجل كهذا وترد شهادات العدول الأفذاذ ؟
نعم .روي عن العلائي تضليل ابن تيميه ولعله حمله علي ذلك تعصبه عفا الله عنه 88 ومثال التعصب قوله بأن رئيساً أهل السنة هما الماتريدي والأشعري اللذين لا يعارضهما إلا ضال مبتدع89
وهذا عجيب منه : فإن إتباع كل من الفريقين لم يزل معترضاً علي الآخر ، حتي حكم الماتريدية بضلال الأشاعرة في بعض المسائل بل كفروهم كما في مسألة خلق الإيمان . فالمذهبان ليسا مذهبا واحداً وأحدهما يري الآخر ضالاً . وكلاهما يتفقان علي تقديم الرأي علي النص ولهذا تضاربت أراؤهم واختلفوا .
وكذلك مر بالنسبة للسبكي والحصني والهيتمي فهؤلاء أشاعرة في العقيدة مدافعون عن المذاهب ، دعاة إلي التأويل في أسماء الله وصفاته يحكمون علي مثبت الصفات بخبث الاعتقاد وتشبيه الله بخلقه فتنه له عن إثبات الصفات ، ودفعاً به إلي التأويل المحفوف بالمخاطر .
وليس من النصاف جعل الخصم هو الحكم وتحكيم من تخاصموا مع ابن تميميه في العقائد فإنهم علي مذهب جديد أسمه المذهب الأشعري أو الماتريدي لم يعرفه الأشعري نفسه الذي تاب من بدعة الاعتزال وصار يحيل الناس إلي معتقد أحمد بن حنبل ومجرد تعصب المنتمين لمذهبهم سبب كاف للطعن في المخالف له ، كما رأيت من العلائي .
ولذلك قال بن تيميه لخصومه الذين عقدوا له مجلس تحقيق : من الذي يحكم بيننا فقالوا : نحن الحكم فيك فقال : أنتم خصمي فكيف تكونون الحكم فيما بيني وبينكم .
قاعدة في جرح العلماء لبعضهم البعض
قال الألوسي " فإن قلت : قد تبين أن من العلماء من هو قادح في الشيخ ابن تيميه وإن كانوا أقل من الفرقة الراضية المرضية ، إلا أنه قد عرف من القاعدة التي عليها التعويل : أن الجرح مقدم علي التعديل ، فما الجواب المميز للخطأ عن الصواب "
والجواب : قال العلامة ابن عابدين في محشي " الدر المختار " في كتابه " سل الحسام " 90 " إن هذه القاعدة " الجرح مقدم علي التعديل " إنما هي في غير من اشتهرت عدالته ، وفي غير علم أن التكلم فيه ناشئ عن عداوة أو جهالة وغباؤه ، فقد قال الحافظ الباجي .
الصواب عندنا أن من كثر مادحوه ومزكوه ، وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالة علي سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فأنا لا نلتفت إلي الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة ، وإلا : فلو فتحنا هذا الباب وأخذنا تقديم الجرح علي إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة ، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون .
وعن مالك بن دينار " يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شئ إلا في قول بعضهم في بعض " 91 وعن ابن عباس " اسمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم علي بعض فوالذي نفسي بيدي هو أشد تغايراً من التيوس علي زوربها " 92
قال " ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح : حال العقائد وخلافتها بالنسبة إلي الجارح والمجروح ، فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك ، وإليه شار الرافعي بقوله " وينبغي أن يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب في المذهب خوفاً من أن يحملهم ذلك علي جرح عدل أو تزكية فاسق ، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة جرحوا بناء علي معتقدهم المخطئون والمجروح مصيب "
وقال الذهبي والحافظ بن حجر العسقلاني وأبو نعيم الأصفهاني " إن قول الآقران بعضهم في بعض غير مقبول ، لا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو مذهب إذ الحسد لا ينجو منه إلا من عصمه الله تعالي . قال الذهبي " وما علمت عصراً سلم أهله من ذلك "
وقال عند ترجمة الفضيل " إذا كان مثل كبراء السابقين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج ومثل الفضيل بن عياض يتكلم فيه ، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس ؟ ولكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء يفتقر إلي وزن بالعدل والورع " 93
وقال القنوجي في هداية السائل إلي أدلة المسائل " قد فتح باب التقليد والتمذهب عدوات وتعصبات قل من سلم منها إلا من عصمه الله " 94
وقال الإمام أحمد " كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتي يبين ذلك بأمر لا يحتمل غير جرحه " 95
وقال ابن جرير الطبري " لو كان كل من أدعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما أدعي به ، وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار ، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلي ما يرغب به عنه ومن ثبتت عدالته لم يبل فيه الجرح ، وما تسقط العدالة بالظن " 96
ولنمض بعد هذه القواعد المهمة مع بعض خصوم بن تيميه .

عصور التعصب والمذهبية
وقد اتسم عصر بن تيميه بالتحيز الفكري والغلو الصوفي والتعصب الأشعري " فكل له إمام وفي العقيدة " 97 وفي كل مدينة أربعة قضاة : قاض يقضي حسب المذهب ، وإمام يؤم حسب المذهب .
قال في مقدمة سير أعلام النبلاء للذهبي " وكانت بلاد الشام تشهد نزاعاً مذهبياً وعقائدياً حاداً ، كان الحكام المماليك يتدخلون فيه فيكثير من الأحيان فيناصرون فئة علي أخري ، وكان الأيوبيون قبل ذلك قد عنوا بنشر عقيدة الأشعري وأعتبروها العقيدة الحقة الت ييجب أتباعها وكان صلاح الدين الأيوبي رحمة الله أشعرياً متعصباً كما هو معروف من سيرته ، فلذلك أصبحت للأشاعرة قوة عظيمة في مصر والشام " 98
وكل هذا يؤكد أنه من الأجحاف أن تكون محاكمة ابت تيميه بيد خصومه ، وأن العصبية للمذهب وحسد العلماء المعاصرين كان الدافع وراء الحملات عليه عفا الله عنهم جميعاً .
موقف الحصني من ابن تيميه
واحتج الحبشي بموقف تقي الدين الحصني الشدسد العادء من ابن تيميه .
*ويكفي في بطلان هذا الاحتجاج بشهادة كثيرين في الحصني كالحافظ بن حج ر وابن قاضي شهبه والقريزي والسخاوي أنه كان شديد التعصب 99 يعمي عن الحق ويودي إلي ظلم الآخرين .
وكان الحصني يصرح بكفر ابن تيميه فأهانة القضاة والحنابلة وأهالي دمشق إهانات كثيرة واحتقروه 100 .
ونرى الإمام السخاوي ينقل عن الإمام المقريزي شدة عصبية الحصني وغلوه تجاه ابن تيميه بل وتجاه الحنابلة بشكل عام فيقول وذكر المقريزي في عقوده أن الحصني كان شديد التعصب للأشاعرة منحرفاً عن الحنابلة إنحرافاً يخرج منه عن الحد وتفحش في ابن تيميه وتجهر بتكفيره من غير احتشام ، بل يصرح بذلك في الجوامع والمجامع ، بحيث تلقي ذلك عنه أتباعه ، واقتدوا به جرياً علي عادة أهل زماننا في تقليد من اعتقدوه ، وسيعرضان جميعاً علي الله الذي يعلم المفسد من المصلح ، ولم يزل علي ذلك حتي مات عفا الله عنه " 101
وذكر السخاوي أيضاً أن الشيخ إبراهيم بن محمد الطرابلسي اجتمع بالحصني وقال له " لعلك التقي الحصني ثم سأله عن شيوخه فسماهم فقالله إن شيوخك الذين سميتهم عبيد ابن تيميه أو عبيد من أخذ عنه ، فما بالك تحط عليه أنت ؟! فما وسع الحصني إلا أن أخذ نعله وانصرف ولم يجسر يرد عليه " 102 انتهي قول السخاوي .
فهذا الموقف من الحصني دليل علي الشذوذ والتعصب لا سيماأن عامة أهل العلم لم يعرف عنهم مثل هذا الموقف ولذلك كان كلام المقريزي السخاوي مشعران بتوبيخه .
وقد نقل الحبشي من كلام الحصني 103 أنه " بلغه عن شخص أنه نبش قبر بن تيميه فوجد علي صدره ثعباناً مخيف المنظر . 104
وهذا الذي بلغه عن مجهول " ولعله من مكاشفي الصوفية " لو صح لكان كرامة لأبن تيميه فلعل ذلك الثعبان يكون من جنود الله يحميه به من أمثال هذا الحاقد الذي يحمله حقده علي نبش قبور أعدائه ، ونبشه للقبر يجعله مستحقاً مستحقاً للعنة لما جاء عن عائشة " أن النبي صلي الله عليه وسلم لعن المختفي والمختفية " 105 أي نباش القبور .
والمتأمل في كتاب الحبشي المذكور يجد العديد من الخرافات والمبالغات وكثرة محادثة رسول الله والاستغاثة به عند قبره فالحصني " حبشي المنهج "
موقف أبي حيان من ابن عربي
وذكر الحبشي أن السبكي نقل عن أبي حيان المعاصر لأبن تيميه أه أطلع علي رسالة ابن تيميه العرشية فلما قرأها زال يلعنه حتي مات لما رأي فيها من الكفر 106 زعموا أنه قال فيها إن الله أخلي لمحمد صلي الله عليه وسلم مكاناً علي عرشه ليجلسه عليه .
وهذا جرح مبهم فما الذي قاله ليستحق عليه اللعن فليعرضه حتي ننظر فيه أم أنكم مقلدون حتي في اللعن المطلق .
أين هذه الرسالة المجهولة التي لا يبدو أن كبار الأئمة يعرفون عنها شيئاً .
وقد كان السبكي بحاجة ماسة إلي ما يثبت موقفه من ابن تيميه فلمإذا لم يحك ما في فحواها؟
ولمإذا لم يتكلم عنها العلماء عصره حتي يثبتوا فيها إنحراف ابن تيميه ؟
وكيف مع ذلك يضرب عنها امراء النقد صحيحاً ، فيبالغوا في الثناء علي ابن تيميه كالسيوطي والمزي والذهبي وابن حجر العسقلاني وابن رجب وابن دقيق العيد ، والحافظ البزار وبدر الدين وملا علي قاري وغيرهم ؟
وتقديم شهادة لغوي أشعري متعصب علي جملة من الحفاظ هو عين التجني .
الصوفية يدعون أن العرش مملوء من رسول الله .
*فإن كان صاحب هذا الكلام – علي افترض صحته عن ابن تيميه يستحق صاحبه به اللعن فإليكم ما حكاه السيوطي 107 عن أبي العباس الطنحي تلميذ شيخكم أحمد الرفاعي ، وفيها أن الشيخ عبد الرحيم بقنا قال له " هب إلي بيت المقدس لتعرف رسول الله هناك . قال : فحين وضعت رجلي وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلي الله عليه وسلم .
فالعرش مملوء بالنبي صلي الله عليه وسلم وليس جزءاً منه فقط ؟!
هل يعني ذلك جواز لعن ابن فورك والخطيب
فإن كان ابن تيميه يستحق اللعن لمجرد روايتها فقد رواها الخطيب في تاريخه الذي أخذتم منه رواية تبرط الشافعي بقبر أبي حنيفة وتمسكتم بها تعصباً منكم وتحيزاً . فقد ذكر الخطيب رواية " الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل ، وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع وإن له أطيطاً كأطيط الرجل الجديد " قال الخطيب " قال أبو بكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن العابد – حين قدمنا بغداد – أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة فكتبه أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً .
وقال أبو بكر بن سلم " إن الموضع الذي يفضل لمحمد صلي الله عليه وسلم ليجلسه عليه ، قال أبو بكر الصيدلاني : من رد هذا فإنما أراد الطعن علي أبي بكر المروذي وعلي أبي بكر بن سلم العابد " تاريخ بغداد 8 / 52 "
فهل تلعنون الخطيب البغدادي لهذه الرواية التي لا يعقب عليها بشئ بل يحكي ما يفيد الزجر علي من يطعن في صحتها !
وهل تلعنون ابن فورك وهو الذي روي الحديث الباطل الذي تتهمون ابن تيميه بروايته وهو " إن الله ملأ العرش حتي ان له إطيطاً كأطيط الرجل الجديد قائلاً ووضع أحدهما علي الاخري ، قال ووضع حماد ساقه علي ركبته اليسري "
ثم حاول أن يوجد له تأويلاً علي عادته في سياقة الروايات الباطئة وتأويلها " فقال " يحتمل أن يكون المراد ملأة عظمة ورفعة " 108
وبالجملة فالرسالة العرشية التي بين أيدينا ليس فيها ما يزعمون ؟ بيد أنهم يصرون علي أن له رسالة عرشية أخري غير هذه المتداولة أو أن هذه الرسالة قد تم حذف شئ منها ، هكذا ادعاء لا أساس له ، فليبرزوا لنا الأصل المخطوط للرسالة إن كانوا صادقين .
وعجباً لهؤلاء أن يقولوا عن كتب خصومهم " حذف منها هذا الكفر ، بينما يقولون في كتب أحبابهم من أهل الحلول والاتحاد كابن عربي " دس فيها هذا الكفر "فتأمل التحيز والتعصب واتباع الهوي .
ثم أن الحافظ ابن الحجر صرح بأن الأشكال بين ابي حيان وابن تيميه إنما وقع حول قضية تتعلق بالنحو فقد دار جدال بينهما في النحو فخطأ ابن تيميه سيبويه في مسائل فلما عارضه أبو حيان لذلك قال له ابن تيميه " لم يكن سبيويه نبياً معصوماً "
قال ابن حجر 109 فأعتبر أبو حيان هذه الكلمة ذنباً لا يغتفر وكان هذا سبب مقاطعته إياه .
اختبار الصدق
ولئن كانت شهادة أبي حيان معتبرة عند الحبشي إلي هذا الحد : فليأخذ بشهادته في ابن العربي بأنه حلولي فاجر بوحدة الوجود ؟!
فقد قال أبو حيان في قوله تعالي " لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح ابن مريم " " ومن بعض اعتقادات النصاري استنبط من تسر بل الإسلام ظاهراً وانتمي إلي الصوفية : " استنبط " حلول الله في الصور الجميلة .
ومن ذهب من ملاحدتهم إلي القول بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشوزي وابن عربي المقيم بدمشق وابن فارض والمعلعون العفيف التلمساني 00 قال " وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله تعالي وليحذر المسلمون منهم " 110 انتهي .
فلمإذا يميل الحبشي إلي موقف أبي حيان من ابن تيميه ولا يميل إلي موقفه من ابن عربي ؟ أنه الهوي والجور .
وبهذه الطريقة أيضاَ تستطيع أن تلقم هؤلاء المفرين حجراً فإن قالوا لك إن أبا حيان لعن ان تيميه 111 فقل لهم وكذلك لعن أبو حيان ابن عربي فهل تقبلون بحكمة في كلا الرجلين .
علي ابن حيان لا يعبأ بقوله في ابن تيميه بعد أن ثبت ثناء أكابر أهل العلم عليه الثناء البالغ . فهو ليس من الائمة المعتبرين المعروفين الذين يؤثر قولهم علي قول ابن حجر والمزي والذهبي والحافظ ابن عبد الهادي وابن رجب وغيرهم .
ابن طولون يحكي الإجماع علي كفر ابن عربي
ونص ابن طولون علي أن غالب الفقهاء وجميع المحدثين يعتقدون في ابن عربي أنه مبتدع إتحادي ملحد " قال وسمعت الشيخ الكفر السوسي بقول : رقاهم بعض المتأخرين إلي نحو خمسمائة منهم قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز المصري والعلامة شهاب الدين أحمد بن حمدان الحراني ، وعلامة زمانه تقي الدين ابن تيميه والعلامة كمال الدين جعفر الأدفوي والحافظ بن كثير ونادرة زمنه علماً وعملاً علاء الدين البخاري وقاضي القضاه أبو زرعة العراقي وقاضي القضاه بدر الدين العيني وشيخ الإسلام شمس الدين البلاطنسي والعلامة محمد بن امام الكاملية الصوفي ، وحافظ العصر شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني ، والفقيه تقي الدين ابن الصلاح وقاضي القضاه ابن دقيق العيد ، وبدر الدين ابن جماعة ، وشيخ الاسلام تقي الدين لسبكي 112 فمإذا عساكم تقولون ؟!
ثم أن محاولة تبرئة ابن العربي محاولة فاشلة فقد ثبت عليه القول بوحدة الوجود وتتلمذ عليه أناس من كبار القائلين بوحدة الوجود مثل القونوي وبخاصة عبد الحق ابن سبعين الذي شنع عليه أبو حيان والذهبي وابن حجر وكذلك بدر الدين العيني الذي أثني علي موقف ابن تيميه في التشنيع عليه وعلي أمثاله من القائلين بوحدة الوجود . 113
فتلمذة ابن سبعين علي بن عربي وتأثره بتعاليمه يعتبر الدليل الأكبر علي صحة نسبة كتاب الفصوص إليه لا سيما وان ابن بعين شرح الكتاب المذكور 114 .

موقف التقي السبكي
وقد وبخ الذهبي السبكي لتكلمه في حق ابن تيميه فأجابه السبكي برساله أثني فيها علي ابن تيميه .
قال الحافظ ابن حجر " وكتب الذهبي إلي السبكي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيميه فكان من جملة جواب السبكي .
" وأما قول سيدي الشيخ في حق ابن تيميه ، فالمملوك يتححق كبير قدره وزخارة يحره وتوسعة في العلوم النقلية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ اذي يتجاوز الوصف والمملوك يقول ذلك دائماً ، وقدرة " أي قدر ابن تيميه " في نفسي أكبر من ذلك وأجل ، مع ما جمعه الله له من الزهاده والورع والديانه ونصرة الحق والقيامة فيه لا لغرض سواه ، وجريه علي سنن السلف وأخذخ من ذلك بالمآخذ الأوفي ، وغرابة مثلة في هذا الزمان بل من أزمان " أنتهي قول السبكي فيما حكاه الحافظان ابن حجر وابن رجب 115
هكذا كان موقف السبكي الأب " تقي الدين " من ابن تيميه يدعو له بالرحمة بالرغمن من العداء العقائدي ويصفه ب" تقي الدين " 116
تهور السبكي الابن :
ولم يسلك السبكي الابن مسلك والده ، فقد يطعن في ابن تيميه بأقذع النعوت وأقبحها وانتقده الناس علي ذلك حتي نسبه السخاوي إلي التعصب المقيت لقوله في طبقاته " وهل ارتفع للحنابلة قط رأس "
قال السخاوي وهذا من أعجب العجائب وأصحب التعصب . ولذا كتب تحت خطه قاضي عصرنا وشيخ المذهب العز الكنائي ما نصبه " كذلك والله ما ارتفع للمعطلة رأس 000 " إلي أن قال عن التاج السبكي " هو رجل
قليل الأدب .
عديم الانصاف .
جاهل بأهل السنة ورتبهم " 117 انتهي .
ولقد عامل الله السبكي بما يستحق ، فقد ذكر الشعراني في الأجوبة المرضية أن الناس شهوداً علي السبكي بالكفر والانحلال والزنا وشرب الخمر وأنه كان يلبس الغيار والزنار بالليل زيخلعهما بالنهار " 118
قالوا ابن كثير " وعقد مجلس لقاضي القضاة السبكي بسبب عظائم اتهموه بها ينبو السماع عن استماعها " 119
ونحن والله لا نرجو أن يكون صدقاً . ولن نسارع أو نميل إلي تصديقه . ولكن لعل الله ابتلاه بما ظلم ابن تيميه ولابد للظالم أن يبتلي بظلم مثله .
*وأي إنصاف نتوخاه من رجل لم يتورع عن الطعن واللعن بالمخالفين لمذهبه حتي ادي به الأمر أن أكثر من النيل من شيخه الذهبي ، ولم يتوخ الأدب بحقه وهو من هو الناقد البصير الذي شهدت كتبه وسيرته الحسنة بإنصافه وحسن عقيدته ولا زال أهل العلم بل والمخالفون له من أهل البدع يحتجون بحكمه علي احاديث الحاكم في المستدرك صحة وضعفاً .
وإذا بلغ الأمر بالتاج السبكي إلي هذا الحد فما الذي يجعله يتورع عن شب شيوخه والتشهير بهم ؟! أليس هذا التطاول والجرأة في الطعن يجعله جديراً بما رواه السخاوي عن الكناني من أن السبكي رجل " قليل الأدب عديم الأنصاف ، جاهل بأهل السنة ورتبهم " 120
ولذلك فلا أزال أقول : راقبوا وتأملوا سير وأخلاق ومنهج الطاعتين – المتعصبين – في ابن تيميه وقارنوهم بأولئك الائمة العدول الكبار الذين أثنوا عليه : عندها تعرفون الحقيقة .
دعاؤه لابن تيميه بالمغفرة يكشف أحقاد المعاصرين
ومع طعن السبكي الكبير بابن تيميه فأنه كان يدعو له من وقت لآخر كما قال في طبقاته " يغفر الله لابن تيميه ولا حرمه وسيلة النبي صلي الله عليه وسلم " 121 ويصفه بالشيخ تقي الدين 122. ومعلوم أن تقي الدين وصف له وليس اسماً .
كما كان يترجم الذهبي علي ابن تيميه وكان يدعو له في كل مناسبة يذكره فيها 123 خاصة بعد موته ، ودعا له الوتري 124 والصيادي 125 والامام الأذرعي كما حكاه الحافظ 126 ودعا له بدر الدين العيني بالرحمة 127
ودعاء السبكي لابن تيميه في لاطبقات نفي صاحب الرسائل السبكية والتوفيق الرباني أن يكون السبكي قد دعا له بالمغفرة
علامات التحيز والتعصب والعلو
ومن تعصب التاج السبكي قوله عن أبيه وهو يترجم له :
*" إعلم أن باب مباحثه بحر لا ساحل له ، بحيث سمعت بعض الفضلاء يقول : أنا أعتقد أن كل بحث يقع اليوم علي وجه الارض فهو له ، أو مستمد من كلامه وتقريراته التي طبقت الأرض . 128
وكانت دعواته تخترق السموات السبع الطباق ، وتفترق بركانها فتملأ الآفاق . وتسترق خبر السماء . 129
وأقسم بالله إنه لفوق ما وصفته ، وإني لناطق بهذا وغائب ظني أني ما ،صفته " إلي ان قال " وما ساقة الله حين قبضه إلا إلي جنة عدن أعدت لأمثاله من المتقين الأبرار " 130 وما عانده أحد ألا وأخذه الله بعقوبته سريعاً " 131
وسافر إلي مصر وكان يذكر أنه لا يموت إلا في في مصر 132 وكأن الله استثناه من الأية " وما تدري نفس بأي أرض تموت " فصارت : إلا السبكي .
وزعم أن رجلاً رآه في المنام فسأله عما فعل الله به فقال : فتحت لي أبواب الجنة وقال لي : أدخل ، فقلت : وعزتك لا أدخل حتي يدخل كل من حضر الصلاة علي " 133
ونقل عن برهان الدين القيراطي رثاءه لأبيه قائلاً 134 :
أمسي ضريحك موطن الغفران ومحل وفد ملائك الرحمن
وتبوأت غرف الجنان وجوزيت فيها علي الإحسان بالاحسان .
وتلقيت بتحية وأتت لها تحف الجنان علي يدي رضوان .
واستبشرت بقدومها أملاكها وسعي لها رضوان بالرضوان .
روح لها حور الجنان تشوفت حبا لها كتشوق الولدان .
كانت لها الدنيا محلاً أولا والجنة العليا محل ثان .

وهكذا جعلوه قبره مصدر المغفرة ، وحكموا له نيابة عن الله بأنه يتقلب الآن في الجنة ، هكذا يروج الولد لأبيه بضاعته .
واما أبوه فكان يتلو القرآن جهراً ولو في الحمام ، وإذا كانت له حاجة يكتب بخطه إلي الله تعالي ويعلقها علي خشبة السطح 135.
وكان يسعي سعياً حثيثاً إلي منصب القضاء 136 حين كان يعتبر هروب كثيرين من القضاء منقبه وفضيله . وكان قد أمر المؤذنين بزيادات طويلة بعد الإذان وقبله 137 .
وكان الناس يبغضونه وينقمون منه 138
وكان عصبي المزاج متعصب المنهاج لا يتورع عن وصف مخالفي رأية بالزندقة فقد حكي عنه الهيتمي وقوله " لا ينقص الغزالي إلا حاسد أو زنديق " 139 والنقد عنده انتقاص .
ولا يخفاك أيها الأخ المنصف نقد كثيرين للغزالي أبرزهم في ذلك ابن الجوزي وابن الصلاح والقاضي أبو بكر ابن العربي الذي كان معاصراً له ، والمازري وأبو كبر الطرطوشي .
قال ابن الجوزي " وجاء أبو حامد فصنف لهم كتاباً علي طريقة القوم " الصوفية " وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا علم بطلانها ، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه ، وقال إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي راهن إبراهيم أنور هي حجب الله ولم يرد هذه " الكواكب " المعروفات " هذا من جنس كلام الباطنية ، وأن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الانبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد . ثم يرقي الحالمن مشاهدة الصور إلي درجات يضيق عنها نطاق النطق " 140
وأوصي الغزالي سالك التصوف أن " لا يفرق كره بقراءة القرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديت " وذكر في ميزان العمل " 31 " أنه رغب مرة في قراءة القرآن فمنعه شيخه الصوفي من ذلك قائلاً " السبيل أن تقطع علائقك من الدنيا بالكلية " فجعل تلاوة القرآن من مشاغل الدنيا .
طلب علم الحديث ركون إلي الدنيا ؟؟
وأما طلب علم الحديث فقد نقل عن الداراني قوله " إذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلي الدنيا لأن الزهد عندنا ترك كل شئ يشغلك عن الله عز وجل " 141
علق ابن الجوزي علي ذلك قائلاً : " عزيز أن يصدر هذاالكلام من فقيه ، فإنه لا يخفي قبحه فإنه طر لبساط الشريعة التي حثت علي تلاوة القرآن وطلب العلم 142 فهل نعتبرالزندقة في نقد ابن الجوزي أما مإذا ؟
غير ان المتعصبين أول ما يتبادر إليهم عند نقد من يحبونه أنه طعن فيه ولا ينصفونه ولا يتقبلون نقده مع إحسان ظن ولا ينظرون نظرة تجرد وغيره علي الدين ولا إلي ما وراء نقد الخاطئين من صيانة للدين ومن هنا يسارعون إلي الطعن والتشكيك في مصداقية الناقد في نصحه بل في نيته ، ولا ينظرون نظرة واقعية متجردة إلي ما فيه قيام الدين .


هجاء السبكي لابن تيمية
والرد عليه في ذلك
هذا ويحتج الحبشي ببعض أبيات للسبكي يقول فيها:
ولابن تيمية رد عليه وفي
بمقصد الرد استيفاء اضربه

لكنه خلط الحق المبين بما
يشوبه كدر في صفو مشربه

يحاول الحشو أنى كان فهو له
حثيث سير بشرق أو بمغربه

يرى حوادث لا مبدا لأولها
في الله سبحانه عما يظن به

كما رددت عليه في الطلاق وفي
ترك الزيادة أقفو إثر سبسبه


ولقد ردَّ عليها اليافعي [وهو عبد الله بن أسعد بن علي وقصيدته لا تزال مخطوطة محفوظة في مكتيبة شيستربتي بإيرلندا رقم (4907/3) تحت عنوان (قصيدة فريدة) ومصورة في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وذكرها الآلوسي كاملة في جلاء العينين 19] بقصيدة مطولة جاء فيها:
اليافعي يستعرض كلام السبكي
وبعد فاسمع كلاماً قد تقوله
قاضي القضاة تقي الدين وانتبه

أعني أبا الحسن السبكي حين غدا
يبغي من الأمر ما لا يستق به

فقال ذلك إذ رد الإمام على حزب
الروافض رداً غير مشتبه

أعني ابن تيمية الحبر الذي شهدت
بفضله فضلاء الناس والنبه

فاستحسن الرد حتى راح يمدحه
بما أزال من الإشكال والشبه

لكنه بعد هذا المدح خالفه
وقال أبيات شعر غير منجبه

أبيات السبكي في حق ابن تيمية
إن الروافض قو لا خلاق لهم
من أجهل الناس في علم وأكذبه

والناس في غنية عن رد إفكهم
لهجنة الرفض واستقباح مذهبه

وابن المطهر لم تطهر خلائقه
داع إلى الرفض غال في تعصبه

ولابن تيمية رد عليه وفى
بمقصد الرد استيفاء أضربه

لكنه خلط الحق المبين بما
يشوبه كدر في صفو مشربه

يحاول الحشو أنى كان فهو له
حثيث سير بشرق أو بمغربه

يرى حوادث لا مبدأ لأولها
في الله سبحانه عما يظن به

كما رددت عليه في الطلاق وفي
ترك الزيارة أقفو إثر سبسبه

وبعده لا أرى للرد فائدة
هذا وجوهره مما أظن به

هذا الذي قاله السبكي مرتجلاً
وللبسيط أنمي بعض أضربه

رد اليافعي على اتهامات السبكي
فقال مرتجلاً للحق منتصراً
عبد يرد عليه في تأدبه

يا أيها الرجل الحامي لمذهبه
ألزمت نفسك أمراً ما أمرت به

وما عزوتم إلى الشيخ الجليل أبي
العباس أحمد أمر لا يخص به

في قولكم خلط الحق المبين بما
يشوبه كدر في صفو مشربه

يحول الحشو أنى كان فهو له
حثيث سير بشرق أو بمغربه

يرى حوادث لا مبدأ لأولها
في الله سبحانه عما يظن به

لقد علمتم بأن السلف الـ
ـماضين ما خرجوا عما أقر به

هم القرون الألى في نص سيدنا
حازوا الفخار بأمر غير مشتبه

لئن رددت عليه في مقالته
فقد رددت عليهم فبادر وانتبه

ثم الأئمة أهل الحق كلهم
يرون ما قاله من غير ماجبه

فردكم ليس مخصوصاً بواحدهم
بل بالجميع وهذا موضع الشبه

هلا جمعت الألى قالوا بمقالته
ليستبين خطاهم من مصوبه

فكلهم خلط الحق المبين بما
يشوبه كدر في صفو مشربه

فكلهم كان حشوياً لديك يرى
وكلهم أنت تقفو إثر سبسبه

وانظر إلى مطلب حاولته طلبا
فنسبة للمر تلغى عند مطلبه

وخذ أدلة ما قالوه واضحة
من الكتاب ودع ما قد هذوت به

فللإله صفات الذات قد وردت
بها النصوص بلا ريب ولا شبه

كما تراها على قسمين قائمة
بها يقينا يراها من أقر به

هو القديم بأوصاف منزهة
عن الحدوث كما تأتيك فانتبه

حي سميع بصير قادر صمد
فرد جليل عظيم الشأن فارض به

فهذه كلها ذاتية وردت
ومثلها في المعاني غير مشتبه

كذلك فعليه فانظر مثالهما
وقس عليه وراع الفرق تنج به

يحب يبغض يرضى يستجيب يرى
يجيء يأتي بلا كيف ولا شبه

وخالق قبل مخلوق يكونه
وقاهر قبل مقهور يكون به

وراحم قبل مرحوم فيرحمه
ورازق قبل مرزوق بأضربه

عن أمره صدر المخلوق أجمعه
والأمر ويحك لا شك يقوم به

وقد تكلم رب العرش بالكتب الـ
ـمنزلات كلاماً لا شبيه به

ولم يزل فاعلاً أو قائل أزلاً
إذا يشاء وهذا الحق فارض به

هذي حوادث لا مبدأ لأولها
بالنص فافهمه با نومان وانتبه

إذ هل صفات لموصوف تقوم به
قديمة مثله من غير ما شبه

ومذهب القوم مروي كما وردت
من غير شائبة للتكييف والشبه

ولا يرون بتعطيل الصفات كما
يقول جهم ومن والاه في الشبه

ما شبه الله إلا عابد صنماً
يدلي بأخبث معبود وأغربه

ولا يعطل إلا عابد عدماً
وليس يدري رباً يلوذ به

سوى أباطيل ما يختاره عبثاً
يرى أمانيه تسري لمركبه

وما رددت عليه في الطلاق فما
حققت عقلاً ولا نقلاً ظفرت به

بل فاسد القصد أعيا الذهن منك كما
هو عادة الله في قال لمذهبه

نزلت حول حماه كي تنازله
فما علوت عليله بل علوت به

وما نسبتم إليه عند ذكركمو
ترك الزيارة أمراً لا يقول به

فقد أجابكمو فيها بأجوبة
أزال فيها صدا الإشكال والشبه

وقد تبين هذا في مناسكه
لكل ذي فطة في القول والنبه

رميتموه ببهتان يشان به
فالله ينصفه ممن رماه به

وفي الجواب أمور من تدبرها
سقى الأنام بها من صفو مشربه

ولم يكن مانعاً نفس الزيارة بل
شد الرحال إليها فوق مركبه

مستمسكاً بصحيح القول متبعاً
خير القرون الألى جاءوا بمذهبه

وقال آخر
فضحت نفسك في هذا المقال ولم
تشعر وعجت عن المرعى وأخصبه

عرفتنا أن ما قد قلت ليس لوجه
الله بل للمراء أقبح منصبه

إذ لو أردت بيان الحق قلت به
في محضر الخصم أما في مغيبه

ما ذاك صدك بل خوف الجواب كما
أجبت قبل بسهم من مصوبه

لكن إذا الأسد الضرغام غاب عن الـ
عرين تسمع فيه ضبح ثعلبه

وفي الزيارة لم تنصف رددت على
ما لم يقله ولم تمرر بسبسبه

رد ملخص أشياء أذكرها
إما حديث ضعيف عند مطلبه

إما صحيح ولكن لا دليل به
على مرادك بل هدم لمنصبه



ثناء الحافظ بن حجر علي بن تيميه
ووصفه بشيخ الاسلام
إن أهم الادلة علي ثناء الحافظ علي ابن حجر علي بن تيميه ما قاله فيه عند تفريطه كتاب الرد الوافر علي من زعم ان ابن تيميه كافر لابن ناصر الدين المشقي كما أثبته السخاوي في كتابه الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ بن حجر قال فيه ما نصه
قال السخاوي في الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ بن حجر 143 في معرض سرد تفريطات ابن حجر للكتب ما نصه .
" ومن ذلك ما كتب به في الرد الوافر علي من زعم أن ابن تيميه شيخ الإسلام كافر لحافظ الشام ابن ناصر الدين في سنة خمس وثلاثين وحدث به في أواخرالسنة التي تليها بالشام بقراءة صاحبنا النجم الهاشم .
الحمد لله وسلام علي عبادة الذين أصطفي .. وقفت علي هذا التأليف النافع المجموع الذي هو المقاصد التي جمع لأجلها جامع . فتحققت سعة إطلاع الإمام الذي صنفه ، وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمة بين العلماء وشرفه .
وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين أشهر من شمس ، وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باق إلي الأن علي الآلسنة الزكية ويستمر غداً كما كان بالأمس ، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الأنصاف مما اكثر غلط من من تعاطي ذلك وأكثر عثاره فالله تعالي هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله .
ولو لم يكن من الدليل علي إمامة هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين ، وأشار إلي أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا شهداها ما بين ألوف ، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد بل أضعاف ذلك لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته .
وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا أقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم ، بخلاف ابن تيميه فكان أمير حين مات غائباً ، وكان أكثر من في البلد من الفقهاء فتعصبوا عليه حين مات محبوساً بالقلعة ، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس تأخروا خشية علي أنفسهم من العامة .
ومع حضور هذا الجمع الكبير والعظيم فلم يكن لذلك باعث إلاعلي إعتقاد إمامته وبركته لا بجمع سلطان ولا غيره .
وقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال أنتم شهود الله في الارض .
ولقد قام علي الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً بسبب أشياء أنكروها عليه من لااصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك مجالس بالقاهرة ودمشق ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفني بزندقته ظلا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة ، حتي حبس بالقاهرة ثم بالاسكندرية ، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده ووصفه بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام والدعاء إلي الله تعالي في السر والعلانية .
فكيف لا ينكر علي من أطلق أنه كان كافراً بل من أطلق علي من سماه شيخ الاسلام الكفر . وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك فانه شيخ الإسلام بلا ريب .
والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر علي القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً .
وهذه تصانيفه طافحة بالرد علي من يقول بالتجسيم والتبري منه ، ومع ذلك فهو بشؤ يخطئ ويصيب فالذي أصاب فيه – وهو الأكثر – يستفاد منه ويترحم عليه بسببه ، والذي أخطأ فيه – بل هو معذور – لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه حتي كان أشد المتشغبين علي القائمين في إيصال الشر إليه وهو كمال الدين الزملكاني يشهد له بذلك ، وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره .
ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم قياماً علي أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية ، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة ، وفتاويه فيهم لا يدخل تحت الحصر .
فيا قرة أعينهم إذا سمعوا تكفيره ويا سرورهم إذا رأوا من يكفره من أهل العلم .
فالواجب علي من تلبس بالعلم وكان له عقلاً من تصانيفه المشهورة أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فيحذر منه علي قصد النصح ، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء .
ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب الا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة علي عظيم منزلته – فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلاً عن الحنابلة .
فالذي يطلق عليه – مع هذه الأشياء – الكافر أو علي من سماه شيخ الاسلام لا يلتفت إليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك إلي ان يرجع الحق ويذعن للصواب .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل "
انتهي كلام الحافظ بن حجر رحمة الله وهو كلام نفيس جداً.
احتجاجه الدائم بابن تيميه
ويكفيك من ثناء الحافظ بن حجر علي بن تيميه احتجاجه بأقواله وأقوال تلميذه ابن القيم في العديد من المسائل ويصفة بـ" العلامة " و الحافظ وقد احتج بحكم بن تيميه علي زيادة " كان الله ولا مكان " بأنه لا أصل لها . قال الحافظ بن حجر في الفتح " 6 / 289 " ما نصه .
" تنبيه : وقع في بعض الكتب في هذا الحديث " كان الله ولا مكان " " وهو الآن علي ما عليه كان " وهي زيادة ليست في شئ من كتب الحديث نبه علي ذلك العلامة تقي الدين ابن تيميه ، وهو مسلم في قوله " وهو الآن " إلي أخره 144
وهذه الرواية معتمد الاحباش وغيره يتمسكون بها ويعارضون بها كثيراً من نصوص الأيات والأحاديث .
فهذا يبين منزلة بن تيميه عند الحافظ رحمة الله . قال الحافظ بعد موت بن تيميه فهل خفي عليه أخر حال بن تيميه كما تدعون ؟
وشهد لأبن تيميه استحقاقه مرتبة " حافظ " واحتج بحكمة علي درجة الاحاديث كما في كتاب " التلخيص الحبير 3 / 109 "
وحكي المرتضي الزبيدي في شرح الأحياء " 1 / 449 " عن الحافظ العراقي احتجاه بحكم بن تيميه علي الحديث فقال عن حديث " الشيخ في قومه كالنبي في أمته " " قال العراقي : وسئل عنه الشيخ تقي الدين ابن تيميه في جملة أحاديث فأجاب بأنه لا أصل له "
قال الحافظ " وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي عن وصف بن تيميه منها قوله " متعنا الله بعلومه الفاخرة ونفعنا به في الدنيا والاخرة وهو الشيخ الإمام العالم الرباني والحبر البحر القطب النوواني إمام الأئمة بركة الأمة وارث علوم الأنبياء : آخر المجتهدين واحد علماء اليدن شيخ الإسلام ، قدوة الانام برهان المتعلمين ، قامع المبتدعين سيف المناظرين بحر العلوم كنز المستفدين ، ترجمان القرآن أعجوبة الزمان ، فريد العصر والاوان ، تقي الدين إمام المسلمين ، حجة الله علي العالمين ، اللاحق بالصالحين والمشبه بالماضيين ، مفتي الفرق ، ناصر الحق ، علامة الهدي عمدة الحفاظ فارس المعاني والألفاظ ركن الشريعة ذو الفنون البديعة أبو العباس بن تيمية " 145
ولم يقل الحافظ " هذا المدح كان قبل أن تفسد عقيدة بن تيميه كما يزعمه المفتري .
موقف الذهبي من ابن تيميه
وحقيقة النصيحة الذهبية المزعومة
وأوردوا ما يسمي ب " النصحية الذهبية " زعموا نسبتها للذهبي وجهها إلي ابن تيميه وهي رسالة :
* لم تعرف عنه أبداً .
*ولم يذكرها أحد ممن أعتني بمؤلفات الذعبي .
*أنها كتبت بخط خصم ابن تيمية وهو بن قاضي شهبة علي زعم ناشرها المقدسي بتعليقات الكوثري . فهي محكمة أشعرية أو قل تحكم أشعري .
*وهي تخالف اخر ما كتبه عنه الذهبي .
*أن أهل كتاب الذهبي ورد فيه كلام علي بن تيميه ينادي بأن هذه النصيحة جهمية لا ذهبية ولا تعدو نصحية أعتبره صاحبها " ذهبية " وليس كل الذهب حكراً علي الذهبي ! .
أخر أقوال الذهبي قبل موته .
ومن يطلع علي كلام الذهبي عن بن تيميه بعد وفاته يتأكد له كذب هذه الرسالة المزعومة . فلا يوجد كتب للذهبي إلا وفيه الثناء علي ابن تيميه لا سيما بعد موته . وإذا أنكره الذهبي قال " شيخنا " وتارة يقول " شيخ الإسلام " 146 مثال ذلك .
قال في كتاب دول الأسلام " وفي ذي القعدة توفي بالقلعة شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيميه الحراني ، عن سبع وستين سنة وأشهر ، وشيعه خلق أقل ما حزروا بستين ألفاً ، ولم يخلف بعده من يقاربه في العلم والفضل " 147
وقال في تذكرة الحافظ " كان بحور العلم ومن الاذكياء المعدودين ، والزهاد والافراد الشجعان الكبار والكرماء الاجواد : أثني عليه الموافق والمخالف وسارت بتصانيفه الركبان وقد أمتحن وأوذي وحبس بقلعة مصر والقاهرة والاسكندرية وبقلعة مصر مرتين وبها توفي ثم جهز وأخرج إلي جامع البلد فشهده أمم لا يحصون فحزروا بستين ألفاً . وقد أنفرد بفتاوي نيل من عرضه لأجلها . وهي مغفورة في بحر علمه ، فما رأيت مثله " 148
" نصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين ، واوذي في ذات الله من المخالفين ، واخيف في نصر السنة المحضة حتي أعلي الله منارة وجمع قلوب أهل التقوي علي محبته " 149 والدعاء له وكبت أعداءه وأحيا به الشام : بل والاسلام ، وهو أبر من أن ينبه علي سيرته مثلي فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله . 150 وقال في المعجن المختص " فوالله ما مقلت عيني مثله ولا راي هو مثل نفسه " 151
ونقل الحافظ ابن رجب عن الذهبي ان ابن تيميه " كان إماما ً متبحراً في علوم الديانة . صحيح الذهن ، سريع الإدراك ، سيال الفهم كثير المحاسن ، موصوفاً بفرط الشجاعة والكرم ، فارغاً عن شهوات المأكل والملبس والجماع ، لا لذه له إلا نشر العلم وتدوينه والعمل بمقتضاه " ونقل الذهبي عن إعجاب ابن سيد الناس به وقوله " أن تكلم في التفسير فهو حامل رايته ، أو أفتي في الفقه فهو مدرك غايته أو ذاكر بالحديث فهو ذو رايته . برز فب كل فن علي أبناء جنسه ، ولم تر عيني مثله ولا رأت عينه مثل نفسه " 152
فهذا الثناء البالغ من الذهبي علي بن تيميه لا يتفق و " النصيحة الذهبية " المزعومة .
وقال الذهبي " قد سجن غيره مرة ليفتر عن خصومه يقصر عن بسط لسانه وقلمه ، وهو لا يرجع ولا يلوي علي ناصح إلي أن توفي معتقلاً بقلعة دمشق ، وشيعه أمم لا يحصون إلي مقبرة الصوفية ، غفر الله له ورحمه أمين 153 انتهي .
أوردت هذا النص لأن أتباع الحبشي زوروا كلاماً علي الذهبي ونسبوا إليه في هذا الكتاب أن بن تيميه معجب برأية جرئ علي الامور 154 وهذه العبارة لم ترد في حق بن تيميه وإنما وردت في ترجمة بن القيم 155 وحول ثبوتها كلام . فقد جاء في النسخة الأصلية من كتاب المعجم " جري عليه أمور " ولكن وردت في الدور الكامنة " معجب " حول إثباتها في النسخة المخطوطة كلام .
فواعجبا من الكذب ومن تصرفهم في نصوص الكتب . ومن أراد التأكد فليسأل صاحب دار عالم الكتب كيف تصرف كمال الحوت في نص الكتاب الذي أرسله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة للطبع مما أثار سخط صاحب الدار عليه وجعله يطرده من داره لينظر مإذا فعل الأاحباش بكتاب " تحفة الانام " للشيخ عبد الباسط فاخوري حيثأسقطوا منه ما يقارب الست صفحات .
فهذا الذهبي يثني عليه الثناء البالغ ويذكر علمه وفضله ، وبخلاف ما زوروه عليه ، لا سيما تلك النصيحة المزعومة التي تخالف كل مصنفات الذهبي التي يبن أيدينا .
وقال في كتاب زغل العلم " فوالله ما رمقت عيني أوسع علماً ولا اقوي ذكاء من رجل يقالله ابن تيميه مع الزهد في المأكل والملبس والنساء مع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن 000 مقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا للكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة ومحبة الظهور نسأل الله تعالي المسامحة ، فقد قام عليه أناس ليسوا بأروع منه ولا بأعلم منه ولا أزهد منه ، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وأثام أصدقائهم . وما سلطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه ، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر وما جري عليهم إلا بعض ما يستحقون 156
فهذه شهادة الذهبي المنثورة في كتبه منها ما كتبه في حياة ابن تيميه ومنها ما كتبه بعدها ، فمنذ متي تقدمون أبا حيان النحوي اللغوي علي الذهبي المحدث الناقد في الجرح والتعديل ؟ هل صار أبو حيان ناقداً في الجرح والتعديل مقدماً – في حكمه علي الرجال – علي كل هؤلاء العلماء الحفاظ الذين أثنوا علي ابن تيميه كالبزار والمزي ؟
تزوير أخر من الحبشي
ويضاف إلي تزوير الحبشي علي أبي حنيفة والطحاوي " كما مر معنا " هذا التزوير حيث أستغل الحبشي جملة " وما جري عليهم إلا بعض ما يستحقون " وجملة " وما سلطهم الله عليهم بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه " 157 استغلالاً سيئاً وزعم أن هاتين الجملتين في النص صريحتان في طعن الذهبي بابن تيميه . وهو كذب وتلفيق علي النص فإن المقام في النص مقام ثناء لا ذم وكيف يكون ذماً وهو وكيف يكون ذماً وهو يقول " فوالله ما رمقت عيني اوسع علماً ولا اقوي ذكاء من رجل يقال بن تيميه ويقول " فقد قام عليه اناس ليسوا باروع منه ولا باعلم منه ولا بازهد منه .
فانظر كيف ينصرف عن نعن صريح كلام الذهبي في النصوص الاخري التي كتبها بعد موت ابن تيمية حتي دفعة الجور وعدم انصاف الي الاعراض عن صريح ثناء الذهبي هلي ابن تيميه وبني علي المبهم من الكلام ما يوافق هواه .
فاما العبارة " جري هليهم الا بعض ما يستحقون " فالمقصود بها اعداء ابن تيميه حين تغير السلطان القديم الذي كان يطيعهم في سجن اب تيميه فلما استولي السلطان السابق بخوله السجن فرفض قائلاً " من إذاني فهو في حل مني ، ومن آذي الله ورسوله فالله ينتقم منه . وانت إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم " 158
وقد جري علي السبكي فتن ومحن فقد شهد عليه الناس بالكفر والانحلال وشرب الخمر وغير ذلك من الاتهامات 159 ,وتعرض الحصني لنقمة أهل الشام عليهم وإذلالهم له 160 ونقل السخاوي معاتبة المقريزي للحصني علي تفحشه ومبالغته في ابن تيميه وكذا نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني الشئ نفسه عن ابن قاضي شهبة
واما العبارة الثانية " بل بذنوبه " بل بذنوبه " فقد أجلب الحبشي عليها بخيله ورجله ونفخ الشيطان وزعم انها صريحة في ذم الذهبي له .
وهذا باطل :
فقد قال الذهبي عن مالك – حين ابتلي وثبت علي الابتلاء – ما نصه " هذه ثمرة المحنة المحمودة ، انها ترفع العبد عند المؤمنين ، وهي بكل حال بما كسبت ايدينا ويعفو عن كثير 161.
فوضح مقصودة أن الله يجعل من طعن الاخرين وحسدهم سبباً يكفر به عن ذنوب أهل العلم والفضل كابن تيميه ويبتليهم بذلك :
فالذهبي من كبار أئمة الجرح والتعديل والحكم علي الرجال .
وهو من المأخوذ بحكمهم علي الحديث والحبشي معترف بذلك حين اشترط لقبول تصحيح الحاكم : أن يوافقه الذهبي .
وقد عاصر الذهبي بن تيميه وعرف تفاصيل أحواله . فلمإذا تعرض عن شهادته فيه وتقبل شهادة رجل كالحبشي له بالكفر ؟
أن الذهبي بالغ في الثناء علي بن تيميه في الكتب التي كتبها بعد موته كالمعجم المختص ودول الاسلام وغيرهما من غير أن يذكر نقداً واحداً مما تضمنته النصيحة المكذوبة وهذا اكبر دليل علي كذبها .
شهادة الحبشي لا يعتد بها
وذكر الحبشي أن الالسن اتفقت بالثناء علي بن تيميه إلا من لا يعتد به وأن الناس في شأن هذا الرجل قسمان :
قسم يرميه بالعظائم .
وقسم أخر يبالغ في وصفه ويجاوز به الحد .
وهذه قاعدة مطردة في كل عالم يتبحر في المعرف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بالكتاب والسنة .فأنه لابد أن يستنكره المقصرون ، ويقع له معهم محنة بعد محنة بعد محنة . ثم يكون من الاعلي وقوله الاولي ويصير له بتلك الزلازل لسان صدق في الآخرين ويكون لعلمه حظ لا يكون لغيره .
وهكذا حال هذا الامام ، فإنه بعد موته عرف الناس مقداره ، واتفقت الألسن بالثناء عليه إلا من لا يعتد به 162
وقال الكتاني " ابن تيميه من الأفراد الذين كثر الخلط فيهم بين مكفر وبين ذاهب بهم إلي منزلة المعصومين . والإنصاف فيه قول الحافظ بن كثير " كان من كبار العلماء وممن يخطئ ويصيب ولكن خطأه بالنسبة إلي صوابه كنقطة في بحر ن وخطأه أيضاً مغفور له كما في الصحيح " 163
وقال فيه ابن شاكر في " فوات الوفيات " " 00 وصار بن تيميه " من أئمة النقد وعلماء الأثر مع التدين والذكر والصيام والنزاهة عن حطام هذه الدار ، ثم أقبل علي الفقه ودقائقه ، أما أصول الدين ومعرفة أقوال الخوارج والروافض والمعتزلة والمبتدعة فكان لا يشق فيها غباره مع ما كان عليه من الكرم الذي لم يشاهد مثله ، والشجاعة المفرطة والفراغ من ملاذ النفس "
ثم نقل عن الذهبي قوله " 000 وكان قوالاً بالحق نهاء عن المنكر ذا سطوة وإقدام وعدم مداراة " 164
اتهام ابن تيميه بأنه من المشبهه
وزعم الحبشي ان ابن تيميه يشبه الله بخلقه ، غير ان الحافظ ابن حجر نص علي أن التشبيه والتجسيم شئ ينسبه الناس إلي ابن تيميه 165 وهي طريقة أهل الكلام المعتادة في إلزام الخصم بما لا يلزم وهي عين طريقة المعزلة في إلزام الأشاعرة بالتجسيم لإثباتهم رؤية الله والصفات السبعة .
البوطي يحكم بكذب السبكي وإضرابه
وينفي عن ابن تيميه تهمة التجسيم
قال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي " ونحن نعجب عندما نجد غلاة يكفرون ابن تيميه رحمه الله ويقولون أنه كان مجسداً ، ولقد بحثت طويلاً كي أجد الفكرة أو الكلمة التي كتبها أو قالها ابن تيميه والتي تدل علي تجسيده ، فيما نقله عنه السبكي أو غيره فلم أجد كلاماً في هذا قط 166 كل ما وجدته أنه في فتواه يقول " أن الله يدا كما قال واستوي علي العرش كما قال ، وله عين كما قال "
وأضاف البوطي " ورجعت إلي اخر ما كتبه أبو الحسن الأشعري وهو كتاب الأبانة – فرأيته هو الآخر يقول كما يقول ابن تيميه وأقرأوا كتاب الإمام أبي حسن الأشعري " الأبانة " الذي يقول فيه نؤمن أن لله يدا كما قال ، وأنه علي العرش استوي كما قال " إذن فلمإذا نحاول أن نعظم وهماً لا وجود له ؟ ولمإذا نحاول أن ننفخ في نار شقاق ؟ والله سبحانه وتعالي سيحاسبنا علي ذلك 167 انتهي كلامه النفيس .
لكن الحبشي يريد نفخ الشقاق كما نفخها من قبل في موطنه هرار ، ولذلك حكم علسي كفر ابن تيميه بالاجماع ، ويبدو أنه يعني بالإجماع : إجماع حفنة من المتعصبين .
ولقد تعقب الشيخ إبراهيم الكوراني في إفاضة العلام من اتهم ابن تيميه وتلميذه ابن القيم بالتجسيم قائلاً :
" اما إثبات الجهة والجسمية إليهما فقد تبين حالة وإنهما لم يثبتا الجسمية أصلاً بل صريحاً بنفيها في غير غير موضع من تصانيفهما " وقد احتج الألوسي بكلام الكوراني في تبرئة ابن تمييه من تهمة التشبيه والتجسيم " 168 وبرأه من تهمة التجسيم والتشبيه قائلاً " حاشا لله تعالي أن يكون من المجسمة ! بل هو أبرأ الناس منهم " 169
والاتهام بالتجسيم ناشئ عن القاعدة الكلامية أن الاجسام متماثلة فبسبب هذا هربوا من إثبات ما أثبته الله لنفسه وهذه القاعدة مبنية علي جهل بحقيقة الاجسام : فأن الأجسام مختلفة فالهواء جسم وليس كالماء وأبدان الحيوان ليست كأجسام الحديد فإذا كانت الأجسام المخلوقة تتفق في لفظ الجسم وتختلف حقائقها فما بين المخلوق أولي مع العلم أن لا أطلق علي الله بأنه جسم فهو بدعة لا ننفي ولا نثبت ولا يوصف الله إلا بما وصف نفسه .
أكذوبة الاستقرار علي بعوضة .
وقد موه بعضهم بعبارة نسبها لأبن تيميه إنما هي في الحقيقة عبارة لعثمان بن سعيد الدرامي نقلها ابن تيميه من كتابه " الردعلي بشر المريسي ص 85 " . ونص العبارة كالآتي " ولوشاء لاستقر علي ظهر بعوضة ، فاستقلت بقدرته ولطف ربوبيته ، فكيف علي عرش عظيم أكبر من السموات والأرض " " بيان تلبيس الجهمية 1 / 568 "
وهذا من أعظم الافتراءات علي بن تيميه رحمه الله ، وعلي اقل تقدير فقد يرد السؤال التالي : إذا كان ليس من كلامه فمإذا أرد بنقله لهذا الكلام من الدرامي أراد ؟
فالجواب أن الدرامي أراد بذلك أن الله غني عن العرش غناه عن البعوضة سواء بسواء .ويؤكده ما قاله في " مجموع الفتاوي ص 2 / 88 " " وإذا كان المسلمون يكفرون من يقول : إن السموات نقله أو تظله لما في ذلك من احتياجه إلي مخلوقاته ، فمن قال " أنه في استوائه علي العرش محتاج إلي العرش كاحتياج الرسول إلي حامله ،فأنه كافر "
أكذوبة قصة ابن بطوطه
ويحتج الحبشي وأصحابه برواية أبن بطوطة المكذوبة علي ابن تيميه بل والتي ربما كانت مكذوبة علي ابن بطوطة نفسه كما ستعلم .
فقد ذكروا 170 أن ابن بطوطه دخل المسجد الأموي بدمشق ورأي بن تيميه علي المنبر وهو يوقل " إن الله ينزب إلي السماء الدنيا كنزولي هذا " ثم نزل درجة من المنبر " 171
*أن رحلة ليست من كتب التاريخ المعتمدة ، وليس مؤلفها معروفاً من اهل العلم ، وإنام كان من عوام المتصوفة . وقد غلب علي رحلته زيارة أضرحة الاولياء والتبرك بقبورهم وتقبيل أعتابها حتي أن الشيخ حسن السائح أشار إلي هذه الحقيقة في مقدمته لكتاب تاج المفرق " في تحلية علماء المشرق " للشيخ خالد بن عيسي البلوي . وأنه ربما سمع بأسم عالم من علماء المشرق " للشيخ خالد بن عيسي البلوي ، وأنه ربما سمع بأسم عالم من علماء البلد التي زارها فيذكر اسمه في الرحلة ولو لم يتصل به اتصالاً شخصياً كما فعل في تونس حسن ذكر علماً من أعلامها وهو ابن الغماز "
وثمة ملاحظة أخري مهمة وذكرها الحافظ الحافظ بن حجر وهي أن ابن بطوطة لم يكتب تفاصيل رحلته إنما جمعها منه أبو عبد الله بن جزي ونمقها وكان البلفيقي يتهمه بالكذب 172 وعلي كل حال فهذا يفيد أن ابن بطوطة ليس هو الذي كتب تفاصيل رحلته بيده .
ولقد عجب محقق كتاب رحلة ابن بطوطة " الدكتور علي المنتصر الكتاني " من هذا الكذب فقال " هذا محض افتراء علي الشيخ رحمه الله فإنه كان قد سجن بقلعة دمشق قبل مجئ ابن بطوطة إليها بأكثر من شهر . فقد أتفق المؤورخون أنه أعتقل بقلعة دمشق لأخر مرة في اليوم السدس من شعبان " سنة 726 هـ ولم يخرج من السجن إلا ميتاً ، بينما ذكر الملف في الصفحة " 102 " من كتابه هذا انه وصل دمشق في التاسع من رمضان " وهذا ما نص عليه الحافظ ابن كثير والحافظ بن رجب والحافظ بن عبد الهادي حيث ذكروا ان ابن تميمه مكث في السجن في السادس من شعبان سنة ست وعشرين سنة 726 حتي موته " 173
ومعلوم أن تيميه كان واعظاً وكان يلقي الدرس جالساً علي كرسي وكان الخطيب المسجد الأموي آنذاك قاضي القضاة القزويني .
ولو كان ما ادعاه ابن بطوطة صحيحاً لقام عليه علماء عصره ولشكوه إلي السلطان ولألفوا رسائل في الرد علي قوله . فالمشنعون عليه كثر ومع ذلك لم يذكر احد منهم شيئاً من ذلك .
ثم أن ابن تيميه كتب كتاباً ضخماً في شرح حديث النزول ، ولم يقل فيه شيئاً مما ادعاه ابن بطوطه ، وانما شدد فيه علي نزول الله كنزول البشر .
راي ابن تيميه في المشبهه :
ومن المثير للعجب ان ينسب الي ابن تيميه مثل هذا الكلام في الوقت الذى يحكم هو بالكفر على من يقول بمثله ، فقد قال في مجموع الفتاوى " فمن قال أن علم الله كعلمى ، أو قدرته كقدرتى .. أو إستواؤه على العرش كاستوائى أو نزوله كنزولى ، أو إتيانه كاتيانى : فهذا قد شبه الله بخلقه ، تعالى الله عما يقولون ، وهو ضال خبيث مبطل بل كافر .174
وقال " ونزوله واستواؤه ليس كنزولنا واستوائنا " 175 فالدليل من كتاب إبن تيمية نفسه أقوى شهادة من هذه والروايات والإشاعات .
إن هؤلاء يتذمرون مما يشيعه النصارى حول الآسلام ونبيه من الأكاذيب ويطالبونهم بأن لا يتكلموا عن الاسلام إلا بدليل ، ولكنهم بدورهم يستخدمون طريقة النصارى في إشاعة الأكاذيب من غير تدقيق ولا تحقيق .
ومن المثير للعجب أيضاً أن نجد تشديد إبن تيمية في تكفير من يشبه الله بخلقه في حين نجد إبن حجر الهيتمى يصرح بأننا لا نكفر المشبهة على المشور الا إن إعتقدوا لازم ما يثبتونه من الحدوث176 .
أول القائلين بالتجسيم عند إبن تيمية
وحول لفظ الجسم قال إبن تيمية " وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لا أصل لها في الكتبا والسنة ، ولم يتكلم به أحد من السلف والأئمة ، وأهل السنة والجماعة لا يطلقون هذا اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً ، كما أنهم لم يثبتوا لفظ التحيز و لا نفوه و لا لفظ الجهة و لا نفوه ، ولكن أثبتوا الصفات التى جاء بها الكتاب والسنة ، ونفوا مماثلة المخلوقات " . قال " وإنما يطلقه أهل الكلام مثال هشام إبن الحكم الرافضى و هشام الجواليقى فانه " أول من قال إن الله جسم177 " .
ثم بين اختلاف المتكلمين في معنى لفظ الجسم أن مفهومه للجسم مخالف لمهوم اللغويين له
وذكر أن " ما كان مبتدعاً من الألفاظ يجب إستفصال صاحبه والنظر إلى مراده : فإن كان يريد معنى صحيحاً قبل منه ذلك ونبه على أنه لايجوز إستعمال مثل هذه الألفاظ . إن كان مراده نفي ما وصف الله به نفسه من العلو والأستواء والنزول فالمعنى باطل واللفظ باطل .178
ومع ذلك فإن كبار الأشاعرة من يجيز وصف الله بالجسم بشرط معين ، فقد صرح أبو جعفر السمانى رأس الأشاعرة وكبيرهم 179 أن " من سمى الله جسماً من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعنى أخطا في التسمية " 180
فهذا اللفظ الذى قاله أحد كبار الأشاعرة يرفض إبن تيمية مجرد إطلاقه على الله تعالى فكيف يكون قائلاً بأن الله جسم كما زعم المفترون ؟!
وعلى إفتراض تصريح إبن تيمية بالجسم فإنه لم يقل " جسم كجسم " أو " يد كيد " أو " عين كعين " كما تقول المجسمة والمشبهة ، فكيف وانه لم يقل ذلك وهيهات أن يجد أعداؤه في كتبه ما يؤيد افتراءهم .
لذا فأنتم مطالبون بأمرين
1)أن تثبتوا بالدليل أن ابن تيمية صرح بأن الله جسم .
2) أن تثبتوا لنا على أفتراض أنكم وجدتم أنه جسم أن تثبتوا أنه قال جسم كجسمي
((( حكم التجسيم عند الشافعية)))
*ولقد نص ابن حجر المكي الهيتمي على أن المشهور [ بل ] الصحيح من المذهب عدم تكفير المجسمة كما قاله جمع من المتأخرين : من أن المجسمة لا يكفرون ولكن أطلق في المجموع تكفيرهم 181
قال " وينبغي حمل الأول [ أي عدم التكفير ] على ما إذا قالوا جسم لا كالأجسام والثاني [ أي التكفي ] على ما إذا قالوا : جسم كالأجسام لأن النقص الازم على الأول قد لا يلتزمونه ولازم المذهب ليس بمذهب 182 وانتهي إلى أن الصحيح أننا لا نكفر الجهوية 183 ولا المجسمة إلا إن صرحوا بإعتقاد لوازم الحدث .... " الخ .
*ونص العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى على أن معتقد الجهة مخطئ خطاَ معفواض عنه لأن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة ولا يهتدي اليه أحد الا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم 184 قال : فإن قيل يلزم من الأختلاف في كونه سبحانه في جهة أن يكون حادثاَ قلنا : لازم المذهب ليس بمذهب لأن المجسمة جازمون بأنه في جهة وبأنه قديم أزلي ليس بمحدث فلا يجوز أن ينسب إلى مذهب من يصرح بخلافه وإن كان لازما من قوله " 185
وقال الأسنوي " لا نكفر المجسمة على المشهور كما دل عليه كلام الشرح والروضة في الشهادات "186
*وقال به أبو حامد الغزالي 187
وقال الجلال الدواني في شرحه على العقائد العضدية " ص532 " " ومنهم من تستر بالبلكفة وقال : هو جسم لا كالأجسام وله حيز لا كالأحياز ونسبته إلى حيزه ليست كنسبة الأجسام إلى أحيازها " وهكذا ينفي عنه جميع خواص الجسم حتى لا يبقي الا أسم الجسم وهؤلاء لا يكفرون بخلاف المصرحين بالجسمية "
*وقال العضد الإيجي في المواقف ( 273 ) :
" أنه تعالى ليس بجسم وذهب إلى ذلك بعض الجهال كالكرامية وقالوا : هو جسم : أي موجود وقوم قالوا : هو جسم : أي قائم بنفسه فلا نزاع معهم إلا في التسمية .
الذهبي ينفي التجسيم عن الحنابلة
قال الحبشي " هؤلاء الحنابلة يحبون ابن تيمية لأنه مجسم وهم يكثر فيهم التجسيم وفي مشايخهم قبل ابن تيمية وبعد ابن تيمية هؤلاء سموه شيخ الإسلام ثم بعض علماء أهل السنة قد أغتر بكلام هذين فسموه شيخ الإسلام من أين يستحق هذا اللقب 188 ؟
وقد رد الذهبي هذه التهمة فقال " والجهال يتكلمون على الحنابلة ويرمونهم بالتجسيم وبأنه يلزمهم وهم بريئون من ذلك الا النادر والله يغفر لهم " 189 وصدق الذهبي بذلك فإن المعتزلة المعطلة يقولون لمن أثبت الصفات وخالفهم في التأويل : يلزم من ذلك التجسيم والتشبيه 190 .
ومن هذا النادر ما كتبه القاضي أبو يعلي الحنبلي صاحب كتاب إبطال التأويل الذي أنتقده ابن تيمية لأنه حشا فيه الضعيف والموضوع من روايات ونصوص الصفات التي لا تليق بالله تعالى وهذا يدل على إنصاف الرجل وأنه يثبت نصوص الصفات من كتاب الله وما صح من السنة 191
ولهذا صرح كثير من المنصفين بأن تهمة التجسيم التي ألصقت بالامام ما هي الا شهادة زور في حقه يؤكد ذلك كلامه نفسه كما في فتاويه ( 11/482 ) حيث أفتي بكفر الذين يشبهون الله بخلقه .
ولهذا فإنا نطالب هؤلاء أن يأتونا بكتاب من كتب الحنابلة المعتبرة يقولون فيها إن يد الله كيدي أو سمعه كسمعي أو أستواءة كاستوائي الخ .
وإنما يراد بهذه الاتهامات تقبيح طريقة إثبات صفات الله عند عامة الناس وترغيبهم بطريقة التأويل ويعتمدون في ذلك سياسة المعتزلة في التهويل والتهور في تكفير المثبتين لصفات الله .
كما تظلموننا يظلمونكم
وقد نص الكوراني في شرح عقيدة القشاشي في بحث رؤية الله يوم القيامة : أن المعتزلة كفرت أهل السنة ( الأشاعرة ) لقولهم برؤيته سبحانه يوم القيامة ظناَ منهم أن ذلك يستلزم التجسيم وهذا ظن فاسد لأن أهل السنة يثبتونها بلا كيف لكن الأشاعرة أنفسهم يكررون اليوم الظلم نفسه فيزعمون أن إثبات صفة الاستواء يلزم منه التجسيم لأنهم لا يتصورون مستوياَ إلا ما كان جسماَ ولم يتصوروا مرئيا الا ما كان جسماَ لأنهم على التقليد في العقائد .



لفظ الحد
وقد حكم نبيل الشريف بكفر ابن تيمية لقوله " وقد أتفقت كلمة المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوه بذلك " 192 .
فكفره حيث زعم أنه وصف نفسه الله بأنه حد وهذا جهل وتسرع وظلم بل الحد هو الوصف نفسه إذ قوله وحدوه أي أثبتوا له هذا الوصف .
وكان عليه أن يعترف باختلاف أهل المنطق والكلام اختلافاَ كثيراَ حول تعريف الحد .
إذ ليس للحد تعريف واحد وانما تعريفات متعددة .
فالحد في عرف النحاة والفقهاء والأصوليين هو ما يميز الشيء عن جمع ما عداه .
وعند أهل الكلام أن حد الشيء معناه : الذي لأجله استحق الوصف المقصود بالذكر .
وعند أهل المنطق : هو القول الدال على ماهية الشيء . ويطلق ويراد به نهاية الشيء 193 .
وقد أصيبوا بالوسوسة من قول النبي " جعل الله الرحمة مئة جزء " لأنه عندهم صريح في التحديد والتجزئة نقل الزبيدي تعليق التوربشتي على الحديث بقوله " رحمة الله تعالى غير متناهية فلا يعتورها التقسيم ... ولم يرد – أي النبي به تحديد ما قد جل عن الحد أو تعديد ما جاوز العد " 194
قال أبو القاسم التيمي " تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره " 195
فإذا كان للحد معان متضاربة لم يجز تحميل أحدها على ابن تيمية الا يصرح هو بالمعني الذي يقصده .
وقد أبان ابن تيمية عن مفهومه للحد فقال " الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره " 196 وسبب الحد الرد على الجهمية الذين قالوا ليس له حد وقصدوا بذلك أنه لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك عندهم مستلزم للحد .
ونحن نعلم أن أهل المتاب يقرون بأنه في السماء ولا يقال هذا تقليد لهم لأن معنا من الأدلة القرآنية على ذلك ما لا يحصى .
وذكر ابن تيمية 197 أن أهل السنة قالوا إن الله ينزل إلى السماء الدنيا من غير أن يحدوا فيه حدا وأحتج بقول ابن وضاح " وسألت يوسف بن عدي عن النزول : قال نعم اؤمن به ولا أحد فيه حدآ وسألت ابن معين فقال : نعم أقر به ولا أحد فيه حداَ "
يتجاهلون تحديد الغزالي لقدرة الرب
ولكن لمإذا لم يحاكم الأشاعرة الغزالي لتحديده قدرة الله حين قال " ليس في الامكان أفضل من مما كان "198 أليس في هذا وضع حد لقدرة الله أو إثبات لعجز الله كما أعترف به البيجوري في شرحه على جوهرة التوحيد ؟ 199 إن إنكار المنكر والغيرة على الدين بقدر ما هو تعصب مذهبي وتقليد محض في الثناء والذم والا فهل يجوز السكوت عن الطاعن في قدرة الله إذا كان أشعرياَ ؟
بل إن الأشاعرة هم الذين يحدون الله بصفة الحد حيث يجعلون لقدرة الله حداَ فيقولون : لا يستطيع أن يظلم . وبسبب ذلك ألزم ابن حزم الأشعرية بتحديد قدرة الله تعالى 200

عبد الله ابن المبارك
وموقفه من لفظ الحد
غير أن هناك أثرا عن عبد الله بن المبارك رواه البيهقي في الاسماء والصفات عن علي بن الحسن قال " سألت عبد الله بن المبارك : كيف نعرف ربنا ؟ قال : في السماء السابعة على عرشه قلت : فإن الجهمية تقول : هو هذا قال إنا لا نقول كما قالت الجهمية نقول هو هو قلت : بحد ؟ قال : أي والله بحد " 201
فتأمل كذب الأحباش حيث قالوا " والحد عن الله منفي على لسان السلف " 202
وتأمل كيف كان موقف البيهقي رحمه الله من لفظ الحد الذي قاله المبارك فقد قال " إنما أراد عبد الله بالحد حد السمع وهو أن خبر الصادق ورد بأنه على العرش أستوى فهو على عرشه كما أخبر وقصد بذلك تكذيب الجهمية فيما زعموا أنه بكل مكان , وحكايته تدل مراده "
هكذا بدون تكفير ولا تضليل مع أن ابن المبارك لم يفصل مقصده من اللفظ في حين أن ابن تيمية فصل مراده من لفظ الحد فقال بأن " لفظ الحد عند كل من تكلم به يراد به شيئان : يراد به حقيقة الشيء في نفسه ويراد به الوجود العيني أو الوجود الذهني فأخبر الامام أحمد أن الله على العرش بلا حد يحده أحد أو صفة يبلغها وأصف وأتبع ذلك بقوله " لا تدركه الأبصار لا بحد ولا غاية " والقصد أن تفسير الحد بالوجود العيني – وهو ما يقع تحت إدراك البصر وإحاطته أو الوجود الذهني وهو ما يقع تحت إدراك الذهن والعقل وتحديده مشاهدة أو تصوراَ – كلاهما باطل منفي عن الله عز وجل وليس لله صفة اسمها الحد وإنما الحد تعبير عن تميز الله عن غيره بصفاته وأختصاصه بكماله وعلوه عرشه ومباينته لخلقه " ( بيان تلبيس الجهمية 2/163 ) وهذا معني الحد عند الأصوليين والفقهاء والمناطقة 203
فهل يصر اعداء ابن تيمية على تكفيره لتصريحه بلفظ صرح هو بأن مراده به تميز صفات الله عن صفات المخلوقين وليس بمعني أدراك منتهى الله . وهل يقتدون بأدب البيهقي ؟
ويسخر ابن تيمية ممن يتوهم أن الله صفة هي صفة الحد قائلا " أن هذا الكلام الذي ذكره أنما يتوجه لو قالوا : إن له صفة هي الحد كما توهمه هذا الراد عليهم وهذا لم يقله أحد ولا يقوله عاقل فإن هذا الكلام لا حقيقة له إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما وصف باليد والعلم صفة معينة يقال لها : الحد وإنما ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره كما هو معروف في الحد في المددات فيقال : حد الانسان وحد كذا وهي من الصفات المميزة له " ( بيان تلبيس الجهمية 1/442 ) .
ثانياَ كان عليهم أن يبينوا موقف ابن تيمية من هذا اللفظ فقد شرحه في مواطن كثيرة من كتبه فقال بأن هذا لفظ لم يقل به السلف ولكن يطلق ويراد به معنيان :
الأول : بمعني الإحاطة بالله علماَ فلا شك أن الحد منفي عن الله تعالى .لأن الله تعالى غير مدرك بالإحاطة وعلى هذا يحمل قول من نفي الحد من السلف كسفيان الثوري وحماد بن زيد .
الثاني : بمعني أن الله تعالى متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم عال عليهم وعلى هذا يحمل قول من أثبت الحد لله تعالى 204 كابن المبارك .
" إن كان المراد من معني ( الحد ) أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض وقد قال (( والأرض جميعاَ قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه )) وفي حديث ابن عباس " ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن الا كخردلة في يد أحدكم "
وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات أي مباين لها منفصل عنها ليس حالا فيها فهو سبحانه كما قال أئمة أهل السنة فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه " 205
" فمن قال : إن الله متحيز : أراد بقوله ( متحيز ) على معني أن المخلوقات تحوزه وتحيط به فقد أخطأ وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات بائن عنها عال عليها : فقد أصاب ومن قال ليس بمتحيز :
إن أراد أن المخلوقات لا تحوزه فقد أصاب .
وإن أراد ليس ببائن عنها بل هو لا داخل فيها ولا خارج عنها فقد أخطأ قال " وقد علم أن الله تعالى كان قبل أن يخلق السموات والأرض ثم خلقهما : فإما أن يكون دخل فيهما وهذا حلول باطل وإما أن يكون دخلا فيه وهو أبطل وأبطل وإما أن يكون الله سبحانه بائناَ عنهما لم يدخل فيهما ولم يدخلا فيه وهذا قول أهل التوحيد والسنة "
وبهذا يتبين لك أنهم يأتون بالمجمل من كلام الأئمة ولا يذكرون ما يفصل كلامهم ويبينه : حسيبهم الله
* وبالجملة فهذه الاقوال كالحد والتحيز والجهة لا يفهمها عامة الناس وفيها إجمال يشتبه عليهم ، وإنما دأب أهل البدع الهيمنة على العوام بمصطلحات و ألفاظ غربية عليهم و إيهامه أنهم متعمقون في العلم ، ولتشويه منهج أهل السنة ، فيسلم العامى لهم قولهم ويقلدهم في باطلهم وفي معادة خصومهم ويقلدهم في تكفيرهم .
ورحم الله الامام أحمد إذ قال عن المتكلمين 206 يتكلمون بالمتشابه من الكلام و يخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله نت فتن المضلين " .


القول بالجهة
كذلك زعموا أن ابن تيمية صرح بإثبات لفظ الجهة على الله. وصريح كلام ابن تيمية يكذب ما يزعمون. لأنه يكرر دائمًا أن هذا اللفظ من جملة الألفاظ المبتدعة التي لم يتكلم السلف والأئمة فيها نفيًا ولا إثباتًا.
بل إننا نرى إثباتها من قِبَل الشيخ عبد القادر رحمه الله الذي يزعم الحبشي الانتساب إلى طريقته. قال الجيلاني: « وهو بجهة العلو، مستوى على العرش، محتو على الملك، وأن استواء الله هو (ذات) على العرش لا على معنى القعود والمماسة ولا على العلوِّ والرِّفعة كما قالت الأشعرية، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال: ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ [الآية 5 من سورة طه] [الغنية لطالبي طريق الحق 56]. فهل عندكم الجرأة على تكفير من تعتبرونه شيخ طريقتكم القادرية وقد صرّح بما تعتبرونه كفرًا؟!!
وقد مشى الغزالي [فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة 129 و 148] وابن عبد السلام [قواعد الأحكام 170 – 172 الحاوي للفتاوي 2/133] وابن حجر الهيتمي [الزواجر 2/351 و 358 و 378] على عدم تكفير القائل بالجهة. فإن رضيتم بذلك وإلا لزمكم تكفير الشيوخ: عبد القادر الجيلاني والعز بن عبد السلام والغزالي وابن حجر الهيتمي!
مفهوم الجهة عند ابن تيمية
يرى ابن تيمية أن لفظ الجهة لفظ مبتدع لم يتلفظ به السلف نفيًا ولا إثباتًا، وليس ثمة نص لا عن الرسول r ولا عن الصحابة أن الله متحيز أو هو جسم أو جوهر إلى غير ذلك من الألفاظ المبتدعة.
والناظرون بها قد يريدون معنى صحيحًا، فإن أرادوا معنى صحيحًا يوافق الكتاب والسنة كان ذلك مقبولاً منهم وإن أرادوا معنى فاسدًا كان ذلك مردودًا عليهم.
قال: « للناس في إطلاق الجهة ثلاث أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصّل ... وذلك أن لفظ الجهة قد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو به ما هو معدوم.
ومن المعلوم أن لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله كان مخلوقًا لله، والله تعالى لا يُحصَرُ ولا يحيط به شيء من المخلوقات، وإن أريد بالجهة أمر عدمي – وهو ما فوق العالم – فليس هناك إلا الله وحده » [منهاج السنة 1/216].
وقد يراد بالجهة شيء موجود غير الله فيكون مخلوقًا كما لو أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السماوات، وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم، ومعلوم أنه ليس في النص إثبات الجهة ولا نفيه.
- فإذا قال القائل: « هو في جهة » قيل له ما تريد بذلك؟ أتريد أن الله سبحانه في جهة موجودة تحصره وتحيط به؟ مثل أن يكون في جوف السماوات؟ فالله ليس داخلاً في المخلوقات! أما تريد بالجهة أمرًا عدميًا وهو ما فوق العالم، فإنه ليس فوق العالم شيء من المخلوقات، والله فوق العالم؟
- فإن أردت الجهة الوجودية وجعلت الله محصورًا في المخلوقات فهذا باطل.
- وإن أردت الجهة العدمية، وأردتَ أن الله تعالى وحده فوق المخلوقات بائن عنها فهذا حق ... وقد قال ابن عباس: « ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم » فما كان بهذا الحقر والصغار كيف يحيط به ويحصره؟
ومن قال: إن الله تعالى ليس في جهة قيل له: ما تريد بذلك؟ فإن أراد بذلك أنه ليس فوق السماوات رب يُعبَد ولا على عرش إله، ونبينا r لم يُعرَج به إلى الله تعالى، والأيدي لا تُرفَع إلى الله تعالى في الدعاء ولا تتوجه القلوب إليه: فهذا فرعوني معطِّل، جاحد لرب العالمين.
ومن هنا دخل أهل الحلول والاتحاد وقالوا: إن الله تعالى بذاته في كل مكان، وأن وجود المخلوقات هو وجود الخالق [استغل المتصوفة هذا الاعتقاد الأشعري لا سيما قول الأشعري أن وجود كل شيء عين ذات ذلك الشيء لا زائدًا عليه. وبنوا عليه قولهم بوحدة الوجود وكان أبرزهم في ذلك ابن عربي وابن الفارض والقونوي وابن سبعين وقد ابتدأ عبد الغني النابلسي كتابه « إيضاح المقصود من معنى وحدة الوجود » عبارة الشعري ثم انطلق يوافق ابن عربي وابن الفارض في قولهم بوحدة الوجود جاعلاً إياهم أئمة الهدى وأنه لا قول إلا بوحدة الوجود وأن هذا القول باقٍ إلى يوم القيامة إن شاء الله، وجعل منكر وحدة الوجود جاهلاً محجوبًا عن الحق. (إيضاح المقصود من وحدة الوجود 306 – 310 للنابلسي). واستغلوا فكرة الجوهر والعرض عند الأشاعرة فجعلوا الجوهر هو الباطن، والعرض ظاهرًا وقالوا إن الله متجلٍ ظاهرًا في موجوداته لأن موجوداته هي صفاته]. انتهى كلامه [الفتاوى 3: 41 و 5: 626 – 298 و6: 38 و 17: 326 ومنهاج السنة 2: 252].
ولذلك قيل عن أهل التعطيل إنهم معطلة في العقائد، حلولية اتحادية في التصوف، فإن تعطيلهم يؤول إلى تضييع الرب [بسبب إنكارهم علوه سبحانه]، فإذا بحثوا عنه في التصوف وجدوه في كل مكان.


لفظ الحركة
أما لفظ الحركة فلم يثبت أن ابن تيمية اعتقده في الله، بل هذا من مفتريات الحبشي الذي زعم أن ابن تيمية ينسب الحركة إلى الله(1).
جل ما قاله ابن تيمية أن "طوائف(2) من أهل السنة والحديث قالوا إن الحركة من لوازم الحياة وكل حي متحرك كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي ومنهم من نفاها كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري وابن خزيمة" أضاف "ومن أهل الحديث والفقهاء من لم يتكلم بنفي ولا إثبات"(3).
ولم يذكر ابن تيمية ترجيحاً لطريقة أحد الفريقين، وإنما ذكر الخلاف في ذلك. وتبنى موقفاً حذراً من هذه الألفاظ المبتدعة، فهل يلزم من هذا أنه يقول بالحركة؟
ولنضرب مثالاً من كلام الحبشي: فقد سئل عن حكم شرب الخمر فقال "عند بعض الفقهاء لا يجوز التداوي بالخمر في حال من الأحوال. يجوز عند بعضهم إعطاء المريض جرعة من الخمر لإساغة اللقمة بالنسبة لمن أصيب بالغصة، يجوز أن يسيغ اللقمة بالخمر، وقال بعضهم يجوز التداوي بالخمر إن لم يوجد دواء غيره"(4). فبناءً على قاعدة الحبشي يمكن أن نحكم عليه بأنه رجح شرب الخمر والتداوي به.
ومسألة الحركة لكم فيها تلبيس ماكر، وهي لوثة آرسطية آلت بكم إلى نفي الصفات الفعلية لله تعالى فصار إثبات أفعاله إثباتاً للحركات، فلا يتكلم الله بمشيئته وقدرته ولا يستوي إلى السماء ولا ينزل في الثلث الأخير من الليل، ولا يجيء إذا شاء، وقد كفرتم ابن تيمية إرضاء لشيخكم وسلفكم آرسطو الذي يعتقد أن الله لا ينزل ولا يستوي ولا يجيء كما قال "بل لا بد من محرِّكٍ أزلي يُحَرِكُ ولا يَتَحرَّكُ هو. ولا ينفعل بغيره وإلا لما كان أولا"(5).


وحرفتم معنى قوله تعالى {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} ليتلاءم ومذهب شيخكم فزعمتم أنه قال ذلك حين رأى الشمس تتحرك، لأنه كان يعلم أن كل متحرك مخلوق. ولكن ألم يكن يعلم أن الشمس جسم والأجسام مخلوقة فيستدل على خلقيتها بجسميتها؟
ثم لماذا تتجاهلون أن الأفول معناه الغياب وأن الآية لا علاقة لها بالحركة لأن الماشي والمتحرك لا يقال له آفل؟
ولقد نقد العز بن عبد السلام هذا الاستدلال وذكر أنه غاية في الإشكال(1).


موقف ابن تيمية من لفظ الحركة
وغيره من الألفاظ المبتدعة
وموقف ابن تيمية من هذا اللفظ كموقفه من غيره من الألفاظ التي لم يتكلم بها السلف نفياً ولا إثباتاً فقال "إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه عن الله من صفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات … والألفاظ المبتدعة ليس لها ضوابط، بل كل قوم يريدون بها معنىً غير المعنى الذي أراده أولئك كلفظ الجسم والجهة والحيز بخلاف ألفاظ الرسول … والألفاظ المبتدعة تضمنت تكذيب كثير مما جاء به الرسول r وصاروا يعارضون به الكتاب والسنة، واللفظ المحدث يجب استفصال صاحبه"(1).
قال "فمن قال ينزل فيتحرك وينتقل من مكان إلى آخر، أو يفرغ منه ليشغل آخر؟ فهذا كله باطل قطعاً يجب أن ينزه الله عنه"(2).
وذكر أن "تلك العبارات من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، وفي إثباتها إثبات حق وباطل، فيُمنع من كلا الإطلاقين بخلاف النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل …" ولهذا كان السلف لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل. بخلاف كلام الله ورسوله فإنه يجب قبوله وإن لم يفهم معناه.."(3).
- قال "فالمعتزلة عندما ينزهون الباري عن الأعراض والحدود والأحياز والجهات والجسمية لا يقصدون تنزيه الباري عما يجب تنزيهه عنه … وإنما يُدخلون في مضامينها نفي ما أثبته الله لنفسه وأاثبته رسوله من صفات الكمال.
فإذا قالوا "إن الله منزه عن الأعراض لم يكن في ظاهر العبارة ما يُنكر لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منزه عن الاستحالة والفساد كالأعراض التي تعرض لبني آدم من الأمراض، ولا ريب أن الله منزه عن ذلك، ولكن مقصودهم أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها أعراضاً.
وإذا قالوا: إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات: أوهموا الناس أن مقصودهم بذلك أن لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه المصنوعات. وهذا المعنى صحيح. ومقصودهم: أنه ليس فوق السماوات رب ولا على العرش إله، وأن محمداً لم يعرج به إليه، ولم ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء.